في مقام سيد المقاومة وشهيد الإسلام
تاريخ النشر: 24th, February 2025 GMT
الرئيس مهدي المشاط
منذ بداياته المبكرة وحتى آخر العهد به، كان سماحة السّيد حسن، رضوان الله عليه، نسْجًا في عصره فريدًا، ودليلًا واقعًا على صوابيّة النهج الحسينيّ، في الحياة العزيزة على الحقّ، وفي الشهادة مسك الختام، وذروة سنام الشّرف.
لقد كان في كُـلّ الأوقات لكل الأحرار أبًا، ولكلّ الأخيار من زمننا قائدًا وأخًا، ولكلّ الناس مُحبًا عطوفًا كريمًا متواضعًا، وفي سبيل الله عاش، وفي سبيل الله انطلق مجاهدًا حتى نالها شهادةً على منوال جدّه الحسين، عليه السلام، وعلى طريق القدس ويا لها من مسيرة
لقد جسّدت حياة سماحة الأمين العام السيد حسن نصرالله سبل الاستقامة والجهاد وإغاظة الكفار والانتصار والفخر وخدمة الإسلام وقيم العزة والكرامة والفداء، ولقد حقّق في حياته الحافلة وفي وقت قياسي إنجازات لم يحقّقها أحد غيره في هذه الحقبة التي استحكم فيها الباطل وتنكّر فيها للحق واشتدّ البلاء وعظم الاستهداف.
لقد حقّق الشهيد السيد حسن نصرالله في حياته كُـلّ ما يريد، حرّر بلاده وهزم كيان العدوّ الإسرائيلي، ودمّـر أُسطورة الجيش الذي لا يُقهر، ونصر المستضعفين وأقام العدل وبعث الأمل، إنه التجسيد المثالي لما ينبغي أن تكون عليه حياة الإنسان المسلم، ثم إنه ختم حياته بشهادة في مواجهة عدو الأُمَّــة، ونصرة لأشرف قضية.
لقد مثّلت شهادة السيد حسن نصرالله أعلى تجسيد للوحدة الإسلامية، فانتصر حتى بدمه على المشروع التفريقي الصهيوني الأميركي بين المسلمين سنّة وشيعة، وشارك في معركة إسناد فلسطين وأبناء غزة منذ اليوم الأول، وقدّم المئات من الشهداء، ولم يبخل بقيادات حزب الله من الصف الأول، وختمها بروحه ودمه، ليثبت في نفوس المسلمين، بدمه، أجلى معاني الوحدة الإسلامية، وأبلغ برهنة على أن عدوَّ هذه الأُمَّــة – على اختلاف مذاهبها وطوائفها وبلدانها- واحد.
رغم الألم الكبير والفقد العظيم ونحن في مناسبة تشييع واحد من أشرف البشر في هذه الحقبة، إلا أننا ممتلئون في هذه المناسبة رضى ويقينًا وأملًا وتفاؤلًا تعلّمناه من كتاب الله، وسيرة أهل البيت عليهم السلام، وكرّسه في عصرنا واقعًا الشهيد سماحة السيد، فطالما كانت كلماته العزاء ومبادئه السراج والنور الذي يسير عليه كُـلّ مجاهد على دربه، كيف لا وهو من ظلّ يتمنى الشهادة ويطلبها ويقتحم كُـلّ غمار الأخطار والصعاب، ولا يخشى في الله لومة لائم.
نقول إنه بحق شهيد الأُمَّــة، وشهيد الإنسانية، وشهيد القدس وفلسطين، وشهيد لبنان، وشهيد اليمن، وشهيد الحق والعدالة، وشهيد كُـلّ القيم النبيلة في الدنيا، فقد عاش مدافعًا عن قيم ومبادئ الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها ولم يجد المستضعفون نصيرًا مثله طوال عقود من لبنان إلى فلسطين، ومن البوسنة إلى أفغانستان، ومن سوريا إلى العراق إلى كُـلّ أرجاء الدنيا.
وإذ تجاوز نطاق نصرة المسلمين خَاصَّة، إلى نصرة كُـلّ مظلوم في الأرض، فقد كان شهيد الإنسانية مجسّدًا روح تعاليم الدين الحنيف، منذ البدء الحسن، وحتى الخاتمة ذروة السنام.
ومن مثله شهيدًا على طريق القدس وفلسطين، لتكون شهادته في نصرة غزة أبلغ بيان عن كيف ينصر المرء أهله.
وشهيد لبنان قد أفنى عمره دفاعًا عن لبنان وطلبًا لاستقلاله وحريته ومنعته وقوته.
وشهيد اليمن في وقت خذله الأقربون والأبعدون، كان هو أكثر من وقف وتضامن وناصر اليمن.
هكذا فقد كانت شهادة المجاهد الكبير سماحة السيد حسن نصرالله رضوان الله عليه هي مصاب الأُمَّــة جمعاء لما له من دور عظيم ورمزية إسلامية وتأثير عالمي وإقليمي.
عزاؤنا الوحيد أن الله اصطفاه في ختام حياته شهيدًا إلى جوار النبيين والصديقين ورفاق دربه ممن سبقوه على هذا الدرب، وأنه قد تتلمذ على يديه وفي مدرسته المئات والآلاف من المجاهدين والأبطال والقادة الذين سيكملون دربه ومسيرته على أكمل وجه حتى يتحقّق على أيديهم ونحن معهم وكل مجاهدي العالم، إن شاء الله، الوعد الإلهي الذي لطالما وعدنا وبشّرنا به سماحته رضوان الله عليه في طرد الكيان المؤقت والصلاة في المسجد الأقصى.
عظيم العزاء لأهل ومحبي ومريدي سماحة شهيد الإسلام في لبنان والوطن العربي والعالم، ونجدّد العهد على المضي على نهجه، والبقاء على عهده حتى يجمعنا الله به إن شاء الله، “في مقعد صدق عند مليك مقتدر”.
* نقلًا عن جريدة الأخبار اللبنانية
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: السید حسن نصرالله شهید ا
إقرأ أيضاً:
الإبادة التلمودية والحملات الصليبية اليهودية
اعتمد المشروع الاستيطاني الاستعماري على الجوانب الدينية من أجل الاستيلاء على أرض فلسطين، فتحوا -التوراة والإنجيل ووجدوا أن الله وعدهم بأرض فلسطين ولذلك فقد تكاتفت جهودهم على استقدام جميع اليهود وغيرهم من جميع أنحاء العالم للقدوم إليها لا للزيارة وأداء طقوس العبادة ولكن للاستيطان فيها وطرد سكانها بعد أن ضمنت لهم الإمبراطوريات الاستعمارية -آنذاك- تمكينهم باستخدام القوة من الأراضي والبيوت (في فلسطين) ومصادرتها وتسليمها لهم.
اليهود عاشوا في المجتمعات الإسلامية متمتعين بكامل حقوقهم الدينية والمدنية لم تخفر ذمتهم ولم يتم التعرض لهم بأي أذي واستعانت بهم الخلافة الإسلامية في كل المجالات حتى صار منهم الوزراء وغيرهم، منهم من أسلم وحسن إسلامه ومنهم من ظل على دينه وعقيدته اليهودية ومنهم من دخل في الإسلام “تُقية” لممارسة الطعن وتشويه (الإسلام) من خلال الانحرافات التي ينشرونها وأيضا تحطيم الإسلام والخلافة الإسلامية، كما فعل يهود الدونمة الذين تغلغلوا في أركان الخلافة الإسلامية وآخرها العثمانية وتعاونوا مع اليهود والنصارى على إسقاطها بعد أن نفذوا المكائد لتفتيت الروابط الاجتماعية بين مكونات المجتمع الإسلامي بإثارة العصبيات والقوميات والخلافات المذهبية والطائفية؛ فقد بلغ الحقد فيهم أن الطبيب الخاص للسلطان محمد الفاتح الذي فتح القسطنطينية هو من دس له السم وقتله من أجل منعه من مواصلة فتوحاته في أوروبا؛ ليتضح انه يهودي أعلن إسلامه وترقّى في المناصب ليصبح طبيب السلطان الخاص.
جرب الصليبيون الحملات الدينية من أجل الاستيلاء على بيت المقدس وفلسطين لأنهم ينظرون إلى المسلمين أنهم (كفار) وكانت التوراة والإنجيل بين أيديهم لم يكن هناك حديث عن وعد إلهي لليهود ولا للنصارى إلا أنهم يرغبون في السيطرة على بلاد الإسلام والمسلمين؛ ورغم أن اليهود كانوا يتمتعون بكامل حقوقهم إلا أنهم كانوا عونا لكل أعداء الأمتين العربية والإسلامية .
الحملات الصليبية تسقط واحدة وتقوم أخرى مرة بقيادة الملوك والأباطرة ومرة بقيادة القساوسة والرهبان من فرنسا وألمانيا وإنجلترا (واليوم بقيادة أمريكا) أو غيرها من دول أوروبا على اختلاف مذاهبها وصراعاتها إلا أنها تتوحد من أجل القضاء على المسلمين واسترداد بيت المقدس منهم .
ولم تبرز فكرة أرض الميعاد إلا مع تأسيس الحركة الصهيونية التي عملت على إزالة العداء بين اليهود والنصارى وتوحيدهم من أجل الحصول على أرض فلسطين كأرض ميعاد وهي فكرة لتوحيد الجهود بينهم والتخلص من اليهود والاستعانة بهم على تمزيق الأمة العربية والإسلامية واستمرار السيطرة عليها بعد أن فشلت كل المحاولات السابقة .
أحد رؤساء منظمة “ايباك” اليهودية التي تدير السياسة الأمريكية، تحدث عن حقيقة الصراع في فلسطين وانه صراع لن ينتهي طالما أن العرب والمسلمين لا يؤمنون بالتوراة وما فيها من الوعد لليهود، لكنه لم يستمر في كذبه حتى النهاية، فقد استدرك قائلا إن الغرب أعطاهم فلسطين كتكفير عن الآلام التي حدثت لهم من الأمم المسيحية (أوروبا) كان الأولى بالأمم المسيحية أن تعمل على تعويضهم في الأراضي التابعة لهم، لكنهم فضلوا أن يكون التعويض على حساب المسلمين (فعدو عدوي صديقي) .
في سفر التكوين الإصحاح الخامس عشر( 18) في ذلك اليوم قطع الرب مع إبرام ميثاق قائلا (لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات “19” القينيين والقنزيين والقدمونيين والحثيين والفرزيين والرفائيين والاموريين والكنعانيين والجرجاشيين واليبوسيين)، التوراة تتحدث عن وعد الرب لأبي الأنبياء إبراهيم -عليه السلام- الذي ينتسب إليه العرب، لأنهم أبناء إسماعيل ومنهم النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم واليهود العرب ينتسبون إلى إسحاق والقبائل الكنعانية السبعة التي ورد ذكرها في التوراة قبائل عربية تابعت النبي موسى ودانت بديانته وتابعت عيسى لكنها استقرت على دين الإسلام بعد مجيء النبي الأعظم والرسالة الخاتمة .
وهناك قبائل عربية تأثرت بالوثنيات والشرك، لكنها دخلت في الإسلام، لأن الشرك كان عبادة طارئة على الجزيرة العربية؛ وهناك قبائل أسلمت وتركت النصرانية وهناك قلة من اليهود من التزم الإسلام ومعظمهم مكثوا على اليهودية بعد أن غاظهم أن يكون النبي الخاتم من سلالة النبي إسماعيل ومن الأمة العربية؛ حاول النبي الأعظم أن يتعاون معهم، لأنهم كانوا قوة عسكرية واقتصادية وسياسة مهيمنة في الجزيرة العربية، لكنهم نقضوا العهود والمواثيق واستمروا على ذلك حتى امر النبي بإجلائهم عن الجزيرة العربية لفسادهم وتآمرهم على الإسلام والمسلمين .
ما بين موت موسى والتوراة التي حرّفوها وبدلوها آلاف السنين والجزيرة العربية تتوالى عليها القبائل العربية بمختلف أديانها ومللها يهوداً ونصارى، لم تتم إثارة الأحقاد والضغائن إلا في القرون المتأخرة بسبب الأطماع الاستعمارية في الوطن العربي التي أججت الصراعات بين طوائف المجتمع العربي الإسلامي وحينما استولت ودخلت غازية قتلت اليهود والنصارى والمسلمين .
النصارى تحركوا بدوافع دينية للاستيلاء على فلسطين وبيت المقدس وأعطوا وعدا لليهود (وعد بلفور)، أما وعد الله وكما تنص التوراة فهو لإبراهيم أبي الأنبياء ولنسله من بعده والعرب هم أحفاد ابنه إسماعيل وإسحاق أيضا ومنهم اليهود الذين سكنوا الجزيرة العربية وليس يهود الاشكناز الذين ترجع أصولهم إلى دول أوروبا الشرقية؛ وأهل فلسطين هم من أولاد إبراهيم، فكيف يفهم أن يدعي من ليس له صلة بفلسطين حقا بطرد أهلها والاستيلاء عليها؟.
أحبار اليهود عند شرحهم لسفر التثنية الإصحاح الـ”20″ يوردون شروط الصلح التي يجب أن تكون مع الأمم الأخرى وهي :
1 -جحد العبادة الوثنية والدخول في عبادة الله الحي .
2 -الخضوع لليهود.
3 -دفع الجزية .
والشريعة الإسلامية تشترط أحد ثلاثة للصلح وهي :
1 -الاسلام؛ أو -2-دفع الجزية والبقاء على ديانتهم -3-الحرب.
لكن اليهود يشترطون الدخول في اليهودة والخضوع لليهود ودفع الجزية وهذه الشروط خلاف لما تنص عليه التوراة ذاتها التي تفرق بين الأمم السبع التي تعيش في الأرض المقدسة (الحثيين؛ والاموريين؛ والكنعانيين؛ والفرزيين؛ والحويين؛ واليبوسيين؛ والجرجاشيين)، فهؤلاء في نظرهم يجب إبادتهم للآتي: (حتى لا يكونون عثرة ويرجعونهم إلى عبادة الوثنية؛ ولأن تمتعهم بأرضهم يرمز إلى الخطيئة؛ وإبادتهم تحطيم لكل شر؛ ولأنهم شعوب عنيفة تقدم الأطفال محرقة للإلهة والنساء والفتيات للزنا لحساب الآلهة).
أما شروط التصالح مع الأمم البعيدة، فقتل الرجال بالسيف واستبقاء النساء والأطفال لاستعبادهم واسترقاقهم وكل شيء في تلك الأراضي يعتبر غنيمة حرب؛ حتى في شروحهم يكذبون ويخالفون الحقائق .
العالم يشهد أن أهل فلسطين مؤمنون موحدون يؤمنون بالله ويؤمنون بجميع الكتب المقدسة غير المحرفة ويؤمنون بالأنبياء جميعا؛ أما هؤلاء الذين يدعون أنهم شعب الله المختار وهم شذاذ الآفاق، يمارسون أبشع وأقذر الجرائم في كل حروبهم، اغتصاب السجناء وإبادة الأطفال والنساء والشيوخ والاستثمار في كل أشكال الرذيلة.
الأنظمة العربية المتصهينة التي دخلت في علاقات معهم، قننت كل المفاسد، حيث فتحت المراقص وأحلت العلاقات غير المشروعة واستوردت وأعادت عبادة الأصنام وأحلت الربا والخمور والقمار، فهل دخلوا في علاقات مع شعب الله المختار الذي يوحد الله أم دخلوا في شراكة مع الشيطان وحزبه وشركات الانحلال والحرام العالمية التي يديرونها؟
لم يكتفوا باليهودية ولا النصرانية، بل خلطوا الدينين معا وانتقلوا للدعوة إلى الديانة الإبراهيمية؛ إبراهيم -عليه السلام- كان حنيفا مسلما ولم يكن لا يهوديا ولا نصرانيا وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده؛ وهم يقننون عبادة الأوثان وينشرون الرذيلة ويعملون على إبادة وتهجير المؤمنين بالله ويستجلبون شذاذ الآفاق من اليهود وغيرهم إلى الأرض المقدسة، أما أهل فلسطين فيبيدونهم ويهجّرونهم ويستولون عليها .
المشروع الاستيطاني الاستعماري الجديد، لا علاقة له بالدين، بل هو مشروع إجرامي لتدمير الأمتين العربية والإسلامية وضمان استمرار الوصاية والسيطرة على الثروات وتفتيت الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس، لكن الله ابتلى هذه الأمة بشرار الخلق قال تعالى ((ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون)) الأنبياء 105، وحتى يتحقق ذلك لا بد من امتحان واختبار قال تعالى ((وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور)) آل عمران154 .