سوريا والأردن.. لقاء الضرورة والمصير المشترك
تاريخ النشر: 25th, February 2025 GMT
#سواليف
#سوريا و #الأردن.. لقاء الضرورة والمصير المشترك
بقلم: أ.د. محمد تركي بني سلامة
لا يمكن للأردن أن يكون على الحياد حين يتعلق الأمر بسوريا، تمامًا كما لا يمكن لسوريا أن تتجاهل الأردن. فالعلاقة بين البلدين ليست مجرد علاقات دبلوماسية عابرة، بل هي روابط ضاربة في عمق التاريخ والجغرافيا والمصير المشترك.
لقد دفع الشعب السوري ثمنًا باهظًا في سبيل حريته وكرامته، وتحمل الأردن جزءًا كبيرًا من هذا العبء، حين فتح حدوده وقلوبه لاستقبال مئات الآلاف من اللاجئين السوريين، الذين وجدوا في الأردن ملاذًا آمناً، رغم التحديات الاقتصادية والأمنية التي رافقت هذا الاحتضان الإنساني. واليوم، فإن ملف اللاجئين يجب أن يكون في صدارة القضايا التي تُطرح في هذا اللقاء، على قاعدة الاحترام المتبادل والبحث عن حلول عادلة تحفظ كرامة اللاجئين، دون أن تشكل عبئًا دائمًا على الأردن الذي قدّم الكثير، ولم يعد يحتمل المزيد.
لكن العلاقة بين عمان ودمشق لا يجب أن تُختزل في ملف اللاجئين فقط، فهناك قضايا جوهرية أخرى لا تقل أهمية، وعلى رأسها حقوق الأردن المائية، التي تراجعت بشكل خطير بسبب التغيرات المناخية والسياسات المائية غير المتوازنة في المنطقة. يجب أن يكون هناك حوار واضح وشفاف حول هذا الملف، يضمن للأردن نصيبه العادل من المياه، بعيدًا عن أي تلاعب أو مساومة، لأن المياه ليست مجرد مورد طبيعي، بل هي قضية أمن قومي واستقرار داخلي.
ومن القضايا التي لا يمكن تجاهلها أيضاً، دور الأردن في المصالحة الوطنية السورية، فعمّان لم تكن يومًا طرفًا في الأزمة، لكنها كانت وستظل حريصة على وحدة سوريا أرضًا وشعبًا، وعلى عودتها إلى دورها الطبيعي عربيًا وإقليميًا. إن الأردن بما يمتلكه من خبرة سياسية وعلاقات إقليمية، يمكن أن يكون وسيطًا نزيهًا في تحقيق المصالحة بين مختلف الأطراف السورية، بما يضمن استعادة الاستقرار، وتهيئة الأجواء لإعادة الإعمار، التي لن تكون مسؤولية سوريا وحدها، بل مسؤولية كل من آمن بعروبة هذا البلد وحق شعبه في العيش الكريم.
أما الملف الأمني، فهو أكثر تعقيدًا وحساسية، لكنه لا يحتمل التأجيل أو المجاملات. الحدود بين الأردن وسوريا كانت لسنوات طويلة مصدر قلق بسبب التهريب، وخاصة المخدرات التي أصبحت خطرًا وجوديًا يهدد أمن الأردن وشبابه. لا يمكن لأي تقارب حقيقي أن يتم دون معالجة جذرية لهذه القضية، وإيجاد آليات فعالة لضبط الحدود ومنع تحويل سوريا إلى نقطة انطلاق لعصابات التهريب المنظمة. هذه ليست قضية أردنية فقط، بل قضية إقليمية يجب التعامل معها بحزم ومسؤولية مشتركة.
إن المسافة بين عمان ودمشق أقرب من المسافة بين دمشق وإسطنبول، بل أقرب من المسافة بين دمشق وحلب أو بين عمان والعقبة. وهذا ليس مجرد حساب بالكيلومترات، بل هو تعبير عن حقيقة سياسية واجتماعية وثقافية راسخة. الأردن وسوريا يشتركان في أكثر من مجرد حدود، فهما امتداد طبيعي لبعضهما البعض، والرهان على عزلهما عن بعض هو رهان خاسر، لأنه يناقض منطق التاريخ والجغرافيا.
ولا يمكن أن يمر هذا اللقاء دون استذكار القضية المركزية التي جمعت الأردن وسوريا عبر التاريخ، وهي القضية الفلسطينية. فقد امتزجت دماء الأردنيين والسوريين دفاعًا عن القدس، وخاضوا معارك العروبة معًا في وجه الاحتلال الإسرائيلي، ووقفوا صفًا واحدًا في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني. واليوم، لا يمكن أن يكون أي تقارب بين البلدين بمعزل عن التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية، ولا عن محاولات تصفية حقوق الشعب الفلسطيني عبر مشاريع سياسية مشبوهة تستهدف طمس هويته وحقه المشروع في دولته المستقلة.
اليوم، ونحن نفتح صفحة جديدة مع سوريا، فإننا نأمل أن تكون هذه الزيارة بوابة لمرحلة مختلفة، قوامها الحوار الصادق، والتعاون الحقيقي، والتفاهم القائم على المصالح المشتركة. إن القيادة الهاشمية، بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، كانت دائمًا داعمة لسوريا وشعبها، إيمانًا بوحدة المصير وروابط الأخوة، واليوم نجدد هذا الالتزام، ليس من باب المجاملة الدبلوماسية، بل من منطلق الإيمان العميق بأن أمن سوريا واستقرارها هو جزء لا يتجزأ من أمن الأردن واستقراره.
أهلاً وسهلاً بالقائد السوري أحمد الشرع في وطنه الثاني، الأردن، أرض العروبة والمروءة، ورافعة القضايا القومية الكبرى.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف الأردن لا یمکن أن یکون
إقرأ أيضاً:
التوزيع الوظيفي.. بين الواقع والاعتبارات الإنسانية
عباس المسكري
مهنة التعليم والتمريض ليست مجرد وظائف، بل هي رسائل حياة تُكتب بأيدي أولئك الذين يكرسون أرواحهم لخدمة الآخرين، إنهم المعلمون والممرضون الذين يقفون في الصفوف الأمامية، ليزرعوا الأمل في عيون الأجيال ويهدوا العناية لمن هم في أمس الحاجة إليها.
وهذه المهن تتجاوز كونها وظائف يومية، فهي لبنة أساسية في بناء المجتمعات؛ فالعقول تُصاغ والكفاءات تُبنى على أيدي هؤلاء الأبطال الذين يضعون علمهم وحبهم في خدمة الإنسان، ومع ذلك، لا بد من أن يُحاط هؤلاء الكوادر بالعناية والدعم، بدءًا من لحظة تعيينهم، ليحظوا بالاستقرار النفسي والإجتماعي الذي يعزز قدرتهم على العطاء المتواصل، فتُثمر جهودهم وتظل بصماتهم حاضرة في كل زاوية من زوايا المجتمع.
في قلب كل قرار إداري، هناك إنسانٌ يعيش تحديات قد تكون أكبر من مجرد إنتقال جغرافي، في واقع الحال، يُعيّن العديد من المعلمين والممرضين في أماكن نائية، على بُعد مئات الكيلومترات عن موطنهم، رغم وجود شواغر في مناطقهم أو تلك القريبة منها، فليس مجرد تحديد مكان العمل هو ما يحكم حياة هؤلاء، بل التحديات النفسية والإجتماعية التي يتعرضون لها، فالموظف الذي يُجبر على ترك أسرته، خصوصًا في حالات العناية بالوالدين المسنين أو تربية الأطفال الصغار، يصبح في صراع مستمر بين إلتزامه الوظيفي ومسؤولياته الأسرية، وفي هذا التباعد بين الواجبين، يتشكل عبء لا يمكن تحمله بسهولة، إذ يمتد الشعور بالوحدة والقلق ليُحاصر الموظف، مما ينعكس سلبًا على أدائه وجودة العطاء الذي يقدم.
وتظل الغُربة القسرية عن الأهل، ذلك الشعور الذي يثقل قلب الموظف، ويجعل روحه تتيه بين أبعاد العمل وحنين الوطن، وما أن تبتعد المسافة بينه وبين من يحب، حتى يصبح القلق رفيقًا دائمًا، يعبث بصفو عقله ويشوش على نقاء قلبه، وهذا التشتت النفسي لا يمر دون أثر، فهو يخلق فراغًا في داخله، يتراءى له كظلال داكنة تحجب ضوء شغفه، فتتضاءل همته، وتتراجع رغبة العطاء، ومن هنا، قد يكون لهذا العبء الثقيل أن يفتك بجودة العمل، بل يصل ببعضهم إلى حدود فقدان الأمل والإنسحاب من الميدان، رغم أن فؤادهم مليء بعشق المهنة ورغبة صادقة في تقديم كل ما هو نافع ومؤثر.
تبدو هذه القضية، للوهلة الأولى، مسألة إدارية بحتة، لكنها في حقيقتها تتجاوز الأرقام والجداول إلى أعماق إنسانية وإجتماعية لا يمكن إغفالها، فالموظف ليس مجرد إسم في كشف توزيع، بل هو إنسان يحمل بين جنباته آمالًا وأحلامًا، ويدير حياة مليئة بالتحديات والتضحيات، إنه لا يعيش في معزل عن محيطه، بل ينتمي إلى أسرة وأرض وأحبة، يواجه مسؤولياتهم وتطلعاتهم، وإن هذه الأبعاد الإنسانية يجب أن تكون جزءًا لا يتجزأ من قرارات صُنّاع القرار، إذ لا يمكننا النظر إلى الموظف كقطعة من آلة العمل، بل يجب أن نراه كعنصر حي ينبض بالحب والواجب، ويستحق كل الإهتمام والرعاية التي تضمن له التوازن بين واجبه المهني وأسرته.
ومن هنا، نتوجه بقلوب مملوءة بالثقة والتقدير إلى أصحاب القرار، نناشدهم برحابة صدرهم وسمو نظرتهم أن يُدرجوا البُعد الإنساني ضمن إعتبارات التوزيع الوظيفي، فالموظف ليس آلة إنتاج، بل روح تُثمر حين تزرع في بيئة قريبة من أهلها، آمنة في حضن أسرتها، وإن تمركز الموظف في محيطه الجغرافي لا يُسهم فقط في إستقراره النفسي والإجتماعي، بل يُعزز إحساسه بالإنتماء، ويضاعف من جودة عطائه، ويقوي أواصر العلاقة بينه وبين المجتمع الذي يخدمه.
إن مراعاة الظروف الإنسانية في التوزيع الوظيفي للمعلمين والممرضين ليس مطلبًا إداريًا فحسب، بل استثمار في مستقبل المجتمع ، فاستقرارهم النفسي والاجتماعي يُترجم إلى عقول مُبدعة وأيادٍ حانية تُشكل أجيالًا وتُعافي أرواحًا، لذا ندعو إلى سياسات تُحقق هذا التوازن، ليظل هؤلاء الأبطال شعلة تنير دروب التقدم الوطني.