أهداف بريطانيا من اتفاقية المئة سنة مع أوكرانيا
تاريخ النشر: 25th, February 2025 GMT
وقعت بريطانيا وأوكرانيا يوم 16 يناير 2025 اتفاقا استراتيجيا مثيرا للغاية لأنه يمتد على مئة سنة، ونوعية الاتفاق الذي يركز أساسا على ما هو عسكري وطول المدة الزمنية يبرز التوجهات الكبرى لبريطانيا مستقبلا، وكيف ستكون هناك حرب باردة بينها وبين موسكو، على شاكلة تلك التي وقعت في القرن التاسع عشر.
ووقع رئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر، والرئيس الأوكراني فلولوديمير زيلينسكي على هذه الاتفاقية النوعية والمثيرة جيوسياسيا، وهي بعنوان «إعلان شراكة المئة عام بين المملكة المتحدة وأوكرانيا».
وفي الفقرة الأولى، لا تتحدث الاتفاقية عن التعاون الاقتصادي أو السياسي، بل مباشرة حول التعاون العسكري والدفاع، وجاء في الجملة الأولى للاتفاقية ودون تمهيد، بل إعلان نوايا واضحة في البند الأول، تحت عنوان فرعي «الدفاع» ما يلي، «إقامة تعاون دفاعي وقواعد صناعية أقوى وأوثق في مجال الدفاع». وفي جملة أخرى من البند الأول كذلك، تؤكد الاتفاقية على، «كما سنعمل على تعميق التعاون في مجال القدرات الضاربة بعيدة المدى، والدفاع الجوي والصاروخي المتكامل، ومخزونات الأسلحة المعقدة لتعزيز الردع، سيؤدي ذلك إلى تعزيز قدراتنا الدفاعية وضمان تصدير الأسلحة المشتركة إلى الأسواق الخارجية».
تدرك بريطانيا أن عودة أوكرانيا إلى حضن روسيا، يعني عودة الإمبراطورية الروسية في حلة تجمع بين روسيا القيصرية والاتحاد السوفييتي، ستكون مصدر خطر على أوروبا بالكامل توجد سبع نقاط في البند الأول كلها حول التعاون العسكري. وركز البند الثاني بعنوان «الأمن» على التعاون والدفاع المشترك، لاسيما في النقطة الثالثة التي تنص على ما يلي «وطوال مدة سريان هذا الإعلان، لا يجوز ترك أي من الطرفين بمفرده في مواجهة الهجوم أو العدوان. وفي حالة تعرض أحد الطرفين لهجوم ينتهك ميثاق الأمم المتحدة والمبادئ الأساسية للقانون الدولي، يتشاور الطرفان في غضون 24 ساعة، لتحديد التدابير اللازمة لمواجهة العدوان أو ردعه». وتؤكد الاتفاقية على ضرورة مساعدة أوكرانيا على «استعادة الأراضي الخاضعة للاستعمار مؤقتا» في إشارة الى الأراضي التي تحتلها روسيا، مع تركيز كبير على التعاون في مجال البحرية الحربية والملاحة. وتركز الاتفاقية على الدفاع والتعاون العسكري أكثر من المجالات الأخرى، ولهذا خصصت البنود الثلاثة الأولى لهذا الغرض، وبالتالي هي اتفاقية ذات نفس عسكري محض، رغم الاهتمام بالجانب الثقافي والاقتصادي والتعاون السياسي، الذي يحتل مكانة ثانوية فيها، خاصة أن التبادل التجاري بين البلدين ليس كبيرا.
واتفاقية من هذا النوع لا يمكن أن تكون مشروع حكومة لوحدها، وطارئة في الزمن، بل ليست مرتبطة فقط بالحرب الروسية – الأوكرانية لوحدها، لاسيما حكومة حزب العمال في ولايتها الأولى، بل هي نتيجة تفكير سنوات طويلة وسط الدولة العميقة البريطانية، من مؤسسة عسكرية واستخبارات ودبلوماسية وهيئات اقتصادية. وهذا ما يفسر السياسة الحازمة للندن في الحرب الروسية – الأوكرانية بما في ذلك ما يتردد من عرقلة رئيس الحكومة الأسبق بوريس جونسون لاتفاقية السلام التي كانت ستوقع عليها موسكو وكييف في تركيا. لماذا بريطانيا هي التي بادرت لهذه الاتفاقية، وهي التي لا تنتمي إلى الاتحاد الأوروبي ولا تجمعها حدود جغرافية مع أوكرانيا، بدل دول مثل ألمانيا وخاصة فرنسا؟ يبقى الجواب هو معرفة التوجه الجيوسياسي البريطاني خلال العقود المقبلة، بل على امتداد قرن كامل، ثم العودة الى النبش في التاريخ، لاسيما العلاقات المتوترة تاريخيا بين موسكو ولندن. تدرك بريطانيا ذات النظرة الجيوسياسية العميقة أن العالم يذهب إلى حربين باردتين، الأولى بين الصين والولايات المتحدة في منطقة الهادئ -الهندي، والثانية ستكون بين أوروبا وروسيا وهي امتداد للنزاعات الطويلة بين الطرفين التي تعود الى قرون، لاسيما وأن كل المؤشرات تدل على فشل تيار الرئيس دونالد ترامب في التمهيد لإقناع روسيا بالانضمام الى المحور الغربي في مواجهة الصين. كما أن روسيا لن تدخل في حرب باردة مع الصين، وهي التي تجمع معها 4209 كلم وتفوقها كثافة سكانية سبع مرات، وتقدم عسكري وعلمي هائل وزبون رئيسي يعوضها عن باقي العالم.
علاقة بهذا، ما زالت بريطانيا تؤمن بالنظريات الكلاسيكية في مجال الجيوبولتيك، أو جيوسياسي خاصة نظرية البريطاني هالفورد ماكندر، الواردة في كتابه الشهير «المحور الجغرافي للتاريخ»، الذي يعتبر أن من يحكم قلب أوروبا الشرقية وجزء من آسيا الوسطى سيحكم العالم، وهو ما فعلته روسيا. كما تؤمن بنظرية مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق بريجنسكي الذي يقول، إن روسيا وأوكرانيا منفصلتين هما مجرد بلدين، ومتحدتين تشكلان إمبراطورية تشكل خطرا على الغرب. ولم تؤثر نظرية ماكندر، رغم الانتقاد الشديد لها، في بريطانيا وحدها، بل هي التي تتحكم في الحلف الأطلسي في توسعه نحو شرق أوروبا.
ومن جهة أخرى، تعتبر أوكرانيا بالنسبة لبريطانيا خزانا للمعادن الثمينة النادرة ومختلف الموارد الطبيعية الأخرى، خاصة أن عددا من دول الكومنولث مرشحة للابتعاد عن التاج البريطاني بسبب يقظة أمم الجنوب التي تريد التخلص من علاقات الماضي الاستعماري، ما سيحرمها من مصدر مهم للمواد الأولية. كما تدرك بريطانيا أن عودة أوكرانيا الى حضن روسيا، يعني عودة الإمبراطورية الروسية في حلة تجمع بين روسيا القيصرية والاتحاد السوفييتي، ستكون مصدر خطر على أوروبا بالكامل، بما فيها بريطانيا وليس فقط الاتحاد الأوروبي، أو أوروبا الشرقية في وقت تنشغل فيه الولايات المتحدة، حامي الغرب بما يفترض الخطر الصيني.
إن اتفاقية بريطانيا- أوكرانيا هي محاولة من لندن احتواء ما تعتبره التوسع والخطر الروسي مستقبلا، وهو تكرار للحرب الباردة بينهما التي وقعت في القرن التاسع عشر. إذ شهد القرن التاسع عشر حربا باردة من نوع مثير تعرف في التاريخ بـ»اللعبة الكبرى»، حيث سعت بريطانيا إلى منع روسيا من الوصول إلى الهند وإلى البحر الأبيض المتوسط، وجعلت من أفغانستان حاجزا في آسيا ومن الإمبراطورية العثمانية حاجزا في البحر المتوسط. وتخللت هذه المرحلة منافسة وحروبا أبرزها حرب جزيرة القرم بين سنتي 1853-1856. والآن، اتفاقية المئة سنة الموقعة يوم 16 يناير 2025 هي تتويج للفكر الجيوسياسي البريطاني، وترجمته الى أرض الواقع بعد البريكست، ويرى أن «العدو المنافس» هو روسيا، لأن هذه الأخيرة تعمل على تعزيز نفوذها في البحر الأبيض المتوسط وأوروبا، لاسيما عسكريا، وهي مناطق نفوذ بريطانية بامتياز. وترى في روسيا مصدر خطر أكبر من الصين بسبب قربها الجغرافي من قلب أوروبا.
(القدس العربي)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه بريطانيا بريطانيا اوكرانيا زيلينيسكي مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة رياضة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هی التی فی مجال
إقرأ أيضاً:
باستعادتها كورسك هل حرمت روسيا أوكرانيا من أهم ورقة مساومة؟
موسكو- أجمع مراقبون روس على أن الكرملين حقق أهم إنجاز عسكري خلال العام الحالي في الحرب مع أوكرانيا، بعد استعادة مقاطعة كورسك التي كانت القوات الأوكرانية سيطرت عليها في 6 أغسطس/آب الماضي بعملية مباغتة تسببت بصدمة لدى الرأي العام وانتقادات لأداء القوات الروسية بالمنطقة.
وبذلك، تكون موسكو -حسب هؤلاء المراقبين- قد حرمت كييف من استخدام كورسك ورقة مساومة في محادثات السلام المستقبلية، لا سيما أن الأنباء عن استعادة المقاطعة الروسية الإستراتيجية جاءت في وقت كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يبحث فيه مع نظيره الأميركي دونالد ترامب الجهود الرامية للتوصل إلى وقف إطلاق نار كامل وغير مشروط.
تعزيز الموقف التفاوضييعد تحرير كورسك حدثا سياسيا وعسكريًا كبيرا بامتياز، حيث يرى مراقبون روس أن الكرملين حصل بفضله على ورقة مهمة لا تقبل الجدل في المفاوضات المحتملة مع أوكرانيا بشأن الحل السلمي للصراع.
ويدور الحديث عن استعادة روسيا لأكثر من ألف كيلومتر مربع من أراضيها، كانت القوات الأوكرانية سيطرت عليها، وشكلت في حينه أكبر إنجاز عسكري لكييف على حساب المناطق الروسية.
ويرى الخبير العسكري فيكتور ليتوفكين أن تحرير كورسك يعد حدثا يتجاوز في حجمه الصراع بين موسكو وكييف، ويعزز الموقف الروسي في مسار المفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن هذه الحرب.
إعلانويقول -في حديثه للجزيرة نت- إنه بالإضافة إلى أن تحرير كورسك قد رفع بشكل كبير معنويات الجيش الروسي فإنه في الوقت ذاته يشكل خسارة "كارثية" لكييف قللت من خياراتها الإستراتيجية كورقة مساومة لتبادل الأراضي مع روسيا على المستوى الدبلوماسي.
بموازاة ذلك، أشار ليتوفكين إلى أن استعادة كورسك شكلت فشلًا ذريعًا للقوات الأوكرانية، وهزيمة شخصية لزيلينسكي، مضيفًا أن جميع المسلحين الأوكرانيين الذين شاركوا في غزو المنطقة الروسية إما قُتِلوا أو أُجبروا على الانسحاب إلى الأراضي الأوكرانية.
ووفقًا له، يمكن الآن القول بكل تأكيد إن جميع تصريحات زيلينسكي ووعوده كانت باطلة، وإن تلك الخطب التي طالب فيها بمواصلة القتال باءت بالفشل.
وحسب رأيه، كان مصير خطة القيادة الأوكرانية لغزو مقاطعة كورسك الفشل في البداية، لأن شن عملية هجومية دون القدرة على الدفاع هو تكتيك فاشل بامتياز.
وعلاوة على ذلك، يؤكد الخبير ليتوفكين أن أوكرانيا باتت عبئا على الولايات المتحدة، وبالتحديد على إدارة ترامب الذي تتمثل أولوياته في احتواء الصين ودعم إسرائيل.
ويتابع بأنه على النقيض من الولايات المتحدة، يرى الاتحاد الأوروبي أن الصراع الأوكراني حاسم بالنسبة لمستقبل الغرب، فإذا خرجت روسيا منتصرة فسوف يتسبب ذلك في أضرار جسيمة لصورته، وستتعرض سياسة النخبة الغربية بأكملها للتهديد، على حد وصفه.
وختم بأنه بعد استعادة كورسك، سيتعين على الجيش الروسي إنشاء منطقة أمنية تكون بمثابة طوق عازل يحمي المناطق الحدودية من القصف والتخريب ومجموعات الاستطلاع المعادية.
بصمات بيونغ يانغوفي خضم الحديث عن "النصر الروسي" في كورسك، كان لافتًا إعلان وزارة الدفاع الروسية عن مشاركة جنود من كوريا الشمالية في عملية تحرير المناطق الحدودية بمقاطعة كورسك، وهي المرة الأولى التي يعلن فيها وبشكل رسمي عن هذا الدور.
وجاء ذلك على لسان رئيس هيئة الأركان العامة فاليري غيراسيموف، في تقريره إلى الرئيس فلاديمير بوتين، والذي قال إن الجنود الكوريين الشماليين "أظهروا حرفية عالية وصمودًا وشجاعة وبطولة في المعارك".
إعلانوكانت كوريا الجنوبية وصفت في وقت سابق إرسال قوات كورية شمالية إلى روسيا بأنه "يتعارض مع المعايير الدولية ويستهزأ بالقانون الدولي".
لكن الخبير بالشؤون الدولية دميتري كيم أوضح أن ادعاءات سول لا أساس لها من الصحة، لأن القوات الكورية الشمالية وجدت في مناطق روسية وليست في مناطق متنازع عليها، مثل دونيتسك ولوغانسك، التي يمكن أن تخضع لمعايير احترام سيادة الدول الأخرى وسلامتها الإقليمية واستقلالها السياسي.
وأعرب المتحدث عن دهشته من إدانة دول أخرى لموسكو بسبب إشراك جنود أجانب في هذه العملية العسكرية، متساءلًا "كيف يمكن إدانة روسيا لإشراكها جنودًا من كوريا الشمالية، وفي الوقت نفسه يتم إرسال آلاف المرتزقة والمستشارين من دول حلف شمال الأطلسي إلى أراضي أوكرانيا أو روسيا؟".
وأشار كيم إلى أن "الآلاف من المرتزقة" يقاتلون في صفوف القوات الأوكرانية، ليس فقط من الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ولكن أيضًا من دول أخرى من القوقاز إلى أميركا اللاتينية.
وأوضح أن روسيا وكوريا الشمالية صادقتا العام الماضي على معاهدة الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين البلدين، والتي تنص إحدى بنودها على تقديم المساعدة العسكرية في حالة العدوان على أحد الطرفين.
وتابع الخبير أنه بعد ذلك بمدة وجيزة بدأت الوحدات الكورية الوصول تدريجيا إلى روسيا، بعد أن خضعت للتدريبات المناسبة واكتسبت مهارات التحكم في الطائرات بدون طيار، وأصبحت على دراية بالحقائق الميدانية. وأضاف أنه بعد ذلك تم نقلها إلى مقاطعة كورسك، وحتى لا يتم كشفهم تمركزوا في الخطوط الخلفية ومن ثم في التحصينات، وأخيراً بالمشاركة في الهجمات.
وقال إن الجنود الكوريين تميزوا بتماسكهم وانضباطهم وعدم اكتراثهم بالموت وقدرتهم المذهلة على التحمل، وخاصة وحدات قوات العمليات الخاصة، وقدموا مساهمة كبيرة في تحرير منطقة كورينفسكي وفي المعارك بالقرب من ستارايا ونوفايا سوروتشيني، وكانت لديهم قاعدة صارمة بعدم الوقوع في الأسر أحياء أو الاستسلام طواعية.
إعلان