نحو تحولات جوهرية للإطار المالي للخطة الخمسية الحادية عشرة
تاريخ النشر: 24th, February 2025 GMT
د. يوسف بن حمد البلوشي
yousufh@omaninvestgateway.com
مع اقتراب إطلاق خطة التنمية الخمسية الحادية عشرة، والتي تُمثِّل الخطة الثانية من بين أربع خطط خمسية مُهمة تُشكِّل "رؤية عُمان 2040"، ونظرًا لمحدودية المساحة المُتاحة في هذا المقال، فإنَّنِي لست في معرض تقييم النتائج التي أفرزتها خطة التنمية الخمسية العاشرة؛ بل سأُركِّز على تقديم مجموعة من المقترحات التي نأمل أن تُلاقي القبول لدى من يستطيع الاستفادة منها؛ لتحقيق الأهداف الاقتصادية المرجوة للاقتصاد العُماني.
تُركِّز هذه المقترحات في جوهرها على الإطار المالي للخطة الخمسية المُقبلة، وهو إطار يُمثِّل خطةً ماليةً مُتكاملةً لتوجيه تخصيص الموارد المالية بشكل فعّال، وفق من إطار زمني يمتد لخمس سنوات، تُحدَّد فيه أولويات الإنفاق الحكومي وتوزيع الموارد المتاحة لتحقيق الأهداف التنموية الاقتصادية والاجتماعية. ويهدف هذا الإطار المالي إلى ضمان الاستخدام الأمثل للموارد في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة، مع مراعاة الأوضاع المحلية والدولية، إضافةً إلى تعزيز الاستقرار المالي للدولة على المدييْن المتوسط والطويل؛ بما يُسهم في تحقيق تنمية اقتصادية مُستدامة.
وتتجسَّد أبرز ملامح هذا الإطار في تقديرات الإيرادات المُتوقَّعة من مختلف المصادر؛ سواءً كانت نفطية أو غير نفطية، وكذلك حجم الإنفاق العام، بشقيه: الجاري والاستثماري. ويشمل أيضًا توزيع المُخصَّصات المالية بين القطاعات والمشاريع التنموية المختلفة، وتحديد مصادر التمويل المتاحة؛ سواءً كانت محلية أو خارجية. ويتضمن الإطار كذلك وضع حدود للعجز المالي وسبل تمويله، إضافة إلى تحديد آليات تحقيق الاستدامة المالية وضمان التوازن بين الإيرادات والنفقات.
وتُعد إدارة الاقتصاد عملية مُتكاملة تعتمد على تضافر مجموعة من السياسات المتنوعة والمترابطة (مالية، ونقدية، واستثمارية، وضريبية، وغيرها)، والتي تهدف إلى توجيه المسار الاستراتيجي للاقتصاد والتخفيف من آثار الأزمات والتقلُّبات الاقتصادية. وهناك علاقة وثيقة بين تحقيق الاستدامة المالية والنمو الاقتصادي، ودور القطاع الخاص في تعزيز هذا النمو.
كما إنَّ القرارات والسياسات المالية المُتَّبعة من قِبل الحكومة تُشكِّل الأساس الذي سيُحدِّد مسار التنمية المُستقبلية. وتؤثر هذه السياسات -بطبيعة الحال، ولا سيما المالية منها- على تنافسية بيئة الأعمال وسلوك الفاعلين الاقتصاديين من أفراد ومؤسسات؛ سواءً كانت خاصة أو حكومية، إضافة إلى التأثير على التعاملات الاقتصادية الخارجية. وتسهم هذه السياسات أيضًا في تحسين جاهزية عناصر الإنتاج الأساسية؛ مثل: رأس المال، وسوق العمل، والموارد المتاحة، وأنظمة الإدارة؛ مما يُعزِّز القدرة على تحقيق نمو اقتصادي مُستدام وفعّال.
وتستدعي المرحلة المقبلة تحولًا جوهريًا في أنماط إدارة الموارد الاقتصادية المحلية؛ فالنموذج التنموي الحالي -القائم على الهيكل الهرمي المقلوب من الأعلى إلى الأسفل والمُدار حكوميًا- يَتَّسِم بهيمنة الشركات الحكومية على معظم القطاعات، مع اعتماد كبير على الاستيراد وتصدير المواد الخام. ولتحقيق هذا التحول، يتعين إعادة هيكلة الإطار المالي للخطة الخمسية المقبلة؛ بما يدعم تحولًا اقتصاديًا شاملًا تقوده شركات القطاع الخاص. ويتطلب هذا التحول توفير بيئة استثمارية مُحفِّزة تتميَّز بتكاليف تشغيلية مُنافِسة، وحلولًا تمويلية مُيسَّرة بشروط مَرِنة، وفُرص واعدة لتحقيق عوائد مُجزِية، وقدرة على رفد خزينة الدولة بإيرادات ضريبية مُستدامة، وإمكانات واسعة لتوفير فرص عمل متنوعة للمواطنين، ومساهمة فعَّالة في تنويع القاعدة الإنتاجية والصناعية والتصديرية.
وعلى الرغم من الجهود المُستمرة والمُكثَّفة لتعزيز نمو القطاعات غير النفطية، فإنَّ الاقتصاد الوطني ما زال يواجه مجموعة من التحديات التي تتطلب اتخاذ إجراءات استراتيجية مُهمة؛ بما يضمن تعزيز هيكلة الاقتصاد، وترتيب الأولويات وتنظيمها، وفق آليات ومعايير عالمية، تُحقق الأهداف والغايات المنشودة.
وفيما يلي نُقدِّم مجموعةً من المقترحات المتعلقة بجانبي الإنفاق العام والإيرادات غير النفطية. ونبدأ بالإنفاق العام، الذي يُعد توجيهه بشكل فعّال أحد العوامل الحاسمة في تحقيق التحولات الاقتصادية المستهدفة وتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد. وبالتالي، نقترح أن يُركِّز الإطار المالي على مجموعة من الأولويات الاستراتيجية؛ أبرزها: استكمال البنية الأساسية للتجمُّعات الاقتصادية المُتكامِلة، من خلال ضمان استمرارية تطوير هذه البُنى ضمن برامج التنويع الاقتصادي؛ مما يُعزِّز جاذبيتها للاستثمارات المحلية والدولية. إضافة إلى ذلك، ينبغي تعزيز تكامل البنية الأساسية عبر زيادة الاستثمار في الخدمات اللوجستية والمرافق الحيوية المرتبطة بالمطارات والموانئ وشبكات النقل والطاقة. وهذا من شأنه رفع كفاءة المشروعات الاقتصادية وتعزيز تكاملها؛ بما يدعم قدرتها على ضمان استدامة النمو الاقتصادي وتعظيم الاستفادة من الموارد المتاحة التي ما زالت غير مُستغلة بشكل كامل.
ومن بين الأولويات الاستراتيجية التي ينبغي التركيز عليها، تعزيز الاستثمار في رأس المال البشري والتقنيات الحديثة، وتوجيه الإنفاق نحو تطوير منظومة التعليم والتدريب المهني؛ بما يتماشى مع احتياجات وأولويات الاقتصاد الوطني، وبما يسهم في تأهيل الكفاءات الوطنية ورفع مستويات الإنتاجية والتنافسية، ويوفر فرص عمل جاذبة للمواطنين.
وهناك حاجة للإنفاق على زيادة درجة الوعي والتواصل مع أفراد المجتمع ومؤسسات الأعمال في القطاع الخاص؛ لمعرفة جانب من التحديات الاجتماعية والاقتصادية والمالية لإعداد العُدة وتغيير بعض أنماط الاستهلاك والقناعات حول الأدوار المطلوبة من الجميع في المستقبل.
كما إنَّ تهيئة وتجهيز وتحفيز القطاعات الاقتصادية المختلفة -وعلى رأسها قطاع الخدمات- تُشكِّل أولوية استراتيجية مُهمة. ويتطلب ذلك دعم وتطوير القطاعات ذات القدرة العالية على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مثل الصناعات التحويلية، وقطاع السياحة، وقطاع التعدين، والخدمات المرتبطة به. وهذا يُسهم في تعزيز النمو المُستدام وتنويع مصادر الدخل، مع ضرورة تخصيص الإنفاق لتسويق السلطنة كوجهة استثمارية وسياحية متميزة.
ويُمثِّل دعم التحول الصناعي والتكنولوجي أولويةً استراتيجيةً أخرى، تتطلب زيادة المُخصَّصات المالية للاستثمار في التقنيات المُتقدِّمة والآلات والمعدات الحديثة بالمصانع المحلية. وهذا التوجه يُسهم بشكل مباشر في تعزيز الإنتاجية ورفع مستوى التنافسية الصناعية؛ مما يدعم قدرة الاقتصاد على مواكبة التطورات التكنولوجية العالمية.
ويُعد تعزيز المحتوى المحلي وزيادة الاستثمارات في الشق السفلي والوَسَطِي لقطاعات الألمنيوم والبلاستيك والبتروكيماويات وغيرها، أحد الأبعاد الاستراتيجية التي يجب التركيز عليها، من خلال توجيه الإنفاق عبر برامج وحوافز مدروسة، تهدف إلى تشجيع استثمارات القطاع الخاص -شركات مجتمعية في مختلف المحافظات- في تلك المشاريع التي تعتمد بشكل كبير على المحتوى المحلي. وهذا من شأنه أن يُسهم في خلق فرص عمل محلية، وتعزيز سلسلة القيمة الوطنية، وتقليل الاعتماد على الواردات.
ومن بين الأولويات الأخرى، يأتي تعزيز البحث العلمي والابتكار ودعم ريادة الأعمال، من خلال تخصيص مزيد من الموارد المالية لدعم البحث العلمي والمشاريع الريادية، وتحويل مخرجات البحوث والأفكار إلى مشاريع تجارية واحتضانها وتسريع وتيرة نموها. وهذا يُسرِّع وتيرة الابتكار ويخلق بيئة داعمة لنمو الشركات الناشئة وتطوير التقنيات المستقبلية.
وينبغي كذلك تعزيز الاستثمار في الخدمات الداعمة للمشاريع الكبرى، من خلال توجيه الإنفاق نحو تطوير المرافق الأساسية والأنظمة الداعمة التي تُسهم في تنفيذ وتشغيل المشاريع الكبرى بكفاءة واستدامة.
وفيما يتعلق بالإيرادات العامة، وبخاصة الإيرادات غير النفطية، نقترحُ عددًا من التدابير الرئيسية التي تُسهم في تعزيز كفاءة تحصيل الإيرادات المالية. أولها: توسيع القاعدة الضريبية عبر تحسين بيئة الأعمال وتسهيل الإجراءات التنظيمية؛ مما يُعزِّز تنافسية الشركات المحلية ويُحسن أداءها المالي. وقد بات من الضروري خلق مناخ ملائم لنمو الأعمال وازدهارها؛ بما يضمن تحقيق الشركات لأرباحٍ تنعكس في رفد الميزانية العامة بنحو 15% من إجمالي أرباح الشركات عبر ضريبة الشركات. وفي هذا السياق، نُوصي بالحد من استحداث ضرائب ورسوم جديدة تؤثر سلبًا على تنافسية الأعمال. كما إن هناك أهمية لتعزيز الامتثال الضريبي وتقليص التهرب الضريبي، من خلال تبني التقنيات الرقمية المُتقدِّمة، التي تُتيح مراقبة التدفقات المالية بشكل دقيق وفعّال؛ مما يُعزِّز من شفافية النظام الضريبي ويضمن تحصيل الإيرادات بشكل أكثر كفاءة.
وتتضمن الاقتراحات أيضًا تعظيم الاستفادة من الأصول الحكومية من خلال خصخصة بعض الخدمات أو تحسين إدارتها لتحقيق أعلى عائد مالي مُمكِن. إلى جانب ذلك، زيادة كفاءة وربحية شركات جهاز الاستثمار. علاوة على ضرورة تحسين التشريعات لضمان بيئة استثمارية جاذبة، وتقليص البيروقراطية لتسهيل إجراءات تأسيس الأعمال. كما نقترح تقديم حوافز استثمارية في القطاعات الاستراتيجية مثل التكنولوجيا المتقدمة والطاقة المتجددة، لدعم الابتكار وتعزيز النمو الاقتصادي.
إضافة إلى ما سبق، نوصي بتعزيز مشاريع الربط البري والبحري مع الأسواق الإقليمية والدولية، ودعم جهود الدبلوماسية الاقتصادية؛ مما يُسهم في تكثيف ارتباط عُمان مع الاقتصاد العالمي، وجذب المزيد من الاستثمارات، وتنمية الصادرات، والتشبيك مع الأسواق المستهدفة، وتعظيم الاستفادة من الاتفاقيات الحرة والدولية، وتيسير حركة التجارة، وزيادة العوائد من رسوم النقل والتخزين.
ومن جهة أخرى، يُعد تطوير سوق السندات والصكوك كأدواتٍ تمويلية بديلة، خطوةً مُهمةً لتخفيف الضغط على الميزانية العامة للدولة، وتعزيز استدامة التمويل في المدى الطويل.
إنَّ التحديات الهيكلية التي يواجهها اقتصادنا تتطلب إعادة توجيه بوصلة الإطار المالي، بشكل يتماشى مع أهداف التنويع الاقتصادي المُستدام. وينبغي أن يُركِّز الإطار المالي على دعم الحلول الإنتاجية؛ مما يُسهم في تحقيق التحوُّلات اللازمة في بُنية وهيكلية الاقتصاد. وهذا يتطلب التركيز على تطوير الأنشطة الاقتصادية ذات القيمة المُضافة المرتفعة، وتحديد الأولويات على نحوٍ يضمن استدامة النمو الاقتصادي عند مستويات مرتفعة.
وفي الختام، نؤكد ضرورة أن يُركِّز الإطار المالي في جوانب إنفاقه وإيراداته، على تهيئة وتعزيز الظروف للقطاع الخاص لتعظيم إسهاماته؛ باعتبار أن هذا القطاع هو مفتاح خزائن التنويع والإنتاج والوظائف، وكلمة المرور التي من خلالها سيَلِج اقتصادنا الوطني نحو آفاقٍ أرحب من التنمية، من خلال تحريك جميع القطاعات وتوظيف المزايا النسبية التي يزخر بها هذا الوطن العزيز.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
المشاط خلال أعمال اللجنة الحكومية المصرية البحرينية: حريصون على تعزيز الشراكة الاقتصادية مع المملكة في مختلف المجالات
شاركت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، في اجتماع اللجنة الحكومية المصرية البحرينية للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والفني، التي عُقدت بمملكة البحرين، برئاسة أحمد كجوك، وزير المالية، والشيخ/ سلمان بن خليفة آل خليفة، وزير الـماليّة والاقتصاد بمملكة البحرين، وبمشاركة المهندس حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، ومُمثلي الحكومتين، وقطاع الأعمال من البلدين.
وألقت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، كلمة أكدت فيها على الشراكة الوثيقة مع المملكة البحرينيّة، وحرص الحكومة على توطيد الشراكة بين البلدين في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 661، 4 مليون دولار عام 2024.
كما أشارت إلى الاستثمارات البحرينية في مصر في قطاعات التمويل والصناعة والإنشاءات والزراعة والسياحة والخدمات والإتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بالإضافة إلي الاستثمارات المصرية في البحرين التي تركزت في الإستثمار العقاري والسياحي، موضحة أن مصر تُرحب بالمستثمرين من مملكة البحرين حيث تتيح العديد من الفرص الاستثمارية، فضلًا عن تعزيز الشراكة في مجال ريادة الأعمال والشركات الناشئة، في ضوء اهتمام الحكومة المصرية بهذا القطاع الحيوي وتدشين مجموعة وزارية متخصصة.
وأشادت بالجهود المشتركة لانعقاد أعمال الاجتماع الثاني للجنة، رغم التحديات السياسية والإنمائية والاقتصادية المعقدة التي تمر بها منطقتنا العربية، والتي تمثل مرحلة فارقة في صياغة مستقبل شعوبنا والأجيال القادمة، موضحة أن العالم اليوم يمر بتحديات مُشتركة وتوترات جيوسياسية، وتراجع في العديد من مؤشرات التنمية، وهو ما يحتم ضرورة تطوير أنظمة التمويل العالمي لتكون أكثر إنصافًا وكفاءة وفعالية.
وأكدت أنه في ظل تلك التطورات العالمية المتلاحقة، تأتي أهمية مثل هذه اللجان المشتركة - رفيعة المستوي - والتي تمثل منصة هامة للحوار والفكر المشترك من أجل الاستفادة المتبادلة من الخبرات والتجارب الناجحة في كافة المجالات وعلى مختلف الأصعدة.
وأشارت إلى الجهود الوطنية لتعزيز استقرار الاقتصاد الكلي وتحسين بيئة الأعمال وسط التطورات الاقتصادية إقليميًا وعالميًا، وتحديد أهدافًا تنموية طموحة من خلال خطتها الوطنية للتنمية المستدامة: رؤية مصر 2030، تعكس الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة: البعد الاقتصادي، والبعد الاجتماعي، والبعد البيئي، مشيرة إلى اعتزام الوزارة وبالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي - إطلاق المرحلة الثانية من تقارير توطين أهداف التنمية المستدامة للمحافظات المصرية (27 تقريرًا)، والتي تمثل أداة هامة يستند إليها متخذ القرار وصانعي السياسات في توجيه جهود التنمية بشكل فعال والاستجابة للاحتياجات المحلية، مما يعزز في نهاية المطاف النمو الشامل والمستدام في جميع أنحاء البلاد.
وأوضحت أن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، تعمل على إعداد خطة تنفيذية شاملة تهدف إلى تعزيز النمو المستدام واستقرار الاقتصاد الكلي، وخلق فرص عمل من خلال التركيز على تحسين بيئة الأعمال ودعم القطاعات القابلة للتبادل التجاري، من خلال تبنّي سياسات تصحيحة مالية ونقدية، فضلاً عن حوكمة الاستثمارات العامة لإفساح المجال للقطاع الخاص - وبناء اقتصاد أكثر ديناميكية ومرونة وتنافسية من خلال زيادة الاستثمارات.
وأضافت أن الدولة المصرية تواصل جهودها لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية منذ عام 2016، من أجل تعزيز القدرة التنافسية الاقتصادية وتحسين بيئة الأعمال وتعزيز قدرة الاقتصاد الكلي على الصمود أمام الصدمات الخارجية ودعم الانتقال الأخضر وفتح آفاق مستقبلية لتنمية شاملة ومستدامة، وذلك لتعظيم الاستفادة من الشراكات التنموية ماليًا وفنيًا، وذلك استنادًا إلى خمسة محاور رئيسية هي 1) تعزيز استقرار الاقتصاد الكلي، 2) توزيع الهيكل الإنتاجي للاقتصاد المصري من خلال التركيز على قطاعات الاقتصاد الحقيقي، 3) زيادة القدرة التنافسية وتحسين بيئة الأعمال، 4) دعم الانتقال الأخضر، 5) رفع كفاءة ومرونة سوق العمل ومنظومة التعليم الفني والتدريب المهني.
وأكدت أن هذه التدخلات انعكست على مؤشرات النمو الاقتصادي، حيث تصدر قطاع الصناعات التحويلية غير البترولية النمو الإيجابي بعد فترة من التراجع - لينمو مؤشر الإنتاج الصناعي بعد سلسلة من التراجع بدأت منذ الربع الثالث من العام المالي 2021/2022، كما تطورت استثمارات القطاع الخاص في الربع الأول من العام المالي الجاري لتستحوذ على 63% من الاستثمارات الكلية، واستمرار هذا الزخم الإيجابي لينعكس في مؤشر مديري المشتريات لشهر يناير 2025 والذي حقق أفضل أداء خلال 4 سنوات ويسجل 50 نقطة متجاوزًا منطقة الحياد.
واستعرضت الدكتورة رانيا المشاط، تطور معدلات التضخم، وارتفاع تحويلات الـمصريين العاملين بالخارج، والنمو المستمر في الاستثمارات الأجنبية المباشرة.، ونمو إيرادات السياحة، وارتفاع احتياطيات النقد الأجنبي.
وتطرقت إلى وضع سوق العمل المصري، موضحة أن عام 2023 يعتبر من أفضل الأعوام التي تلت أزمة وباء كورونا منذ عام 2020، إذ استطاع سوق العمل المصري في هذا العام أن يستوعب نحو مليون وظيفة، من أهم وأكبر القطاعات التي استطاعت أن تستوعب هذا القدر من الوظائف كان الصناعات التحويلية الذي حظي وحده بنحو 255 ألف وظيفة، بما يعادل نحو 25 ٪ من إجمالي حجم الوظائف التي تم توفيرها.
وتُفيد الـمُؤشّرات إلي تعافي النمو الاقتصادي لـمصر خلال الربع الأخير من عام 23/2024، واستمرار ذلك في الربع الأول من العام الـمالي الجاري 24/2025 (بمُعدّل نمو 3، 5%)، وقد جاء هذا النمو مدفوعًا بتحسّن ملحوظ في بعض الأنشطة الاقتصاديّة الرئيسة، ومنها، الصناعة التحويليّة، والكهرباء والقطاع الـمصرفي - ومن الـمُتوقع استمرار تحسّن النشاط الاقتصادي خلال الفترة الـمُقبلة في ظل التزام الحكومة بمُواصلة تطبيق تدابير فعّالة لدعم استقرار الاقتصاد الكلي واحتواء التضخّم وتحفيز نشاط القطاع الخاص.
وأشارت إلى مواصلة مُواصلة الدولة الـمصريّة تنفيذ الإصلاحات الهيكليّة من خلال تطبيق قواعد الحوكمة الجيّدة ورفع كفاءة الإنفاق الاستثماري وتحديد سقف الاستثمارات العامة وقدرُه تريليون جنيه مصري للعام الـمالي 24/2025، ليستحوذ القطاع الخاص على نسبة 50% من إجمالي الاستثمارات الكليّة مُقارنة بنحو 43% في العام السابق 23/2024.
وأكدت أن مصر تمتلك عديدًا من الـمزايا والـمُقوّمات التنافسيّة التي تُعزّز من قُدرتها على تعزيز وجذب واستقطاب مزيد من الاستثمارات الأجنبيّة، وتمتلك البنية التحتية المواتية لذلك من الطرق والـموانئ والنقل البحري، والمطارات والمُجمّعات للصناعات التعدينيّة والطاقة الـمُتجددة، لافتة إلى تنفيذ مجموعة من الخطوات والإجراءات الطموحة لتحسين مُناخ الاستثمار وتمكين القطاع الخاص وتذليل التحديّات التي تُواجه الـمُستثمرين، ويُعد من أبرز هذه الإجراءات تطبيق سياسات ضريبيّة جديدة، وتوفير حزمة من الحوافز للشركات وإصدار الرُخصة الذهبيّة وكذلك إطلاق استراتيجيّة وطنيّة للصناعة تستهدف تحقيق طفرة في توطين الصناعة وتحويل مصر إلي مركز صناعي عالمي، وكذلك إستراتيجية وطنيّة للإستثمار الأحنبي المباشر بالتعاون مع البنك الدولي وشركاء التنمية.
وتفعيلاً لذلك، تعمل الحكومة المصرية مع البنك الدولي لمناقشة الإجراءات الفورية التي قد تكون ضرورية لتحفيز معدلات نمو مرتفعة ومستدامة في ضوء التحديات الكلية والخارجية، وأحد تلك المكونات الأساسية لهذا التعاون مع مجموعة البنك الدولي، هو أجندة التحول الأخضر الطموحة التي تتبناها الحكومة المصرية، حيث عملت الحكومة على زيادة نسبة الاستثمارات العامة الخضراء من 15% في عام السنة المالية 2020/2021 ومستهدف الوصول إلى 50% بحلول عام 2025.
من جانب آخر تطرقت إلى إطلاق الاستراتيجية الوطنية المتكاملة للتمويل من أجل التنمية (E-INFS) في سبتمبر 2024، حيث تهدف إلى: (أ) تعبئة ومواءمة التمويل العام المحلي مع أولويات التنمية الوطنية، (ب) مواءمة التمويل والاستثمار الخاص، (ج) مواءمة التعاون الإنمائي، و(د) خلق بيئة مواتية ووسائل غير مالية للتنفيذ، حيث تشمل الاستراتيجية كافة أدوات التمويل التي يمكن للحكومة المصرية استخدامها من أجل معالجة فجوات التنمية في القطاعات المختلفة.
وأشارت إلى أن العلاقات الوطنية المميزة مع شركاء التنمية أتاحت تمويلات تنمويّة ـمُيسرة للقطاع الخاص بلغت أكثر من 14، 5 مليار دولار منذ عام 2020 بالتعاون مع شركاء التنمية مُتعدّدي الأطراف والثنائيين، وقد تم توجيه هذه الحزم التمويليّة لدعم قطاعات استراتيجيّة مثل الطاقة الـمُتجددة ضمن برنامج "نُوَفّي"، والـمشروعات الصغيرة والـمُتوسّطة والنقل والصناعة، والزراعة والتجارة بما يُسهِم في تعزيز النمو الاقتصادي الـمُستدام وتهيئة بيئة الأعمال.
وذكرت أن مصر تسعى إلى استمرار نهجها الاستراتيجي في تنويع مصادر الطاقة وتعزيز كفاءتها والتحوّل إلى مركز إقليمي لتصدير الطاقة من خلال تحفيز الاستثمارات الـمُباشرة في هذا القطاع الـمُهم بالتوازي مع إقامة شراكات اقتصاديّة مع الدول الشقيقة والصديقة لاسيما في مجال الطاقة النظيفة.