لماذا يفضل السياسيون في السودان تعقيد الحلول بدلاً من تبسيطها ؟
تاريخ النشر: 25th, February 2025 GMT
يُعتبر قرار تشكيل حكومة موازية الذي نتج عن مؤتمر قوى المعارضة بالعاصمة الكينية نيروبي تطورًا بالغ الأهمية في مسار الأزمة السودانية و خطوة غير مسبوقة في التاريخ السياسي السوداني الحديث. ذلك لأنه لم يُسجل في أي مرحلة من مراحل الصراع بين الحكومة المركزية والمعارضة السودانية ( قوى سياسية أو حركات الكفاح المسلح ) ان تم اتخاذ مثل هكذا قرار.
و يسجل التاريخ ان الجبهة الوطنية ضد نظام مايو، و التي اتخذت من ليبيا قاعدة لتدريب جيشها ومنطلقًا لشن هجومها على الخرطوم في الغزوة المشهورة بهجوم المرتزقة في سبعينات القرن الماضي. و بالرغم من معارضته العنيفة لنظام نميري الا انها لم تتبنى حينها خيار إنشاء حكومة منفى واظن مرد ذلك لتقدير السياسيين السودانيين في ذلك الوقت خطورة هكذا قرار على مستقبل السودان باعتباره مدخل لمشروع تقسيم الدولة السودانية.
كما أن تاريخ الصراع بين الحكومة المركزية وحركات الكفاح المسلح، منذ بداية الحرب الأهلية في الجنوب و مرورا بدارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة وشرق السودان، لم يشهد ان اتجهت أي حركة مسلحة نحو إنشاء حكومة موازية في مناطق سيطرتها. وعلى الرغم من أن تلك المناطق ظلت لفترة طويلة خارج سيطرة الحكومة المركزية بشكل فعلي .
كان للانفصال تأثير عميق على السودان من الناحية التاريخية، حيث أسفر عن تداعيات كبيرة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. من أبرزها تغيير الخريطة الجيوسياسية للبلاد، إذ فقدت الدولة المركزية السيطرة على مساحات شاسعة من أراضيها وسكانها وسلطتها السياسية.
كما أدى الانفصال إلى نزوح ملايين الأشخاص، سواء من الجنوب إلى الشمال أو بالعكس، مما خلق أزمة إنسانية كبيرة أثرت على العديد من العائلات التي كانت تعيش على جانبي الحدود.
علاوة على ذلك، ساهم الانفصال في إضعاف الهوية الوطنية في السودان، حيث تجدد الصراع المرتكز على جدل الهوية السودانية هل هي أفريقية أم عربية إسلامية و اطروحات المركز و الهامش و عدالة تقسيم الثروة والسلطة واستمرت النزاعات المسلحة في مناطق جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور وشرق السودان .
تستمر تجربة الانفصال بين الشمال والجنوب، التي عاشها السودانيون في كلا الدولتين، في التأثير بشكل كبير على الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلدين. و يبقى السؤال:
لماذا يفضل السياسيون في السودان تعقيد الحلول بدلاً من تبسيطها ؟ هذا التساؤل موجه لكلا الطرفين:
الجيش، الذي يمثل الإسلاميين الذين يستعدون للعودة إلى كراسي السلطة حاضنته الشرعية ،
والدعم السريع، الذي تمثل القوى الموقعة في نيروبي شرعيته الجديدة للحكم .
yousufeissa79@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
السودان لن يعود كما كان لأن الحرب نفسها بثت وعيا جديدا يفرض الحلول الجذرية
من احاجي الحرب ( ١٣٧٣٧ ):
○ كتب: أ. Alaadin Mahmoud
بذات النعومة التي عرفت بها كتاباتهم خلال الحرب، تسير وتيرة مقالاتهم عن الحكومة الموازية يحذرون من السخرية منها ويدعون للتعامل معها بجدية، طبعا ذلك من أجل تسويق الاعتراف بهذه الحكومة التي هي في الأساس تمثل تجمعا للحرب موازي وليس للسلام.
إن خطورة الحكومة الموازية لا تحتاج إلى مثل هذه التنبيهات المنحازة بنعومة، لأنها نتاج طبيعي لفشل كبير ليس سببه فقط الحكومة الحالية بل كل أنظمة الدولة القديمة المتعاقبة التي بقدر ما انتجت تهميشا وفقرا انتجت في ذات الوقت ممثلين زائفين ومثقفين أكثر زيفا.
الدعم السريع لا قضية له غير السلطة، وفي هذا السياق أضحكني مقال لأحد المثقفين يشير فيه إلى أن الدعم كان بلا قضية ولكنه الآن في وضع مختلف “يعني الدعم اتصرف عمل ليهو قضية”، وهذا أمر مضحك ويستحق السخرية هو الآخر، ويقف دليلا على نوعية مثقفي وأفندية الدولة القديمة الذين يعملون من أجل مصالحهم الخاصة في كل الأوقات بانتهازية لا سقف لها على الاطلاق، اخر همهم هو الناس.
إن السخرية التي انطلقت ضد حكومة نيروبي أثارتها المفارقات القاتلة والمثيرة للشفقة والحزن وكل المشاعر السالبة، قوى تدعي أنها ثورية ومنحازة للمهمشين وتنشد العدالة تقف إلى جانب قوى كان الهدف من تشكيلها على يد نظام الكيزان هو البطش بها؛ أي بتلك القوى التي تدعي الثورية.
وذلك يؤكد حديثنا السابق عندما أرادت الحكومة الانتقالية أن تعقد اتفاق سلام مع الحركات الحاملة للسلاح بذات طريقة نظام اليشير بإغراء المناصب والمحاصصة، ذكرنا حينها أن معظم تلك الحركات هي ممثل مزيق لواقع حقيقي، لقضية حقيقية هي قضية التهميش والاقصاء.
صحيح أن واقع السودان لن يكون كما في السابق بأي حال من الأحوال، والمرجح من تلك الأحوال هو أن تلك الحكومة لن تكون سوى كرت ضغط ناجح بالفعل في عملية الدخول لتفاوض بزخم أكبر من أجل شراكة جديدة تنعى الحل الثوري وتحافظ على الدولة القديمة.
لكن السودان لن يعود كما كان لأن الحرب نفسها بثت وعيا جديدا يفرض الحلول الجذرية التي تطيح بدولة الظلم وذلك سيكون عبر الحل الثوري الشعبي من قبل الجماهير التي من مصلحتها التغيير ضد الدولة القديمة وضد الممثلين الزائفين سواء الذين يدعون المبدئية أو الذين يبحثون عن قضية يتبنونها.
إن السخرية التي يمارسها البعض قاتمة جدا، تخبئ خلفها وجع وألم، وذلك أمر لن يشعر به من كان مبلغ همهم هو أنفسهم التي يقلبونها بحسب “الظروف” المحلية والاقليمية والدولية، فمن الصعوبة أن يقتنعوا بالفطام من ثدي القارة العجوز والماما أمريكا الذي يدر حليب الفند.
إن التعامل بجدية وعدم السخرية الذي تقصده شلة الأفندية هو الذي يريد أن يضمن شرعية مفقودة لتلك الحكومة بقيادة الدعم السريع، شرعية قامت على القتل والتشريد.
يلعب هؤلاء الأفندية الدور الخطير والناعم في تمرير الأشياء بطريقة يتسرب معها إليك الظن الحسن بطيبة قلوبهم.
إنضم لقناة النيلين على واتساب