عدنان علي الكبسي

الإنسان يعيش في واقع حياته، والكثير من المؤثرات تحيط به، فيما يواجهه في الحياة، من مشاكل وصعوبات الحياة، التي قد تؤثر على نفسيته؛ فيخطئ، أَو يزل، أَو يتراجع، أَو تفتر فيه حالة الإحساس بالمسؤولية نوعًا ما، قد ينهار نفسيًّا، ويتحطم نفسيًّا، قد تنهار قواه النفسية فلم يعد لديه طاقة في مواجهة الصعوبات، ولم يعد يتحمل المشاق، ولا يستطيع مواجهة المتاعب، وهذه أخطر ما يمكن أن يكون فيه خسارة كبيرة للإنسان.

إذا فقد الإنسان قوة الإرادَة أصبح ضعيفًا هزيلًا أمام الشهوات والإغراءات، فيصبح أضعف أمام تحديات ومشاكل الحياة، ويسقط في المعاصي، وينفلت في الأعمال السيئة، منكسرًا أمام التحديات.

الإنسان الضعيف لأبسط إغراء يعصي الله، لأبسط تحدٍ ينكسر وتضعف إرادته، فيبرد تفاعله وتتغير نفسيته، حينها يتجه بعيدًا عن الاهتمام العملي، كُـلّ تركيزه على الراحة والدعة، مصابًا بالفتور والكسل، غير عملي ولا فعال، لم يعد يهتم ولا يبالي بالأحداث.

ما أن تتزامن حالة الإرجاف والتهويل مع بعض المتغيرات والظروف، إما تهديدات من الأعداء، أَو معارك على الأرض، أَو تراجعات في المواقف، إلا وتترك أثرها في البعض من الناس، فيرتجفون أمام قوة وإمْكَانات وتحَرّكات الأعداء.

فالشيء المهم للإنسان في كُـلّ ما يواجهه في الحياة، وفي أداء مسؤولياته في هذه الحياة، في الالتزام بدين الله، والطاعة لله أنه يحتاج إلى قوة الإرادَة؛ لأَنَّ الأُمَّــة التي تمتلك قوة الإرادَة تكون أُمَّـة فاعلة قوية عملية، أُمَّـة لديها التحمل والطاقة، تكون في جهوزيتها العالية والاستعداد الكامل للأعمال المهمة والمسؤوليات الكبرى.

فعملية الصيام هي عملية تربوية ترويضية نتعلم فيها ومنها التحكم بالنفس أمام رغباتها، أمام شهواتها أمام المخاوف، عملية ترويضية تروض الإنسان على التجلد والتحمل، عملية تربوية تربي الإنسان على قوة الإرادَة حتى لا تكون نفسيته ضعيفة فيسقط في مستنقع الذلة والانكسار.

شهر رمضان مدرسة معطاءة تربوية نتعلم منها قوة الإرادَة، شهر رمضان له عطاؤه الإيماني والمعنوي الكبير والمهم، ويمثِّل طاقةً عظيمةً ومهمة في مواجهة الصعوبات مهما كانت، يتزود الإنسان من هذا الشهر المبارك الزاد الإيماني، فيكسب منه الطاقة الإيمانية المعنوية العالية، لمواجهة مشاكل الحياة وتحدياتها وما فيها من الأخطار.

من خلال الصيام يروض الإنسان نفسه على الصبر والتحمل، يتعود كيف يصبر على الظمأ والجوع، كيف يصبر على التعب النفسي والبدني، وهذا يُكْسِب الإنسان قدرةً أكبر، تجعل لدى الإنسان قابلية أن تكون حالة التحمُّل، والتعوّد على الصعوبات والمشاق، حالة يتربى عليها ويرتقي فيها، حتى يتعود على كثير من المشاق فتصبح بالنسبة له أشياء عادية، ولم تعد تمثل مشقةً عليه.

فشهر رمضان فرصة عظيمة لمعالجة الترسبات السلبية والسيئة التي ترسبت في نفوسنا، وهو من أهم الوسائل التي نستعين بها على العناية بنفوسنا، عملية توضيب للنفس البشرية، تنقية، تنظيف، تصليح، تجهيز، ورشة تدخل فيها النفس البشرية من خلال العناية بها، والاستثمار لهذه الفرصة المباركة، ولنكتسب الوعي والبصيرة التي سنتحصن من خلالها في المفاهيم والوعي.

فنحن نحتاج إلى اغتنام فرصة شهر رمضان، والاستفادة من صيامه وقيامه ومن صالح الأعمال فيه، من الجهاد والإحسان فيه، من كُـلّ القرب المقربة إلى الله فيه، وَأَيْـضًا إلى القرآن، إلى الهدى، إلى الوعي والبصيرة التي نستفيدها من خلال القرآن وثقافة القرآن الكريم، التي تزيدنا عزمًا إلى عزمنا، وصبرًا إلى صبرنا، ووعيًا إلى وعينا، وثباتًا إلى ثباتنا، وإصرارًا واستمراريةً في موقفنا، نتزود منها: قوة العزم والإرادَة الفولاذية، وقوة التحمل والاستعداد العالي للتضحية في مواجهة كُـلّ التحديات مهما كان مستوى التضحيات.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: شهر رمضان

إقرأ أيضاً:

وزير الاوقاف: منهج أهل السنة والجماعة حائط الصد أمام تيارات خوارج العصر

شارك الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف في مؤتمر الماتريدية - مدرسة التسامح والوسطية والمعرفة، المنعقد بسمرقند بجمهورية أوزبكستان برعاية كريمة من رئيس الدولة، فخامة شوكت ميرضيائيف، الذي أوفد مستشاره السيد رسلانبيك داولتوف نيابة عنه لافتتاح المؤتمر وإلقاء كلمة فخامته فيه؛ ترحيبًا بموفدي الدول والمشاركين من مختلف قارات العالم.

استهل الوزير كلمته بالتحية والشكر والعرفان لجمهورية أوزبكستان الشقيقة، في قيادتها وشعبها الكريم ومؤسساتها العلمية المنيرة؛ على حفاوة الاستقبال، وجميل الضيافة، ونقل تحية عطرة من أرض الكنانة مصر وشعبها العظيم وأزهرها الشريف، إلى أرض أوزبكستان الطيبة وشعبها الكريم، كما نقل التحية من فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى أخيه فخامة الرئيس شوکت میرضیائیف، داعيًا المولى سبحانه للرئيسين والبلدين والشعبين ولأوطاننا كلها بالحفظ والرعاية وكمال السداد والتوفيق.

وأشار وزير الأوقاف أنه وعلى بعد خطوات من هنا مرقد الإمام العظيم الجليل القدر أبي منصور الماتريدي -رحمه الله- ينعقد اليوم هذا المؤتمر العلمي الدولي المهم: "الماتريدية - مدرسة التسامح والوسطية والمعرفة"؛ ليجمع الباحثين والدارسين من مختلف أقطار الدنيا، للتباحث والمذاكرة حول معالم منهجية من كبريات المناهج العلمية الرصينة المنضبطة عند أهل الإسلام وهي المدرسة الماتريدية، والتي تشاركت مع منهجية أخرى كبرى منضبطة ومحكمة وهي مدرسة السادة الأشاعرة؛ لتتضافر وتنسبك منهما مدرسة أهل السنة والجماعة المُعَبِّرة عن هوية الإسلام، القائمة على أدق أصول الاستدلال والنظر والبرهان الصانعة لمنهج عبقري محكم اشتبك عبر القرون مع كافة التيارات والفلسفات والأفكار والمناهج والفرق والمقالات والطوائف، فأثبت التاريخ والزمن أنها المنهج الأقدر على الصمود في وجه التشكيكات والتحيرات، والأقدر على نصب الأدلة، وإقامة الجدل المحكم؛ منافحة عن جوهر الإسلام وعقائده، وإبانة عن مكنونه، وإظهارًا لمراده واختياره في كل مبحث ومسألة مثارة.

وأكد وزير الأوقاف أن منهج أهل السنة والجماعة "الأشاعرة والماتريدية" هو حائط الصد وحصن الأمان من تيارات خوارج العصر، بكافة طوائفهم ومقولاتهم واستدلالاتهم المغلوطة المعتدية على حرمة الكتاب والسنة، وعلى حرمة المنهج العلمي المنضبط، فليكن هذا المؤتمر نقطة انطلاق لنشاط علمي مكثف من التدريس لكتب علم الكلام وعلوم المعقول هنا على طريقة ساداتنا الماتريدية، ونشر الجامعات للأبحاث العلمية المؤصلة التي تحسن استدعاء قواعد ساداتنا الماتريدية في الاشتباك مع فلسفات العصر وأفكاره؛ وتحفظ الهوية الوطنية لأوزبكستان، وتضمن لها أمانها من فكر الإرهاب والتطرف، وتنمِّي لدى الأجيال الجديدة في أوزبكستان اعتزازهم بوطنهم الذي خرَّج الإمام الماتريدي وعظماء مدرسته العلمية، لعل هذا الوطن العظيم يخرج أجيالا جديدة تسطع شموس علومهم ومعارفهم على العالم، كما كان شأن أسلافهم هنا.

النقطة الثانية: إن منهج أهل السنة والجماعة من السادة الأشاعرة والماتريدية متقنٌ في تركيبه العلمي وفي مناهج استنباطه، وفي حسن مزجه بين المنقول والمعقول؛ مما وَلَّد نظرًا ثاقبًا وفهمًا سديدًا للمسائل الطبيعية، التي هي جذور الفهم السديد لقوانين عديدة في الفيزياء والرياضيات والهندسة.

والإمعان في هذا يفضي حتمًا إلى توليد علوم وآداب وفنون رفيعة تنطلق من المنهج، وتجسده وتستوحي منه، وتعيد تغذيته.

وأضاف وزير الأوقاف أن الأمان للأوطان، والازدهار للعمران ثمرات مباشرة لمنهج أهل السنة والجماعة الأشاعرة والماتريدية، وإن مؤتمر اليوم لَيُمثل نقطة بداية حميدة ورشيدة لإحياء المناهج العريقة، وتدريب الأجيال الجديدة على المهارة في السباحة في عالم الأفكار والمقولات، مؤيَّدين بحجج علمية ناهضة، ونظرٍ عقليٍّ عماده البرهان والجدل الحكيم، والقدرة على إيجاد موضع قدم للمسلمين وعقائدهم ورؤيتهم للكون والحياة، ومنطق إيمانهم العظيم بالله -جل جلاله- في عالم عاصف بالأفكار والفلسفات والتيارات.
وفي ختام كلمته دعا الله - جل جلاله - للمؤتمر بكمال التوفيق، ولمصر وأوزبكستان وبلاد المسلمين كلها بالأمان والعافية والسداد.

طباعة شارك أسامة الأزهري وزير الأوقاف أوزبكستان

مقالات مشابهة

  • المنارات التي شيدها أول مايو: النقابة وإنسانيتنا الإسلاموعروبية
  • "الإبحار في فضاءات التعليم".. كتاب جديد يناقش 50 قضية تربوية معاصرة
  • المراحل العشر التي قادت فيتنام إلى عملية الريح المتكررة ضد أميركا
  • لازم نتعلم.. خالد الجندي: الصحابة كانوا بيسألوا النبي عن كل معلومة بياخدوها
  • وزير الاوقاف: منهج أهل السنة والجماعة حائط الصد أمام تيارات خوارج العصر
  • ديمبلي يعرب عن عدم قلقه من الإصابة التي تعرض لها أمام أرسنال
  • مصدر أمني بدمشق لـ سانا: قواتنا بدأت عملية تمشيط واسعة في منطقة أشرفية صحنايا، بهدف إلقاء القبض على العصابات الخارجة عن القانون التي اتخذت هذه المنطقة منطلقاً لعملياتها الإرهابية ضد الأهالي وقوات الأمن
  • البيت الأبيض: ترامب يركز على تراجع معدلات التضخم التي خلفتها إدارة بايدن
  • رئيس أنجولا: نتعلم من ريادة الرئيس السيسى للاتحاد الأفريقى
  • حبس شخصين بتهمة تعاطي مخدرات أمام مدرسة فى عين شمس