البيان الوزاري...ما له وما عليه
تاريخ النشر: 25th, February 2025 GMT
إنه يوم آخر جديد. ومع كل اشراقة شمس، وإن في عزّ البرد، يطلّ أمل جديد بغد أفضل قد يُنسي اللبنانيين ما عانوه على مدى سنوات طويلة، ولا يزالون. فبعد 23 شباط ستكرّ الأيام، وسينتهي شباط كما انتهى غيره من أيام وسنوات حروب الآخرين على أرض لبنان"، الذي "تعب من هذه الحروب"، والذي يأمل في ما يمكن أن تحمله الأيام الطالعة من خير وبركات، خصوصًا أن جميع المؤمنين، مسيحيين ومسلمين يستعدون لصوم له رمزيته الخاصة هذه السنة، وألاّ يبقى الأمل مجرد أمل، بل أن يُترجم إلى واقع ملموس، ولو في هذه التمنيات ما يدعو إلى الحذر من الافراط من جرعات التفاؤل لكي لا تأتي الخيبات أشد وقعًا من الحسام المهنّد.
فبعدما انتهت مراسم تشييع السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين أمس وأمس الأول على خير، خرجت الدولة من هذا الاختبار بـ "انتصار" لن تكتمل حلقاته إلاّ بعد أن يرى اللبنانيون واقعًا جديدًا مختلفًا عمّا سبقه من محاولات لم تؤدِّ سوى إلى منع الانهيار من الوصول إلى "السقطة الأخيرة، فيتم ترجمة ما جاء في خطاب القسم على أرض الواقع، وتنتقل حكومة "الإصلاح والإنقاذ" من "أطروحتها" عن أي دولة تريد إلى ما في هذا الواقع من أزمات لا يزال حلّها حتى هذه الساعة مستعصيًا.
فهذه الحكومة تمثل اليوم أمام مجلس النواب، الذي سيناقش ما جاء في بيانها الوزاري، والذي سيتلوه رئيس الحكومة نواف سلام، وسيكون لما يقارب الستين نائبًا كلام اعتاد اللبنانيون على سماعه، والذي سينتهي إلى إعطائها ثقة يُتوقع أن تكون "حرزانة". ولكن قبل هذا وذاك، لا بدّ من تسجيل بعض الملاحظات الأولية على هذا البيان الوزاري، الذي انجز بثلاثة أيام، واستغرقت مناقشته في جلسة لمجلس الوزراء برئاسة الرئيس عون خمس ساعات، فأُدخلت عليه بعض التعديلات، وسجّل عدد من الوزراء بعض الملاحظات والتحفظات، ومن بين هذه الملاحظات يمكن انتقاء الأهم، وهي:
أولًا، يؤخذ على واضعي البيان الوزاري أنه حمل الكثير من الشعارات، التي تبدو للوهلة الأولى برّاقة وجذابة، ولكن عند التعمق في مضمونها يكتشف المنكبّون والباحثون والعالمون بأن هذه الشعارات هي أقرب إلى السرد الانشائي منه إلى ملامسة الواقع المأسوي، الذي يعيشه لبنان، والذي تتطلب مقاربة هذا الواقع وما فيه من أزمات ومشاكل أكثر من هذا السرد الانشائي، الذي تُرفع له القبعة كمجرد سردية. وأول ما ينقص هذا البيان أنه لم يشر لا من قريب ولا من بعيد عن أي التزام من قِبل حكومة اتخذت لنفسها شعارًا قد يكون عنوانه أكبر من محتواه الفعلي والحقيقي.
ثانيًا، لم يكتشف اللبنانيون المهتمّون بكل فاصلة وردت في هذا البيان كيف تريد حكومة "الإصلاح" مقاربة الاستحقاقات الداهمة، ومن بينها وربما من أهمها إجراء الانتخابات النيابية بعد سنة وثلاثة أشهر من الآن، ووفق أي قانون انتخابي، خصوصًا أن لرئيس الحكومة أكثر من نظرة عمّا يمكن أن يكون عليه هذا القانون، بعد تجربته السابقة في لجنة "فؤاد بطرس". لكن البيان الوزاري لم يلحظ هذه النقطة، خصوصًا أن اتفاق الطائف واضح في هذا المجال عندما تحدّث عن إجراء الانتخابات النيابية بعيدًا عن القيد الطائفي بعد حصر التمثيل الطائفي بمجلس الشيوخ، وبعد العمل على الغاء الطائفية السياسية. وهذا الكلام عمره سنوات، ولم ينفذ منه حرف واحد، وبقي حبرًا على ورق.
ثالثًا، لم يرد في البيان الوزاري ما يؤّشر إلى كيفية تعاطي الحكومة مع مسألة وجودية، وهي الدفاع عن الوطن، فقد ورد فيه ما حرفيته: "الدولة التي نريد هي التي تتحمل بالكامل أمن البلاد، والدفاع عن حدودها وثغورها، دولة تردع المعتدي"، خصوصًا أن مناقشة هذا البند سيأخذ الحيز الأكبر من مداخلات النواب، بعدما أكد الأمين العام لـ "حزب الله" الشيخ نعيم قاسم في كلمة الوداع "أن المقاومة باقية أقوى مما كانت عليه في السابق"، وبعد ما جاء في خطاب القسم بالنسبة إلى حق الدولة "في احتكار حمل السلاح"، وهذا ما نصت عليه مقدمة اتفاق وقف النار، الذي وافقت عليه الحكومة اللبنانية السابقة بعد موافقة "حزب الله".
رابعًا، لم تأتِ الحكومة بجديد عندما تحدثت في بيانها الوزاري عن" تعزيز المساءلة والمحاسبة لمكافحة الهدر والفساد". فهذا الكلام وإن لم يكن فيه من الحداثة شيء مختلف عن السابق، فكان من الممكن أن يترافق مع خطة واضحة للتعافي الاقتصادي وهيكلة المصارف وكيفية استرجاع المودعين لأموالهم، إضافة إلى قضايا كثيرة لم تكن معالم حلولها واضحة في هذا البيان، وبالأخص في ما له علاقة بإعادة الاعمار.
قد تكون هذه الملاحظات غيضًا من فيض سيتناولها النواب، الذين سمّوا نواف سلام أو الذين لم يسموه، في مداخلاتهم على مدى يومين متتاليين، وفي جلسات صباحية ومسائية، وقد يلجأ بعض منهم إلى "عراضات" انتخابية"، ولو مبكرة.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: البیان الوزاری هذا البیان فی هذا
إقرأ أيضاً:
ماذا سيحّل بلبنان إذا رفض الضغوطات الخارجية عليه؟
عندما رفض الرئيس السابق ميشال عون السير في "صفقة القرن" سمع كلامًا مباشرًا وغير سار عبر القنوات الديبلوماسية وفاده أن رفضه هذا العرض القائم على توطين الفلسطينيين في لبنان يقوده حتمًا إلى استنتاج واحد، وهو أن سلطة الرئيس الثالث عشر لن تتعدّى الحدود الجغرافية للقصر الجمهوري في بعبدا. وهذا ما حصل بالفعل، حين واجه الرئيس عون أكثر من أزمة ومشكلة في آن واحد. ولم تنفع مع هذا الواقع الجديد كل المحاولات، التي باءت بالفشل الذريع وأدّت إلى انقسامات حادّة بين اللبنانيين، وإلى انهيار اقتصادي ومالي غير مسبوق، وإلى ضياع أموال المودعين اللبنانيين في زواريب السرقة والهدر والفساد، وإلى تسليم الولاية الرئاسية إلى فراغ دام سنتين وثلاثة أشهر. ولم يُسمح للعهد بتحقيق أي انجاز يمكن أن يذكره التاريخ باستثناء الضغط الذي مورس في أكثر من اتجاه لتوقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل بوساطة أميركية مباشرة على رغم أن الغاز في الحقول البحرية اللبنانية لا يزال في البحر في حين أن حقل "كاريش" بدأ العمل فيه حتى قبل توقيع الاتفاق، الذي يقول عنه كثيرون بأنه لم تأتِ نتائجه لمصلحة لبنان.وسأل السائلون، : هل يمكن أن يتكّرر السيناريو ذاته في عهد الرئيس جوزاف عون في حال رُفض العرض، الذي يطالب لبنان برفع مستوى تعاطيه مع الوضع المستجد في المنطقة، بحيث يرتقي اتفاق الهدنة، بنسختيه القديمة والجديدة، إلى ما يشبه التطبيع مع إسرائيل في مرحلة لاحقة ومتقدمة وفق ما هو معدّ في مطابخ عواصم القرار؟
المعلومات المتوافرة حتى الساعة تشير بكل وضوح إلى أن لبنان الرسمي يرفض حتى مجرد الحديث معه بهذا المنطق الخارج عن السياق الطبيعي باعتبار أن إسرائيل لا تزال تشكّل بالنسبة إلى جميع اللبنانيين، وإن بنسب متفاوتة، العدو الأوحد، الذي لديه مطامع كثيرة بلبنان. ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن لبنان يرفض من حيث المبدأ أي اتفاق لترسيم حدوده البرية مع إسرائيل على غرار الاتفاق البحري، شرط ألاّ تأتي النتائج البرّية كنتائج الترسيم البحري.
وانطلاقًا من قناعة مشتركة لدى اللبنانيين، وإن بنسب متفاوتة أيضًا، بأن لا مفرّ من تطبيق القرار 1701 كاملًا وبكل مندرجاته وبنوده. فإمّا أن يُطبّق هذا القرار بالكامل من قِبل تل أبيب، التي لا تزال تحتل أكثر من خمسة مواقع لبنانية، ومن قِبل "حزب الله"، الذي لا يزال يصرّ على أن إسرائيل لا تفهم إلاّ بمنطق القوة، ولذلك فهو لن يتنازل عن سلاحه ولن يسّلمه لأي جهة، لبنانية كانت أو غير لبنانية، لأنه لا يزال يؤمن بأن سلاحه هو لحماية لبنان من الأذى، الذي يأتيه من خارج الحدود، جنوبية كانت أو شمالية وشرقية.
وبعكس ما هو متوقع فإن ما يقوله الرئيس عون في المناسبات العامة وفي خلال استقبالاته الرسمية في القصر الجمهوري يعكس قناعة لبنانية صرفة بضرورة إخراج لبنان من عنق زجاجة الأزمات الناتجة بمعظمها من التأثيرات الخارجية على الداخل من أي جهة أتت، خصوصًا تلك التي تسعى إلى تحويل الساحة اللبنانية إلى منصّة لتوجيه الرسائل غير المشّفرة في كل اتجاه، مع الإشارة إلى أن اللهجة التي خاطب بها رئيس الجمهورية الوفد الإيراني، الذي شارك في مأتم وداع الأمينين العامين السابقين لـ "حزب الله" السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، لم يعتد اللبنانيون، ومعهم الموفدون الأجانب، على سماعها من قبل. وهي لهجة حاول الرئيس عون من خلالها وضع النقاط على حروف التدّخلات الخارجية أيًّا يكن مصدرها، خصوصًا تلك التي لا تأخذ في الاعتبار مصلحة لبنان قبل أي مصلحة أخرى، فقال كلامًا لا لبس فيه ولا غموض، وهو لم يعجب كثيرين عندما واجههم بحقيقة أن لبنان تعب من حروب الآخرين على أرضه.
وفي الكلام الرئاسي أكثر من رسالة إلى الخارج كما إلى الداخل. ومختصر هذه الرسائل تشدّد على التزام لبنان بتطبيق كامل القرارات الدولية، التي تحفظ سيادة لبنان، وتحول بالتالي دون تعريضه لحروب غير متكافئة، وهو لا ناقة له فيها ولا جمل. وهذا يعني بـ "العربي المشبرح" رفض معادلة "وحدة الساحات"، إذ أن لكل ساحة من ساحات المحور الإيراني مشاكله وهمومه، وبالتالي رفض العودة إلى معادلة "جيش وشعب ومقاومة" التي "أصبحت وراءنا"، على حدّ تعبير رئيس الحكومة نواف سلام. فماذا سيحصل إن لم تُرفع اليد الخارجية عن لبنان؟
سؤال من الصعب الاجابة عنه، خصوصًا أن التجارب السابقة لا تشجّع كثيرًا على مسايرة المتفائلين بغد أفضل.
المصدر: خاص لبنان24 مواضيع ذات صلة وزير خارجية إيران: إذا كان سعينا للحصول على سلاح نووي عقبة أمام أميركا فيمكن حلها Lebanon 24 وزير خارجية إيران: إذا كان سعينا للحصول على سلاح نووي عقبة أمام أميركا فيمكن حلها