تحركات وارن بافيت الأخيرة تضفي مزيداً من الجدل على المشهد الاستثماري وتدفع المراقبين للتساؤل عن الرسائل التي يوجهها "حكيم أوماها" للأسواق.

مع تزايد السيولة النقدية لدى شركة بيركشاير هاثاواي لتتجاوز 334 مليار دولار، وتراجع استثماراتها في الأسهم لصالح أدوات الدخل الثابت، تبدو هذه الاستراتيجية أكثر من مجرد خطوة تكتيكية في تقييم الأسواق.

ويعتقد محللون بأنها إشارة ضمنية إلى رؤيته العميقة للوضع الراهن، حيث تتداخل التقييمات المرتفعة للأسهم مع الضغوط السياسية والاقتصادية، مما يدفع بافيت إلى التحرك بحذر، مستفيدًا من عوائد السندات دون المخاطرة في سوق قد يكون على وشك التصحيح.

 عادة ما تعكس خطوات بافيت نهجاً مدروساً يتجاوز مجرد الربح السريع.. ويبدو أن الرجل الذي لطالما آمن بالاستثمار طويل الأجل، يبعث برسالة واضحة: الاحتفاظ بالسيولة لم يعد ضعفاً، لا سيما مع التقييمات المرتفعة للأسهم، بل هو سلاح استراتيجي في وجه الضبابية.. فكيف يقرأ المستثمرون هذه التحركات؟ وهل تمثل مؤشراً مبكراً لتغيرات جذرية في الأسواق المالية؟

وفق تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية، فقد أثارت ملكية بيركشاير الضخمة للنقد تساؤلات بين المساهمين والمراقبين، خاصة مع توقع انخفاض أسعار الفائدة من أعلى مستوياتها في عدة سنوات.

وقد أعرب الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس إدارة بيركشاير في السنوات الأخيرة عن إحباطه إزاء السوق الباهظة الثمن وقلة فرص الشراء. وقد نفد صبر بعض المستثمرين والمحللين إزاء الافتقار إلى العمل، وسعوا إلى الحصول على تفسير للسبب. ورغم بيعه المتكرر للأسهم، قال بافيت إن بيركشاير ستواصل تفضيل الأسهم على النقد.

 أظهرت نتائج بيركشاير هاثاواي عن الربع الرابع نمو رصيدها النقدي بمقدار 9 مليارات دولار، في وقت قلص فيه بافيت حصصه في الأسهم، بما في ذلك مبيعات بمليارات الدولارات من الأسهم في سيتي غروب وبنك أوف أميركا.
تضاعفت الأموال النقدية التي تملكها المجموعة تقريباً خلال العام الماضي حيث استثمرت عائدات مبيعات الأسهم - بما في ذلك عشرات المليارات من الدولارات من أسهم شركة أبل - في سندات الخزانة.

وكان التحول المتزايد لشركة بيركشاير هاثاواي نحو ديون الحكومة الأميركية بمثابة نقطة إيجابية للشركة منذ أن بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة في عام 2022، وفق تقرير لـ "فايننشال تايمز" البريطانية.

 وفي العام الماضي، أعلنت شركة التأمين التابعة للشركة عن إيرادات فوائد بلغت 11.6 مليار دولار، معظمها من حيازاتها من سندات الخزانة، وهو ما يتجاوز بشكل مريح الأرباح التي تتلقاها من محفظتها من الأسهم.
أعلنت الشركة عن تحقيق أرباح تشغيلية بقيمة 47.4 مليار دولار أمريكي لعام 2024، بزيادة قدرها 27% عن عام 2023، مدفوعة بأداء أقوى لأعمالها التأمينية.

السيولة النقدية

المدير التنفيذي بشركة VI Markets، أحمد معطي، يسلط الضوء على تحركات وارن بافيت الأخيرة في سوق الأسهم، مشيراً إلى أنه وللربع التاسع على التوالي يواصل بيع الأسهم وزيادة السيولة النقدية لديه، والتي بلغت 334 مليار دولار.
ويشير إلى أن تحفظ بافيت وعدم توضيح أسباب امتلاكه لهذا الكم من السيولة، فرغم بيعه المستمر للأسهم، لم يقدم بافيت تفسيراً مباشراً، مكتفيًا بإجابة حيادية حول تفضيله للاستثمار في الأسهم. ويرى معطي أن حكيم أوماها كواحد من أذكى المستثمرين عالمياً، لديه رؤية ثابتة ومدروسة.

 ويلفت إلى أن "العلاقة القريبة بين بافيت والإدارة الأميركية تجعله واعياً بالتأثيرات المحتملة للسياسات الاقتصادية، خصوصاً الضغوط التجارية التي يمارسها ترامب والتي قد تؤثر سلباً على سوق الأسهم"، مشيراً إلى أن تقييمات الأسهم الأميركية أصبحت مبالغ فيها مقارنة بالقيمة العادلة، سواء خلال فترة ترامب أو بايدن.
ويضيف المدير التنفيذي بشركة VI Markets:

- مع ارتفاع التضخم، فإن الاحتفاظ بالنقد ليس مجرد سيولة بل يتم توجيهه إلى أذون وسندات الخزانة الأميركية التي تقدم عوائد مرتفعة حاليًا.
- العائد على هذه الأموال يبلغ حوالي 4.5 بالمئة أو أكثر، مما يحقق أرباحاً لشركته (بيركشاير هاثاواي) دون تعريضها لمخاطر السوق.
- خلال اليومين الماضيين فقط، حققت المحفظة أرباحاً بنسبة 71 بالمئة (في الربع الرابع) بسبب هذا التوجه الاستثماري.

 لو أعلن بافيت صراحةً عن رأيه في السوق، فقد يؤدي ذلك إلى انهيار الأسعار بسبب ثقته الكبيرة لدى المستثمرين. .. لهذا يفضل التحرك بصمت، مستفيدًا من العوائد على السيولة دون إثارة مخاوف عالمية حول مستقبل الأسهم الأميركية.

ويختتم معطي حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" موضحاً أن وارن بافيت يرى أن السوق مبالغ في تقييمها وأن المخاطر السياسية والتضخمية تدفعها إلى الاحتفاظ بالسيولة واستثمارها في أدوات آمنة مثل السندات الحكومية. ومع ارتفاع العوائد على هذه الأدوات، فإنه يحقق أرباحاً دون الحاجة للمخاطرة في سوق الأسهم المرتفع بشكل غير مبرر.

وكان بافيت قد قال للمساهمين في رسالته ا لأخيرة: "لقد ساعدنا مكسب كبير متوقع في دخل الاستثمار مع تحسن عائدات سندات الخزانة وزيادة حيازاتنا من هذه الأوراق المالية قصيرة الأجل عالية السيولة بشكل كبير".

رسائل بافيت

وسعى وارن بافيت إلى طمأنة مساهمي شركة بيركشاير هاثاواي بأنه لا يزال يريد امتلاك الشركات، على الرغم من ارتفاع السيولة النقدية لدى المجموعة إلى مستوى قياسي بعد أن تخلت عن الأسهم وفشلت في القيام بأي عمليات استحواذ كبيرة.
في رسالته السنوية إلى المساهمين، والتي صدرت يوم السبت الماضي، قال إنه "لن يفضل أبداً ملكية الأصول المكافئة للنقد على ملكية الشركات الجيدة"، وهي الفئة التي تشمل أيضاً الحصص التي تمتلكها بيركشاير في الشركات الأميركية الكبرى.

 يأتي قرار بافيت بالتعامل مع كومة النقد، التي بلغت 334.2 مليار دولار في نهاية العام الماضي، في الوقت الذي أدت فيه التقييمات القياسية إلى إضعاف جاذبية الأسهم الأميركية، كما جعلت من الصعب على بافيت اكتشاف الصفقات الكبرى التي كانت علامته التجارية منذ فترة طويلة، بحسب تقرير لـ "فايننشال تايمز" البريطانية.

عاملان رئيسيان

وإلى ذلك، يلفت رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى سببين رئيسيين لتوجه وارن بافيت:
أولاً- القلق من قطاع الأسهم:
- بافيت قام بتخفيض حصصه في عدة شركات كبرى، مثل آبل وبنك أوف أميركا.
- هذا التخارج يعكس مخاوفه من ارتفاع تقييمات الأسهم الأميركية، ما قد يشير إلى احتمالية حدوث تصحيح في السوق.
- رغم ذلك، لا يزال يقتنص بعض الفرص الاستثمارية، حيث عزز استثماراته في شركات مثل أوكسيدنتال بتروليوم.
ثانياً- الاستفادة من عوائد السندات:

-  منذ أكثر من عام، صرح بافيت بأن عوائد سندات الخزينة قصيرة الأجل، التي تقارب 5 بالمئة، تعد استثماراً جذاباً.
- نتائج بيركشاير هاثاواي الأخيرة أظهرت أرباحاً قوية، مدفوعة بالاستثمارات قصيرة الأجل في أدوات الدخل الثابت.

 يؤكد يرق أن وارن بافيت لطالما اتبع هذه الاستراتيجية خلال الأزمات، حيث يتخارج من الأسهم عندما تكون التقييمات مرتفعة، ثم يعود للاستثمار عند حدوث تصحيحات في السوق، مستغلاً انخفاض الأسعار لبناء مراكز جديدة.

ويجلس بافيت مكتوف الأيدي وسط سوق صاعدة هائجة شهدت ارتفاع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بأكثر من 20 بالمئة لمدة عامين متتاليين وعودة إلى اللون الأخضر مرة أخرى حتى الآن هذا العام. ومع ذلك، بدأت بعض الشقوق في الظهور في الأسبوع الماضي، مع تنامي بعض المخاوف بشأن تباطؤ الاقتصاد والتقلبات الناجمة عن التغييرات السياسية السريعة من جانب الرئيس الجديد دونالد ترامب وتقييمات الأسهم بشكل عام، بحسب تقرير الشبكة الأميركية.

وارتفعت أسهم بيركشاير بنسبة 25 و16 بالمئة على التوالي خلال العامين الماضيين، وارتفعت بنسبة 5% حتى الآن هذا العام.

المصدر: سكاي نيوز عربية

كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات الأسواق المالية بيركشاير أميركا اقتصاد أميركا المليارديرات وارن بافت أوماها الأسواق المالية بيركشاير أميركا بیرکشایر هاثاوای الأسهم الأمیرکیة السیولة النقدیة سندات الخزانة ملیار دولار وارن بافیت إلى أن

إقرأ أيضاً:

المركزي يواصل عمله لتوفير السيولة النقدية والتوسُّع بخدمات «الدفع الالكتروني»

في اطار متابعة خطة المصرف المركزي لتوفير السيولة النقدية بشكل مستمر، والتوسُّع في خدمات الدفع الالكتروني بكافة أنواعها، اجتمع ناجي محمد عيسى محافظ مصرف ليبيا المركزي، بالمدراء العامون للمصارف التجارية الكبرى، ومدير عام شركة معاملات للخدمات المالية، بحضور مدراء الادارات المعنية بالمصرف المركزي لغرض الوقوف على احتياجات فروع هذه المصارف وخطة المصارف لتوزيع السيولة، ولتذليل الصعوبات التي تواجِهُها في توفير الخدمات المصرفية المتنوعة.

واكد مدراء المصارف على “التزامهم بتنفيذ خطة المصرف المركزي لتوزيع السيولة على الفروع بالتنسيق ودعم من هيئة امن المرافق والمُنشآت”.

وأكد الحضور “على أن معظم فروع المصارف مستمرة في صرف احتياجات المواطنين، وأن خدمات الدفع الالكتروني في تزايد مستمر وتشهد إقبال المواطنين بعد تسهيل الخدمات وتنوعها وتخفيض العملات تدريجياً وفق توجيهات المحافظ”.

مقالات مشابهة

  • نجوم مسلسل "طريق إجباري" يكشفون أبرز رسائله والقضايا التي تطرق إليها
  • المركزي الصيني ينعش السيولة المصرفية بضخ 292.5 مليار يوان
  • الجديد: لن تحل أزمة السيولة مادام كل تفكيرنا منصب على كيفية توفيرها
  • المركزي يواصل عمله لتوفير السيولة النقدية والتوسُّع بخدمات «الدفع الالكتروني»
  • بيركشاير هاثاواي تحقق قفزة أرباح بنسبة 71٪ وترفع حيازاتها النقدية إلى مستوى قياسي
  • شعبة الاستثمار العقاري تطرح تصورا لتصدير المقاولات للأسواق العربية والأفريقية
  • تراجع حاد للبورصة الأميركية والأسهم الأوروبية تنتعش
  • «الاستثمار العقاري» تضع تصورا لتصدير مهنة المقاولات المصرية للأسواق العربية والإفريقية
  • حزب الله يحاول مراكمة المكاسب