العافية والمرض؛ وجهان لمسار واحد
تاريخ النشر: 25th, February 2025 GMT
الدكتور نبيل الكوفحي
…
في حالات المرض تتوفر للإنسان ساعات خلوة وتفكير يستغفر فيها ويلح في الدعاء، كما يفكر فيها ايضا ويغوص في بعض المعاني العميقة لحالة الابتلاء.
الإنسان بفطرته يحب العافية والراحة والغنى، ويكره المرض والتعب والفقر، لذلك جاء في الحديث الشريف الأدعية: ( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين، وقهر الرجال) وجاء ايضا ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ)، وغيرها من الادعية الشريفة.
نؤمن نحن المسلمون وربما اخرون غيرنا ان حكمة الله اقتضت الابتلاء كما في قوله (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ )، وقد ربط مفهوم الابتلاء بحقيقة الموت للدلالة على اهمية الايمان بها كما الايمان بحقيقة الموت التي لا ينكرها إنسان قط حتى الملاحدة الذين لا يقرون بوجود الخالق سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا. والعبرة واحدة ان البشر اليه يرجعون وسيحاسبون على أعمالهم شرها وخيرها، كما في الآية: ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ).
لذلك جاء الحديث الشريف الذي يوجّه لطبيعة الاستجابة المطلوبة لكلا الحالتين؛ قال ﷺ: ( عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ). فأمام تلك الحقيقة في حتمية الابتلاء بوجهيه، لا بد ان يكون الشكر في حالة السراء والصبر في حالة الضراء. الأمر ينسحب على حالات المرض والفقر والعذاب والجهاد وغيرها من الحالات التي يكرهها الإنسان. لذلك كان الايمان العميق بالله التسليم بوقوعها على انها خير والسعي لزوالها او علاجها كما في قوله تعالى ( واذا مرضت فهو يشفين) وقوله صلى الله عليه وسلم قال:( تداووا عباد الله، فإن الله لم يضع داء إلا وضع معه شفاء إلا الهرم).
هذا الايمان العميق يعين الإنسان على الصبر والقبول النفسي به كما وجهنا الله سبحانه بقوله ( قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَىٰنَا ۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ). فقد ذكر القدر بقوله ( كتب الله لنا) ولم يقل ( كتب الله علينا) للدلالة ان الله كتب الخير لنا كمؤمنين ، وعلينا الرضا بذلك والسعي كما أمر بالعلاج حالة المرض، والجهاد في حالة العدوان والاحتلال.
ما ينبغي الاشارة له اخيرا ان الاصل كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه (قُلتُ يا رسولَ اللهِ: عَلِّمْني شيئًا أسأَلُهُ اللهَ تعالى، قال: سَلوا اللهَ العافيةَ) . وان حالة المرض او الابتلاء بشكل عام انما تطهر الإنسان من المرض كما الذنوب في حال صبره وسعيه للعلاج، لذلك جاء في الحديث (طهور إن شاء الله،).
نسأل لكم العفو والعافية ودوام الصحة وراحة البال.
المصدر: سواليف
إقرأ أيضاً:
المتقون.. من هم وما صفاتهم وثمراتهم؟
وتناولت حلقة 2025/3/28 من برنامج "الشريعة والحياة في رمضان" موضوع التقوى كما ورد في القرآن الكريم، وكيفية تحقيقها لتكون واقعا ملموسا في الحياة اليومية.
واستضاف البرنامج الدكتور محمد الحسن الغربي، الداعية الإسلامي والناشط في مجال الدعوة الإسلامية باللغة الفرنسية، لتسليط الضوء على هذا المفهوم الإيماني العميق.
وبدأت الحلقة بإبراز المكانة المحورية للتقوى في القرآن الكريم، حيث أشار الدكتور الغربي إلى أن ثاني آية في سورة البقرة بعد الفاتحة تقول: "ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين"، مما يدل على أن القرآن الكريم أنزل خصيصا لإرشاد الناس إلى التقوى.
كما أوضح أن لفظ التقوى ورد في مواضع عديدة في القرآن، وخاصة في سورة البقرة، حيث يذكرها الله عز وجل تبيانا لعلة الأحكام والأوامر الربانية.
وأوضح الدكتور الغربي أن التقوى في اللغة تعني الوقاية، أي أن يقي الإنسان نفسه من أمر ما. أما معنى التقوى شرعا، فهو أن يتقي الإنسان غضب الله أو عذابه أو النار.
تعريف التقوى
وعرّف التقوى عمليا بأنها اجتماع الإيمان والعمل الصالح، مستشهدا بآيات من القرآن توضح أن المتقين هم الذين سيدخلون الجنة.
وأضاف: "المتقون هم الذين سيدخلون الجنة، واستنادا إلى سورة العصر التي تقول: (والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات)، فإن التقوى هي الجمع بين الإيمان والعمل الصالح".
إعلانوقدم الدكتور تحليلا مفصلا لأنواع النداءات في القرآن الكريم وعلاقتها بالتقوى، موضحا أن:
النداء بـ"يا أيها الناس" يتكرر 19 مرة في القرآن، وأولها "يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون". النداء بـ"يا أيها الذين آمنوا" يتكرر 89 مرة في 20 سورة مدنية فقط، وهو أعظم نداء في القرآن موجه للمؤمنين. نداءات أخرى مثل "يا بني آدم" و"يا بني إسرائيل" و"يا أهل الكتاب" و"يا أيها الرسول" و"يا أيها النبي".وشرح الدكتور الغربي كيفية أن يتقي المؤمن ربه حق تقاته، موضحا أن الإنسان المسلم يتقي الله بفعل ما أمره به وترك ما نهى عنه.
وأشار إلى أن آية "اتقوا الله حق تقاته" استعظمها الصحابة لثقلها، فأنزل الله تخفيفا في سورة التغابن: "اتقوا الله ما استطعتم".
وقدم الدكتور مثالا عمليا: "لو أعددت نفسي بأنني سألتزم بقراءة جزء من القرآن كل يوم، فبذلت كل ما في وسعي لكي أتقن هذا العمل، فقد وصلت إلى حق التقوى في هذا العمل، وحين أصل إلى أقصى درجات الإتقان، أضع لنفسي منزلة أعلى".
ثمرات التقوى
وتناول الدكتور ثمرات التقوى العديدة، مؤكدا أن "التقوى كلها ثمرات وهي نفسها ثمرة لنفسها"، ومن هذه الثمرات:
الصدق: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين". البر: "ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب" إلى أن يذكر التقوى. الأمن من الخوف والحزن: "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون". الرزق والفرج: "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب". التيسير: "ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا". تكفير السيئات: "ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا".وتطرق الحوار إلى علاقة التقوى بالعبادات، وخاصة الصيام والحج. فالصيام، كما يقول الله تعالى إن الصيام كُتب علينا "لعلكم تتقون".
إعلانوأكد الدكتور أن الصيام من أعظم الطرق المؤدية إلى التقوى، حيث بدأت آيات الصيام بذكر التقوى وانتهت بها.
الحج
أما بالنسبة للحج، فقد أوضح الدكتور أنه مرتبط بالتقوى لأنه يجمع كل العبادات: الصلاة والإنفاق والصيام. وذكر قوله تعالى في سياق آيات الحج: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى".
واختتمت الحلقة بالتأكيد على أن غاية التقوى هي معية الله للمتقين في الدنيا، ومكانتهم العالية عنده في الآخرة.
واستشهد الدكتور بقوله تعالى: "إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون"، وقوله: "إن المتقين في جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر".
وأكد البرنامج أن تقوى الله هي غاية الأمر كله وخير الزاد في الدنيا والآخرة، فمن أراد محبة الله ومعيته والفلاح والتمكين في الدنيا، فعليه أن يكون من المتقين.
الصادق البديري28/3/2025