مونيكا ويليم تكتب.. المملكة وسياسة الحياد النشط .. مفاوضات متوازنة بين موسكو وواشنطن
تاريخ النشر: 24th, February 2025 GMT
يتعزز الدور الدبلوماسي والتفاوضي للملكة العربية السعودية خلال الفترة الحالية من خلال مساعيها لإدارة الصراعات الدولية والإقليمية الدائرة والتي تتفاقم تداعياتها في ظل الاختلالات الدولية وتراجع العقلانية السياسية ونشوب التباينات الاستراتيجية، وبالتالي تتحول قوة السعودية من قوة نفطية إلى قوة ناعمة.
علي هذا الأساس هنا تتلخص 3 تساؤلات رئيسة يحاول هذا المقال إبراز تحليلاتها والأطر النظرية المتعلقة بها.
فالأول يتعلق بأسباب اختيار المملكة لعقد هذه المباحثات المفصلية ، إذ تنامت التقديرات حول أهمية تنظيم قمة عربية موحدة تعقد في السعودية ولقاء الرئيس الأمريكي والرئيس الروسي، وهناك دلالات وأسباب عدة على انعقاد هذا اللقاء في الرياض، لاسيما أن هناك دولتين قد عرضوا استضافة هذا الاجتماع سواء صربيا أو سويسرا، إلا أن ترامب يرى ضرورة اختيار واجهة محايدة بعيدة عن أية دولة من المعسكر الغربي، ولا سيما أن السعودية نجحت في نسج علاقات مصالح متبادلة مع بوتين، علاوة على ذلك تحقيق ما يخدم هدف الرئيس ترامب في تصدير الصورة بأن السعودية هي الوجهة الأولي لزيارته خلال الفترتين من جهة وأيضا التأكيد علي انتهاج سياسة مغايرة لبايدن الذي سعي في بداية فترته لعزل السعودية وجعلها منبوذة.
السبب الثالث الثقل الاقتصادي والمالي الذي تتمتع به السعودية داخل الولايات المتحدة وإتمام الصفقة المالية التي يطمح لها ترامب وهو ما برز جلياً في منتدى دافوس حين صرح بان السعودية تستثمر بحوالي تريليون دولار علاوة على ذلك 2 مليار دولار الذي أعطاه صندوق الاستثمار السعودي إلي جارت كوتشنر.
في حين أن السبب الرابع تنامي ثقة ترامب في المملكة خاصة على خلفية نجاحها في الوساطة بين روسيا والولايا المتحدة حيث استطاعت إقناع روسيا بالأفراج عن مارك فوجل وكذلك التوسط لتبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا وعلي هذا الاساس، قد استفادت المملكة من التزامها الحياد إزاء الحرب الروسية في أوكرانيا، ووفقا لتحليلات عدة، فإن المملكة حققت نجاحاً كبيراً باستطاعتها جمع قوتين عظيمتين في الرياض لتقريب وجهة النظر مما ساهم فى أثبات مكانتها كلاعب رئيسي في الدبلوماسية العالمية وأكسبها أرضية وثقل يمكنها من عرض الخطة العربية لإعادة الأعمار في غزة من ناحية أخري.
ومن جهة المملكة، فالمملكة راغبة في تعزيز العلاقات المتوازنة التي تربط السعودية بالقوى العظمى الدولية، حيث تعد السعودية حليفًا تاريخيًا للولايات المتحدة في المنطقة وخاصة الرئيس دونالد ترامب ، كما تعمل بشكل وثيق مع روسيا فيما يتصل بالسياسة النفطية، خاصة وأنها أكبر مصدر للنفط الخام في العالم.
إلي جانبب ذلك، تعمل المملكة إلي استكمال تطبيع العلاقات مع إيران منذ 2023، لما انبثق عن ذلك من احتواء وتقويض لدور الميليشيات الشيعية في لبنان والعراق المدعومة من إيران.
فضلاً عن ذلك وبجانب السياسة الخارجية البراغماتية للملكة، ينصب اهتمامها حالياً حيال الجانب الاقتصادي وتنفيذ رؤية 2030 والتي تستند على دعم اقتصاد إنتاجي قوي وبالتالي توسع بؤر التوتر من شأنه التأثير على الاقتصاد العالمي ومن ثم أسعار الطاقة.
أما التساؤل الثاني فربما يتعلق بالملابسات والسياق السياسي العالمي، فمع مسح سريع لخريطة التفاعلات، واستقراء دقيق للتحركات تبين ان هناك تصاعد في درجة الاعتمادية بين الملفات وبالتالي أن نجاح القمة سيلقي بظلاله على كثير من مناطق التوتر حول العالم ومنها القضية الفلسطينية، ونتيجة لذلك قد عُقد اجتماع تحضيري في قصر الدرعية بالرياض يجمع وزير الخارجية مارك روبيو ومستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز مبعوث ترامب لشئون الشرق الأوسط ستيف ويتكوف ووزير الخارجية سيرجي لافروف ورئيس صندوق الاستثمار الروسي وهذا الاجتماع وضع حجر الأساس للمفاوضات بشأن أوكرانيا وعدد من القضايا التقاطعية على الصعيد الدولي وذلك قبيل اللقاء المرتقب بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي بوتين.
كما أنه بالتزامن مع عقد هذا التشاور بين الولايات المتحدة وروسيا، فقد ارتفعت أسعار النفط العالمي نتيجة التسريبات المتعلقة بفرض عقوبات على حاويات النفط الإيراني المصدرة.
وعلي الجانب الأخر هناك مناقشات عُقدت في باريس لمجموعة من الدول الأوربية منها ألمانيا وإيطاليا وبولندا والدنمارك التي تنتظر مخرجات الاجتماع الروسي الأمريكي.
إلي جانب ذلك، عقدت قمة عربية مصغرة غير رسمية وغير اعتيادية وذلك في إطار المساعي للاتفاق على موقف عربي موحد إزاء العديد من الإملاءات لخلط الأوراق في الإقليم العربي وتشكيل واقع عربي مغاير في المنطقة، سواء من حيث بناء تفاهمات حول آليات تمويل إعادة الأعمار في قطاع غزة أو من سيقوم بالتمويل وأخيرا تقديم رؤي وأطروحات حول شكل القطاع ومن سيتولى إدارته تباعاً وذلك تمهيداً لعرض تلك المرئيات في القمة العربية بالقاهرة.
أما التساؤل الثالث فيرتكز حول محاولة استقراء الطبيعة التفاوضية والملفات التوافقية بين الرئيس الأمريكي والرئيس الروسي والتي تنطلق من نسق عقائدي مفاداه ضرورة أنهاء التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا الذي نشب خلال الثلاث السنوات الماضية.
ومع محاولة الوقوف على المعايير التي تستند عليها هذه المباحثات، خاصة في ظل بعض النقاط الخلافية بينهما والتي تتمثل في التواجد العسكري في منطقة الشرق الأوسط والعلاقات مع إيران وسوريا.
فالانسحاب من سوريا يعد أبرز القضايا الخلافية بين الولايات المتحدة وروسيا في الشرق الأوسط، إذ تحافظ كل من الجانبين على وجود عسكري في الأراضي السورية منذ سنوات.
ومنذ الإطاحة بالرئيس السوري السابق في 8 ديسمبر 2024، بدأت روسيا في سحب أصولها العسكرية من سوريا، مما أثار تساؤلات بشأن دورها المستقبلي في المنطقة. ومع ذلك، تسعى روسيا إلى الحفاظ على الوصول إلى قاعدتي "طرطوس" البحرية و"حميميم" الجوية، وهما موقعان استراتيجيان شكّلا نقاط ارتكاز رئيسة للنفوذ العسكري الروسي في المنطقة. وبالتالي هناك تقديرات تشير أن روسيا تقترب من التوصل إلى اتفاق مع سوريا للحفاظ على وجود عسكري محدود في البلاد بعد سقوط الأسد.
وعلي الجانب الآخر وفي ظل عدم إعلان ترامب عن استراتيجية واضحة حيال مستقبل سوريا، فقد تختلف التأويلات في هذا الشأن حول الشروط التي قد يسعي ترامب لفرضها علي روسيا فيما يخص تواجدها في سوريا ، سواء الانسحاب الكامل أو التفاوض علي التعاون لمواجهة داعش بعد اقناع ترامب ان الوجود الروسي من شأنه تعزيز الاستقرار .
أما القاعدة العسكرية الروسية في السودان تبرز كأحدث الملفات الخلافية وذلك على خلفية مساعي روسيا لإنشاء قاعدة عسكرية بحرية في مدينة بورتسودان على البحر الأحمر، وتأسيساً على ذلك من المرجح إن إدارة ترامب قد تدفع بشرط الانسحاب الكامل لروسيا من سوريا من أجل إفشال مخطط روسيا مع السودان لإنشاء قاعدة بحرية على البحر الأحمر، نظراً لأن روسيا تستخدم قواعدها في سوريا لإرسال الأسلحة والقوات إلى عملياتها العسكرية في إفريقيا.
وأخيرا تعد العلاقات الروسية الإيرانية من اهم الملفات النقاشية خاصة مع تنامي درجة الاعتمادية الإيرانية علي روسيا عقب تنامي التقارب بينهما على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية حيث الدعم الإيراني لها بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة و8 آلاف مسيرة إيرانية أثناء حرب في أوكرانيا مما دفع الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات على طهران.
واتصالاً من المرجح أن تفاوض روسيا خلال محادثاتها مع الولايات المتحدة برفع العقوبات عن إيران كجزء من اتفاق سلام في أوكرانيا، وذلك بالنظر لما يمكن أن تساهم به زيادة صادرات النفط الإيراني في استقرار أسعار الطاقة، مما سيسهم بشكل مباشر في التعافي الاقتصادي الروسي بعد الحرب.
ورغم أن الإطاحة بالأسد من الرئاسة في سوريا، أضعفت بشكل كبير نفوذ روسيا وإيران على حد سواء في الشرق الأوسط، وساهم في تفكك محور المقاومة الإيراني إلا أن ذلك لم يوقف اهتمام روسيا وإيران بالحفاظ على وجودهما بالمنطقة.، خاصة انه بدون سوريا سيجد النظام الإيراني صعوبة في إعادة بناء قوة حزب الله.
من منظور إسرائيل والولايات المتحدة، لابد من التوصل إلى وضوح استراتيجي يتعلق بطبيعة التعاون بين إيران وروسيا، كما أنها تسعي إلي إيصال رسائل مهمة إلى ايران عبر موسكو.
ختاماً: تلعب المملكة دورًا محوريًا في المشهد الدبلوماسي الدولي، حيث توازن بين المصالح الاستراتيجية لروسيا والولايات المتحدة، مما يعزز موقعها كوسيط موثوق. ومع تصاعد التوترات بين القوتين، يظل دورها عاملاً حاسمًا في تعزيز الاستقرار العالمي وضمان استمرار قنوات الحوار بما يخدم المصالح الدولية والإقليمية خاصة في ظل تصاعد درجة الاعتمادية بين الملفات .
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: السعودية الرئيس الأمريكي الرئيس الروسي المزيد الولایات المتحدة الشرق الأوسط فی المنطقة روسیا فی
إقرأ أيضاً:
الفدرالي الأميركي عالق في الحياد وسط مراقبة سياسات ترامب
الاقتصاد نيوز - متابعة
السرد الشائع بين صنّاع السياسة النقدية في الفدرالي الأميركي هذه الأيام هو أن السياسة "مهيأة جيداً" للتكيف مع أي مخاطر صعودية أو هبوطية قد تطرأ. ومع ذلك، قد يكون من الأدق القول أن السياسة عالقة في مكانها داخل مربع الحياد.
مع وجود العديد من العوامل المجهولة التي تؤثر في الاقتصاد داخل أروقة واشنطن، فإن الوضع الوحيد الذي يمكن أن يكون فيه البنك المركزي هذه الأيام هو الحياد، "حيث يبدأ فيما قد يكون انتظاراً طويلاً للوصول إلى اليقين بشأن ما ينتظرنا بالفعل".
قال رئيس الفدرالي الأميركي في أتلانتا، رافائيل بوستيك، في منشور مدونة: "في الأسابيع الأخيرة، سمعنا ليس فقط الحماس، خصوصاً من جانب البنوك، حول التحولات المحتملة في السياسات الضريبية والتنظيمية، بل أيضاً القلق الواسع بشأن سياسات التجارة والهجرة المستقبلية. هذه التيارات المتضادة تضيف مزيداً من التعقيد في صنع السياسات."
فإن الأداة الوحيدة التي يمكن للبنك المركزي أن يكون عليها حقاً في هذه الأيام هي الحياد حيث يبدأ ما يمكن أن يكون انتظاراً طويلاً لليقين بشأن ما هو قادم بالفعل.
وقال رئيس الفدرالي في أتلانتا، رافائيل بوستيك، في تدوينة: "في الأسابيع الأخيرة، سمعنا ليس فقط الحماس، خاصة من البنوك، بشأن التحولات المحتملة في السياسات الضريبية والتنظيمية، ولكن أيضاً مخاوف واسعة النطاق بشأن سياسة التجارة والهجرة المستقبلية".
وتابع "هذه التيارات المتقاطعة تضخ المزيد من التعقيد في عملية صنع السياسات".
جاءت تعليقات بوستيك خلال نشاط لما يُعرف في وول ستريت بـ "لغة الاحتياطي الفيدرالي" أو الحديث الذي يحدث بين اجتماعات السياسة من رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، ومحافظي البنك المركزي، ورؤساء الفروع الإقليمية.
وقد وصف المسؤولون الذين تحدثوا بشكل متكرر السياسة بأنها "مهيأة جيداً"، وهي لغة أصبحت الآن سمة رئيسية في التصريحات التي تصدر بعد الاجتماعات. لكنهم يعبرون بشكل متزايد عن الحذر بشأن التقلبات الناتجة عن أجندة الرئيس دونالد ترامب التجارية والاقتصادية العدوانية، بالإضافة إلى عوامل أخرى قد تؤثر في السياسة.
"عدم اليقين" هو سمة متزايدة بشكل شائع. في الواقع، عنون بوستيك منشوره بـ "عدم اليقين يتطلب الحذر والتواضع في صنع السياسات".
يوم الأربعاء الماضي، أصدرت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، التي تحدد أسعار الفائدة، محضر اجتماعها في الفترة من 28 إلى 29 يناير، مع الإشارة إلى "عدم اليقين المرتفع" في الوثيقة.
وقد أشار المحضر تحديداً إلى "عدم اليقين المرتفع بشأن نطاق وتوقيت وآثار التغييرات المحتملة في السياسات التجارية والهجرة والمالية والتنظيمية".
يؤثر عامل عدم اليقين في اتخاذ قرارات الفدرالي الأميركي بطريقتين: التأثير الذي يحدثه على صورة التوظيف، التي كانت مستقرة نسبياً، والتضخم، الذي بدأ في التراجع ولكنه قد يرتفع مجدداً مع شعور المستهلكين وقادة الأعمال بالقلق بشأن تأثير الرسوم الجمركية على الأسعار.
الهدف المفقود
يستهدف الفدرالي الأميركي التضخم عند 2%، وهو هدف ظل بعيد المنال لما يقارب الأربع سنوات.
من جانبه، قال رئيس الفدرالي في سانت لويس، ألبرتو موسالم، للصحفيين يوم الخميس: "في الوقت الحالي، أرى أن مخاطر بقاء التضخم فوق الهدف تميل إلى الاتجاه الصعودي."
وأضاف: "سيناريو الأساس الذي أراه هو أن التضخم يستمر في الاقتراب من 2%، بشرط أن تظل السياسة النقدية محدودة إلى حد ما، وهذا سيستغرق وقتاً. أعتقد أن هناك احتمالًا لبقاء التضخم مرتفعاً وتباطؤ النشاط... هذا سيناريو بديل، وليس سيناريو أساسي، لكنني أركز عليه".
العنصر المهم في تعليق موسالم هو أن السياسة تظل "محدودة إلى حد ما"، وهو ما يعتبره المستوى الحالي لمعدل الفائدة الفيدرالي بين 4.25%-4.5%.
كان بوستيك أقل وضوحاً بشأن شعوره بالحاجة إلى الحفاظ على معدلات الفائدة ثابتة، لكنه شدد على أن "هذه ليست وقتاً للرضا" وأشار إلى أن "التهديدات الإضافية لاستقرار الأسعار قد تظهر".
معدلات الفائدة
رئيس الفدرالي في شيكاغو، أوستان غولسبي، الذي يُعتقد أنه من بين أقل الأعضاء تشدداً في اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة عندما يتعلق الأمر بالتضخم، كان أكثر توازناً في تقييمه للتعريفات الجمركية ولم يقدم تعليقات في ظهوراته المنفصلة، بما في ذلك أحدها على قناة CNBC، حول المكان الذي يعتقد أن معدلات الفائدة يجب أن تتحرك إليه.
وقال غولسبي: "إذا كنت تفكر فقط في الرسوم الجمركية، فهذا يعتمد على عدد البلدان التي سيتم تطبيقها عليها، ومدى حجمها، وكلما كانت تبدو صدمة بحجم كوفيد، كلما كان عليك أن تكون أكثر قلقاً".
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام