الكتاب الإلكتروني والنشر الذاتي.. هل يدقان المسمار الأخير في نعش المطابع؟
تاريخ النشر: 24th, February 2025 GMT
هل من الممكن أن يغادر مخترع المطبعة غوتنبرج بمطابعه وأدوات نشره حياتنا بلا رجعة، بعد مئات من السنين كان ضجيج المطابع فيها ولون الأحبار علامة ورمزا من رموز الحضارة والتقدم.
يبرز هذا التساؤل بقوة مع انتشار الكتاب الإلكتروني والنشر الذاتي، حيث تفرض الكتابة الرقمية سطوتها وسيطرتها على عالم النشر والطباعة السحابية الجديدة.
وحتى وقت قريب، لم يكن من الممكن وصول الكتاب إلى القارئ دون المرور عبر المطابع ودور النشر وشركات التسويق، وطباعة الكتاب وتسويقه تستلزم مزيداً من المال والجهد والوقت. أما اليوم، فتكفي بضع نقرات من المؤلف على شبكة الإنترنت، ليكون لديه خلال دقائق كتاب إلكتروني جديد، ويضاف لقائمة الكتب المقروءة في جميع أنحاء العالم، بل والأكثر من ذلك، إذ يمكن تسويق الكتاب الإلكتروني ذاتيا من طرف المؤلف نفسه.
ومع تطور أدوات النشر الرقمي الإلكتروني، بدأت منصات عالمية مثل "أمازون وأخواتها" في دعم النشر الذاتي، وإنشاء منصات نشر خاصة بالمؤلف العربي، تتيح للمؤلف إرسال مادة كتابه للمنصة مباشرة ليتم نشرها دون الحاجة لوسيط.
صناعة في خطرتمر صناعة النشر في الوطن العربي اليوم بمرحلة حرجة، إذ باتت صناعة الكتاب تتأرجح بين الانطلاق والتعثر، مدفوعة بالعديد من العوامل التي تسببت في تراجع حركة النشر العربية. وفي الوقت نفسه، بدأت منصات عالمية، مثل منصة أمازون (Amazon) للنشر الإلكتروني وبيع الكتب، في التعاقد مع بعض الكتاب المصريين لنشر أعمالهم إلكترونيا، مما يضع دور النشر العربية في موقف سئ للغاية.
إعلانمن جانبها، أعلنت دار النشر البريطانية "أوستن ماكولي" بأنها ملتزمة بتسليط الضوء على الكتاب الجدد من جميع أنحاء العالم. ومن خلال فرعها بالشارقة، أطلقت نداءا عاما باللغة العربية، يقول:
"نحن نقبل المخطوطات من جميع الأجناس، مع أو من دون وكيل، ومن أي مكان في العالم، سواء كنت مؤلفا جديدا أو لديك أعمال منشورة مسبقا، تود دار أوستن ماكولي للنشر أن تسمع منك".
في السياق نفسه، ومنذ أشهر قليلة، قام الدكتور "محمود أبو دومة"، مدرس التمثيل والإخراج المسرحي بجامعة الإسكندرية، بالتعاقد مع موقع أمازون لنشر كتابه "عتب البيوت". وعن تجربته مع النشر الإلكتروني، أوضح الدكتور في حديثه لـ"الجزيرة نت" أنه أدرج النص على رابط لحساب جامعة ساوث البريطانية المهتمة بالدراسات العربية والإفريقية، وذلك بعدما قامت المترجمة سارة عناني بترجمته إلى الإنجليزية ونشره عبر موقع أمازون.
وأضاف أبو دومة أن أمازون بالماضي كانت تطبع من كل كتاب ألف نسخة ورقية، لكنها توقفت عن ذلك نظرا لمشاكل متعلقة بصعوبة التخزين، وأصبحت تعتمد على الطباعة عند الطلب مع خدمة التوصيل خلال أيام قليلة، إلى جانب توفير النسخة الإلكترونية والترويج لها عبر الإعلانات اللازمة على مواقع الإنترنت.
ووفق ما قاله الدكتور أبو دومة، فقد واجه الكتاب عده تحديات، يمكنها أن تعكس الصعوبات التي تعترض الكتاب العربي في الخارج، حيث لا دعاية ولا تسويق إعلامي للكتب العربية. كما أن الكتابة العربية لا تزال محدودة ومهمشة، وتم اختزال الكتاب في التعبير المصري وليس العربي. وبعد إغلاق المكتبات العربية في لندن وعواصم أوروبا، والتي كان آخرها مكتبة ودار نشر الساقي، زادت الصعوبات في توزيع الكتاب العربي في الخارج.
أما عن مستقبل الكتاب الورقي، فيقول الأكاديمي والمسرحي المصري: "الكتاب الورقي في الحقيقة يواجه مشاكل كبيرة، بينما السيادة سوف تكون مستقبلا للكتاب الإلكتروني، حيث تفضل الأجيال الشابة قراءة الكتب على الأجهزة الإلكترونية الحديثة مثل الـ "كندل" بعكس جيلنا الذي مازال معتادا على قراءة الكتاب الورقي، ولهذا أتوقع أنه خلال عشرين عاما فقط ستنهار مكانة الكتاب الورقي مقابل صعود امبراطورية الكتاب الإلكتروني. وسوف يزدهر النشر الذاتي، حيث سيقوم كل كاتب ومؤلف بنشر أعماله بنفسه من خلال منصات إلكترونية متنامية، دون الاستعانة بوسيط نشر أو تسويق".
وهناك العديد من البرامج يتم الترويج لها من قبل منصات النشر الذاتي بواسطة مؤسسات عالمية، تشجع الكتاب والشبان الجدد على الإقدام على النشر الذاتي بلغة جذابة مثل:
"إذا كنت جديدا في مجال النشر، فلا داعي للقلق، تقدم لك جميع منصات نشر الكتب الإلكترونية الدعم الذي تحتاجه للتأكد من أنك تقوم بالأشياء بشكل صحيح، نأمل أن نكون قد أقنعناك بأن موقع نشر الكتب الإلكترونية هو الطريقة الصحيحة لنشر الكتب عبر الإنترنت، نتمنى لك حظا سعيدا بالنشر!".
ومنذ عدة سنوات، ظهرت برامج كثيرة للنشر الذاتي للكتب منها:
إعلان Kindle Direct Publishing (KDP) المملوكة لشركة أمازون، والتي تتيح نشر الكتب بـ 34 لغة مختلفة. ولا تعتبر(KDP) مجرد ناشر، ولكنها أيضا بائع تجزئة للكتب الإلكترونية، يمكنه منح الكتّاب انتشارا عالميا والسماح بإجراء تغييرات في النصوص عند الحاجة. هناك أيضًا منصة Blurb الخاصة بنشر وتسويق الكتب الإلكترونية. بينما يقدم موقع Smashwords أدوات تسويق مجانية عبر الإنترنت للترويج للكتب الإلكترونية. أما منصة Lulu فتتيح لك إنشاء كتبك ونشرها وبيعها مجانا. في حين أن منصة FlipHTML5 توفر خدمة نشر الكتب الإلكترونية بصيغة PDF مجانا. منصة Kobo Writing Life تتيح لك نشر الكتب الإلكترونية من خلال عملية خطوة بخطوة. منصة Blurb أداة مجانية لنشر الكتب. كذلك تعتبر Bookrix منصة مجانية لنشر الكتب الإلكترونية، حيث تقوم بتنسيق كتابك الإلكتروني بشكل صحيح، وتتحقق من عملك وتحسنه قبل النشر، بل وتمنحك رقم ISBN مجانيا. أما Kitaboo هو نظام أساسي لنشر الكتب الإلكترونية، ومتاح للاستخدام على أجهزة Windows و Android و iOS. وتقدم إغراءات جديدة للكتاب الجدد، إذ يمكنك تحويل كتبك الإلكترونية بسهولة إلى تنسيق EPUB والحفاظ على أمان المحتوى الخاص بك من خلال حماية DRM، كما تمكن القراء من قراءة كتبك في وضع عدم الاتصال بمجرد تنزيلها.وفي ظل هذه المنافسة الشرسة مع قوى نشر دولية، كان سؤالنا للمسؤول الأول في اتحاد الناشرين العرب: ما هو مستقبل النشر العربي؟ هل تستطيع دور النشر العربية مواكبة هذه التغيرات؟
يجيبنا "محمد رشاد" رئيس اتحاد الناشرين العرب، بأن الأزمة الحقيقية التي تواجه مستقبل النشر العربي تنبع من بنية صناعة النشر نفسها، حتى باتت صناعة الكتاب في المنطقة العربية بحاجة إلى مراجعة شاملة.
إعلانوتتمثل أزمة الكتاب العربي في انتقاد سياسات الكتاب في الوطن العربي، حيث لا أسس أو قواعد جرى الاستقرار عليها. أولها، إتاحة الكتاب للقارئ عبر سلسلة من المكتبات العامة، من خلال سياسات تزويد واضحة مستدامة، تكفل للناشر أن يضع خطط نشر على مدى زمني طويل، فضلا عن أن أعداد المكتبات العامة في الدول العربية لا تزال دون الحد الأدنى.
وفي ظل التطورات التقنية، أصبح الكتاب العربي أمام صراع وجودي بين الكتاب الرقمي والكتاب الورقي، وأصبح الناشر التقليدي بحاجة إلى الدعم التقني المستمر، لمواكبة تلك المتغيرات السريعة، والتفاعل معها لسد الثغرات بين كلا من الناشر والفضاء الرقمي ومعطياته.
وقد ناقش الاتحاد كل التحديات التي تواجه صناعة الكتاب في الوطن العربي، ووضع الحلول اللازمة لها، مثل التعامل مع الكتاب الإلكتروني والنشر الذاتي. كما نبه على أن الاهتمام بصناعة الكتاب من قبل القائمين عليها من أصحاب دور النشر يتطلب تكاتف الجهود الرسمية للنظر إلى الكتاب بنظرة مغايرة اقتصاديا وسياسيا، واعتباره صناعة يمكنها تمثيل رقم صعب في اقتصاديات الدول العربية ككل، وأن تتعامل الحكومات العربية مع الكتاب، مثلما تتعامل الدول الغربية والصين والهند مع هذه الصناعة المهمة.
ويضيف رئيس اتحاد الناشرين العرب:
"إذا لم نستجب لهذه التغيرات، فإن صناعة النشر العربية ستصبح في مهب الريح، ليحل محلها شركات عابرة للحدود تقتطف ثمار المعرفة والعلم، وهو ما يهدد أمننا الثقافي وهويتنا، بل وحتى أمننا المعلوماتي. وإذا لم نكن جاهزين للمستقبل، سنصبح جزءًا من الماضي".
الدكتور خالد عزب، خبير النشر وصاحب أحدث الدراسات حول النشر الإلكتروني والنشر الذاتي في المنطقة العربية، يؤكد أن الكتاب الإلكتروني بدأ يزحف بقوة نحو القمة، مما أدى إلى تراجع الكتاب الورقي عن عرشه الذي تربع عليه لقرون طويلة.
يقول الدكتور خالد عزب للجزيرة نت:
"حال المنطقة العربية الآن في مواجهة النشر يشبه إلى حد كبير حال مصر في نهاية القرن الثامن عشر، مع الفارق، عندما فوجئنا ونحن في سباتنا الطويل بالغازي نابليون بونابرت يدق أبواب ديارنا ومعه المطبعة والمدفع".
ويؤكد عزب أن الاستحواذ على القارئ العربي الآن، أصبح يتطلب مجهودا كبيرا، بعدما وضعت العديد من دور النشر الأجنبية المنطقة العربية على قوائمها. ومن هنا أصبحنا أمام صراع للبقاء، نكون أو لا نكون، في مواجهة شركات التوزيع الرقمي وشركات النشر العالمية العملاقة، والتي تعمل للاستحواذ على القارئ.
إعلانوفي دراسة مقارنة مهمة، ينقلنا خبير النشر "خالد عزب" إلى قلب سوق النشر الإلكتروني في العالم، ليضعنا أمام حقيقة الخطر القادم نحونا، والذي لا ينتبه له العرب. إذ تشير الدراسة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تعد أهم سوق عالمي للكتاب في الوقت الحالي، فقد شهد الكتاب الصوتي نموا بنسبة تزيد على 20% في عام 2022. ففي عام 2021، تم نشر 74,000 كتاب صوتي، وفي عام 2020 تم نشر 71,000 كتاب. كما مثلت الروايات الفئة الأكثر نموا في الكتب المطبوعة، حيث شكلت 40% من بين 788 مليون كتاب مطبوع. وتمثل الولايات المتحدة ربع حجم السوق الدولي للكتب، بينما شهدت مبيعات الكتب فيها زيادة بنسبة 21% خلال عامي 2019 و2020. ومن المهم أن نلاحظ أن مبيعات الكتب عبر الإنترنت تمثل 71% من حجم المبيعات في الولايات المتحدة.
ويستمر خالد عزب في سرد دراسته حول حجم تجارة الكتاب في العالم قائلاً: "نجد تزايد في عدد الكتب المنشورة بالعالم خلال السنوات الأخيرة، حيث تم نشر 2.5 مليار كتاب في عام 2021، كما تعد الولايات المتحدة أكبر ناشر في العالم، تليها المملكة المتحدة والصين. ومازالت الإنجليزية هي اللغة الأكثر إقبالا في حركة النشر، تليها الصينية ثم الإسبانية، ولا مجال هنا للتحدث عن العربية أو وضعها في مقارنة أو مقاربة".
من الأرقام المهمة عالميا، والتي تشير إلى الاهتمام المتزايد بالأديبات العربيات، أنه من بين كل 1000 رواية تم تأليفها، كانت 629 رواية من تأليف النساء. وهذا الرقم يعكس الزيادة المضطردة في نشر الروايات التي تكتبها الأديبات العربيات خلال السنوات العشر الأخيرة. ففي عام 2019، مثلن نحو 10% من حجم الروايات المنشورة عربيا، بينما ارتفعن إلى 17% في عام 2022.
View this post on InstagramA post shared by مقهى تشكيل (@tashkeellcafe)
143 مليار دولارفي عام 2016، قدر عدد الكتب المباعة بحوالي 2.2 مليار نسخة، 72% منها تم بيعها في الولايات المتحدة والصين وبريطانيا. ومن المتوقع أن تنمو صناعة النشر للكتب العامة والتعليمية بنسبة 1.9% سنويا بحلول عام 2030. علما بأن إيرادات نشر الكتب عالميا قدرت في عام 2021 بحوالي 143.65 مليار دولار، بينما كانت تقدر في عام 2018 بحوالي 122 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى 163.89 مليار دولار في عام 2030.
إعلانومن حيث طبيعة الإتاحة، لا تزال الكتب المطبوعة تمثل 77% من حجم المبيعات، بينما من المتوقع أن تنمو مبيعات الكتب الصوتية بنسبة قدرها 27% خلال الخمس سنوات القادمة.
ومن المتغيرات الجديدة في حركة النشر وإيراداته على الصعيد الدولي، أن الهند في عام 2019 تجاوزت بريطانيا لتصبح الناشر رقم 5 عالميا، لتتألف الدول الخمس الكبرى في حركة النشر من: الولايات المتحدة، الصين، اليابان، ألمانيا، والهند. ومن المتوقع أن تقفز حصة الهند من السوق الدولي في مبيعات الكتب إلى حوالي 68% بحلول عام 2027. ومن المثير للاهتمام أن الهند تعد من بين الدول التي تصدر كتب التعريف بالإسلام والكتب الإسلامية باللغة الإنجليزية للعديد من الدول، وهو المجال الذي لا تزال دور النشر العربية غائبة عنه.
من ناحية أخرى، نجد أن النشر الأكاديمي يحقق أعلى عائد ربح على الصعيد الدولي، حيث تشير التقديرات إلى أنه يتم نشر أكثر من 5.14 مليون ورقة أكاديمية كل عام، بما في ذلك أوراق المؤتمرات والدراسات الاستقصائية والمراجعات.
وخلال السنوات الخمس الماضية زاد عدد المقالات الأكاديمية المنشورة بنسبة 22.78 %. واحتلت الصين المرتبة الأولي عالميا في النشر الأكاديمي منذ العام 2022، حيث أصبحت أول دولة تنشر أكثر من مليون بحث في العام، مع الأخذ في الاعتبار أن 36 % من عدد المقالات الأكاديمية تأتي من الصين والولايات المتحدة، كما أن 10 دول فقط تنشر 87% من جميع الأبحاث الأكاديمية في العالم.
على صعيد مواز، يشهد سوق الكتاب المستعمل نموا متصاعدا عالميا، بالرغم من أنه لا يحظى بالاهتمام الكافي. إلا أنه يحقق دورا متصاعدا عربيا، خاصة في مصر والعراق والمغرب، حتى أن مبيعاته على فيسبوك أخذت تنمو بوتيرة ملحوظة في الدول العربية. قُدّر حجم مبيعات الكتب المستعملة عالميًا في عام 2022 بحوالي 24.03 مليار دولار، بنسبة نمو 5.5% مقارنة بعام 2021، حيث يتم بيع أكثر من 50% من الكتب المستعملة في الولايات المتحدة وأوروبا.
إعلانوعربيا، تشير بيانات النشر الدولية إلى قرب حركة النشر في مصر والسعودية من متوسطات النشر في العديد من الدول، حيث يصل عدد الإصدارات في مصر إلى حوالي 25 ألف، وفي السعودية حوالي 15 ألف.
في المقابل، تأتي تركيا كحالة تستحق الدراسة، حيث نشرت 91.145 عنوانًا في عام 2022، منها 81.550 مطبوعا ورقميا و9.525 إلكترونيا. وبالرغم من أن سنغافورة يبلغ عدد إصداراتها 19.510 عنوان، إلا أن صادراتها من الكتب أضعاف ما تصدره المنطقة العربية.
أما الهند، فأنتجت في عام 2022 نحو 90 ألف عنوان، وقد بدأت في منافسة بريطانيا في الكتب الصادرة باللغة الإنجليزية في مختلف التخصصات.
إن أدوات النشر الإلكتروني تخلق فضاءات جديدة للنشر، مما جعل من السهل على دور النشر الأجنبية الكبرى الولوج لساحة النشر العربية، والاستحواذ على الحصة الأكبر المتمثلة في تزويد المكتبات الجامعية وموازنات وزارات التربية والتعليم. وهو ما سيتسبب حتما في تراجع عدد كبير من دور النشر العربية التي تعتمد على الكتاب التعليمي، ويهدد صناعة النشر في عدد كبير من الدول العربية مثل مصر ولبنان والأردن والعراق.
وبالفعل بدأت منصة أمازون فتح باب النشر الذاتي للمؤلفين العرب، ما سيؤدي إلى منافسة شديدة لن تكون في صالح دور النشر العربية التي ستقف عاجزة عن مواكبة هذه التغيرات العالمية.
لذا، فإن التدخل السريع من قبل الجهات المعنية أصبح أمرا بالغ الأهمية لإنقاذ صناعة النشر. ويجب وضع خطة إنقاذ عاجلة قبل دخولها مرحلة الخطر الحقيقي، كما يجب على المسئولين في الدول العربية تغيير النظرة السلبية واللامبالية لاقتصاد النشر، باعتبارها صناعة قادرة على جلب عملات صعبة وتوفير الآلاف من فرص العمل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات قمة الويب اجتماعي الکتاب الإلکترونی دور النشر العربیة الولایات المتحدة النشر الإلکترونی المنطقة العربیة الکتاب الورقی الکتاب العربی الدول العربیة من المتوقع أن مبیعات الکتب صناعة الکتاب صناعة النشر ملیار دولار فی العالم الکتاب فی فی عام 2022 النشر فی خالد عزب من خلال لا تزال کتاب فی تم نشر عام 2021
إقرأ أيضاً:
بتوقيت واشنطن آن الأوان لنزول قسد عن شجرة الحكم الذاتي
برزت القوات الكردية المتمركزة في سوريا على مدى أكثر 12 عاما كلاعب رئيسي، ولد مع إعلان وحدات حماية الشعب المعروفة بصلاتها بتنظيم حزب العمال الكردستاني عن تأسيس إدارة ذاتية في المناطق ذات الغالبية الكردية في شمالي وشمالي شرقي البلاد عام 2013.
ومع سقوط نظام الأسد، يجد الأكراد أنفسهم عند مفترق طرق إستراتيجي -وفق مقال نشرته مجلة فورين أفيرز- قد يعني التخلي عن الحكم الذاتي الكامل مقابل ضمانات بحقوق ثقافية محدودة أو تمثيل سياسي في سوريا موحدة.
قبل الوصول إلى هذه النتيجة، لا بد من الإشارة إلى مسيرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) عبر سنوات الثورة وحتى سقوط نظام الأسد.
في السنوات الأولى التي تلت انطلاق الثورة السورية في 2011، توسعت رقعة سيطرة الوحدات الكردية تدريجيا من خلال المعارك التي خاضتها ضد فصائل المعارضة السورية، لتتوج رحلة صعودها العسكري والأمني مع انطلاق التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة بقيادة الولايات المتحدة في 2014، معلنة عن تأسيس قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، لتكون شريكا رئيسيا لواشنطن في القضاء على تنظيم الدولة.
بموجب هذا التعاون، كرّست الوحدات الكردية إدارتها لمناطق واسعة شمالي شرقي سوريا، وهي منطقة غنية بالنفط والموارد الزراعية وتشكّل نحو ثلث الأراضي السورية، ولم تخف طموحاتها للانفصال تارة، وتأسيس فدرالية داخل سوريا تارة أخرى.
لكن هذا الصعود أصبح معرضا للخطر مع انهيار النظام السوري، وصعود حكومة جديدة في دمشق تتمتع حتى الآن باحتضان إقليمي وقبول دولي حذر، حيث باتت خياراتها للحفاظ على بعض مكاسبها محدودة.
تمكنت الوحدات الكردية من تثبيت دعائم حكمها لمنطقة الجزيرة السورية من خلال تحالفات معقدة، فقد كانت تتجنب منذ البداية المواجهة المباشرة مع قوات النظام المخلوع.
إعلانويرى محللون أن النظام المخلوع تحالف ضمنا معها مفسحا لها المجال للسيطرة العسكرية على مناطق الثقل الكردية، للتركيز على سحق الثورة السورية وفصائلها المتمركزة في غربي وشمالي البلاد.
كما أثار تحالف الولايات المتحدة معهم غضب تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، إذ تصنف أنقرة وحدات حماية الشعب منظمة إرهابية بوصفها امتدادًا لحزب العمال الكردستاني.
في النصف الثاني من عمر الصراع السوري، شنت تركيا عمليات عسكرية متكررة عبر الحدود للحد من توسع سيطرة الوحدات الكردية، ووجهت لها ضربات متتالية لا سيما في عملية غصن الزيتون التي أدت إلى طردها من عفرين عام 2018، ثم عملية نبع السلام التي أخرجتها من منطقتي رأس العين وتل أبيض عام 2019، وفي كل مرة كانت واشنطن تمارس ضغوطا على حليفتها أنقرة لمنعها من سحق "قسد".
ومع شن فصائل إدارة العمليات العسكرية عملية ردع العدوان في حلب في ديسمبر/كانون الأول الماضي، شنت فصائل الجيش الوطني المتحالفة مع تركيا عملية موازية باسم فجر الحرية، تمكنت خلالها من طرد الوحدات الكردية من عدة مناطق أبرزها تل رفعت ولاحقا منبج، حيث لا تزال تجري بعض المناوشات حتى الآن، في ظل اتفاق هدنة هش توسطت فيه أيضا الولايات المتحدة.
مع اكتمال سقوط نظام بشار الأسد في دمشق تغيرت قواعد اللعبة، فالحكومة السورية الجديدة أعربت عن نيتها استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية، بما في ذلك المناطق التي تسيطر عليها "قسد"، وسط ضغوط من تركيا لحسم الأمور سريعا.
وفي الوقت نفسه، بدأت الولايات المتحدة -التي لم يعد لديها مصلحة واضحة في البقاء بعد هزيمة تنظيم الدولة وسقوط الأسد- في الإعداد للانسحاب التدريجي من سوريا، تاركة "قسد" من دون حليف قوي.
خيارات محدودة
يرى الباحث البارز ومدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب والتطرف بمعهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر، في المقال المنشور بمجلة فورين أفيرز، أن "قسد" تواجه الآن 3 خيارات رئيسية، ولكل منها مخاطره.
إعلان الخيار الأول: مواصلة التمسك بالحكم الذاتي والانخراط في قتال القوات الحكومية وبمساندة مباشرة من تركيا، مضيفا أن هذا المسار محفوف بمخاطر جمة، فمن دون الدعم الأميركي، ستكون قوات سوريا الديمقراطية أضعف بكثير. كما أن القتال قد يؤدي إلى تدمير ما قاموا ببنائه ويُعرض السكان المدنيين لخطر كبير. الخيار الثاني: البحث عن حلفاء جدد، مثل روسيا أو إيران، وكان لكليهما دور كبير في دعم الأسد، ويبقى هذا الخيار غير مرجح، بحسب ليستر.فروسيا، التي لديها قواعد عسكرية في سوريا، قد تفضل التعامل مع الحكومة الجديدة في دمشق على حساب "قسد" من أجل الحفاظ على نفوذها. أما إيران، التي تركز على تعزيز محور المقاومة الشيعي، فليس لديها مصلحة واضحة في دعم الأكراد العلمانيين. الخيار الثالث: الأكثر واقعية، على الرغم من صعوبته، فهو التفاوض مع الحكومة السورية الجديدة.
ووفقا للباحث الأميركي المتخصص بالشأن السوري، فقد يعني ذلك التخلي عن الحكم الذاتي الكامل مقابل ضمانات بحقوق ثقافية محدودة أو تمثيل سياسي في سوريا موحدة، مضيفا أن هذا لن يكون حلاً مثاليا بالنسبة لهم، لكنه قد يكون السبيل الوحيد لتجنب حرب جديدة.
صفقة محتملة
منذ سقوط الأسد، دخلت قوات سوريا الديمقراطية في محادثات مع الإدارة السورية الجديدة في دمشق بشأن صفقة محتملة قد تفضي إلى اندماجها في سوريا موحدة.
ورغم الاشتباكات المحدودة في محيط منبج والهجمات التي استهدفت المدنيين فيها، فإن الصفقة لا تزال خيارا مفضلا لجميع السوريين، رغم أن بعض الأوسط تتوقع أنه قد يكون ضروريًا في نهاية المطاف.
ويقول تشارلز ليستر، الذي زار سوريا لأيام مؤخرا، إنه علم بأن ضباطًا عسكريين أميركيين كانوا مشاركين بنشاط في تسهيل المحادثات بين دمشق و"قسد"، وحضروا اجتماعات عالية المستوى في قاعدة ضمير الجوية بالقرب من دمشق، والتي قيل إنها جمعت قائد "قسد" مظلوم عبدي والرئيس السوري أحمد الشرع قبل تعيينه في الرئاسة.
إعلانويضيف ليستر، نقلا عن مصادره، أن القيادة المركزية الأميركية أذنت بحل قواته وانضمامها إلى قوات الحكومة الانتقالية.
وبحسب تفاصيل تسربت حول بنود الصفقة المحتملة، وعدت الحكومة الانتقالية في دمشق الأكراد في سوريا بالحقوق المتساوية، وقالت إنها تخطط لاعتبار اللغة الكردية لغة ثانية في سوريا.
كما سيُمنح لشخصيات قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية مقاعد وعضوية في جميع الهيئات الانتقالية في سوريا، بما في ذلك البرلمان المؤقت واللجنة الدستورية. وستُستثمر عائدات قطاعي النفط والغاز والزراعة في سوريا بشكل متناسب في شمالي شرقي البلاد، بحسب ليستر.
بعد أسابيع من المحادثات، قبلت قوات سوريا الديمقراطية الجزء الأكبر من الصفقة من حيث المبدأ، في تصريحات علنية، وذلك حسبما أكدت عقب لقاء يوم 17 فبراير/شباط الجاري بين الأذرع السياسية والعسكرية والإدارية لقسد.
وبينما قبلت "قسد" منذ أسابيع مبدأ الاندماج في القوات المسلحة السورية الجديدة، لا تزال مسألة جوهرية عالقة في المحادثات وهي كيفية حدوث ذلك.
وبعدما طالب قائد "قسد" مظلوم عبدي بأن تظل قواته كتلة متميزة ضمن القوات المسلحة السورية الجديدة، وأن تظل متمركزة فقط في مواقعها الحالية في شمالي شرقي سوريا، نقلت تقارير عن اجتماع 17 فبراير/شباط الحالي أن "قسد" تخلت مبدئيا عن الاحتفاظ بكتلة متميزة في الجيش، وقبلت دمج عناصرها أفرادا، إلا أن بيانات رسمية تحدثت عن استمرار وجود مسائل خلافية.
بالنسبة للحكومة الانتقالية، فإن هذه خطوة إلزامية تهدف إلى تجنب حكم الأمراء العسكريين وغرس شعور الخدمة الوطنية بدلاً من الولاء الجغرافي أو الطائفي أو الفصائلي. ومن دون تحرك في هذه المسألة، ستظل الصفقة بعيدة المنال.
إعلان
تكيف أميركي
يبدو أن السياسة الأميركية تجاه سوريا بدأت بالتكيف مع التغيير العميق الذي مرّت به البلاد منذ ديسمبر/كانون الأول 2024. فقد انخرطت الاستخبارات الأميركية في تبادل فعال للمعلومات مع الحكومة الانتقالية، يركز بشكل أساسي على الهدف المشترك المتمثل في مكافحة تنظيم الدولة.
وتم بالفعل إحباط عدة عمليات كان تنظيم الدولة يخطط لشنها في سوريا، وفق ما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" نقلا عن مسؤولين أميركيين.
وبدأ الجيش الأميركي بتشجيع قوات سوريا الديمقراطية على التوصل إلى صفقة مع دمشق، وقد أعرب عن هذا الدعم عقب بيان "قسد" يوم 17 فبراير/شباط الجاري، غير أن الوقت يمر حسب خبراء، وكلما تأخرت الصفقة أصبح من غير المرجح أن تحصل قوات سوريا الديمقراطية على صفقة جيدة.
ومن جهة أخرى، وعبر الحدود الشمالية لسوريا، تستعد تركيا لمعركة ساحقة مع "قسد" إذا انهارت المحادثات بالكامل. إذا حدث ذلك، فليس هناك ما يمنع تركيا من القيام بذلك، كما أن المكون العربي في "قسد" وأيضا العشائر العربية بدأت بالتململ وممارسة ضغوط في هذا الصدد.
لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بمصالح كبيرة في مكافحة تنظيم الدولة، الذي بدأ ينشط مرة أخرى في سوريا، ورغم سجل الحكومة الانتقالية في حربها على التنظيم، فإن افتقارها إلى القدرات الإستراتيجية اللازمة للتعامل مع نشاط التنظيم الممتد على مساحات شاسعة من البادية يدفع صانع القرار الأميركي للتأكد أن تحقيق أهدافه بات يمر عبر دمشق أيضا، مما يدفعه لتشجيع "قسد" على التوصل إلى تسوية عادلة ومستقرة مع الحكومة الجديدة.