السودان: توقف المخابز والمطابخ الخيرية وآلاف العائلات بلا طعام في شرق النيل
تاريخ النشر: 24th, February 2025 GMT
مع تفاقم الأوضاع، شهدت المنطقة إغلاق الأسواق والمخابز بالكامل، مما أدى إلى شح المواد الغذائية وندرتها، فضلًا عن تزايد عمليات النهب والسرقات التي زادت من صعوبة تأمين الغذاء.
الخرطوم: كمبالا
أطلقت غرفة طوارئ شرق النيل، الإثنين، نداء استغاثة عاجلًا، محذرةً من كارثة إنسانية وشيكة بسبب تفاقم الأزمة الغذائية وارتفاع الأسعار الجنوني، مما جعل الحصول على الطعام معركة يومية للبقاء.
وأكدت الغرفة في تقرير اطلعت عليه (التغيير) أن أسعار السلع الأساسية تضاعفت إلى مستويات غير مسبوقة، حيث تجاوز سعر كيلو السكر، العدس، الدقيق، والأرز حاجز 17,000 جنيه سوداني، مما جعل تأمين الاحتياجات الأساسية مستحيلًا لكثير من الأسر.
ومع تفاقم الأوضاع، شهدت المنطقة إغلاق الأسواق والمخابز بالكامل، مما أدى إلى شح المواد الغذائية وندرتها، فضلًا عن تزايد عمليات النهب والسرقات التي زادت من صعوبة تأمين الغذاء. كما توقفت عشرات المطابخ والتكايا التي كانت تقدم الوجبات للفقراء، تاركةً آلاف الأفراد بلا طعام.
وحذرت طوارئ شرق النيل من أن الوضع يتجه نحو كارثة محققة ما لم يتم التدخل فورًا. وناشدت المنظمات الإنسانية والجهات الفاعلة ضرورة التدخل العاجل لإنقاذ آلاف المدنيين الذين يواجهون خطر الجوع القاتل، مع التشديد على أهمية فتح المسارات الآمنة لضمان وصول المساعدات الغذائية والطبية إلى المحتاجين قبل فوات الأوان.
الوسومآثار الحرب في السودان الأزمة الإنسانية في السودان محلية شرق النيلالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: آثار الحرب في السودان الأزمة الإنسانية في السودان شرق النیل
إقرأ أيضاً:
شبح الجوع يخيم على أجواء غزة من جديد
وسط شوارع غزة الضيقة والمدمرة، تتجول أم حسين - سيدة فلسطينية في منتصف الخمسينات من عمرها - تحت أشعة الشمس الحارقة، وهي تعاني من مرض السكري الذي يزيد من تعبها وإرهاقها. تمسك بيدها عصا تساعدها على السير بينما تلهث من التعب، وهي تبحث عن مخبز ما زال يعمل رغم الأزمة الخانقة. بات الحصول على ربطة خبز بمثابة حلم يراودها كل يوم، حيث تضطر للانتظار ساعات طويلة أمام المخابز التي لا تزال تعمل لتلبية احتياجات عائلتها.
تروي أم محمد قصتها بعينين مليئتين بالحسرة والأسى: «أخرج من بيتي كل صباح لأبحث عن الخبز. أقف في طوابير طويلة أمام الأفران، وأحيانًا أعود بلا شيء. أشعر بالضعف والإرهاق، لكن ليس لدي خيار آخر. أبنائي جياع، ويجب أن أوفر لهم ما يسد رمقهم».
تواصل السيدة حديثها وقد ارتعشت يداها من التعب: «حتى عندما أتمكن من الحصول على الخبز، يكون قد مضى على انتظاري ساعات طويلة، وسط زحام خانق ومشاجرات بين الناس المتعطشين للحصول على رغيف واحد».
تضيف أم محمد بصوت متهدج: «الحياة أصبحت قاسية جدًا. كأنني أعيش في كابوس لا ينتهي. جسدي لم يعد يحتمل هذه المشقة، لكن لا سبيل آخر أمامي». تعجز عن مواصلة الحديث وهي تنظر إلى الأرض بحسرة.
تلك المعاناة ليست حكرًا على أم محمد فقط، بل هي صورة مصغرة لأزمة كبيرة يعيشها سكان قطاع غزة، حيث تزداد الأوضاع سوءًا يومًا بعد يوم بسبب انعدام غاز الطهي والوقود، ما أجبر معظم المخابز على الإغلاق.
أزمة إنسانية حادة تهدد غزة
يعيش قطاع غزة على حافة كارثة إنسانية نتيجة للحصار الإسرائيلي المشدد، الذي يتسبب في إغلاق المعابر أمام المساعدات الإنسانية والبضائع منذ 22 يومًا. هذا الإغلاق المستمر تسبب في نقص حاد في الدقيق وغاز الطهي والوقود؛ وهي مستلزمات ضرورية لتشغيل المخابز، مما أدى إلى إغلاق العديد منها أمام آلاف المواطنين المحتاجين إلى الخبز كوجبة رئيسية. الوقت نفسه، استأنف الاحتلال حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة منذ 18 مارس الحالي، مما زاد من تفاقم الأوضاع.
ووفقًا لتقارير رسمية، فإن المخابز في غزة لا تستطيع العمل إلا بالحد الأدنى، وبعضها أغلق أبوابه تمامًا بسبب نفاد غاز الطهي، بينما تعاني أخرى من نقص حاد في الوقود اللازم لتشغيل مولدات الكهرباء. تتزايد طوابير المواطنين أمام الأفران التي لا تزال تعمل، في مشاهد تعكس مدى الأزمة الحادة التي يعيشها القطاع.
الخبز حلم بعيد المنال
«لقد أصبح الخبز حلمًا بعيد المنال».. يقول أبو خالد عبدالرحمن خلال حديثه لـ«عُمان»، وهو أب لخمسة أطفال. يقف في طابور طويل أمام أحد الأفران التي ما زالت تعمل بشق الأنفس.
يتحدث أبو خالد وعيناه تنظران بقلق إلى الفرن الذي قد يتوقف عن العمل في أي لحظة: «نحن نعيش في أزمة لم نعهدها من قبل. نحن على أعتاب مجاعة جديدة. الخبز الذي كنا نعتبره شيئًا بديهيًا أصبح الآن كالحلم. نقضي ساعات طويلة في انتظار ربطة خبز، وقد نعود في النهاية دونها».
يتابع أبو خالد حديثه بغصة: «ليس لدي سوى هذا الخبز لأطعم أطفالي. حاولت الطهي على الحطب مثل كثيرين هنا، لكنه أمر شاق ومتعب. الحطب ليس متوفرًا بكثرة، واستخدامه يستغرق وقتًا طويلاً وجهدًا كبيرًا. إضافة إلى أن الطهي على الحطب لا يلائم كافة أنواع الطعام، كما أن الرائحة والدخان المتصاعد يؤثران على صحة أطفالي».
وفي شهادة أخرى، تقول خالدة شراب، وهي أم لثلاثة أطفال: «أجبرت على الطهي على الحطب في ظل انعدام غاز الطهي. أقضي ساعات في إشعال النار وتحضير الطعام لأطفالي، وهو أمر شاق خاصة مع سوء الطقس وانخفاض درجات الحرارة. لم أكن أتخيل أن نصل إلى هذه المرحلة المأساوية».
وتضيف لـ«عُمان»: «نحن محاصرون من جميع الجهات، ولا أحد يسمع صوتنا. هل نحتاج أن نموت جوعًا حتى يتحرك العالم لإنقاذنا؟ الخبز بالنسبة لنا ليس رفاهية، بل ضرورة أساسية للبقاء».
أما عادل الرفاتي، وهو صاحب مخبز قديم في غزة، فيقول: «أغلقت المخبز قبل يومين بسبب نفاد غاز الطهي تمامًا. كان هذا مصدر رزقي الوحيد، وأشعر بالعجز أمام عائلات تعتمد عليّ في توفير الخبز».
ويتابع خلال حديثه لـ«عُمان»: «الأزمة الحالية لا تطاق، وإذا استمر الحال على ما هو عليه، سنشهد كارثة حقيقية».
خطر المجاعة يتجدد
وقال سلامة معروف، رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة: «الأزمة الحالية خطيرة للغاية ونحن نواجه نقصًا حادًا في غاز الطهي والوقود الضروري لتشغيل المخابز. المتبقي لدينا من الدقيق لا يكفي إلا لأيام معدودة، وإذا لم يتم فتح المعابر وإدخال المواد الأساسية، فإن الوضع سيتحول إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة».
وأضاف معروف في تصريح لـ«عُمان»: «نناشد المجتمع الدولي وكل الجهات المعنية بالتدخل الفوري لفتح المعابر وضمان إدخال الوقود والمواد الأساسية، قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة بالكامل».
وتابع: «نحن نقوم بكل ما بوسعنا من أجل ترشيد استهلاك الموارد المتبقية وتوزيعها بشكل عادل على المناطق المختلفة، لكن الأزمة أكبر من قدراتنا بكثير. إن صمت المجتمع الدولي سيعني مزيدًا من المعاناة لأبناء شعبنا الذين لا ذنب لهم سوى أنهم محاصرون».
وأشار معروف إلى أن الكميات المتوفرة حاليًا من الدقيق في مخازن المخابز لا تكفي سوى لبضعة أيام فقط، مضيفًا: «ما تبقى لدينا من وقود وغاز طهي هو الحد الأدنى المطلوب لتسيير الحياة اليومية بشكل محدود. إذا لم يكن هناك استجابة عاجلة، سنواجه كارثة إنسانية حقيقية في القريب العاجل».
كما أكد معروف أن السلطات المحلية تبذل جهدًا كبيرًا لتوزيع المواد المتاحة بشكل عادل، مشيرًا إلى أن استمرار الإغلاق سيؤدي إلى انهيار كامل للبنية التحتية الغذائية في القطاع، مما سيضع آلاف العائلات أمام خطر المجاعة مجددًا.
عملية تجويع متعمدة
خلال الفترة الأخيرة، سعت بعض الجهات والمؤسسات الدولية، مثل منظمة الغذاء العالمي، إلى دعم المخابز التي ما زالت تعمل في قطاع غزة، من خلال توفير الدقيق والغاز والوقود. وكان الهدف من هذه المساعدات هو تمكين المواطنين من الحصول على ربطة خبز بسعر رمزي قدره شيكلين. لكن، وبسبب استمرار الحصار ومنع إدخال الوقود والغاز إلى القطاع، اضطرت معظم المخابز إلى الإغلاق، في ظل سياسة التجويع المنهجي التي تفرضها إسرائيل على السكان المحاصرين في غزة.
وأشار مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إلى أن الوضع في قطاع غزة يزداد سوءًا مع نقص حاد في الإمدادات الغذائية والمياه والخدمات الصحية، وذلك نتيجة قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي منع دخول المساعدات الإنسانية وقطع الكهرباء والماء عن القطاع. وأضاف المكتب أن "سكان غزة يواجهون تحديات متزايدة في الحصول على الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية من الطعام والماء والرعاية الصحية، إلى جانب نقص حاد في الوقود ووسائل العيش الأخرى".