لننتظر بـ«وثيقتنا» بلوغ النهر فنعبره سوياً

محمد لطيف

العنوان مقتبس من العبارة الأثيرة لصديقنا ياسر عرمان (فلننتظر بلوغ النهر حتى نعبره) وهي كناية عن ضرورة التريث وعدم استباق الأحداث وتعجل النتائج.. فلم أجد عبارة ابلغ منها تعبر عن ما افكر فيه.. وما اريد قوله.. وقد عدت للكتابة وظني أنها الأفضل في شرح ما أرمي اليه.

. وهو أن تحالف السودان التأسيسي قد تعجل في طرح فكرة الحكومة الموازية.. كما سميت ابتداءً.. فكانت فكرة خرجت من الظلام فجاءت غامضة مربكة فأزور منها البعض لاعناً للفكرة ومن فكر فيها.. وانصرف عنها البعض الآخر مشفقا عليها من مصير مجهول.. ومشفقا منها على وحدة السودان واستقراره وسلامة شعبه.. كان جلياً أن الفكرة حين طرحت كانت بلا ساقين.

ثم جاءت أحداث نيروبي.. بدءاً من اللقاء التأسيسي وإعلان تحالف السودان التأسيسي ثم صدورميثاق السودان التأسيسي ثم مشروع الدستور الانتقالي.. فكان جلياً أن جهداً قد بذل في الوثيقتين مما أهلهما للإجابة على كثير من الأسئلة العالقة في الفضاء السوداني.. وبتجاوز تحفظات عليها هنا وهناك تظل الوثيقتان من افضل ما أنتج مؤخراً.. يكفي الاختراق الذي حققته في علاقة الدين بالدولة.. ويكفي ما احتشدتا به من حقوق ظلت محل تطلعات وأحلام السودانيين.. ويكفي الحسم البائن في مسألة الحقوق لدرجة ترهق القاريء للإحاطة بها ولكنها في المقابل تسبغ عليه راحة نفسية وهو يتصور أن هذه الحقوق أصبحت واقعاً يمشي بين الناس مشمولاً بنصوص تلزم الدولة.. قبل غيرها.. بالسهر على هذه الحقوق والوفاء بها.. ولكن..!

وآه من لكن.. ونعود لما بدأنا به.. حكاية الحكومة.. ويجب الاعتراف بأن أكبر معضلة واجهت القوى المدنية وقادت إلى تشظيها كانت هي مشروع الحكومة هذه.. وبدأ التشظي من أكبر جبهة مدنية تشكلت بعد الحرب ونعني بالطبع تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم).. التى ناقشت مشروع الحكومة هذه.. فانتهى الأمر.. كما يعلم الجميع.. إلى موقفين.. الأول يتمسك بطروحات (تقدم) القائمة على الحياد بين طرفي الحرب والانحياز فقط لمصلحة السودان وشعبه.. والثاني يرى أن منازعة الشرعية وإنهاء الحرب وحماية المدنيين الخ يحتاج إلى حكومة..!

السؤال الذي أريد طرحه الآن.. ترى كيف كانت ستمضي الأمور داخل (تقدم).. على سبيل المثال.. لو أن الذي طرح للنقاش كان هو الميثاق التأسيسي ومشروع الدستور الانتقالي؟ الإجابة دون ما جهد هي أن مفاصلة لم تكن لتقع.. ولوجدت الوثيقتان فرصة حوار أفضل وأعمق حولها لتثمر بعد ذلك إجماعاً أكبر وقاعدة أوسع.. ولكن الذي حدث أن أصحاب نظرية الحكومة الموازية قد اختاروا وضع العربة أمام الحصان ففقدوا حلفاء طبيعيين كانوا الأقرب إليهم.. وكان يمكن أن يكونوا جزءاً من هذا الذي يجري الآن.. ولكن بشكل مختلف بالطبع.

حسناً.. ما الذي يمكن فعله الآن؟ أعتقد ومعي كثيرون أن الوثائق الصادرة عن تحالف السودان التأسيسي تصلح على الأقل كأساس لحوار شامل.. صحيح أنها حققت اختراقات جوهرية في مخاطبة قضايا ظلت عالقة.. ولكن الصحيح أيضاً أن ثمة تحفظات على عدد من النصوص ربما أبرزها ضمانات وحدة السودان والصبغة العسكرية البائنة.. ولكن هذا وذاك لن يغير من حقيقة أن كل المكونات السودانية.. من سياسية واجتماعية ستجد فيها شيئاً مما تطلب.. وحيث أن الوثيقتان تعترفان بثورة ديسمبر بوضوح وتنشدان سوداناً جديداً.. فما الذي يمنع العودة بهذه الوثائق إلى منصة التأسيس..؟ ونعني بها قوى الثورة.. ومعها كل القوى المدنية التي ترفض الحرب وترفض بالضرورة أي حل عسكري.. لا في الحرب ولا في الفضاء السياسي؟

وقبل أن ننتظر إجابة على هذا السؤال.. نطرح السؤال الأهم وهو هل ستقبل هذه القوى المدنية أن تكون جزءاً من الحوار حول هذه الوثائق ؟.. في تقديري الإجابة على هذا السؤال هو أن أمرين سيحولا دون ذلك:-

الأول:- موضوع الحكومة المطروح تشكيلها من قبل تحالف السودان التأسيسي صاحب الحق السياسي والملكية الفكرية في هذه الوثائق.

الثاني:- ما أشرنا إليها من صبغة عسكرية وتحديداً قوات الدعم السريع كمكون رئيسي في هذا التحالف.

عطفاً على سؤالنا الأول حول إمكانية العودة إلى منصة التأسيس ثمة سؤال نوجهه لتحالف السودان التأسيسي.. ما هي إمكانية الفصل بين تشكيل حكومة موازية كما هو مطروح الآن وبين الوثائق الصادرة عن التحالف وذلك سعياً لتوسيع قاعدتها السياسية والشعبية وتحويلها إلى وثائق قومية معبرة عن كل السودانيين حقيقةً لا مجازاً؟

أما في موضوع وجود الدعم السريع في التحالف التأسيسي فهذه يحسمها طبيعة الدور الذي يلعبه الدعم السريع في كل وضع.. فالذين يرفضون قيام حكومة أخرى في ظل استمرار الحرب يرون الأمر تحالفاً مع بندقية الدعم السريع.. مما يطيل من أمد الحرب وبالتالي معاناة المواطن.. أما في حال تراجع التحالف التأسيسي عن مشروع الحكومة مع المضي في توسيع قاعدة المواثيق الصادرة عنه فيصبح وجود الدعم السريع هنا.. مع تأكيده الدائم على التفاوض كسبيل لإنهاء الحرب.. دعماً لجهود بناء جبهة عريضة تؤمن بوحدة السودان وتملك بحجمها وثقلها الدفع نحو إنهاء الحرب وإحلال السلام.. ليس هذا فحسب.. بل بهذا التوصيف فإن ما ينطبق على الدعم السريع يمكن أن ينطبق على القوات المسلحة أيضاً.

الوسومالجيش الدعم السريع السودان القوات المسلحة القوى المدنية تحالف السودان التأسيسي تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية- تقدم كينيا محمد لطيف نيروبي ياسر عرمان

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الجيش الدعم السريع السودان القوات المسلحة القوى المدنية تحالف السودان التأسيسي تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية تقدم كينيا محمد لطيف نيروبي ياسر عرمان القوى المدنیة الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

كاميرون هديسون: من المثير للاهتمام رؤية البيان الفاتر من الأمم المتحدة الذي يحذر من إنشاء الدعم السريع لحكومة موازية ولكن دون إدانته

قال الدبلوماسي الأمريكي السابق كاميرون هديسون إنه من المثير للاهتمام رؤية البيان الفاتر من الأمم المتحدة الذي يحذر من إنشاء الدعم السريع لحكومة موازية ولكن دون إدانته.الجزيرة – السودان إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • «صمود» يجدد رفض مقترح الحكومة الموازية ويدرس «ميثاق نيروبي»
  • التوقيع على الميثاق التأسيسي خطوة لتكريس التقسيم
  • هل يُنجب تحالف الميثاق التأسيسي حكومة موازية في السودان؟
  • التنوع السوداني والميثاق التأسيسي يغلق أبواب التقسيم  
  • «الدعم السريع» توقع ميثاقاً لتشكيل حكومة «موازية» في السودان
  • يتضمن اقامة دولة علمانية .. توقيع الميثاق التأسيسي في السودان وتحذيرات ورفض لتشكيل الحكومة الموازية
  • كاميرون هديسون: من المثير للاهتمام رؤية البيان الفاتر من الأمم المتحدة الذي يحذر من إنشاء الدعم السريع لحكومة موازية ولكن دون إدانته
  • القوى السياسية والمدنية السودانية خلال اجتماع أديس أبابا: ندين الجرائم التي ارتكبتها ميلشيا الدعم السريع
  • قوى سياسية توجه دعوة الى الجيش السوداني والدعم السريع والمؤتمر الشعبي يوضح مشاركة علي الحاج في اجتماعات بنيروبي