كيف يستطيع حكام سوريا الجدد الحفاظ على السلام بالبلد؟
تاريخ النشر: 24th, February 2025 GMT
نشرت صحيفة فايننشال تايمز تحقيقا مطولا عن مدى قدرة حكام سوريا الجدد في الحفاظ على السلام الذي وصفته بالهش في ظل التحديات السياسية الكبيرة التي تواجهها البلاد، وخاصة ما يتعلق بالتعامل مع الجماعات المسلحة والأقليات.
وجاء في التحقيق -الذي أعده أندرو إنغلاند محرر شؤون الشرق الأوسط وراية حلبي مراسلة الصحيفة في مدينة حمص السورية- أن عشرات الفصائل التي كانت تقاتل قوات الرئيس المخلوع بشار الأسد، تمسك الآن بمفاتيح الاستقرار والأمن في مستقبل البلاد.
ويتعين على هذه الفصائل التعامل مع التهديدات المحتملة من قوات النظام السابق وخلايا تنظيم الدولة الإسلامية، لكن الصحيفة تقول إن استعداد المجموعات المسلحة لحل نفسها والاندماج في قوات وطنية تحت قيادة مركزية سيحددان أيضا الكيفية التي يستطيع بها القادة الجدد في سوريا بسلاسة بناء ركيزة حيوية للدولة الجديدة تستند إلى مؤسسة أمنية احترافية ومتماسكة.
الاقتصاد والأمنوفي هذا الصدد تعتقد دارين خليفة، كبيرة المستشارين في مركز أبحاث مجموعة الأزمات الدولية، أن الاقتصاد والأمن هما المسألتان الجوهريتان للبلاد، إذ لن يتسنى للقادة الجدد المضي قدما في وجود هذه الفسيفساء من قوات الأمن التي تتحرك في كل مكان "وعليهم إعادة السلطة والسيادة إلى وضعهما الطبيعي".
إعلانوتضيف أن على هؤلاء القادة كبح جماح الفصائل وإظهار قدرتهم على السيطرة خارج المدن المركزية ودمشق، وإلا سيكون هناك الكثير من بؤر التوتر التي يمكن استغلالها.
وتوضح أن هذه المهمة تقع على هيئة تحرير الشام "أقوى الجماعات المسلحة (…) التي لا ينازعها أي من فصائل المعارضة".
غير أن الصحيفة تستطرد قائلة إن المدى الذي تسيطر عليه الهيئة خارج دمشق ومعقلها في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، متذبذب بين مد وجزر.
وتنقل عن المحلل السوري مالك العبدة أن التحدي الأكبر الذي تواجهه هيئة تحرير الشام لا يتمثل في عدم قبول الفصائل الأخرى لرئاسة أحمد الشرع، أو عدم الامتثال لأوامر دمشق، بل يكمن في قدرتها على التوسط بين الجماعات المسلحة المتنافسة لإقناعها بتلقي التعليمات من أشخاص كانوا حتى وقت قريب يعدونهم خصوما.
معضلة "قسد"على أن الفصيل الأكبر والأكثر تعقيدا الذي يتعين على هيئة تحرير الشام التعامل معه -بحسب فايننشال تايمز- هو قوات سوريا الديمقراطية، التي يهيمن عليها الأكراد وتستحوذ على رقعة واسعة في شمال شرق سوريا. ويضم هذا الفصيل عشرات الآلاف من المقاتلين الذين دربتهم الولايات المتحدة وسلحتهم.
وفي الشمال أيضا هناك الجيش الوطني السوري، وهو عبارة عن مجموعة متنوعة من الجماعات المتمردة التي تدربها وتسلحها وتمولها تركيا.
وفي جنوب البلاد، تهيمن فصائل عديدة على محافظتي درعا والسويداء. وعن ذلك يقول العبدة إن "المفارقة هي أن الشرع ورث تقريبا نفس المعضلة التي عانى منها الأسد"، حيث كان هذا الجزء من سوريا يتمتع بدرجة من الاستقلالية الأمنية. وأردف قائلا إن لم تكن لدى النظام الجديد القوة الكافية للسيطرة على كامل البلاد، فلا أقل من أن يتبنى نموذج الأمن اللامركزي.
ومضى التحقيق الصحفي إلى الإفادة بأن "الأمة السورية المنقسمة" تحدت حتى الآن المتشككين والرافضين، وتنعم بهدوء نسبي منذ سقوط الأسد. وفي العلن، تؤكد معظم الفصائل أنها تتشارك في الهدف نفسه المتمثل في بناء الدولة السورية الجديدة، وأن الشرع هو الرجل المناسب لقيادتها خلال المرحلة الانتقالية.
إعلان حل سياسيلكن فايننشال تايمز تحذر من استمرار القتال في شمال شرقي البلاد مع قوات سوريا الديمقراطية التي تصر أنقرة على ضرورة حلها وتتوعدها بعمل عسكري إذا لم تفعل ذلك.
ومن جانبه، صرح الشرع مرارا وتكرارا أنه يريد حلا سياسيا للأزمة، فيما قال زعيم قسد مظلوم عبدي في وقت سابق من هذا الشهر إنه منفتح على "حل يعكس إرادة جميع السوريين".
بيد أن لدى قوات سوريا الديمقراطية خلافات أيديولوجية مع النظام الجديد، وطالبت بأن تبقى كتلة واحدة إذا تم دمجها في جيش وطني.
وتفيد الصحيفة أن السوريين عازمون على عدم تكرار الأخطاء التي ارتكبها حزب البعث في العراق بزعامة صدام حسين، ومعمر القذافي في ليبيا.
ويقول ناصر النهار، قائد كتيبة الجيش الوطني السوري في حمص، إنهم لن يسمحوا بتكرار تلك الأخطاء على الإطلاق، وإنهم سيعملون مع هيئة تحرير الشام "لإصلاح البلد ولن نسمح لأحد بإشاعة الفوضى".
مخاطروينصب تركيز السلطات في حمص بوسط البلاد بشكل أساسي على الطائفة العلوية، وهي أقلية ينحدر منها آل الأسد وكانت تهيمن على قيادة الأمن والجيش سابقا.
ووفقا للصحيفة، فإن الخوف هو أن يبدأ الجنود السابقون الساخطون في تنظيم صفوفهم ضد الإدارة المؤقتة والاصطفاف مع الموالين الآخرين للأسد، الذين فروا إلى القرى والجبال المحيطة بمعقل العلويين في طرطوس واللاذقية.
غير أن فايننشال تايمز تشير إلى أنه لا يوجد دليل يذكر على وجود تمرد، ومع ذلك، فإن أحد الأخطار هو أن يسعى داعمو الأسد السابقين إلى زعزعة استقرار سوريا من خلال مناصرة الموالين للأسد.
وتعليقا على ذلك، يقول جيروم دريفون، وهو محلل بارز في مجموعة الأزمات الدولية: "إنه ليس تهديدا استراتيجيا فوريا، لكنه شيء يلوح في الأفق ويمكن أن يتحول إلى شيء أكبر".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات قمة الويب ترجمات هیئة تحریر الشام فایننشال تایمز
إقرأ أيضاً:
الأول بعد سقوط الأسد في سوريا.. بأي حال عدت يا عيد؟
سوريا – لا يريد السوريون أن يغادروا مساحة التفاؤل رغم أن واقعهم الحالي بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على سقوط نظام الرئيس بشار الأسد لا يزال صعبا.
وهم اليوم إذ يقفون على مسافة قصيرة من أول عيد فطر في ظلال الحكم الجديد فإن الظروف المعيشية لم تختلف بشكل كبير عما كانت عليه سابقا رغم انخفاض أسعار بعض السلع وتوفر سلع أخرى ما كانت موجودة في السابق ليبدو مشهد الزحام في الأسواق قبيل العيد وكأنه ازدحام وهمي قائم على استحضار أجواء غابرة لا يقوى المال الشحيح الذي في الجيوب على محاكاتها إلا أن تتولى الذاكرة ذلك فتطال بالأمنيات ما لا سبيل إلى تحقيقه اليوم على أرض الواقع.
بأي حال عدت يا عيد
يحاول أحمد (الموظف في مبنى محافظة دمشق) توصيف العيد بالنسبة لجل السوريين باعتباره اليوم “منازلة صعبة مع الظروف المادية تفضي في الغالب إلى إنتصار هذه الأخيرة” .
وفي حديثه لـRT يؤكد أحمد أنه قضى أياما بلياليها وهو يتدبر في الطريقة التي يمكنه من خلالها شراء ثياب جديدة لأطفاله الثلاثة في حين أن راتبه لا يتجاوز 400 ألف ليرة أي أقل من 40 دولارا تضاف إليه المنحة التي صرفتها الحكومة الجديدة قبيل العيد والتي يحتاج الحصول عليها إلى الوقوف لساعات طويلة في الطوابير أمام الصرافات القليلة المتواجدة في العاصمة.
من جانبه يرى لؤي (معلم مدرسة) أن انخفاض أسعار بعض المواد والسلع عقب سقوط نظام الأسد لا يعني بأن الحال قد تغير كثيرا بالنسبة للمواطنين السوريين الذين انتظروا شهورا لقبض رواتبهم على مراحل زمنية متقطعة لا تسمح بوجود آلية للتدبر في كيفية الإنفاق الخاضعة أصلا للتقشف الشديد.
مشيرا إلى أنه اضطر لتصريف الـ100 دولار التي أرسلها له أخوه من ألمانيا من أجل شراء ملابس وأحذية لأطفاله بعدما ماطل في الموضوع طويلا على أمل أن ينهض الراتب والمنحة بالأمر.
بدوره يحاول عدي (عامل في مطعم) خلق جملة مقارنة بين أجواء العيد قبل وبعد سقوط النظام لجهة الأجواء والأسعار. يتذكر الرجل الخمسيني الذي يسكن مع زوجته وأطفاله الخمسة في بيت متواضع في منطقة ركن الدين بأن الأسعار في عهد النظام السابق كانت مرتفعة جدا حيث تجاوز سعر صحن البيض الـ60 ألف ليرة وكيلو اللحمة وصل إلى 200 ألف ليرة أي ما يعادل نصف راتب الموظف في حين كان شراء جرة غاز واحدة يتجاوز هذا المبلغ.
ووصف عدي في حديثه لموقع RT الأوضاع الاقتصادية عقب سقوط النظام بأنها تندرج في إطار التحسن البسيط فالأسعار لا تزال عالية والمادة التي انخفض سعرها انخفضت جودتها بنفس المقدار، مشيرا إلى أنه لاحظ ذلك من خلال شرائه ملابس العيد لأولاده حيث انخفض سعر ألبسة الولادي والبيجامات إلى النصف، لكن ذلك كان على حساب الجودة.
السيدة إلهام تساءلت من جانبها عن عدد الرواتب التي يمكن أن تجعل للعيد قيمة ومعنى في نفوس الأسرة. “ربما يجب أن يتضاعف إلى خمسة أو ستة أضعاف” تؤكد السيدة الأربعينية، مشيرة إلى أنها اشترت بعض الملابس من السوق بمناسبة العيد واضطرت لتدوير ملابس أخرى لكي تناسب الصغار من أطفالها الذين شعروا بالغصة لأن إخوتهم الكبار حصلوا على الملابس الجديدة فيما كان القديم الرث من نصيبهم هم .
أديب( صاحب محل لبيع الألبسة) في منطقة الشيخ سعد أكد في حديثه لـRT أن حركة السوق قبيل العيد قد لا تعطي مؤشرا دقيقا لحركة البيع، لافتا إلى أن الكثير من الناس يخرجون لاستطلاع السوق ويحجمون عن الشراء نتيجة ضعف السيولة رغم انخفاض الأسعار نسبيا، وأضاف أن إنتشار البسطات الكثيف ومن دون ضوابط ورقابة حكومية أثر بشكل كبير على مبيعات محله وبقية المحلات التي تدفع فواتير الكهرباء والمياه الباهظة للدولة الأمر الذي يضطرها لرفع السعر فيما لا يجد أصحاب البسطات حاجة لذلك فيبيعون كميات أكبر بأسعار منافسة فيما لم يعد يهم المواطن السوري شراء ثيابه من أماكن أنيقة طالما أن غايته الأساسية تتمثل في توفير أي مبلغ مالي مهما كان بسيطا.
بدوره يرى بشير (صاحب محل موالح) أن الحكومة الجديدة تحتاج إلى المزيد من الوقت لجعل حالة السوق أكثر استقرارا، مشيرا إلى أن الأمر يتعلق برفع الرواتب إلى أربعة أضعاف كما وعدت الحكومة وزيادة ساعات التغطية الكهربائية واستقرار سعر صرف العملات الأجنبية التي يتم بموجبها ضبط الأسعار في الأسواق.
ولفت بشير إلى أن أسعار الموالح قد انخفضت بنسبة كبيرة بعد سقوط نظام الأسد فسعر الكيلو الفاخر كان قد وصل إلى حوالي 300 ألف ليرة، في حين أنه يباع اليوم بأقل من نصف ذلك المبلغ كما أن المكسرات من الجوز واللوز والبندق التي يشتريها المواطنون عادة من أجل إعداد حلويات العيد والتي تباع على البسطات وفي السيارات المتوقفة على الأرصفة باتت متوفرة وبأسعار رخيصة نسبيا الأمر الذي أثر على حركة الشراء من محله في هذا العيد بنسبة كبيرة.
الفقر وغياب العلاقات الاجتماعية في العيد
ترى السيدة بيسان، وهي عضو في إحدى الجمعيات الخيرية في دمشق، أن العيد ليس مجرد ثياب تشترى وطعام لذيذ يبسط على موائد السوريين بل هو قبل ذلك جو من الفرح والألفة والتواصل بين الأهل والأقارب والأصدقاء ويجب أن يتجاوز ذلك إلى حالة من الإنفتاح الشجاع والصادق في العلاقة بين المكونات السورية التي يضمها الوطن الواحد.
وفي حديثها لـRT أشارت بيسان إلى أن الكثير من طقوس العيد والتي كانت تعكس حالة المودة والتواصل بين السوريين قد انكفأت بسبب من الأحوال المادية الصعبة التي كانت ترتب على أي زيارة اجتماعية مبلغا من المال لم يعد أغلب السوريين يطيقون تحمله.
ولفتت السيدة بيسان إلى أن أبسط هدية يحملها سوري يريد أن يزور قريبه في العيد ستشكل عبئا ثقيلا على راتبه المتواضع أصلا، ولذلك فإنهم باتوا يفضلون التواصل الهاتفي الذي يحد من العلاقة الاجتماعية دون أن يلغيها.
وأشارت السيدة بيسان إلى أن كل ذلك يهون مقابل ذلك الشعور الأليم الذي يعيشه رب الأسرة السوري حين يعجز عن إسعاد أطفاله في العيد الذي يصبح بالنسبة له مناسبة عصيبة يتمنى لو أنها سقطت من أوراق الزمن إلى ذلك اليوم الذي يملك فيه رب الأسرة ما يحفظ ماء وجهه أمام أطفاله.
وختمت السيدة بيسان حديثها لموقعنا بالإشارة إلى وجوب أن تلحظ الحكومة ما يمكن أن يتركه تأثير الفقر على السوية النفسية لمواطنيها وخصوصا الأطفال منهم ممن ستلازمهم عقدة النقص طوال العمر حتى لا توصف بأنها حكومة لا تخطط للمستقبل بما يحفظ استقرارها وتمكينها في نفوس مواطنيها قبل أن تشرع في انتزاع أي اعتراف دولي هو أقل منزلة من اعتراف وطني يدعو فيه مواطن سوري لهذه الحكومة بالديمومة ويدعو لحكامها بطول العمر.
فالناس وفق عضو الجمعية الخيرية يحتفون بما تقدمه لهم الحكومة من خدمات أكثر بكثير من احتفائهم بالخلفية العقائدية والسياسية اهذا الحاكم أو ذاك حيث المواطنة هي المعيار الحق للعدالة.
المصدر: RT