ميثاق التأسيس شيّع الإخوان المسلمين لمثواهم الأخير
تاريخ النشر: 24th, February 2025 GMT
أما وقد أناخ المؤتمرون بعيرهم بالعاصمة الكينية نيروبي، فخلصوا إلى وثيقة ميثاق التأسيس، الممهدة لاستكمال هياكل حكومة السلام المرتقبة، تكون عصابة بورتسودان الإخوانية قد تلقت الضربة القاضية، ودفعت ثمن مماطلتها ورفضها سماع صوت غالب الشعب الذي اكتوى بجمر الحرب، التي خططت لها ونفذتها، فمعلوم أن تنظيم الإخوان المسلمين (الحركة الإسلامية) في السودان، الحاكم لأكثر من ثلاثة عقود، هو المسؤول الأول من اندلاع الحرب الكارثية، والممول والمتآمر مع قوى إقليمية لتدمير الإنسان والبنى التحتية، والمتحدي للوسطاء والمسهلين بعدم الاستجابة لصوت العقل، والساعي بكل ما امتلك من كلمات سر الدخول للمؤسسات الحكومية، لزيادة وتيرة معاناة السودانيين دون أن يكترث لمهددات زوال كيان الدولة، لذا كان من البديهي أن لا ينتظر الحريصون على وحدة وسلام البلاد طويلاً، وأن يكون لهم موقفاً وطنياً عاجلاً وسريعاً، فكانت نيروبي المحطة المناسبة لانطلاق قطار التأسيس للوطن الحلم، الذي ينعم فيه الناس بالأمن والطعام والسكن والرفاه، ولما للشعب من أبناء بررة وبنات عزيزات، جاءت الكلمة الفصل، فأصابت إخوان بورتسودان بالهيستيريا والفوبيا، من حتمية نهضة السودان بأيدي غير أيديهم الملوثة بالدماء والفساد، فميثاق التأسيس قطع حبل الحلم الجميل العابر بطيف خيالهم، ظناً منهم وتبخيساً لجهد الأوفياء، وكما قال أحد الباحثين في شئون الجماعات الإسلامية والإرهاب، أن العقل الاسلاموي تدميري، متخصص في الإقصاء والقضاء على الآخر وإفناء ذاته، كما جرى لحركة حماس وحزب الله، والحوثي الذي هو الآخر ذاهب على ذات الطريق المؤدية إلى الفناء.
درج الإسلامويون على ابتدار المفاجئات مستغلين كسل النخبة القديمة، وعطب منتوجها الفكري واستسلامها، إلى أن أتى (السريعون)، الذين لا يؤجلون عمل اليوم إلى الغد، إنّهم المبادرين في أي عمل من شأنه أن يحقق الأمن والسلامة والطمأنينة، فحسموا جدل الحلول القديمة، وأتوا بالحل من بين صفوف نخبة جديدة تسعى لسودان جديد، خبرت دروب النضال الوعرة، وعاشت بين كثبان الصحارى وأدغال الوديان، وكفرت بالمأكولات الجاهزة التي درج على طبخها الشيف المركزي، وعلمت أن البدن لا يطيب من الحكة إلّا بترياق الظفر النابت من ذات البدن، فتظاهرة نيروبي في عمقها الحقيقي هي ثورة وانتفاضة متجاوزة للوصفات البالية، الصادرة من المصانع المعطوبة المتخصصة في إعادة تدوير النفايات النخبوية العاجزة، وما توصل إليه المؤتمرون من منتوج فكري لا وصاية فيه من الدهاقنة والمنظرين المركزيين، مهما طرح حوله من رأي، إلّا أنه يعبر عن الخلاص الحقيقي للمقهورين من قبضة المركز، والانفكاك من التبعية للذهنية النرجسية المعتادة على تزييل جميع الوثائق (الوطنية) بتوقيعها، وحق للإخوان المسلمين أن يقلقوا، هم ومن شايعهم من أصحاب المصالح الضيقة، والمرتزقة ممن ضعفت نفوسهم أمام بريق الدولار الإخواني المجنب من مال الشعب، فقد هزم ميثاق التأسيس جميع المتواطئين مع مشروع الدولة القديمة، وفضح مواقفهم الرمادية الجائلة ما بين شعار "لا للحرب" ودعايتهم الكذوب، في ترويج شائعة أن قادة التأسيس يسعون للتقسيم، ذلك التقسيم الذي سعوا إليه عبر بذر بذور الكراهية العرقية والجهوية، بتنظيرهم الفطير المشرع لقانون "الوجوه الغريبة".
الإخوان – الكيزان، يبذلون جهداً مدعوماً من إحدى المحاور الإقليمية، بالعمل عسكرياً وسياسياً واجتماعياً لتقسيم البلاد، لكن إرادة الشعوب السودانية بتنوعها الجميل الذي عكسته زوايا قاعة التأسيس، ستقف سداً منيعاً أمام المحاولات اليائسة والبائسة التي يقودها الإسلامويون بلا هوادة، وكما ورد بوثيقة التأسيس، فإنّ رغبة أي مكوّن من السكان في تقرير مصيره، ليست عجل سامري يعبده الناس إلى أبد الآبدين، فالمبدأ هو الوحدة الطوعية المختارة، وليس الأمر كما يطرحه المنبوذون من بقايا نظام البطش والعدوان، الذي سام الناس سوء العذاب ستة وثلاثون عاما حسوما، فالسودانيون يتمتعون بعزة للنفس لا تحدها حدود، ولا يوجد من بينهم من يتمسك بوحدة مذلة، أو تقسيم قسري وقهري بالإكراه، فكما تغنى العطبراوي بأن كل أجزاءه لنا وطن، دعونا نتمسك بهذه الأهزوجة الوطنية في الحالتين، كما في حال جنوبنا الحبيب الذي ما يزال جزءًا عزيزاً ووطناً عميقاً، رغم الانفصال الذي سُجّل تاريخه في حقبة الإسلامويين، الذين حوت حقبتهم كل الموبقات المرتكبة بحق الوطن. على المؤسسين أن يعملوا جهد ايمانهم على كنس آثار النظام الإخواني البائد، بحسب ما ورد في بنود الوثيقة التأسيسية، فإن الكل يدرك حقيقة أن لا انتطاح لتيسين حول أن الحركة الإسلاموية مثلت آخر تجليات فشل الدولة القديمة، وعليه، لا يجب التفريط في مشروع دك آخر معاقلها، كما وعد ملهم التأسيس بملاحقة زعيمها "الأكرت" في عقر داره، فهذه العصابة المجرمة اختطفت الدولة قبل ثلاثة عقود، ورهنت مقدراتها لمصلحة فئة قليلة تحسب على اصابع اليد الواحدة، فلا خلاص للتأسيس إلّا بتخليص الوطن من فكي غول الإسلامويون.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
منذ فجر التأسيس.. دور ملهم لأئمة الدولة السعودية في بناء هوية المملكة
منذ أن بزغ فجر الدولة السعودية الأولى، أرسى الأئمة قواعد القيادة التي أسهمت في تشكيل هوية ثقافية ووطنية متينة، لا تزال حاضرة في وجدان السعوديين حتى يومنا هذا، ولم يكن تأثيرهم مقتصرًا على التوجيه الديني فحسب، بل امتد إلى بناء منظومة متكاملة من القيم والمبادئ التي أسهمت في استقرار المجتمع وترسيخ مكانة المملكة ككيان موحد ومتماسك.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1600588014572-0'); }); وكانت العلاقة الوثيقة بين الأئمة والمجتمع السعودي محورًا أساسيًا لبناء هذه الهوية، حيث حرص ثالث أئمة الدولة السعودية الأولى الإمام سعود بن عبدالعزيز - كما أشار المؤرخ ابن بشر - على الاستماع إلى شكاوى الناس وتلبية احتياجاتهم، مما عكس التلاحم المجتمعي والقيادة الحكيمة.
أخبار متعلقة مغامرة خيالية.. تحديد موعد إصدار لعبة Exodus يوم التأسيس يوم العز والفخروكان الناس يخاطبونه ببساطة وتواضع، مستخدمين ألقابًا كـ"يا سعود" أو "يا أبو عبدالله"، وكان الإمام بدوره ينادي كل فرد باسمه، مما يعكس عمق التواصل بين الحاكم وشعبه.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } منذ فجر التأسيس.. دور ملهم لأئمة الدولة السعودية في بناء هوية المملكةنهضة ثقافية واجتماعيةوفي الدرعية، أصبحت مجالس العلم التي عقدها الأئمة منارات للمعرفة، حيث أسهمت هذه المجالس المفتوحة للجميع في نشر العلوم وترسيخ قيم التعليم بصفتها جزءًا أساسيًا من النهضة الثقافية والاجتماعية.
وكانت مجالس العلم تعقد ثلاث مرات يوميًا في السوق والمساجد، ما جعل التعليم والثقافة متاحين للجميع.
وكان للأئمة السعوديين دور بارز في دعم العلم والتعليم؛ إذ حرصوا على مجالس العلم اليومية في شتى الأوقات، وجعلوا منها أساسًا لتقوية المجتمع فكريًا وثقافيًا.
كما اهتم الأئمة بدعم العلماء وطلبة العلم بكل السبل، سواء بالدعم المالي أو توفير بيئة مناسبة للتعلم، وشهدت الدرعية نهضة علمية جعلتها مقصدًا للراغبين في التعلّم من داخل الجزيرة العربية وخارجها، حيث كان الإمام عبدالعزيز بن محمد يرسل المال لطلبة العلم وحملة القرآن والمعلمين والمؤذنين في مختلف المناطق.
وفي الجانب الاقتصادي، كانت الدرعية مركزًا حيويًا للتجارة في الجزيرة العربية، وشكلت مركزًا اقتصاديًا مزدهرًا بفضل السياسات الحكيمة للأئمة، والتي ساعدت في تعزيز النشاط التجاري وتبادل البضائع مع المناطق المحيطة.
وكذلك استتباب الأمن وانتشار العدل في الدولة السعودية الأولى، أسهما أيضًا في تعزيز حركة التجارة، حيث كان المسافرون يسيرون في الطرق بأمان تام حاملين أموالهم دون خوف.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } منذ فجر التأسيس.. دور ملهم لأئمة الدولة السعودية في بناء هوية المملكةقيادة ملهمةوأثبت أئمة الدولة السعودية حرصهم الكبير على دعم المحتاجين من المواطنين؛ فقد كانوا كثيري العطاء والصدقات، خاصة خلال شهر رمضان، وكانوا يوفّرون الطعام والكسوة للفقراء، ويهتمون بأئمة المساجد والمؤذنين ومعلمي القرآن، وفي العشر الأواخر من رمضان، كانوا يقدمون عباءات وهدايا للأطفال دعمًا وتشجيعًا لهم على التعليم.
الرحالة السويسري جون لويس بوركهارت، تحدّث عن الدولة السعودية الأولى بإعجاب بالغ، مشيرًا إلى قرب الإمام سعود بن عبدالعزيز من شعبه، وتواضعه في التعامل معهم، حيث كان يفتح مجالسه لاستقبال الناس صباحًا ومساءً، ويجلس معهم دون تكلف، ويستمع إلى شكواهم وحاجاتهم.
كما أشار الرحالة الإيطالي جيوفاني فيناتي إلى كرم السعوديين وأخلاقهم النبيلة، وذكر كيف أنهم قدموا له العون والضيافة في رحلته، مما يعكس أصالة القيم الاجتماعية التي غرسها الأئمة في نفوس المجتمع.
ويأتي يوم التأسيس ليجسد هذه القيم الراسخة، مستذكرًا المسيرة المباركة التي بدأت مع الدولة السعودية الأولى، حيث أصبح هذا اليوم رمزًا للفخر والاعتزاز بجذورنا التاريخية وركيزة لمستقبلنا المشرق، ومناسبةً وطنية تجمع السعوديين على مبادئ الوحدة والانتماء، وتعيد إحياء التراث الذي صنعه الأئمة ليبقى مصدر إلهام للأجيال القادمة.
بهذا الإرث العريق، تواصل المملكة مسيرتها بثبات نحو المستقبل، راسخة في هويتها الوطنية، ومتمسكة برؤية طموحة تعكس أصالة الماضي وتطلعات الغد.