تحالف نيروبي وقضايا الحرب والسلام في السودان
تاريخ النشر: 25th, February 2025 GMT
تحالف نيروبي وقضايا الحرب والسلام في السودان
محمد بدوي
تم التوقيع على وثيقة تحالف نيروبي الذي ضم 21 جسم وممثلين للمجموعات وفقا للأسماء التي تمت تلاوتها في المنصة الرئيسية، موزعة بين 9 حركات مسلحة و11 جسم بين حزب وممثلين.
الملاحظة الاولى فقد خلت القائمة من تمثيل للنساء الأمر الذي يضع مسألة المشاركة والنوع في الحكومة المرتقبة تحت اختبار حقيقي، في ظل زخم أحاط بالمؤتمر أو لقاء نيروبي تم ترديد هتاف وعبارات تجتر إنهاء التهميش مع ملاحظة سيادة الشعارات المناصرة للدعم السريع بشكل أكثر صدى من سواها، فيبدو أن التهميش هنا جاء بعيداً عن مفهومه وتعريفه فهو يشمل النوع والقوميات، والأقليات، مع غياب ملحوظ لتمثيل أصحاب الديانات الأخرى من غير المسلمين، عدا القائد جوزيف توكا الذي يمثل الحركة الشعبية/ شمال أكثر من كونه ممثل لإحدى الطوائف المسيحية، ربما قد قصد بعدم تمثيل الطوائف الدينية بالرغم من أن الواقع المرتبط بالصراعات السياسية ظل يلقي بثقله عليها بشكل ايديولوجي يهدف إلى تقليص مساحة الحريات الدينية.
عطفا على قائمة الموقعين، في المنصة التاريخية للأحزاب التقليدية ظهر ممثلي أجنحة أو مجموعات الحزب الاتحادي الديمقراطي والاتحادي الموحد إبراهيم الميرغني ومحمد عصمت قد شكلا ثقلا أكبر من حزب الأمة الذي مثله اللواء معاش فضل برمة ناصر الذي تنازعه نائبة رئيس الحزب الدكتورة مريم الصادق حول شرعية مشاركته باسم حزب الامة، لكن يبقى التمثيل في لقاء نيروبي يطرح على الضفة الاخرى ممثلين لذات الأحزاب، الأمر الذي يجعل التوزيع بين تحالف صمود وقمم توزيع للمواقف قد يثير حالات عدم اعتراف من كلا المجموعتين تجاه الأخرى وهنا يتفرع الصراع إلى أطراف الحرب وسياسي ليس حول وقف الحرب لكن شرعية التمثيل.
الموقعون على اتفاق سلام السودان 2020 تمثلوا في بعض قادة حركات تحرير السودان الدكتور الهادي ‘دريس عن المجلس الانتقالي، الأستاذ الطاهر حجر عن قوى التحرير، الأستاذ حافظ عبد النبي عن التحالف السوداني الذي انقسم قادته بين تحالف قمم وإلى جانب الجيش حيث تم تعيين السيد بحر كرامة والياً لغرب دارفور.
اللافت غياب اليسار السوداني من لقاء نيروبي سواء الحزب الشيوعي السوداني الذي كشف عن موقفه من لقاء نيروبي وقيام تقدم وقبلها وقف الحرب في السودان، البعثيون بجناحيهم وكذلك الناصريين، وهذا يدفع بسؤال الخيارات السلمية والعسكرية من قضايا الحرب والسلام في السودان.
الإدارة الأهلية كشف عن تمثيلها سلطان الفور أحمد دينار الذي جاء ظهوره والحرب قد دمرت متحف السلطان “سيد الاسم” على دينار بالفاشر، ومن ناحية سياسية فإدراجه في قائمة الموقعين جعل الأمر يبدو كأنها محاولة تعويض لغياب حركة تحرير السودان قيادة الأستاذ عبد الواحد نور من الوثيقة، والذي أمسك حتى الآن عن الإدلاء بأي تصريح، غياب نور وتحالف حركة التحرير بقيادة مناوي والاستقالات التي كشف عنها الإعلام لمؤيدي الحركة الشعبية قيادة الحلو بغرب دارفور، ومحاولة تمثيل المساليت بملك المساليت بمنطقة قريضة وليس السلطان سعد بحر الدين، يكشف أن موقف المجموعات السكانية الثلاث الذين يعبرون عن أكبر سجل للضحايا والنازحين واللاجئين بدارفور خارج وثيقة نيروبي، فالبديهي أن موقف هذه المجموعات مرتبط بالعدالة كقضية جوهرية كامتداد لغياب المحاسبة منذ اندلاع أزمة السودان في دارفور 2003، بينما يظل التطابق النظري بين الإدارة الأهلية والقبيلة أمر في غاية الخطورة مثله مثل الاعتماد على القبيلة في التحليل السياسي، بالضرورة سيقود إلى نتائج خاطئة.
بالنظر إلى قائمة التوقيعات فإن شرق السودان جاء متضمناً إلى القوى الموقعة بمؤتمر البجا المعارض والأسود الحرة، ونفوذ الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل “مريدي سيدي الحسن”، جنوب كردفان الذي شملت خريطته الحركة الشعبية والحزب القومي السوداني، بإخراج ممثل المهنيين والفنيين الدكتور علاء نقد، والتجمع الاتحادي فإن الغالبية تمثل حركات انشقت تاريخياً من حركة تحرير السودان، بينها أربع مجموعات من موقعي وثيقة سلام السودان 2020، فيما جاء الجديد هو توقيع قمم الذي يمكن النظر إليه من زاوية مقابلة لصمود أو نتاج انشطار تحالف تقدم.
وفقاً للوثيقة بأن أطرافها سيسعون إلى تكوين جيش من قوات المجموعات المسلحة المنضوية تحت الاتفاق، وهنا يثور السؤال حول موقف ممثلي المجتمع المدني، الفئات والشخصيات المستقلة من الخطوة لأنها قد تكون مفهومة موضوعياً في سياق السلم أما الحرب الراهنة فهذا قد يمتد إلى تطور آخر.
بالرغم من أن الحركة الشعبية لتحرير السودان قيادة الحلو قد منحت زخماً لاتفاق نيروبي، فإن الأمر يعيد النظر إلى تحالف الجبهة الثورية السابق فإلى جانب الحركة هنالك حركة العدل والمساواة قيادة صندل والقائد أبو القاسم إمام الذي كان حينها تحت حركة تحرير السودان قيادة عبد الواحد نور إلا أنه مثل في نيروبي تحت حركة تحرير السودان- الثورة الثانية، فجميع الأطراف كانوا في ذاك التحالف الذي انفض عقب هجوم أبوكرشولة في 2014 بوقت قصير.
في ظل انعقاد المؤتمر استمر هجوم الدعم السريع على الفاشر، وكان كل من دكتور الهادي إدريس والأستاذ الطاهر حجر قد أعلنا الحياد من المجموعات الأخرى التي تحالفت مع الجيش لتصبح القوة المشتركة التي تولت الدفاع ومقاومة سيطرة الدعم السريع على الفاشر، موقف كل من إدريس وحجر كان قد تطور إلى عمليات إجلاء المدنيين وحماية قوافل محدودة من الإغاثة لتصل معسكر زمزم بشمال دارفور، الانضمام للوثيقة يعلن عملياً موقفاً جديداً للهادي وحجر من حالة الفاشر، الأمر الذي يضع الامتحان الأول للتحالف وعنوان حكومة السلام، لأن الهجمات تعرض المدنيين للخطر بشكل رئيسي.
قبل أن يتم التوقيع على وثيقة نيروبي استمر القصف الجوي من قبل طيران الجيش لمناطق بدارفور وجنوب كردفان، الأمر الذي قد يقلل من التأثيرات التنظيمية المحتملة داخل بعض الحركات الموقعة، ولاسيما الحركة الشعبية، لأن استمرار الهجوم الجوي يمنح شرعية اكبر ويقلل من الأصوات الناقدة داخلياً.
بالتوقيع من الممثلين على الوثيقة ينسدل الستار على الجزء الأول من العملية، ليطل الجزء الثاني المرتبط بإدارة التحالف وهو ما ظل يمثل التحدي الأكبر على مر سجل التحالفات السياسية والعسكرية في السودان، التي من ضمنها أسئلة الشرعية للمجموعات المختلفة التي انقسمت (عملياً) من بعض الأحزاب أو الحركات المسلحة، وكذلك موقف المجتمعين الدولي والإقليمي من التحالف، في كل الأحوال تراجع تقدم وانقسامها، والتحالف الجديد وموقف الجيش الذي يظهر في استمرار العمليات العسكرية بما في ذلك القصف الجوي، يقابله موقف الدعم السريع في مواصلة القتال بما في ذلك الهجوم المستمر على الفاشر يشير إلى رجحان استمرار الحرب إلى فترة ليست بالقصيرة، وقد تنتقل لمناطق أخرى، بالإضافة إلى انتشار معسكرات التدريب العسكري إلى مناطق أخرى داخل وخارج السودان، مع ازدياد التسليح كماً ونوعاً لأن معادلة الحرب تمضي اضطراداً مع الأطراف الخارجية الداعمة للحرب.
الوسومأبو كرشولة الجبهة الثورية الجيش الحركة الشعبية الدعم السريع السلام الهادي إدريس تحالف نيروبي حركة تحرير السودان شرق السودان محمد بدوي مناويالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجبهة الثورية الجيش الحركة الشعبية الدعم السريع السلام الهادي إدريس تحالف نيروبي حركة تحرير السودان شرق السودان محمد بدوي مناوي حرکة تحریر السودان الحرکة الشعبیة تحالف نیروبی الدعم السریع فی السودان ا الحرب
إقرأ أيضاً:
هل يُنجب تحالف الميثاق التأسيسي حكومة موازية في السودان؟
الخرطوم- مهّد توقيع قوات الدعم السريع وحركات مسلحة وقوى سياسية ومدنية متحالفة معها بنيروبي أمس على "الميثاق التأسيسي"، الطريق لإعلان حكومة أخرى موازية في السودان، وسط مخاوف من تعميق حالة الانقسام من جهة، وتطمينات من جهة أخرى، بأن هذه الخطوة لا تعدو كونها "فرقعة إعلامية" لا أثر لها في الوقع.
وجاء توقيع الميثاق التأسيسي بعد مخاض عسير وتأجيل لـ3 مرات، بسبب خلافات مُبكِرة حول هيكلية السلطة الموازية حسب مصادر تحدثت الجزيرة نت من نيروبي، وفي غضون ذلك، اعتبر حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي في منشور على صفحته في "فيسبوك" أن "الموقعين شركاء في جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي مارسته قوات الدعم السريع في السودان".
تحديات الحكومة الموازيةقال رئيس السلطة الإقليمية وحاكم دارفور الأسبق التجاني سيسي للجزيرة نت إن "الحكومة الموازية لا تتوفر لها فرص النجاح، خاصة أن مجرد طرح فكرة تكوينها أدى إلى انقسام "تقدم" التي سبق أن وقعت اتفاقا مع الدعم السريع العام الماضي في أديس أبابا، بالإضافة إلى التعقيدات التي أدت إلى تأخير التوقيع على الميثاق وإعلان الحكومة الموازية، مما يدل على أن هنالك جملة من التحديات التي تواجه القائمين على هذا الأمر.
إعلانوأوضح أن من أكثر التحديات التي ستواجه الحكومة الموازية هو أنها لن تتمكن من ممارسة سلطتها القانونية في هذا الوقت الذي بدأت فيه القوات المسلحة والقوات المساندة لها بأخذ زمام الأمور وتحرير المزيد من المناطق، "وهي في طريقها إلى تحرير دارفور من قبضة المليشيات" حسب قوله.
وأفاد سيسي بأن قوات الدعم السريع وقيادتها تواجه تحديات أخرى منها العقوبات التي فُرضت عليها من الإدارة الأميركية بالإضافة إلى اتهامها بارتكاب جرائم الإبادة والتطهير العرقي، بينما تنادي مجموعات دولية ومنها أميركية بتصنيف الدعم السريع كمنظمة إرهابية.
وأضاف "في ظل هذه الاتهامات يصعب أن تجد الحكومة الموازية التي ستُشكل بإشراف الدعم السريع أي اعتراف إقليمي أو دولي، ربما نتوقع أن تعترف بها بعض دول الجوار، في تحدٍّ واضح لمواثيق الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة".
قلق أممي ورفض شعبيأعرب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عن قلق المنظمة الدولية إزاء إعلان قوات الدعم السريع تشكيل حكومة موازية في السودان، وحذرالمتحدث ستيفان دوجاريك، من أن هذه الخطوة قد تزيد من حدة الانقسام وتُفاقم الأزمة المستمرة في البلاد.
وأكد دوجاريك، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية، أهمية الحفاظ على وحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه، كشرط أساسي للتوصل إلى حل دائم للنزاع، بينما لم يتأخرالرد الشعبي الرافض للميثاق التأسيسي والتوجه الرامي لإنشاء حكومة موازية في المناطق خارج سيطرة الجيش السوداني.
وشهدت مدينة شندي بولاية نهر النيل اليوم الأحد مسيرة كبرى سيَّرتها القطاعات والفئات المختلفة بالمدينة، رفضا واستنكارا للحكومة الموازية التي أطلق عليها الموقعون على ميثاقها "حكومة السلام والوحدة" في حين أطلق عليها المنددون بها في ميدان المولد اليوم اسم "حكومة العمالة والمهزلة".
إعلان فرقعة إعلامية وعلاقات عامةوقال رئيس حركة تحرير السودان ووالي ولاية غرب دارفور مصطفى تمبور للجزيرة نت إن "ما تم في نيروبي هو فرقعة إعلامية ولقاء علاقات عامة لعناصر مليشيا الدعم السريع ليس أكثر"، وأضاف أن "الفائدة الوحيدة من اجتماعات نيروبي أنها كشفت زيف من كانوا يقولون إنهم محايدون، واتضح أنهم داعمون لمليشيا الدعم السريع".
وأكد أن الدعم السريع وحلفاءه ظلوا منذ وقت طويل يحاولون السيطرة على مدينة الفاشرلإعلانِ حكومةٍ على طريقة ليبيا، لتكون بداية تقسيم السودان، وقطع بأن "السودان لن يتشظى أبدا وسيعود قريبا أقوى وأفضل مما كان".
وقال تمبور "إن مليشيا الدعم السريع تسعى لتكرار النموذج الليبي في السودان لأن الخطة (ب) بعد فشل الاستيلاء على السلطة في الخرطوم هي إعلان حكومة موازية في دارفور، ولكن سنبذل قصارى جهدنا لقطع الطريق أمام هذا المخطط مهما كلفنا ذلك من ثمن".
مؤيدون للميثاقيؤيد الموقعون على الميثاق التأسيسي الحكومة الموازية في السودان، وأبرزهم قوات الدعم السريع، الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو، والعديد من الحركات العسكرية والتنظيمات السياسية والمدنية، فضلا عن توقيع رئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة ناصر عن حزب الأمة القومي، وإبراهيم الميرغني عن الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل.
وكان الحزب الاتحادي الأصل قد استبق التوقيع على الميثاق بتوضيح صحفي أشار فيه إلى أن إبراهيم الميرغني تم فصله من الحزب منذ الرابع من ديسمبر/كانون الأول 2022 ولم يعد يمثل إلا نفسه بمشاركته في ما يسمى بميثاق السودان التأسيسي بنيروبي.
وفي السياق، أوضحت رباح الصادق المهدي القيادية بحزب الأمة القومي في منشور على صفحتها بفيس بوك قبل أيام من توقيع رئيس الحزب فضل الله برمة ناصر، أن مشاركة برمة في تشكيل الحكومة المدنية الموازية انتحار سياسي لشخصه ومحاولة لنحر الحزب.
إعلانوقالت "إن خيارات اللواء برمة خيارات تخصه، أما هذا الحزب فقد بنته مجاهدات وأقيم على أسس ومبادئ ديمقراطية ومؤسسية"، معتبرة أنه لا يمكن لأحد أن يتجاوزها أو يتجاهلها، وأكدت أن الحزب بريء من ذلك.
اتساع الرفضاتسعت دائرة الرفض للميثاق التأسيسي للحكومة الموازية في الأوساط الشعبية والرسمية في السودان، بعد أن كان التوجه نحو خيار الحكومة الموازية سببا مباشرا في انقسام حلفاء الأمس في تنسيقية القوى المدنية "تقدم".
و يستبعد مراقبون اعتراف أي دولة بالحكومة الجديدة بشكل علني باعتبارها الحكومة الشرعية في البلاد، في حين يشير آخرون لدعم غير معلن للحكومة الموازية والقوى الموقعة على الميثاق السياسي.
ومن المرجح أن يتم التعامل مع الحكومة الموازية المرتقبة، التي أثارت قلق الأمم المتحدة قبل تشكيلها، كحكومةِ أمرٍ واقعٍ في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع في دارفور غربي السودان، حيث تسعى كثير من الجهات الدولية لإيصال المساعدات الإنسانية للمناطق خارج سيطرة الجيش، مما يحتم تواصلها وتنسيقها مع السلطات الموجودة على الأرض.
ويبدو أن نجاح الحكومة الموازية في مهامها رهين بمجريات الوضع العسكري والميداني على الأرض، حيث تتسع رقعة تقدم الجيش السوداني الذي تمكن اليوم من الاستيلاء على مدينة القطينة من قبضة قوات الدعم السريع، التي تسعى -وفق محللين سياسيين- لتعويض خسائرها العسكرية بما تعتقد أنه انتصارات وتحالفات سياسية تضمن وجودها وفاعليتها في أي معادلة قادمة لحكم السودان.