حكومة الدعم السريع: منظمة إغاثة أم سودان جديد (2-2)
تاريخ النشر: 24th, February 2025 GMT
ملخص
لم تترك الصفوة السودانية جنباً من خطاب الفريق الركن عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة، في الـ17 من فبراير الجاري، "يرقد عليه" كما نقول عمن تكاثر عليه الطعان. لكنهم أضربوا عن الفقرة التي تحدث فيها عن الحاجة إلى البحث العلمي لمعرفة مشاكل السودان، البحث الذي هو الذي هو اختصاصهم دون غيرهم، إضراباً.
نعرض في الجزء الثاني من المقال لبيان المؤتمر الوطني الذي صدر في أعقاب كلمة الفريق ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة، في 17 فبراير الماضي ولمشروع الحكومة الأخرى في مناطق سيطرة الدعم السريع كحالتين دالتين على عقم الصفوة المدنية عن انتاج السياسة كما عرفناها هنا.
صدر في أعقاب بيان البرهان من جهة أخرى بيان من المؤتمر الوطني هو ممارسة سياسية عادية خلا هو أيضاً من عادة إنتاج المعرفة. فبدا مهجوساً بأمرين. أما الأمر الأول فهو تأكيد موقفه من أن تقرير مصير الشعب استحقاق للشعب "وأنه لا صلاحية لحزب واحد، أو حتى كل الأحزاب، أو أي جهة أخرى أن تقرر لوحدها في أمره"، وهذا بمثابة لفت نظر للبرهان الذي قسى على المؤتمر الوطني في خطابه لحفاوته بوثيقة "المشروع الوطني" وتمييزها كالأصل الذي سيغتني بآراء الآخرين. أما الهاجس الثاني فهو شبح الاستثناء من العملية السياسية الذي طارده طويلاً.
وبدا من بيان المؤتمر الوطني أنه يقدم رجلاً ويؤخر أخرى من دون التصالح مع حقيقة أنه ممن خلعته ثورة، أو بأي اسم كما قال البيان، عن حكم دام لثلاثة عقود طوال. فقال المؤتمر في البيان أنه قرر فتح الحوار بصورة موسعة حول خريطة طريق للوطن "داخل حزبنا ومع كل الأحزاب والرأي العام السوداني"، بل إنهم "أنجزوا مراجعات مهمة وعميقة لتجربتنا في الحكم وقفنا فيها على إيجابياتها وسلبياتها بكل موضوعية وشجاعة وجرأة وجارٍ الآن تحريرها وسيتم تداولها مع كل عضويتنا ونشارك الآخرين والرأي العام" طلباً ليهديهم الناس عيوبهم. ولكن ما عتم أن بان تمنع المؤتمر الوطني على هذا النقد الذاتي. فذكروا "حوار الوثبة" مع طوائف من القوى السياسية (2015) كسابقة ذكية لهم في إدارة الحوارات مع الآخر بشرف. وربما لم يجد الإسلاميون كثيراً من بين السودانيين من يشاركهم رأيهم الحسن في ذلك الحوار، وخلافاً لذلك سيجدون إجماعاً ربما على أنه كان الطريق القصير للخدعة السياسية.
من جهة أخرى وجد الإسلاميون في فشل الحكومة الانتقالية التي جاءت بعد الإطاحة بهم عاذرة لهم من أخذ أنفسهم بالشدة في طريق النفس اللوامة، وهي حال غراء من إنتاج المعرفة. فما طرأ لهم وجوب نقد أنفسهم ذاتياً حتى وجدوا في تهافت الحكومة الانتقالية ذريعة للقول إنهم كانوا الأفضل بالمقارنة. فقالوا إنهم قبلوا بعد إزاحتهم عن الحكم بعد الثورة بالقيام بدور "المعارضة المساندة"، ولكن كانت الانتقالية اختطافاً كاملاً للوطن بواسطة الأجانب وتشاكس بين أطرافها على "كيكة السلطة". وعمدت إلى "فرض قوانين وتشريعات ودستور ومناهج تعليم ومنظومة قيم اجتماعية وثقافية دخيلة على موروثنا". وجرؤت على تفكيك مؤسسات الدولة السودانية الدفاعية والأمنية والعدلية والخدمية تحت دعاوى تفكيك التمكين"، ولما حاق بها الفشل من كل جهة لجأت إلى الاتفاق الإطاري وهددت إما بالقبول به أو الحرب.
فإذا كان هذا ديدن الإسلاميين حيال ارتكابهم الحكم في غير ما موعد ولا شرعية فسيطول بهم الزمن من دون أخذ فشل تجربتهم في الحكم باستقلال عن فشل الحكومة الانتقالية. ففشل الأخيرة لا نفاد له. وهذه ممارسة للسياسة كما قال فوزي بشرى لا إنتاجاً للسياسة يجدد بها الإسلاميون الدم في عروقهم وعروق الوطن معاً.
أما حال صفوة الفكر التي تقاطرت على نيروبي خلال الأسبوع الماضي لتكوين حكومة في المناطق الواقعة تحت السيطرة فهي من عادة السياسة عندنا منذ عقود. وهي العادة التي يعرض المثقف، سود الصحائف، خدماته لمسلح، بيض الصفائح، بلا قيد أو شرط. وعرضهم هذه المرة "مبالغة" كما يقول السودانيون لأنهم يأتون بحكومة لحركة كـ"الدعم السريع" هي نقيض الحكومة كما رأينا منها لعامين خلال الحرب.
فتجد رموز هذه الحكومة الموعودة يلجون حول طبيعة علاقتهم مع "الدعم السريع". فلا يفهم المرء من وزير العدل في الحكومة الانتقالية الدكتور نصر الدين عبدالباري إن كانت جماعة نيروبي بصدد تكوين حكومة تمثل قوى عسكرية تخوض حرباً ضروساً أو إنها منظمة إغاثة ملحقة بهذه القوة. فقال عبدالباري إن الفكرة من وراء تكوين الحكومة ليست خوض الحرب التي لا يملكون عدتها. فعلاقتهم مع "الدعم السريع"، في قوله، مبنية على "التعاون من منطلق المسؤولية الأخلاقية والوطنية من أجل توفير الخدمات للمواطنين (في مناطق سيطرة "الدعم السريع") وتمثيل مصالحهم وتنظيم شؤونهم في كل جهد لإيقاف الحرب". وزاد بقوله إنه غير مشغول بسؤال شرعية حكومتهم المقبلة لأن صون كرامة الإنسان فوق الاعتبارات السياسية.
لكن للدكتور النور حمد، مؤلف كتاب "العقل الرعوي"، خطة للحكومة المرتقبة أكثر طموحاً. فالحكومة عنده هي إرادة ما بقي من القوى المدنية التي انهارت دعائمها والتي لا تزال تحمل لواء ثورة ديسمبر عام 2018. فهي ليست حكومة "الدعم السريع" وكل ما حدث أنها قامت في أرض تحتلها "الدعم السريع" التي هي القوة الوحيدة التي وقفت بوجه الفلول، الإسلاميين، لتقتلع أراضي السودان منهم. فالحكومة المنتظرة طرف في حلف عسكري مدني لاستعادة السودان من الفلول لا بالهتاف ومن منصات المهاجر.
وصدر النور في هذا عن سوء الظن في القوى المدنية الممثلة في تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية "تقدم". فتغير المسرح، في قول النور، فلا مجال للحديث عن سلمية الثورة بل لا بد من شق طريق آخر يخرج فيه المدني الذي بلا شوكة ليتحد مع قوة عسكرية كما يفعل الجيش والفلول بينما تضرب الفرقة الجماعات المضادة لهم. وانتهى في توصيف علاقتهم مع "الدعم السريع" بمقاربة مع "الحركة الشعبية لتحرير السودان" و"الجيش الشعبي لتحرير السودان" بقيادة العقيد جون قرنق في أوائل الثمانينيات. وهي مقاربة توثق عراهم مع ذلك بـ"الدعم السريع" بغير ما أراد النور ربما. فلم تكُن الحركة الشعبية شئياً آخر غير الجيش الشعبي إلا من ناحية الوظائف تحت قيادة سياسية واحدة، بل تحت العقيد قرنق أبداً.
ولا يتفاءل المرء بأن يكون للحكومة المرتقبة للصفوة تأثير حسن في "الدعم السريع" من جهة التزام قانون الحرب الإنساني. فالنور يعترف بارتكاب "الدعم السريع" لتجاوزات في حربه ضد القوات المسلحة وهي عنده موجبة للمساءلة. وبينما يصعب الدفاع، في قوله، عن "الدعم السريع" إلا أن من صحت مؤاخذته حقاً فالقوات المسلحة التي أشعلت الحرب. فالأولى تحميل وزر التعديات لمن أشعل الحرب بدلاً من التمسك بتفاصيل التعديات التي لا سيطرة لمرتكبها عليها. فالحرب تخلق أوضاعاً ينهار فيها القانون وتلغي دولة و"من غلب سلب". وبدا النور كمن يقول "لا تحلموا بعالم سعيد". فالحرب على علاتها محكومة بأعراف لا يبدو أن حكومة "الدعم السريع" تهيأت للالتزام بها في دولتها.
لطلاق الفكر عن السياسة تاريخ طويل ينظر في ظرف آخر. ولكن دعوة البرهان إلى "احتواء الأزمة بالبحث" في عبارة سديدة للدكتور آدم الزين لافتة بوجهين، صدورها أولاً من عسكري في خضم حرب ضروس وتجاهل الصفوة لها كأنها لا تعنيهم.
ibrahima@missouri.edu
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحکومة الانتقالیة المؤتمر الوطنی
إقرأ أيضاً:
قوات الدعم السريع وجماعات متحالفة معها توقع ميثاقا لتشكيل حكومة موازية في السودان
الخرطوم - وقعت قوات الدعم السريع في السودان مع تحالف مؤلف من جماعات سياسية ومسلحة خلال الليل في نيروبي ميثاقا تأسيسيا لتشكيل حكومة موازية في البلاد التي تشهد حربا، بحسب ما أعلنت مصادر الأحد 23فبراير2025.
وقال مصدر مقرب من منظمي المراسم لوكالة فرانس برس إنه تم التوقيع.
وبحسب الموقعين فإن الميثاق يمهد الطريق ل "حكومة سلام ووحدة" في المناطق الخاضعة لسيطرة هذه القوات.
وتم تأجيل التوقيع عدة مرات. وجرى خلف أبواب مغلقة في العاصمة الكينية.
ومن بين الموقعين فصيل من الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، والتي تسيطر على أجزاء من ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
ووقّع عبد الرحيم دقلو، نائب وشقيق قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الميثاق في غياب الاخير.
ويدعو الميثاق الذي اطلعت عليه وكالة فرانس برس إلى "تأسيس وبناء دولة علمانية ديموقراطية لامركزية قائمة على الحرية والمساواة والعدالة غير منحازة لاي هوية ثقافية أو عرقية أو دينية أو جهوية".
وتحدث أيضا عن تأسيس "جيش وطني جديد وموحد ومهني وقومي بعقيدة عسكرية جديدة على أن يعكس التعدد والتنوع اللذين تتسم بهما الدولة السودانية".
وتهدف هذه الحكومة بحسب الميثاق إلى إنهاء الحرب وضمان تدفق المساعدات الإنسانية بلا عوائق والحفاظ على وحدة السودان.
منذ نيسان/أبريل 2023، تسببت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في السودان بمقتل عشرات الآلاف وتشريد أكثر من 12 مليون شخص، وبأكبر أزمة إنسانية في العالم.
- انقسام-
ويأتي التوقيع بعد انقسام هذا الشهر في أكبر تحالف سياسي مدني في السودان، إثر خلافات بشأن تشكيل حكومة في مناطق تسيطر عليها قوات الدعم السريع.
وانقسمت تنسيقية القوى الديموقراطية المدنية "تقدم" التي تضمّ أحزابا سياسية ونقابات مهنية إلى فصيلين : تحالف السودان التأسيسي المتحالف مع قوات الدعم السريع ويقود الحكومة الجديدة الموازية، والتحالف المدني الديموقراطي لقوى الثورة (صمود) بقيادة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك.
وأكد علاء الدين نقد، وهو ناطق سابق باسم تنسيقية "تقدم" وعضو تجمع المهنيين والذي وقع الميثاق أن الحكومة المقترحة تهدف إلى معالجة فجوات الخدمات في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.
وقال نقد لوكالة فرانس برس إن "السبب وراء تأسيس الحكومة الجديد هو منع الخدمات في مناطق سيطرة الدعم السريع منها اجراءات تغيير العملة، ومنع الجيش أيضا المواطنين من إصدار الجوازات ومن تجديد اي اوراق ثبوتية".
ورأى أن تشكيل هذه الحكومة "أمر شرعي وأمر يحمي كرامة المواطنين".
ووقعت القوى المدنية المتحدة أيضا الميثاق.
وأكد الناطق الرسمي باسم التحالف نجم الدين دريسة أن تشكيل الإدارة "سيتم ربما بعد شهر من الآن داخل الاراضي السودانية".
وانتقدت الحكومة السودانية كينيا لاستضافتها الحدث، متهمة اياها بانتهاك سيادة السودان. واستدعت الخميس سفيرها لدى نيروبي.
واعتبرت أن "هذا يعني تشجيع تقسيم الدول الإفريقية وانتهاك سيادتها والتدخل في شؤونها".
وفيما يسيطر الجيش على شرق وشمال البلاد، تسيطر قوات الدعم السريع على كل إقليم دارفور تقريبا ومساحات من الجنوب.
وفي الأسابيع الأخيرة، قاد الجيش هجوما في وسط السودان واستعاد المدن الرئيسية وكامل الخرطوم تقريبا.
ويأتي قرار قوات الدعم السريع بتوقيع ميثاق مع الفصائل السياسية الموالية لها وإعلان حكومة في الأراضي التي تسيطر عليها، في الوقت الذي تسعى فيه إلى تعزيز قبضتها على دارفور مما يؤدي فعليا إلى تقسيم السودان.
وحذر المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة الأربعاء من أن ذلك قد يؤدي إلى زيادة "تفكك" البلاد و"تفاقم الأزمة".
من جهتها، أعربت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية الخميس عن "قلقها واستهجانها إزاء أية خطوات يكون من شأنها أو يترتب عليها المس بوحدة السودان أو تعريضه للتقسيم أو التفتت تحت أي ذريعة أو مسمى".
وكان علي مجوك، وهو مستشار لقوات الدعم السريع، نفى في وقت سابق هذا الشهر مسعى قوات الدعم السريع الى تقسيم السودان، مؤكدا أنها "لن تسمح بذلك تحت أي ظرف من الظروف".
Your browser does not support the video tag.