الفاتيكان: البابا فرنسيس لا يزال في حالة حرجة
تاريخ النشر: 24th, February 2025 GMT
قال الفاتيكان، إن البابا فرنسيس لا يزال في حالة حرجة فقد كشفت فحوص الدم عن فشل كلوي مبكر، لكنه لا يزال يقظا ومتجاوبا ويحضر القداس، في حين يكافح البابا البالغ من العمر 88 عاما الالتهاب الرئوي وعدوى رئوية معقدة.
ونقلت شبكة «يورونيوز» عن الفاتيكان، أن فرانسيس لم يعاني من أي نوبات تنفسية أخرى منذ مساء السبت، لكنه لا يزال يتلقى تدفقات عالية من الأكسجين الإضافي.
وقال الأطباء، إن حالة فرانسيس غير مؤكدة، نظرا لسنه وضعفه وأمراض الرئة التي يعاني منها مسبقا. وأثارت حالته الصحية تكهنات حول ما قد يحدث إذا فقد وعيه أو أصبح عاجزا، وما إذا كان قد يستقيل.
وحذر الأطباء، من أن التهديد الرئيسي الذي يواجه فرانسيس هو الإنتان، وهو عدوى دموية خطيرة يمكن أن تحدث كأحد مضاعفات الالتهاب الرئوي. وحتى الآن، لم تشر التحديثات الطبية التي قدمها الفاتيكان، بما في ذلك يوم الأحد، إلى أي بداية لمرض الإنتان.
في يوم السبت، كان لدى فرانسوا عدد منخفض من الصفائح الدموية، والذي ظل منخفضا ولكن مستقرا يوم الأحد.والصفائح الدموية هي عبارة عن أجزاء من الخلايا تنتشر في الدم وتساعد على تكوين جلطات الدم لوقف النزيف أو مساعدة الجروح على الشفاء. يمكن أن يحدث انخفاض عدد الصفائح الدموية بسبب عدد من العوامل، بما في ذلك الآثار الجانبية للأدوية أو العدوى.
وأصيب فرانسيس، أيضا بفقر الدم، وخلال عمليات نقل الدم يوم السبت، تم إعطاؤه الهيماتين، وهو علاج مصمم لزيادة مستوى الهيموجلوبين في دمه، مما يسمح للدم بحمل المزيد من الأكسجين. وأعلن الأطباء الأحد أن العلاج كان مفيدا.
وكان فرانسيس، الذي يعاني من مرض رئوي مزمن ويتعرض للإصابة بالتهاب الشعب الهوائية في الشتاء، قد دخل مستشفى جيميلي في 14 فبراير بعد تفاقم التهاب الشعب الهوائية الذي استمر لمدة أسبوع.
وقام الأطباء في البداية بتشخيص الحالة على أنها عدوى فيروسية وبكتيرية وفطرية معقدة في الجهاز التنفسي، ثم ظهور الالتهاب الرئوي في كلتا الرئتين. ووصفوا له راحة مطلقة ومزيجا من الكورتيزون والمضادات الحيوية، بالإضافة إلى الأكسجين الإضافي عندما يحتاج إليه.
اقرأ أيضاًلايزال حيا.. المكتب الإعلامي الكاثوليكي ينفي شائعات وفاة البابا فرنسيس
مخالفا للتقاليد ومغايرا لأسلافه.. أين اختار البابا فرنسيس مكان قبره؟
«الفاتيكان»: إصابة البابا فرنسيس بكدمات جراء سقوطه
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: البابا فرنسيس الفاتيكان البابا فرنسیس لا یزال
إقرأ أيضاً:
“من الثورية إلى المعارضة: هل لا يزال الحزب الشيوعي السوداني عضوياً في الحراك السياسي؟”
حين يتأمل المرء مسار الحزب الشيوعي السوداني، تتبدى أمامه ثنائية مثقلة بالاحتمالات: بين لحظة التكوين ولحظة التيه، بين عضوية متخيلة وتاريخ متراكم من العزلة، بين الارتباط المزعوم بالطبقة العاملة والتكلس في أبراج النظرية، بين الإرث الثوري والجمود العقائدي. السؤال، إذن، ليس ما إذا كان الحزب قد فقد عضويته العضوية، بل ما إذا كان قد امتلكها أصلًا. وإن امتلكها، فهل كانت عضوية حقيقية أم مجرد مجاز ماركسي مفرغ من جوهره؟
الاشتباك مع هذا السؤال يستدعي استحضار أنطونيو غرامشي، الذي صاغ مفهوم “المثقف العضوي” والحزب العضوي، باعتبار الحزب ليس مجرد أداة سياسية، بل امتدادًا عضويًا لحركية طبقة اجتماعية، ينهض من صلبها، يعبر عنها، ويحمل سماتها. تمامًا كما كانت الأحزاب الشيوعية الأوروبية في لحظة نشأتها تمثل الامتداد السياسي لطبقة البروليتاريا الصناعية. لكن، هل كان الحزب الشيوعي السوداني حزبًا “غرامشيًا” بهذا المعنى؟
لقد تأسس الحزب في أربعينيات القرن الماضي داخل مشهد طبقي معقد، حيث لم تكن هناك بروليتاريا صناعية بالمعنى الأوروبي، بل كان هناك عمال السكة حديد، مزارعو الجزيرة، عمال الموانئ في بورتسودان، الحرفيون في أزقة المدن النابتة من استعمار مترنح. هذه كانت “طبقته” التي حاول أن يستلهم منها شرعيته. في إضرابات 1946، في حركة نقابات العمال، في انتفاضة 1953 ضد مشاريع الاستقلال المشوهة، بدا أن الحزب يحفر عميقًا في بنية هذه الفئات، كأنما هو صوتها المتكلم، جسدها السياسي في العالم.
غير أن هذه العضوية لم تلبث أن انكسرت مع تعاقب التحولات السياسية. انقلاب 1958، قمع عبد الله خليل، عسكرة الدولة، إجهاض التجربة الديمقراطية الأولى، كلها دفعت الحزب إلى الدخول في شبكة معقدة من التحالفات والتناقضات، بين الاشتباك مع القوى الديمقراطية المدنية من جهة، والتصعيد الثوري ضد الطغمة العسكرية من جهة أخرى.
ثم جاءت ثورة أكتوبر 1964 لتعيده إلى قلب المشهد، لاعبًا رئيسيًا، مهندسًا للإضرابات، شريكًا في تكوين حكومة سر الختم الخليفة، ثم فجأة، مأزومًا بمسألة الاندماج مع القوى “البرجوازية الصغيرة”، عالقًا بين تكتيكات اللحظة ومبادئ النظرية، بين التحالف مع القوى الصاعدة والخوف من الذوبان في تناقضاتها.
ولم يكن هذا سوى التمهيد لأكبر اختبار وجودي للحزب: انقلاب نميري 1969، الذي بدا في لحظاته الأولى كأنه انتصار للبرنامج اليساري، لكنه لم يلبث أن تحول إلى مأساة سياسية، خاصة بعد تصفية الحزب عقب انقلاب 1971 الفاشل بقيادة هاشم العطا، الذي انتهى بإعدامات عبد الخالق محجوب، والشفيع أحمد الشيخ، وجوزيف قرنق، وسلسلة طويلة من التصفيات السياسية التي أطاحت ليس فقط بالكوادر، بل بالأسس البنيوية للارتباط بالطبقة العاملة. بعد هذا، لم يعد الحزب كما كان.
فقد الحزب، في تلك اللحظة، ليس فقط قياداته التاريخية، بل علاقته الحقيقية بالشارع. عاد إلى العمل السري، لكنه عاد مثقلًا بأزمة هوية: هل هو حزب ثوري يسعى لقلب النظام، أم حزب إصلاحي يتفاوض مع البنية القائمة؟
في انتفاضة أبريل 1985، لعب الحزب دورًا رئيسيًا في الحراك الجماهيري، لكنه كان قد بدأ يفقد صلته العضوية بقاعدته التقليدية. لقد كان الحراك الشعبي أوسع من الحزب، وكانت النقابات أكثر ديناميكية من قيادته، وكانت القوى الجديدة في الشارع تتحرك بمنطق مختلف عن منطق بيانات اللجنة المركزية.
ثم جاءت الإنقاذ في 1989 لتكمل ما بدأته ضربة 1971، إذ عمدت الجبهة الإسلامية إلى تفكيك كل ما تبقى من القاعدة الاجتماعية التي كان الحزب يستند إليها. ضربت النقابات، خصخصت مشروع الجزيرة، أضعفت العمال، جعلت الاقتصاد رهينًا لطبقة طفيلية جديدة من رجال الأعمال الإسلاميين. وجد الحزب نفسه أمام مجتمع جديد، لا يشبه ذلك المجتمع الذي تأسس فيه.
لكن، وهنا المفارقة، لم يستطع الحزب أن يعيد إنتاج نفسه ليستوعب هذا التحول. ظل متمترسًا في سردياته القديمة، في لغة خشبية لا تزال تتحدث عن “الطبقة العاملة” في سياق أصبح فيه معظم العمال مجرد أفراد معزولين بلا نقابات، بلا حركة، بلا هوية سياسية واضحة. هنا، برزت فجوة هائلة بين خطابه وبين الواقع، بين تصوراته النظرية والمجتمع الذي كان يفترض أن يمثل صوته السياسي.
ثم جاءت موجة الثورة من جديد في ديسمبر 2018، لكن هذه المرة لم يكن الحزب هو الفاعل الرئيسي. كانت لجان المقاومة، شباب غير مؤطر في الأحزاب التقليدية، تنظيمات لامركزية، احتجاجات لا تخضع لمنطق الحزب الهرمي الصارم. كان الحزب داعمًا، لكنه لم يكن قائدًا. وحين سقط البشير، وبدأت المرحلة الانتقالية، دخل الحزب في معركة جديدة: هل يشارك في السلطة، أم يظل في موقع المعارضة؟ اختار المعارضة، لكن هذه المعارضة جاءت في كثير من الأحيان على حساب الفاعلية السياسية. رفض الحزب المشاركة في حكومات ما بعد الثورة، لكنه أيضًا لم يقدم بديلًا عمليًا واضحًا، بل بقي في موقع المراقب الناقد، العاجز عن التأثير المباشر.
وإنني إذ أتناول تاريخ الحزب بالنقد، لا أنطلق من موقع عابث، بل من إيماني بأن النقد—في جوهره—ليس إلّا فعل حبٍّ شديد التطلّب، لا يرضى بما هو قائم لأنه يؤمن بإمكان ما يجب أن يكون.
في ظل هذا كله، لم يكن غريبًا أن تتكرر الانقسامات داخل الحزب. منذ انشقاق 1970 الذي قاده أحمد سليمان، وحتى الخلافات اللاحقة التي شهدها الحزب بين تيارات ترى ضرورة الانفتاح السياسي والتحديث الفكري، وأخرى تتمسك بالأرثوذكسية الماركسية. هذه الانقسامات لم تكن مجرد خلافات حول التكتيك، بل كانت تعبيرًا عن أزمة بنيوية عميقة، عن غياب القدرة على تجاوز الزمنية المتأخرة، عن العجز عن إعادة التشكّل في ظل واقع لم يعد يحتمل الأحزاب المركزية الصارمة.
إذن، هل لا يزال الحزب الشيوعي السوداني حزبًا عضويًا؟
يبدو أن السؤال قد تجاوزه الزمن، إذ لم يعد هناك سياق يسمح بوجود حزب عضوي بالمعنى الغرامشي الكلاسيكي. لكن الأهم من ذلك: هل يستطيع الحزب أن يعيد اختراع نفسه ليكون جزءًا من الحراك الثوري الجديد؟ أم أنه سيظل حبيس لغته، تاريخه، إيقاعه البطيء، حتى يصبح مجرد أثر سياسي من زمن آخر؟
السؤال مفتوح، والإجابة لم تعد بيد الحزب وحده، بل بيد الزمن ذاته، وبيد تلك الجماهير التي طالما ادعى أنه يمثلها، لكنها الآن تتحرك بدونه، تتجاوز مواقفه، وتعيد رسم الخرائط السياسية بطرق لم يعد قادرًا على فهمها.
zoolsaay@yahoo.com