السياسة المصرية تجاه السودان- احتواء أم دعم مشروط؟
تاريخ النشر: 25th, February 2025 GMT
لا يمكن فصل الموقف المصري من الأزمة السودانية عن سياق أوسع من المصالح الإقليمية والاستراتيجية التي تحكم علاقات القاهرة بالخرطوم. فمنذ اندلاع الصراع، بدت مصر وكأنها تتعامل مع السودان باعتباره امتدادًا جيوسياسيًا يجب ضبطه ضمن رؤية مصرية لا تتقبل التحولات السياسية التي قد تخرج عن السيطرة أو تفرز واقعًا جديدًا لا يخدم مصالحها.
الأسباب الجيوسياسية والاستراتيجية
تعود جذور التوجُّه المصري إلى عوامل تاريخية وجيوسياسية متشابكة. فالسودان يشكل حاجزًا أمنيًا جنوبيًا لمصر، خاصة مع امتداد الحدود المشتركة لـ1,276 كم، والتي تخشى القاهرة من أن تتحول إلى ممر لأزمات إنسانية أو أمنية في حال تفاقم الصراع. كما أن العلاقة الوثيقة بين نهر النيل ومصير البلدين تجعل من السودان شريكًا محوريًا في ملف سد النهضة الإثيوبي، حيث تسعى مصر لضمان عدم انحياز الخرطوم إلى أديس أبابا، وهو ما يفسر حرصها على تعزيز التحالف مع النخبة العسكرية الحاكمة في السودان.
تصريحات الوزير عبد العاطي: رفض التعددية السياسية
تصريحات وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي برفض تشكيل أي حكومة موازية في السودان تكرّس هذا المنحى؛ إذ إنها تعكس حرص القاهرة على إبقاء السودان تحت الإطار الحكومي القائم، رغم أنه لا يعبّر عن التوافق الوطني بقدر ما يعبر عن مخرجات الحرب. هذا الموقف، الذي جاء خلال الاجتماع الأول لآلية التشاور السياسي بين مصر والسودان منذ سبع سنوات، يطرح تساؤلات حول الدور الذي تسعى القاهرة للعبه في تحديد مستقبل الحكم بالسودان. خلف هذا الرفض مخاوف مصرية من صعود قوى سياسية جديدة قد تعيد إنتاج نموذج "حكم الإخوان المسلمين" – كما حدث في السودان خلال حكم عمر البشير – أو تفتح الباب لتدخلات إقليمية منافسة (كتركيا أو قطر)، ما يهدد النفوذ المصري.
بين إعادة الإعمار والمصالح الاقتصادية
البيان المشترك الصادر عقب الاجتماع يضع "إعادة الإعمار" كأحد محاور التعاون بين البلدين، وهو طرح يحمل أبعادًا اقتصادية تتجاوز مجرد الدعم الإنساني. فالحديث عن تشكيل فريق مشترك لدراسة التجارب الدولية في إعادة الإعمار، وتعزيز الاستثمارات المصرية في السودان، يعكس توجهًا مصريًا للاستفادة من الوضع الراهن لتعزيز نفوذها الاقتصادي، وهو ما ظهر في ملتقى رجال الأعمال المصري السوداني الذي انعقد بالقاهرة.
لكن هذه المساهمة المصرية في إعادة الإعمار تأتي مشروطة بقبول الحكومة السودانية الحالية دون السماح بأي أطر سياسية أخرى قد تتعارض مع هذا التوجه. وهو ما يفسر سعي مصر لإعاقة أي ترتيبات سياسية بديلة مثل تلك التي كانت تُناقش في نيروبي لتشكيل تحالف سياسي يضم القوى غير المنخرطة في الحرب. خلف هذا الشرط رغبة مصرية في تحويل السودان إلى سوق مفتوح للشركات المصرية (خاصة في قطاعات البناء والطاقة)، وهو ما تحقق جزئيًا عبر اتفاقيات استثمارية بلغت قيمتها مليارات الدولارات قبل الحرب.
الرهان على الجيش وإقصاء الحلول السياسية
من الواضح أن مصر تراهن بشكل كامل على بقاء المؤسسة العسكرية كفاعل رئيسي وحيد في المشهد السوداني، وهو ما أكده وزير الخارجية السوداني في المؤتمر الصحفي حين قال إن "الحرب في السودان لن تنتهي إلا بانتصار القوات المسلحة". هذا التصريح يعكس رؤية متماهية مع الموقف المصري، الذي طالما اعتبر أن الحفاظ على الجيش السوداني كقوة مهيمنة هو الضمان الأساسي لاستقرار السودان وفق الرؤية المصرية.
خلف هذا الرهان أسباب متعددة:
التجربة التاريخية: اعتادت مصر التعامل مع المؤسسة العسكرية السودانية كطرف موثوق به منذ عهد جعفر النميري، ما عزز قناعة بأن الجيش هو الضامن الوحيد لعدم انزلاق السودان إلى الفوضى.
مواجهة الإسلام السياسي: تُنظر إلى القوى المدنية، خاصة ذات الخلفية الإسلامية، كتهديد محتمل للأمن القومي المصري، خاصة بعد تجربة حكم الإخوان في مصر (2012-2013).
الحفاظ على التحالفات الإقليمية: يُمكِّن دعم الجيش السوداني مصر من توحيد المواقف مع حلفائها التقليديين (مثل السعودية والإمارات)، الذين يشاركونها التوجس من التغيير السياسي الجذري في المنطقة.
القضايا الإقليمية: البحر الأحمر والمياه كأوراق ضغط
الملفات الأخرى التي ناقشها الاجتماع، مثل أمن البحر الأحمر والحقوق المائية، تكشف عن حرص مصر على تأمين مصالحها الإقليمية من خلال السودان. فالتأكيد على رفض التدخل الأجنبي في البحر الأحمر، والسعي لحشد الدعم لموقف مشترك بشأن سد النهضة، يوضح كيف أن مصر ترى السودان كحليف ينبغي ضبط مواقفه بما يخدم الاستراتيجية المصرية، لا كشريك متكافئ.
البحر الأحمر: تسعى مصر لتعزيز وجودها في هذا الممر الاستراتيجي، خاصة مع تنافس تركيا والإمارات على النفوذ فيه.
سد النهضة: يحتاج الموقف المصري إلى دعم سوداني لمواجهة الموقف الإثيوبي، وهو ما يجعل مصر حريصة على ألا تتنازل الخرطوم عن مطالبها التاريخية في تقاسم مياه النيل.
شراكة أم احتواء؟
الطرح السياسي المصري في قضايا السودان يبدو، في جوهره، محاولة لاحتواء السودان كأرض وثروة، وليس دعماً خالصًا لتحقيق الاستقرار وفق إرادة السودانيين أنفسهم. فبينما تتحدث مصر عن الحفاظ على وحدة السودان واستقراره، فإن مواقفها العملية تعكس سياسة تهدف لضمان عدم خروج السودان عن النفوذ المصري، ولو كان ذلك على حساب حلول سياسية أكثر شمولًا واستدامة.
إن معالجة الأزمة السودانية تتطلب مقاربة أكثر توازنًا تأخذ في الاعتبار تعقيدات المشهد السوداني، بدلًا من فرض رؤى خارجية قد لا تعكس المصالح الحقيقية للشعب السوداني. ومع ذلك، يبدو أن مصر، في سعيها لموازنة مخاوفها الأمنية والاقتصادية، تفضل "استقرارًا هشًا" تحت سيطرة الجيش على مخاطرة التحول الديمقراطي الذي قد يفتح الباب لقوى تعتبرها معادية.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: إعادة الإعمار البحر الأحمر فی السودان وهو ما
إقرأ أيضاً:
الإعلام السوداني والتحديات التي تواجهه في ظل النزاع .. خسائر المؤسسات الاعلامية البشرية والمادية
خاص سودانايل: دخلت الحرب السودانية اللعينة والبشعة عامها الثالث ولا زالت مستمرة ولا توجد أي إشارة لقرب انتهاءها فكل طرف يصر على أن يحسم الصراع لصالحه عبر فوهة البندقية ، مات أكثر من مائة ألف من المدنيين ومثلهم من العسكريين وأصيب مئات الالاف بجروح بعضها خطير وفقد معظم المصابين أطرافهم ولم يسلم منها سوداني فمن لم يفقد روحه فقد أعزً الاقرباء والأصدقاء وكل ممتلكاته ومقتنياته وفر الملايين بين لاجئ في دول الجوار ونازح داخل السودان، والاسوأ من ذلك دفع الالاف من النساء والاطفال أجسادهم ثمنا لهذه الحرب اللعينة حيث امتهنت كرامتهم واصبح الاغتصاب احدى وسائل الحرب القذرة.
خسائر المؤسسات الاعلامية البشرية والمادية:
بالطبع كان الصحفيون السودانيون هم أكثر من دفع الثمن قتلا وتشريدا وفقدا لأعمالهم حيث رصدت 514 حالة انتهاك بحق الصحفيين وقتل 21 صحفي وصحفية في مختلف أنحاء السودان اغلبهن داخل الخرطوم وقتل (5) منهم في ولايات دارفور بعضهم اثاء ممارسة المهنة ولقى 4 منهم حتفهم في معتقلات قوات الدعم السريع، معظم الانتهاكات كانت تتم في مناطق سيطرتهم، كما فقد أكثر من (90%) من منتسبي الصحافة عملهم نتيجة للتدمير شبه الكامل الذي الذي طال تلك المؤسسات الإعلاميّة من صحف ومطابع، وإذاعات، وقنوات فضائية وضياع أرشيف قيم لا يمكن تعويضه إلى جانب أن سلطات الأمر الواقع من طرفي النزاع قامت بالسيطرة على هذه المؤسسات الاعلامية واضطرتها للعمل في ظروفٍ أمنية، وسياسية، بالغة التعقيد ، وشهد العام الماضي وحده (28) حالة تهديد، (11) منها لصحفيات ، وتعرض العديد من الصحفيين للضرب والتعذيب والاعتقالات جريرتهم الوحيدة هي أنهم صحفيون ويمارسون مهنتهم وقد تم رصد (40) حالة اخفاء قسري واعتقال واحتجاز لصحفيين من بينهم (6) صحفيات ليبلغ العدد الكلي لحالات الاخفاء والاعتقال والاحتجاز منذ اندلاع الحرب إلى (69) من بينهم (13) صحفية، وذلك حسب ما ذكرته نقابة الصحفيين في بيانها الصادر بتاريخ 15 أبريل 2025م بمناسبة مرور عامين على اندلاع الحرب.
هجرة الاعلاميين إلى الخارج:
وتحت هذه الظروف اضطر معظم الصحفيين إلى النزوح إلى بعض مناطق السودان الآمنة داخل السودان منهم من ترك مهنة الصحافة ولجأ إلى ممارسة مهن أخرى، والبعض الاخر غادر إلى خارج السودان إلى دول السودان حيث اختار معظمهم اللجوء الى القاهرة ويوغندا وكينيا أو اللجوء حيث يمكنهم من ممارسة أعمالهم الصحفية هناك ولكن أيضا بشروط تلك الدول، بعض الصحفيين الذين لجأوا إلى الخارج يعيشون أوضاع معيشية وانسانية صعبة.
انتشار خطاب الكراهية والأخبار الكاذبة والمضّللة
ونتيجة لغياب دور الصحافة المسئولة والمهنية المحايدة عمل كل طرف من أطراف النزاع على نشر الأخبار والمعلومات الكاذبة والمضللة وتغييب الحقيقة حيث برزت وجوه جديدة لا علاقة لها بالمهنية والمهنة تتبع لطرفي الصراع فرضت نفسها وعملت على تغذية خطاب الكراهية والعنصرية والقبلية خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وجدت الدعم والحماية من قبل طرفي الصراع وهي في مأمن من المساءلة القانونية مما جعلها تمعن في رسالتها الاعلامية النتنة وبكل أسف تجد هذه العناصر المتابعة من الالاف مما ساعد في انتشار خطابات الكراهيّة ورجوع العديد من أفراد المجتمع إلى القبيلة والعشيرة، الشئ الذي ينذر بتفكك المجتمع وضياعه.
منتدى الإعلام السوداني ونقابة الصحفيين والدور المنتظر منهم:
ولكل تلك الاسباب التي ذكرناها سابقا ولكي يلعب الاعلام الدور المناط به في التنوير وتطوير قطاع الصحافة والاعلام والدفاع عن حرية الصحافة والتعبير ونشر وتعزيز قيم السلام والمصالحة وحقوق الانسان والديمقراطية والعمل على وقف الحرب تم تأسيس (منتدى الاعلام السوداني) في فبراير 2024م وهو تحالف يضم نخبة من المؤسسات والمنظمات الصحفية والاعلامية المستقلة في السودان، وبدأ المنتدى نشاطه الرسمي في ابريل 2004م وقد لعب المنتدى دورا هاما ومؤثرا من خلال غرفة التحرير المشتركة وذلك بالنشر المتزامن على كافة المنصات حول قضايا الحرب والسلام وما يترتب عليهما من انتهاكات إلى جانب التقاير والأخبار التي تصدر من جميع أعضائه.
طالب المنتدى طرفي النزاع بوقف القتال فورا ودون شروط، وتحكيم صوت الحكمة والعقل، وتوفير الحماية للمدنيين دون استثناء في كافة أنحاء السودان، كما طالب طرفي الصراع بصون كرامة المواطن وحقوقه الأساسية، وضمان الحريات الديمقراطية، وفي مقدمتها حرية الصحافة والتعبير، وأدان المنتدى التدخل الخارجي السلبي في الشأن السوداني، مما أدى إلى تغذية الصراع وإطالة أمد الحرب وناشد المنتدى الاطراف الخارجية بترك السودانيين يقرروا مصيرهم بأنفسهم.
وفي ذلك خاطب المنتدى المجتمع الدولي والاقليمي بضرورة تقديم الدعم اللازم والمستدام لمؤسسات المجتمع المدني السوداني، خاصة المؤسسات الاعلامية المستقلة لكي تقوم بدورها المناط بها في التنوير ورصد الانتهاكات، والدفاع عن الحريات العامة، والتنديد بجرائم الحرب المرتكبة ضد المدنيين، والمساهمة في جهود تحقيق العدالة والمصالحة الوطنية.
وكذلك لعبت نقابة الصحفيين السودانيين دورا هاما أيضا في رصد الانتهاكات التي طالت الصحفيين والمواطنين حيث أصدرت النقابة 14 تقريرًا يوثق انتهاكات الصحفيين في البلاد.
وقد وثّقت سكرتارية الحريات بنقابة الصحفيين خلال العام الماضي 110 حالة انتهاك ضد الصحفيين، فيما بلغ إجمالي الانتهاكات المسجلة منذ اندلاع النزاع في السودان نحو 520 حالة، من بينها 77 حالة تهديد موثقة، استهدفت 32 صحفية.
وأوضحت النقابة أنها تواجه صعوبات كبيرة في التواصل مع الصحفيين العاملين في المناطق المختلفة بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة وانقطاع الاتصالات وشبكة الانترنت.
وطالبت نقابة الصحفيين جميع المنظمات المدافعة عن حرية الصحافة والتعبير، والمنظمات الحقوقية، وعلى رأسها لجنة حماية الصحفيين، باتخاذ إجراءات عاجلة لضمان أمن وسلامة الصحفيين السودانيين، ووقف حملات التحريض الممنهجة التي تشكل انتهاكًا صارخًا للمواثيق الدولية التي تكفل حماية الصحفيين في أوقات الحروب والنزاعات المسلحة.
خطورة ممارسة مهنة الصحافة في زمن الحروب والصراعات
أصبح من الخطورة بمكان أن تمارس مهنة الصحافة في زمن الحروب والصراعات فقد تعرض كثير من الصحفيين والصحفيات لمتاعب جمة وصلت لحد القتل والتعذيب والاعتقالات بتهم التجسس والتخابر فالهوية الصحفية أصبحت مثار شك ولها تبعاتها بل أصبح معظم الصحفيين تحت رقابة الاجهرة الامنية وينظر إليهم بعين الريبة والشك من قبل الاطراف المتنازعة تهمتهم الوحيدة هي البحث عن الحقيقة ونقلها إلى العالم، ولم تسلم أمتعتهم ومنازلهم من التفتيش ونهب ومصادرة ممتلكاتهم خاصة في المناطق التي تقع تحت سيطرة الدعم السريع.