التحيز الثقافي والسرور المسروق.. هل هذه أسعد بلدان العالم حقا؟
تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT
من أسعد الناس في العالم؟ يدعي تقرير السعادة العالمي، أنهم سكان فنلندا والدانمارك وآيسلندا وإسرائيل وهولندا. وفي الوقت نفسه، يحتل الفلسطينيون، الذين عاشوا لعقود تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي، المرتبة الـ99 في القائمة الصادرة عن شبكة حلول التنمية المستدامة، وهي مبادرة عالمية للأمم المتحدة.
وفي كل عام، تنشر الشبكة تقريرا يصنف الدول على أساس "السعادة"، وتعتمد التصنيفات على استطلاعات أجرتها مؤسسة غالوب (شركة استطلاعات أميركية) لبضعة آلاف من المشاركين في كل بلد، والذين يُطلب منهم تقييم حياتهم الشخصية على مقياس من 0 إلى 10.
لكن المنتقدين لهذا التقرير أشاروا إلى تناقضات صارخة وأوجه قصور وتحيزات، تتضمن محاباة الدول الغربية الغنية (الشمال العالمي)، بينما تتجاهل قرونا من الاستغلال الاستعماري الذي مكن تلك البلدان من جمع تلك الثروة.
"مكتئب ولكن سعيد"معظم "أسعد البلدان" لعام 2023 تقع في أوروبا. وتحتل فنلندا، على سبيل المثال، المركز الأول باعتبارها أسعد دولة في العالم، كما كانت على مدى السنوات الست الماضية.
لكن البلد الإسكندنافي لديه أيضا أحد أعلى معدلات استخدام مضادات الاكتئاب في أوروبا. وينطبق ذلك أيضا على السويد، التي تحتل المرتبة السادسة، وآيسلندا، التي تحتل المرتبة الثانية، والتي لديها أعلى معدلات استخدام لمضادات الاكتئاب في كل أوروبا.
ومن ناحية أخرى، تحتل الهند المرتبة الـ126 -وهي مرتبة متدنية للغاية- في تقرير السعادة العالمية الأممي، ولكنها تحتل مرتبة أعلى كثيرا في استطلاع آخر يأخذ في الاعتبار أيضا متغيرات مثل التوازن بين العمل والحياة. وصنف تقرير منافس ثالث، يعرف باسم "تقرير السعادة العالمية"، الصين كأسعد دولة في العالم.
أغنياء ولكن غير متساوينفي حين أن تصنيفات السعادة تعتمد على إجابات لسؤال واحد، فإن تقرير السعادة العالمية عبارة عن تحليل متعمق يستند لنقاط مختلفة، من بينها الناتج المحلي الإجمالي للفرد.
ولاحظ الباحثون وجود علاقة متبادلة؛ فالبلدان ذات الناتج المحلي الإجمالي المرتفع للفرد غالبا ما تحتل المرتبة الأعلى في تصنيفات السعادة، والدول الـ20 الأولى في القائمة هي دول غربية في أغلبها وتتمتع بمؤشرات اقتصادية عالية، مما دفع كثيرين إلى استنتاج أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي هو العامل الأكثر أهمية في تحديد السعادة الإجمالية لأي بلد.
لكن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لا يأخذ في الاعتبار التفاوت في الدخل. إنها ببساطة القيمة الإجمالية للسلع والخدمات التي يتم إنتاجها سنويا في بلد ما، مقسومة على إجمالي عدد السكان. فهو لا يخبرنا بأي شيء عمّن يحصل على ثروة بلد ما ومن لا يحصل عليها، ولا كم منها يتركز في أيدي القلة.
وتعاني الولايات المتحدة، التي تحتل المرتبة الـ15 على مؤشر السعادة، من تفاوت في الدخل أكبر بكثير من أي دولة متقدمة أخرى، إنها دولة يعيش فيها حوالي 38 مليون شخص في فقر، ويكافح ما يقرب من 60% من السكان للوفاء بالتزاماتهم في آخر كل شهر.
سعادة مَن تحديدا؟يقول موقع غالوب الإلكتروني إنهم يقومون باستطلاع رأي "جميع السكان البالغين المدنيين في البلاد" للحصول على البيانات التي تُسند تقرير السعادة.
لكن هذا التصنيف يستثني السكان الذين يعيشون في مؤسسات مثل السجون ودور رعاية المسنين ومراكز كبار السن، على سبيل المثال لا الحصر.
علاوة على ذلك، لا يقوم الباحثون بإجراء استطلاع للسكان في المناطق التي يعتقدون أنها غير آمنة، على سبيل المثال، "حيث تكون سلامة الموظفين الذين أجروا المقابلات مهددة".
ومن غير الواضح عدد المراكز السكانية التي قد يتم استبعادها، خاصة في المجتمعات التي تعاني من عدم المساواة بشكل كبير، أو في البلدان التي بها أعداد كبيرة من السجناء، مثل الولايات المتحدة والبرازيل، حيث هناك نسبة غير متناسبة من السجناء من السود.
ينتقد كثيرون تقرير السعادة العالمي بسبب تحيزاته الثقافية حول مفهوم السعادة (أسوشيتد برس) التحيز الثقافيثم هناك مسألة التحيز الثقافي، وهو انتقاد شائع لتقرير السعادة. وقد وردت الفكرة الأساسية بوضوح تام في دراسة أجريت عام 2023 "كيف يمكن للمرء أن يستنتج أن الرفاهية أعلى في البلد (أ) منها في البلد (ب) عندما يتم قياس الرفاهية وفقا لمفهوم الناس في البلد (أ) عما تعنيه الرفاهية؟". يقول الباحثون إن المشكلة في تقرير السعادة هي أن مطالبة الناس بتقييم مدى سعادتهم أو رضاهم يشبه النظر إلى القضية من خلال عدسة غربية "متعلمة وصناعية وغنية وديمقراطية"، وتوصف بأنها أكثر فردية وموجهة نحو الإنجاز الشخصي.
وببساطة، إذا سألت أحدهم "ما مدى رضاك عن حياتك؟"، قد نطلب منه التفكير في السعادة من حيث صلتها بإنجازاته الفردية بدلا من عوامل أخرى مثل علاقاته الشخصية والوئام الاجتماعي.
ويظهر أحد استطلاعات الرأي أن "السعادة المترابطة"، المتأصلة في علاقات الفرد الشخصية مع الأسرة والأقران، تشكل عاملا أقوى في تحديد "السعادة"؛ كما تشير ردود عديدة في بيانات استطلاعات الرأي من بلدان مثل اليابان ونيجيريا وبولندا.
والمثير للجدل حول المعيار هنا قد يكون، إلى أي مدى قد يبدو تصنيف السعادة العالمي مختلفا إذا كان السؤال الرئيسي للاستطلاع هو "هل تشعر بالحب والرعاية؟" أو "هل تشعر بالانتماء؟" مثلا.
"السعادة المسروقة"يفتقر تقرير السعادة أيضا إلى منظور متوازن حول كيفية ارتباط سعادة مجموعة ما بتعاسة مجموعة أخرى.
على سبيل المثال تحتل المملكة المتحدة المرتبة الـ17 بين أسعد دول العالم، لكن ازدهار البلاد كان مبنيا جزئيا على الاستغلال الاستعماري الذي دام قرونا طويلة للأفارقة المستعبدين الذين تم توظيفهم في تجارة السكر في منطقة البحر الكاريبي، وممارسات استعمارية أخرى مثل نهب ثروات الهند.
واحتلت بلجيكا المركز الـ19 في قائمة الدول الأكثر سعادة، ولكنها استخرجت ثروات هائلة وألحقت معاناة هائلة، من خلال استعمارها لما يعرف اليوم بجمهورية الكونغو الديمقراطية.
وفي الوقت نفسه، احتلت الهند ودول البحر الكاريبي والدول الأفريقية مرتبة منخفضة جدا في تقرير السعادة.
وبالنظر لأن إسرائيل تحتل هذا العام المرتبة الرابعة، بينما يحتل الفلسطينيون مرتبة أقل بـ 95 مركزا، يتجاهل التقرير أنه تم تهجير الفلسطينيين قسرا من وطنهم على يد الاحتلال منذ عام 1948 وبعده خلال النكبة الفلسطينية. وعاش الفلسطينيون منذ ذلك الحين تحت الاحتلال العسكري لنظام يمارس ما تصفه العديد من مجموعات حقوق الإنسان الدولية بأنه "أبارتهايد" (نظام الفصل العنصري) الذي تديره الحكومة الإسرائيلية.
إذن، ما الذي يخبرنا به تصنيف تقرير السعادة العالمي في الواقع؟ هل هو تسلسل هرمي للأشخاص الذين يعلنون صراحة أنهم راضون عن حياتهم، بناء على المفهوم الغربي لـ"الرضا"؟ هل هو تصنيف الدول ذات الناتج المحلي الإجمالي للفرد المرتفع؟ أم أنه ترتيب للدول الغنية التي أصبحت غنية عبر احتلال واستغلال الآخرين؟
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الناتج المحلی الإجمالی على سبیل المثال تحتل المرتبة فی البلد
إقرأ أيضاً:
تقرير: ترامب يدرس تكليف وارش بوزارة الخزانة
يدرس الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، ترشيح المصرفي السابق كيفن وارش، لمنصب وزير الخزانة مع إمكانية توليه قيادة مجلس الاحتياطي الفدرالي لاحقا، عقب انتهاء ولاية جيروم باول سنة 2026، حسب ما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مصادر "مطلعة".
وأشارت الصحيفة إلى أن ترامب كان قد ناقش تلك المسألة مع وراش، الذي خدم في مجلس الاحتياطي الفدرالي، خلال اجتماعه به في منتجعه مار الاغو بولاية فلوريدا، الأربعاء.
وأضافت أن ترامب يفكر أيضا في تعيين سكوت بيسنت، لقيادة المجلس الاقتصادي القومي في البيت الأبيض، على أن يجري ترشيحه ليحل محل وارش في وزارة الخزانة.
بايدن: الاقتصاد الأميركي هو "الأقوى في العالم" بعد أرقام النمو القوية أشاد الرئيس الأميركي، جو بايدن، الخميس، بأرقام النمو القوية معتبرا أنها تأكيد على أن الولايات المتحدة لديها "الاقتصاد الأقوى في العالم" لكنه قال إن أمامه "المزيد من العمل" في الأشهر الأخيرة الستة له في البيت الأبيض.وسكوت مستثمر في صناديق التحوط، وعمل محاضرا لسنوات في جامعة ييل.
ولم يصدر أي تعليق من ترامب حتى الآن على هذه الأنباء.
ولفتت الصحيفة إلى أن هناك أسماء أخرى لا تزال مطروحة لمنصب وزارة الخزانة، بينها مارك روان، المؤسس المشارك لشركة "أبولو غلوبال مانجمنت".
ومن ضمن الأسماء المرشحة أيضا، السناتور بيل هاغرتي، وروبرت لايتهايزر، الذي شغل منصب الممثل التجاري الأميركي لترامب طوال فترة ولايته الأولى.
وكانت آخر التعيينات التي أعلنها ترامب، الخميس، باختياره المدعية العامة السابقة لولاية فلوريدا، بام بوندي، لتولي منصب وزيرة العدل بعد انسحاب مرشحه المثير للجدل، مات غيتز.
وبوندي مقربة من ترامب وهي عضوة فريق الدفاع عنه خلال المحاكمة البرلمانية التي كانت ترمي لعزله عام 2020.
وكتب الرئيس المنتخب على منصته "تروث سوشال" بعد ساعات قليلة على انسحاب غيتز: "يشرفني أن أعلن أن المدعية العامة السابقة لفلوريدا، بام بوندي، ستكون وزيرة العدل المقبلة".
وأضاف "لفترة طويلة، استخدمت وزارة العدل أداة ضدي وضد جمهوريين آخرين، لكن ليس بعد الآن".