د. سالم بن عبدالله العامري

لطالما كنتُ مفتونًا بعظمة القلاع والحصون وشغوفا بالبحث عن المعاني العميقة لهذه المعالم التاريخية التي قد تبدو للبعض مجرد مبانٍ حجرية شامخة، لكنها في الحقيقة هي أكثر من ذلك؛ بل هي شواهد حية على عصور من الصراع والمجد وفصول من التاريخ تحكي قصص البطولات والتحديات التي مرت بها الشعوب عبر الأزمان، وعندما سنحت لي الفرصة للقيام بجولة لاكتشاف بعضٍ من هذه المعالم، شعرت وكأنني أسافر عبر الزمن، أتنقل بين جدرانٍ حملت أسرار العصور الماضية، وأبراجٍ شهدت ملاحم لا تزال أصداؤها تتردد حتى اليوم.

في جولة فريدة بين القلاع والحصون العُمانية، وجدت نفسي أمام شواهد تحكي قصص المجد والدفاع، وأيضًا أمام مشاريع استثمارية حديثة تعيد لهذه الصروح دورها ورونقها، لكن بأسلوب يتماشى مع متطلبات العصر.. من قلعة نزوى وحارة العقر، إلى قلعة مطرح والميراني، اكتشفت كيف تحولت هذه القلاع إلى وجهات سياحية تجذب الزوار من جميع أنحاء العالم؟ كيف تساهم هذه الاستثمارات في إبراز التراث العُماني؟ وما أثرها على السياحة والاقتصاد؟ وكيف يمكن لهذه الاستثمارات أن توازن بين الحفاظ على التراث وتحقيق الفوائد؟ أسئلة سأحاول استكشافها في هذا المقال.

لقد تنامى الاهتمام بموضوع القلاع والحصون في العصر الحديث، وقد أثمر هذا الاهتمام في استغلال القلاع والحصون سياحيا وتنشيطها للحركة السياحية، فأصبحت إحدى المقاصد التي جذبت السائحين خصوصا الوافدين، فقد أشارت دراسة محلية ركزت على تقييم أثر تطوير القلاع والحصون على السياحة الوافدة إلى سلطنة عُمان نتيجة أعمال التوظيف السياحي التي قامت بتنفيذها وزارة التراث والسياحة للقلاع والحصون والتي أنيطت لها مؤخرًا مسؤولية توظيفها سياحيا وتحويلها إلى مقاصد سياحية، حيث خرجت الدراسة بعدة نتائج أبرزها الدور الإيجابي للتوظيف السياحي للقلاع والحصون في جذب السياحة الوافدة، حيث انعكس هذا الدور في رفع أعداد السائحين الوافدين إلى القلاع والحصون التي تم توظيفها سياحيا، أما القلاع والحصون التي لم يتم توظيفها سياحيا بعد فكانت أعداد السائحين الوافدين إليها أقل مقارنة بالقلاع والحصون التي تم توظيفها سياحيًا.

إنَّ تحويل هذه الشواهد التاريخية والأثرية إلى مزارات ثقافية ووجهات سياحية يتعرف من خلالها الزائر على مكنونات التاريخ العُماني وما تتميز به هذه الآثار التاريخية من طابع معماري بديع إضافة إلى التعريف بالمناطق المحيطة بها وما تكتنزه من معالم تاريخية فريدة كالأفلاج، والأبراج، والأسوار، والحارات، والحرف التقليدية وتحويل بعض هذه المكنونات التراثية إلى فرص استثمارية كمعارض ثقافية أو تجارية، أو نُزل تراثية، أو مقاهي صغيرة تقوم بتوفير بعض الخدمات الضرورية في مختلف المرافق لتلبية متطلبات واحتياجات الزوار، تُعد خطوة ناجحة لتعزيز الاستثمارات السياحية والتراثية، ومواكبة تنامي الحركة السياحية في البلاد، والاستفادة من المقومات السياحية التي تزخر بها سلطنة عُمان.

هذه المشاريع الاستثمارية التي من خلالها سعت وزارة التراث والسياحة إلى استثمار القلاع والحصون لتدعيم النشاط الثقافي وإثراء الحراك السياحي نحو هذه القلاع والحصون والمواقع الأثرية المختلفة تُعد بلا شك تجربة استثمارية فريدة تضيف رونقا تاريخيا وثقافيا وفنيا على هذه المواقع وتضفي عليها لمسات عصرية تجمع بتناغم بين عبق التراث وروح العصر مع الأخذ بكافة متطلبات الأمن والسلامة في كل موقع دون المساس بهويته وقيمته التاريخية، وقد أثمر هذا الاهتمام باستثمار القلاع والحصون، رفعَ الوعي المجتمعي بالأهمية الحضارية والاقتصادية لتلك القلاع والحصون، واستفاد المجتمع المحلي من الإيرادات التي ترتبت عن الاستثمار في هذه المواقع التراثية والحفاظ عليها. ومن هذا المنطلق، فإن القلاع والحصون بإمكانها أن تلعب دورا أساسيا كأحد عناصر الجذب السياحي على أن تتوفر بكل موقع عناصر جذب والتي تجعل من الموقع مكانا جاذبا للسائحين تتوافر فيه كافة المرافق الخدمية التي تلبي متطلبات الزائر، شريطة الحفاظ كما أسلفنا سابقًا على أصالة الموقع.

لقد أصبح من الأهمية بمكان أن تزداد أهمية الاستثمار في مثل هذه المواقع وعلى الشركات الصغيرة والمتوسطة الاستفادة من الفرص المتاحة اليوم، لأن كثير من هذه الفرص قد لا تتاح في المستقبل، خاصة وأن سلطنة عُمان مقبلة على نمو سياحي كبير خلال العقود المقبلة والذي يتوقع أن تكون السلطنة على خارطة مصاف الدول المنافسة عالميا كوجهة سياحية واعدة كونها بلد بكر وثري بمقوماته السياحية والثقافية والتاريخية، قائم على التنويع الاقتصادي المبني على المعرفة والتقنية والإبداع.

ختامًا.. نأمل أن تستمر مثل هذه النجاحات نحو فتح المزيد من الفرص الاستثمارية لإدارة وتوظيف العديد من المعالم التاريخية واسنادها لشركات ومؤسسات محلية من أجل مواكبة تنامي الحركة السياحية في البلاد توظيفًا للتراث الثقافي وتعزيزًا لمساهمته في النمو الاقتصادي. لم يكن هذا مجرد اهتمام عابر؛ بل رحلة من التساؤلات التي قادتني إلى البحث، والاكتشاف، ثم الرغبة في مشاركة ما توصلت إليه.

دُمتم بود.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

جناح صندوق الوطن يعزز دور الهوية واللغة العربية لدى الشباب

أبوظبي (وام)

أخبار ذات صلة علي بن تميم: الثقافة الكاريبية أنموذج نادر للتعدد والانفتاح «مؤسسة بحر الثقافة» تفتتح برنامجها الثقافي معرض أبوظبي الدولي للكتاب تابع التغطية كاملة

انطلقت، أمس، فعاليات جناح صندوق الوطن المشارك في معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2025، وسط حضور لافت من الشباب والمثقفين ورواد المعرض، وذلك برعاية كريمة من معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش، رئيس مجلس إدارة صندوق الوطن، تحت شعار «هوية وطنية دائمة ومستدامة». 
ويركز الجناح هذا العام على إبراز مكانة وأهمية اللغة العربية باعتبارها أحد أهم عناصر الهوية الوطنية، والتي بدورها تشكل الركيزة الأساسية في عمل الصندوق، لبناء مستقبل قائم على الانتماء والاعتزاز بالقيم الإماراتية الأصيلة، في ظل احتفاء الإمارات بـ «عام المجتمع».
وينظم صندوق الوطن عدداً كبيراً من الأنشطة والبرامج على مدى 10 أيام، والتي تتنوع بين الفعاليات الثقافية والمعرفية وورش العمل الموجهة للناشئة والشباب والمبدعين، إضافة إلى منصات الحوار المفتوح التي تستعرض تجارب إماراتية ملهمة تسهم في ترسيخ ثقافة الهوية الوطنية لدى الجميع.
وشهدت جلسة «الشباب والهوية الوطنية» مشاركة قادة مجالس الشباب على مستوى الإمارات، حيث قدمت رؤية شبابية ملهمة حول دور الهوية الوطنية في تحفيز الشباب على استثمار إمكاناتهم في بناء مستقبل ريادي للإمارات، كما تخللت فعاليات الجناح ورش عمل في الخط العربي والتراث الإماراتي، إلى جانب حلقات نقاشية.
تعميق الوعي  
وأكد ياسر القرقاوي، مدير عام صندوق الوطن، أن مشاركة الصندوق في المعرض تمثل فرصة لعرض جهوده ومبادراته أمام جمهور متنوع من القادة والمفكرين والشباب، مشدداً على أهمية الثقافة والمعرفة في بناء الإنسان والمجتمع.
ولفت إلى أن هذه المشاركة تركز على تعميق الوعي باللغة العربية كأداة لتعزيز الهوية الإماراتية، وتسليط الضوء على عناصر الهوية المرتبطة بالتراث، والقيم المجتمعية، والانتماء للوطن والولاء للقيادة، من خلال عشرات الفعاليات والجلسات اليومية. وأشار القرقاوي إلى أن توجيهات معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش، رئيس مجلس إدارة صندوق الوطن، تركز على ضرورة تحويل الهوية الوطنية إلى ممارسة يومية من خلال الاعتزاز بالوطن، واحترام رموزه، والإسهام الإيجابي في نهضته، مؤكداً أن مشاركة الصندوق في هذا الحدث الثقافي والمعرفي البارز تُعد إحدى المحطات المهمة لتحقيق هذه الرؤية.
الشباب والهوية الوطنية 
ونظم جناح صندوق الوطن، المشارك في معرض أبوظبي الدولي للكتاب، جلسة حوارية مميزة تحت عنوان «الشباب والهوية الوطنية»، أدارها الإعلامي راشد البلوشي، وشهدت مشاركة نخبة من المتحدثين الشباب الذين استعرضوا تجاربهم وأفكارهم حول تعزيز الهوية الوطنية في مختلف المجالات.
وناقش ناصر الهرموزي في المحور الأول من الجلسة «القراءة كجسر للهوية والانتماء»، والدور الجوهري للقراءة في ترسيخ مفاهيم الهوية الوطنية لدى الشباب. أما علياء حسن الشامسي فتناولت موضوعاً يتعلق بأهمية أن يقتحم الشباب الإماراتي التخصصات العلمية النادرة، مؤكدة على ضرورة تشجيع الشباب على خوض غمار تخصصات جديدة ومهمة. أما غالية المنصوري فتناولت موضوع «الفنون التراثية كوسيلة معاصرة لتعزيز الانتماء للوطن»، مستعرضة تجربة «استوديو كناز» في تحويل الفنون التقليدية إلى منتجات حديثة تحمل طابعاً إماراتياً مميزاً.
وأكدت المنصوري أن دمج الشباب في هذا المجال الإبداعي يسهم في غرس الشعور بالانتماء، ويعزز الصلة بين الماضي والحاضر بطريقة معاصرة قريبة من وجدان الجيل الجديد. كما شهدت الجلسة، نقاشاً مهماً حول ريادة الأعمال، فتحدث أحمد التميمي عن «ريادة الأعمال كمنصة لتجسيد الهوية الوطنية»، مشيراً إلى أن العديد من مشاريع الشباب تنطلق من مبادئ الهوية والقيم الإماراتية الأصيلة.
الدفعة الأولى
كما استعرض عمران بن شيخان الدور الذي يلعبه الشباب في إنجاح الفعاليات الوطنية الكبرى، معتبراً أن مشاركتهم الأنشطة في هذه الفعاليات تعزز قيم الولاء والانتماء وتمنحهم الفرصة لإبراز هويتهم أمام العالم. وشدد المشاركون على ضرورة استمرار هذه اللقاءات التي تضع الشباب في قلب مشاريع بناء المستقبل وصون الهوية الوطنية.
ويشهد جناح صندوق الوطن تخريج الدفعة الأولى في برنامج كأس التخيل للإبداع التكنولوجي والذكاء الاصطناعي، برعاية وحضور معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وبمشاركة أكثر من 1500 طالب وطالبة من مختلف إمارات الدولة. ويكرم صندوق الوطن 450 من المتميزين من خريجي البرنامج الذي تم إنجازه بالتعاون مع مايكروسوفت العالمية، وينتظر طلبة المدارس والجامعات عشرات الأنشطة وورش عمل وفرص لدعم وتمكين أبناء الإمارات في شتى مجالات الهُوِيَّة والوطنية.

مقالات مشابهة

  • جناح صندوق الوطن يعزز دور الهوية واللغة العربية لدى الشباب
  • صلاح يحتفل بـ «الأرقام التاريخية» بـ «سيلفي التتويج»
  • غرفة تجار الذهب تحذر: استثمار الذهب عبر الإنترنت ينطوي على مخاطر كبيرة
  • التراث الفلسطيني: ملتزمون بالدفاع عن الهوية الوطنية
  • بعد المواجهة التاريخية في البيت الأبيض.. ترامب وزيلينسكي يلتقيان مجدداً
  • «نواف العنيزي»: مصر بها بيئة استثمار جاذبة إقليميًا وعالميًا
  • نواف العنيزي: مصر بها بيئة استثمار جاذبة إقليميًا وعالميًا
  • برشلونة يسعى لترسيخ هيمنته على ريال مدريد وتحقيق الرباعية التاريخية
  • أنوسة كوتة: شغلى اتدمر.. وبربي طفل أبوه مات قبل ما يحفظ شكله
  • قبل الجنازة التاريخية.. هل يشارك البابا تواضروس في جنازة البابا فرنسيس؟