الازمة السودانية والجذور التاريخية للنخبة الحاكمة
تاريخ النشر: 25th, February 2025 GMT
تقرير : حسن اسحق/ استضاف منبر وعي المحامي والقانوني معتز المدني السكرتير السياسي للجبهة الديمقراطية للمحامين السودانيين ’’ السودان تحديات الحاضر وافاق المستقبل ‘‘ ، رغم مرور 69 عام علي استقلال السودان، ما زال القالب الاستعماري قائم، والصناعة التبعية للدولة مستمرة، وهيمنة أصحاب الامتيازات التاريخية قائمة بناء علي الطائفية والاستعلاء، وبناء علي التعصب الديني، و69 عاما، تفشت الحروب والتشظي والانقسام، مصاحب للعنصرية والتعصب والسودان تحت الرأسمالية الطفيلية والفساد وتبديد الثروة، وفرض سياسة البنك الدولي.
69 عاما، والدولة السودانية تعاني من الانقلابات، وأد الثورات، وتسييس الدين، وإهدار حقوق الإنسان، والسوداني يعاني من الديكتاتوريات، منذ نظام عبود، وجعفر نميري، ونظام الانقاذ بقيادة عمر البشير، وما تزال الديكتاتورية سارية، لم تشع نور الديمقراطية بعد، قطف ثمار الديمقراطية حتى هذه اللحظات، ونتج عن هذه الملامح، تخلف، وانفصال جنوب السودان، والمجاعات والفساد، والتهميش، وغياب العدالة، واشتعال النزاع في دارفور، والنيل الازرق، جنوب كردفان ’’ جبال النوبة‘‘.
ظهور الطوائف الدينية
يضيف معتز 69 عاما ورث السودان الابادات الجماعية والحروب، وهذا نتاج طبيعي لدولة رخوة، وفاشلة قابلة للزوال والتشظي، والانقسام، مشيرا إلى أن المنهج التحليلي لجذور الأزمة السودانية في الحقب التاريخية المتداخلة، تبرز فيها الجذور التاريخية للنخبة الحاكمة المسيطرة، أن النواة الأولى لتكوين الدولة السودانية، وفقا لاتفاقية الحكم الثنائي، بطريقة كانت فوقية، دون اي رابط دستوري أو عقد اجتماعي يشكل الحكم والمؤسسات الاستعمارية.
وأوضح معتز ان المستعمر اعتمد علي فئة في أم درمان ممثلة في فئة الجلابة، والتجار، وتجاوز المستعمر كل الرعاة والمزارعين والطبقات الأخرى الموجودة، وتم هذا بناء علي انتصار مشروعية الاستعمار علي الدولة المهدية، وقتها ظهرت النخبة البرجوازية الواعية للتجار حسب خبراتهم العملية في مجال التجارة السابقة، هذه النواة الاولى، يمكن ان تكون بأي حال من الأحوال تعتبر عن دستور أو قيام وصناعة دستور يحكم البلد، والانظمة السياسية للدولة، والأنظمة التشريعية، لأنه قام بضرورة وفقه مشروعية الانتصار.
أضاف معتز بعد فترة من هذه الاحداث، بدأ ظهور الطائفية، لاسباب عديدة، اهمها عدم الشعور بالانتماء للدولة الاستعمارية الأولى، وفضلت الأغلبية النزوع إلى الطائفية الدينية الممثلة في المشايخ، وهذه الطبقة بالذات كانت موالية للاستعمار البريطاني، والتكوين الأول للدولة المتحكم فيها اقتصاد تجار، والاستعمار ساهم في تقوية هذه الفئات الطائفية والدينية، عبر العديد من العطايا، حينها ظهرت الاقطاعيات الزراعية المسيطرة، ودوائر المهدي للاملاك، ودوائر جنينة السيد علي للاملاك، ومجموعات كبيرة من الأراضي الزراعية والسكنية، هي من امتلكت الامتيازات الطائفية، اضافة الى وجود طبقة الافندية.
الفشل في إدارة التنوع في السودان
أشار معتز الي تكوين الأحزاب في تلك الفترة تحت العباءة الطائفية، من هنا بدأ التوسع الطبقي للنخبة المسيطرة، تكونت من فئة التجار لفئة ارستقراطية طائفية، وأصبحت التركيبة الطبقية للفئة المسيطرة، ومن هنا لا يمكن بأي حال من الأحوال، عمل عقد اجتماعي أو دستور في تلك الفترة، واوضح ان الطبقة الارستقراطية بحكم تركيبتها البرجوازية الطائفية، هي لا تقوى علي صناعة أي دستور يعبر عن مصالح الشعب الحقيقية، وفئات الشعب، والسودان به مجموعات متعددة الثقافات والاعراق والاديان، ولا يمكن للطبقة الطائفية تصنع او تحسن ادارة التنوع في السودان، ونتج في ذاك الوقت، دساتير لا تعبر عن ارادة الشعب، وكانت عرضة للتعديلات، ومجافيه للمسائل المتعلقة بالديمومة، واستمرارية الدساتير، والتجميد والإلغاء عبر الانقلابات العسكرية التي أعقبت فترة الاستقلال.
فترة تمدد الإسلام السياسي في البلاد
أشار معتز الي دستور 1956 الذي كان مستمدا من القانون الإداري البريطاني، ودستور آخر في عام 1958، في العسكرية الأولي للحكومة الانقلابية في فترة ابراهيم عبود، باعتباره اطاري غير متكامل، وكان ايضا القانون البريطاني، وفي عام 1973، كان أول دستور دائم، في فترة حكم جعفر نميري، ركز في نظام الحزب الواحد، وادخل الشريعة الاسلامية في عام 1983، وكانت هذه الفترة بدايات الأزمات الدستورية والسياسية في البلاد، ومنها بدأت فترة تسييس الدين، ودخول الاسلام السياسي بشكل افظع، وقبلها كانت في اصوات تنادي بالدستور الإسلامي، وانتقلت المشاكل بعدها إلى العديد من مناطق البلاد.
أشار معتز الي فترة الانتفاضة التي خلقت دستور انتقالي مؤقت، كل هذه الدساتير، هي دساتير تكاد أن تكون مؤقتة، وكل هذه الدساتير والاحكام عسكرية او غير عسكرية، كلها كانت تبنى علي المراسيم الدستورية التي كانت تصادر الحريات، وتلغي عمل التنظيمات السياسية في تلك الفترة، أما دستور 1986 لم يرى النور، بسبب الصراعات السياسية، ودستور 1998، حصل تطبيق الشريعة الإسلامية والدستور الإسلامي، هذا زاد من سلطات الرئيس وقتها عمر البشير، وفي 2005، جاءت اتفاقية السلام الشامل التي وضعت مسألة تقرير المصير، وتقاسم السلطة والثروة، وظهرت اهمية وثيقة الحقوق، وكانت اضافة ممتازة للدستور.
الدساتير بعيدة عن ارادة الشعب ومصالح الجماهير
أضاف معتز ان هذه الدساتير جاءت بطرق فيها العديد من العيوب، وكانت بعيدة عن صناعة الدستور، وارادة الشعب، ومصالح الجماهير، بل كانت دساتير لحماية الامتيازات التاريخية للطبقة الحاكمة، وفي هذه الدساتير كان في غياب كامل للتنوع الثقافي، والدولة المدنية، ولم تتم معالجة مسألة المركزية، ولم يوضع بشكل واضح مسألة مناهضة الانقلابات، ولم تعزز مسألة الديمقراطية، ولم تضع مسألة التنمية بشكل متوازن، وكانت الدساتير السابقة بعيدة جدا عن كل هذه القضايا الاساسية، وكيف يحكم السودان؟، ولم يجاوب عن حسن ادارة التنوع، والثقافات ومعالجة مسائل التهميش.
قال معتز ان السلطات التشريعية سواء كانت برلمانية او تأسيسية او ادارية، وكانت لا تعبر عن الشعب عبر ديمقراطية سليمة، بل كانت عناصر وجدت تحمي في مصالح الرأسمالية الطفيلية وأصحاب الامتيازات والنخب المتسلطة، والانظمة الديمقراطية كانت تأخذ الشكل الصوري او نتاج لتوجه ديني او اثني او ثقافة عربية مفروضة في تلك الفترات، هذا في ما يتعلق بالسلطات التي تنتج الدستور، وأن صناعة الدستور بتم خلال لجان، هي تضعه حسب مصالحها، ورؤيتها تعبر عن اللجان، في البرلمان يتم اجازة الدستور، او يتم الاستفتاء حول الدستور، في ذات الوقت، هذا الاستفتاء لا يعبر عن آمال وطموحات الشعب السوداني، باطرافه المختلفة، هي لا تطور التعاقد الجمعي أو المعرفي.
مشكلة النخب الحاكمة في ادارة الهويات والتباين الثقافي
أكد معتز ان مشكلة جنوب السودان كانت مشكلة النخبة الحاكمة في الخرطوم، وهي ليست مشكلة تتعلق بمسائل تعود إلى الاستعمار أو التقسيم، بل تتعلق بادارة الهويات، والتباين الثقافي، والمظالم التاريخية، ومشكلة توازن السلطة الثروة، تراكمت الازمة في الجنوب وجذورها، من دون مراعاة للحكم الفيدرالي في دستور الحكم الذاتي، في فترة ابراهيم عبود، و انتهجت سياسات التعريب، و اسلمة الجنوب، حتى ظهور قوانين سبتمبر في فترة الرئيس جعفر نميري، ظهرت الحلول العسكرية، والجهادية، وحدث اصطفاف مضاد، والحرب أخذت الطابع الديني، بعدها جاءت مجهودات مؤتمر اسمرا، واتفاقية السلام الشامل في نيفاشا، وتسبب المشروع الإسلامي في فصل جنوب السودان، هي مسؤولية تاريخية في جبين الجبهة الاسلامية.
أوضح معتز ان الجيش ما زال مسيطر للموارد والشركات الامنية وشركات الشرطة، وظهور شركات قوات الدعم السريع، هذه الأذرع خلقت اقتصاد موازي، للاقتصاد الرسمي، ما قاد أصحاب الهامش للرجوع الي العشائرية والمناطقية، وهذا ادي الي حروب عديدة في الأطراف، تتعلق بالموارد في سياقات تاريخية مختلفة، حينما هيمنت البرجوازية والطبقة الحاكمة، ادي ذلك الي التنمية غير المتوازنة، في نفس الوقت، خلقت جانب شاسع من التهميش، لأن الموارد الحقيقية والانتاج موجودة في الأطراف، واصحابها ليس لهم أي نوع من الخدمات والامتيازات.
أوضح معتز ان عدم التنمية خلق العديد من المآسي، والمشاكل والمظالم والتاريخية، السودان يحتاج إلى تأسيس جديد، وتوسيع مواعين التنمية، ودمج الأطراف المهمشة، اضافة الي ان السودان يحتاج الى العدالة الجغرافية، مع أبعاد القبيلة عن الدور البنيوي الموازي للدولة، واوضح الجبهة الديمقراطية كان موقفها رافض لتأسيس الجنجويد منذ 2003، والفظائع التي كان يرتكبها في عام 2005، باعتبارها مليشيا صممت وصنعت لقهر المناوئين لحكومة الانقاذ، ومناهضة كل الانتهاكات التي ارتكبت في دارفور، وحرق القري والتهجير والابادة الجماعية، وكان موقفا واضحا في مناهضة الدعم السريع، وحله، باعتباره مليشيا خارج الاطر العسكرية.
ishaghassan13@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: معتز ان فی فترة فی تلک فی عام
إقرأ أيضاً:
قوات الدعم السريع السودانية تتفق مع حلفائها على تشكيل حكومة عبر ميثاق جديد
قال السياسيان السودانيان، الهادي إدريس، وإبراهيم الميرغني، إنّ: "قوات الدعم السريع ستوقع ميثاقا مع جماعات سياسية ومسلّحة متحالفة معها، مساء اليوم السبت"، مبرزين أنهم من بين الموقعين على الميثاق.
وأوضح السياسيان، لوكالة "رويترز" أنّ الميثاق يأتي من أجل: "تأسيس حكومة سلام ووحدة في الأراضي التي تسيطر عليها القوات شبه العسكرية".
وقال إدريس إنّ: "من بين الموقعين على الميثاق والدستور التأسيسي، عبد العزيز الحلو الذي يسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي ولديه قوات في ولاية جنوب كردفان. ويطالب الحلو منذ فترة طويلة بأن يعتنق السودان العلمانية".
تجدر الإشارة إلى أن كينيا، قد استضافت المحادثات، خلال الأسبوع الماضي، مما أثار جُملة تنديدات من السودان وانتقادات داخلية في كينيا للرئيس وليام روتو، بسبب ما وصفه بـ"إدخال البلاد في صراع دبلوماسي".
وفي حرب مستمرة منذ ما يقرب من عامين، تسيطر قوات الدعم السريع على معظم منطقة دارفور بغرب البلاد، وعلى مساحات شاسعة من منطقة كردفان؛ فيما يتصدى لها الجيش السوداني في وسط البلاد، مندّدا في الوقت ذاته بتشكيل حكومة موازية.
وبحسب عدد من التقارير الإعلامية، فإنه: "من غير المتوقع أن تحظى مثل هذه الحكومة، والتي أثارت قلق الأمم المتحدة، باعتراف واسع النطاق. إذ يقول مقربون من الحكومة إن تشكيلها سوف يُعلن من داخل البلاد".
وفي السياق نفسه، كانت الولايات المتحدة، قد فرضت في وقت سابق من هذا العام، عقوبات على محمد حمدان دقلو المعروف بلقب "حميدتي"، قائد قوات الدعم السريع المتهمة بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق، بما في ذلك الإبادة الجماعية.
إلى ذلك، اندلعت الحرب في السودان، عقب خلافات بين قوات الدعم السريع والجيش بخصوص ما يرتبط باندماجهما خلال مرحلة انتقالية، كانت تهدف للتحول إلى الحكم الديمقراطي، وهو ما تسبّب في تدمير مساحات شاسعة من البلاد ودفعت نصف السكان إلى أزمة معيشية صعبة، جرّاء المجاعة.
كذلك، تعيش السودان أزمة صحية طارئة، إذ أعلنت شبكة أطباء السودان، السبت، عن تسجيل 1197 إصابة بوباء الكوليرا، بينها 83 حالة وفاة في ولاية النيل الأبيض، المتواجدة في جنوبي السودان، وذلك خلال اليومين الماضيين.
وأوضحت الشبكة الطبية (غير حكومية)، عبر بيان لها: "تسبب الانتشار الواسع لمرض الكوليرا بولاية النيل الأبيض في وفاة 83 شخصا، فيما أصيب 1197 شخصا، تعافى منهم 259 شخصا حتى مساء أمس الجمعة، وغادروا مستشفى كوستي (حكومي) بولاية النيل الأبيض".
وأشار البيان نفسه إلى أن "الوضع الصحي بولاية النيل الأبيض كارثي بسبب تفشي الوباء"؛ فيما دعت شبكة أطباء السودان، السلطات الصحية في البلاد، لفتح عدد من المراكز بسبب ضيق المستشفيات.
وفي سياق متصل، كانت السلطات السودانية، قد أعلنت الأربعاء الماضي، عن مقتل 6 أشخاص من أسرة واحدة، وإصابة 3 آخرين، وذلك بقصف مدفعي نفّذته قوات الدعم السريع على مدينة أم درمان، المتواجدة غربي العاصمة الخرطوم.
وأوضحت وزارة الصحة بولاية الخرطوم، في بيان، أن: "قوات الدعم السريع ارتكبت مجزرة جديدة في حق المدنيين باستهدافها الممنهج والمستمر للمواطنين المدنيين بمنطقة كرري بمدينة أم درمان غربي الخرطوم".
وبحسب البيان نفسه فإن: "القصف المدفعي الذي شنته اليوم أدى إلى وقوع مجزرة باستشهاد 6 أشخاص من أسرة واحدة، وإصابة 3 آخرين جراء وقوع القذائف داخل منزل الأسرة في حي الثورة بمنطقة كرري".
وبوتيرة متسارعة، بدأت تتناقص مساحات سيطرة "الدعم السريع" منذ أيام، لصالح الجيش، بكل من ولايتي الوسط (الخرطوم والجزيرة) وولايتي الجنوب (النيل الأبيض وشمال كردفان) المتاخمة غربا لإقليم دارفور (5 ولايات).
إلى ذلك، تسيطر "الدعم السريع" على 4 ولايات فيه، بينما لم تمتد الحرب لشمال البلاد وشرقها. وفي ولاية الخرطوم المكونة من 3 مدن، بات الجيش السوداني يسيطر على 90 في المئة من "مدينة بحري" شمالا، ومعظم أنحاء "مدينة أم درمان" غربا، و60 في المئة من عمق "مدينة الخرطوم" التي تتوسط الولاية وتحوي القصر الرئاسي وكذا المطار الدولي.
وقبل أيام قليلة، أفاد سكان وعاملون في القطاع الطبي بأن قوات الدعم السريع السودانية قد شنّت هجمات على مخيم زمزم للنازحين، الذي يعاني من أزمة مجاعة حادة، وذلك في إطار محاولات القوات العسكرية تعزيز سيطرتها على معقلها في دارفور، بينما تتكبد خسائر أمام الجيش في العاصمة الخرطوم.
ومنذ نيسان/ أبريل من عام 2023 يخوض الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" حربا، خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وذلك بحسب الأمم المتحدة والسلطات المحلية، فيما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.