جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-01@20:56:23 GMT

رمضان بين عريش القيظ وشاطئ الإسكندرية

تاريخ النشر: 24th, February 2025 GMT

رمضان بين عريش القيظ وشاطئ الإسكندرية

 

د. إبراهيم بن سالم السيابي

 

أتذكرُ بداية عهدي بصوم شهر رمضان في أيام الصيف الحارة، وكان أهالي الحارة في فصل الصيف ينتقلون من الحارة إلى ما يُسمى "موسم عرشان القيظ" في الطويان؛ أي مزارع النخيل، من أجل الهروب من درجة الحرارة العالية إلى جو النخيل البارد؛ حيث كانت الكهرباء غائبة عن بيوت الحارة في ذلك الوقت.

حارتنا "المراغ" جاثمة بجانب البحر مع شاطئها الجميل الذي يسدي بجواره الصيادون قواربهم ومعداتهم التي يحتاجونها للصيد، فنحن حارة يمتهن أهلها مهنة الصيد منذ القدم، كانت عرشان القيظ تستظل بهامات النخيل على جانبي الطريق وترى أهل الحارة يفضون إلى الحارة وقت الليل ويعودون إلى عرشانهم وقت الصباح الباكر، فهناك عدد من الأعمال لا بد من القيام بها في الصباح مثل ما يسمى الرقاط، وهو تجميع ما يسقط من النخيل من تمور بعد أن يمر بعدة مراحل تبدأ بالخلال، البسر، الرطب، وينتهي بالتمر، وهذا العمل المضني يقوم به في الغالب الصبية، حيث يمرون على كل نخلة ويجمعون ما يتساقط منها ويضعونه في وعاء يسمى الزبيل وبعد انتهائهم من الجمع فإنهم يفرشونه بطريقة معينة فيما يسمى المسطاح؛ حيث يترك ليجف وبعدها يمر بمرحلة أخرى من الفرز لاختيار ما يصلح للأكل أو ما يسمى الكناز بينما يذهب الباقي علفًا للحيوانات.

وبالعودة إلى أيام رمضان في ذلك الزمان، كانت تحمل عبقًا خاصًا لا يمكن أن يُنسى، إذ كانت تمتلئ بالكثير من الطقوس الجميلة التي تضفي على الشهر الفضيل طابعًا مميزًا، فإنك تسمع وقت العصر صوت القارئ الراحل محمود خليل الحصري يصدح عبر أثير المذياع المعلق في الغالب في معظم العرشان؛ لكي يسمع من في المكان ومن حولهم صوت القرآن، بينما ربات البيوت يقمن بإعداد الفطور ورائحة الطعام الزكية تُنعش الأنوف.

كان الصوم في جو الصيف الحار يصعب على من هم صغار السن ولكن كان الأهل يشجعونهم، ويشدون من أزرهم وتراهم يتسابقون عند الفطور على شرب الماء البارد من حافظات الماء المملؤة بالثلج الذي يتم شراؤه من السوق من السيارات الخاصة ببيع الثلج، حيث لا توجد في ذلك الوقت أي مبردات للماء إلا في قليل من البيوت والتي تعمل بالوقود في ظل غياب الكهرباء الحكومية.

الإفطار رغم تواضعه في ذلك الحين ولكن ترى أصناف الطعام تتشابه في معظم البيوت؛ حيث كانوا يتقاسمونه فيما بينهم ويضربون أروع المثل في التكافل والتعاضد.

أصوات القراء تصدح بالتراويح وتختم بدعاء صلاة التراويح التقليدي، وكان الليل مظلمًا؛ حيث يشهد غياب الكهرباء الحكومية في ذلك الوقت، ولكن كانت مسلسلات رمضان تشاهد عبر التلفاز الأبيض والأسود والتي تعمل ببطارية السيارات والتي تُشحن فقط في المحلات في سوق ولاية بركاء القديم.

الليالي كانت مليئة بالفرح والأمل، وكان الجميع يشعرون بروحانية خاصة تنبع من التزامهم بالتقوى والعبادة، كانت تلك الأيام بسيطة، ولكنها مليئة بالدفء العائلي والتواصل الاجتماعي، مما جعل رمضان في الماضي يعكس معنى حقيقيا للجماعة والمشاركة.

مرت السنون وتدخلت الطبيعة وتغيراتها القاسية، فسقطت هامات النخيل الواحدة تلو الأخرى ولم يعد سعفها يغطي تلك المساحات الشاسعة الخضراء الممتدة من الحارة إلى ما يعرف بالطويان، ورحل عن عالمنا وغاب عن موائدنا الكثير من الأحبة لتبقى ذكرياتهم في القلوب ومحبتهم لا تنسى.

أما عن ليالي رمضان في مدينة الإسكندرية بمصر، وذكريات الدراسة الجامعية، ففي تلك الليالي، يعم السكون أرجاء الإسكندرية وتنعكس أضواء الفوانيس على الجدران، وتتزين الشوارع والأزقة بالأضواء وتُملأ بأجواء روحانية عميقة، ورائحة الطعام الرمضاني العابق في الهواء، ومنتجات واحتياجات رمضان تعم أسواق المدينة، وخاصة القديمة منها، بينما الليل في تلك المدينة كان بمثابة لحظة تأمل وطمأنينة، ويلتقط صوت القراء في الجوامع لصلاة التراويح أصداءه بين الأزقة الضيقة، بينما محطة الرمل تعج بالمارة حتى منتصف الليل يضيء القمر البحر بأشعته الفضية.

أما عن ليالي أحياء القاهرة القديمة، مثل الحسين والسيدة زينب، فيكتسي الليل بطابع خاص وسحر خاص، تتناثر الفوانيس على مداخل البيوت القديمة، وتنبعث منها أضواء ملونة تضيء الشوارع الضيقة؛ فالأسواق تكون مكتظة بالناس، ولكن دون ضجيج؛ فقط أصوات الخطوات المتسارعة لتكتمل عند جامع الحسين الذي يمتلئ إلى اخره بالمصلين والزائرين، وتملأ الأفق في هذه الأحياء القديمة برائحة "القطايف" و"الكنافة" تطوف في الأجواء، فتلك اللمسة الروحية التي تضفيها الأماكن العتيقة تجعل كل زاوية تعكس سحر رمضان بكل تفاصيله في هذه الأحياء الخالدة.

ختامًا.. يأتي رمضان هذا العام بعد انتصار أهل غزة وصمودهم الباسل ضد المعتدين، ليُضيء الشهر الفضيل بفرحة وأمل جديد وغزة لهذه الأمة التي لو تمسكت بحبل الله فإنها لن تغلب.

"اللهم بلغنا رمضان لا فاقدين ولا مفقودين، ونحن في أتم الصحة وراحة البال، واجعله خاتمة لخطايانا وأعنا على ذكرك وحسن عبادتك".

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

إيران اليوم ليست كما كانت

30 أبريل، 2025

بغداد/المسلة:

وليد الطائي

في عالم تحكمه موازين القوى لا المبادئ، تتجلى المفاوضات الأمريكية الإيرانية كصورة حيّة للصراع بين مشروعين: مشروع الهيمنة الغربية، ومشروع الاستقلال والسيادة الذي تمثله الجمهورية الإسلامية في إيران.

منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018، بدا واضحًا أن واشنطن لا تبحث عن حلول دبلوماسية حقيقية، بل تسعى لفرض شروطها عبر سياسة “الضغط الأقصى”، ظنًا منها أن الحصار الاقتصادي سيُجبر إيران على الركوع. لكن الجمهورية الإسلامية، بقيادتها الحكيمة وموقفها الشعبي الصلب، أثبتت أن الكرامة الوطنية لا تُشترى، وأن السيادة لا تُفاوض عليها.

إيران… ثبات في الموقف لا يُكسر

إيران لم ترفض التفاوض كمبدأ، بل رفضت أن تكون المفاوضات غطاءً للابتزاز. دخلت طاولة الحوار من موقع القوي، لا الخاضع، وأكدت مرارًا أن أي اتفاق لا يضمن مصالح الشعب الإيراني ويرفع العقوبات الجائرة بشكل فعلي ومضمون، فهو مرفوض.

لم تكن إيران يومًا الطرف المتعنت، بل الطرف الذي يلتزم بالاتفاقات، كما أثبتت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مرارًا. أما الطرف الذي نكث عهده وخرق القانون الدولي، فهو الولايات المتحدة، التي انسحبت من الاتفاق دون أي مبرر قانوني، متجاهلة كل التزاماتها الدولية.

أمريكا… سياسة ازدواجية في الرداء الدبلوماسي

تتناقض الولايات المتحدة في مواقفها: تفاوض من جهة، وتفرض عقوبات وتصعّد في المنطقة من جهة أخرى. تحاول واشنطن استخدام أدوات الحرب النفسية والإعلامية والمالية لإجبار إيران على تقديم تنازلات. لكن هذه الأساليب فشلت أمام “الصبر الاستراتيجي” الإيراني، الذي لم يكن خنوعًا، بل حسابًا دقيقًا للردع، والقدرة، والتوقيت المناسب.

المعادلة تغيّرت… وإيران لاعب إقليمي لا يُتجاوز

إيران اليوم ليست كما كانت قبل عشرين عامًا. أصبحت قوة إقليمية ذات نفوذ سياسي وأمني، وصاحبة حلفاء استراتيجيين في محور المقاومة من لبنان إلى اليمن. هذا العمق الجيوسياسي جعل من طهران رقماً صعبًا في أي معادلة تخص المنطقة، وجعل من واشنطن مجبرة على التفاوض، لا منّة منها بل اعترافًا بواقع جديد.

مفاوضات على قاعدة الندّية لا التبعية

إن الدعم لإيران اليوم، هو دعم لمشروع السيادة في وجه الغطرسة، ودعم لحق الشعوب في امتلاك قرارها ومقدّراتها. فكما رفضت إيران أن تتحول إلى دولة وظيفية خاضعة، أثبتت أن الكرامة قد تُحاصر، لكنها لا تُهزم.

المفاوضات ستستمر، لكن من موقع قوة متكافئة، لأن إيران أثبتت أن من يملك الإرادة… لا يساوم على كرامته.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

مقالات مشابهة

  • بدء تباشير القيظ في نخلة البطاش بالمضيبي
  • “أدواري كانت محصورة في الفتاة الشعبية” ناهد السباعي من مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير: فيلم يوم للستات الأقرب
  • دراسة: أقراص الملح تحسّن أداء الرياضات في الأجواء الحارة
  • شاركت في باب الحارة وليالي روكسي.. وفاة الفنانة السورية سمر عبد العزيز
  • خلال الليل.. الدفاعات الروسية تسقط 34 مسيرة أوكرانية
  • هل يُقبل قيام الليل قبل الفجر بـ 5 دقائق؟
  • إذا كانت فيك هذه الصفة فلا تتعجبي من صمت زوجك!
  • إيران اليوم ليست كما كانت
  • كارثة صحية تهدد أطفال شبوة.. الإندومي في قفص الاتهام!
  • الحرارة ستصل إلى 29.. موجة غبار ثانية ستضرب لبنان ولكن الطقس سينقلب والأمطار عائدة في هذا الموعد