ميثاق حكومة السلام- تحوّل سياسي وإعادة تشكيل المشهد السوداني
تاريخ النشر: 24th, February 2025 GMT
يطرح النص ميثاق حكومة السلام كخطوة غير مسبوقة في تاريخ السودان الحديث، من حيث التوقيت، والتركيبة، والأهداف. يتوقع المحللون أن يخلق هذا الميثاق هزة سياسية عميقة، ويسحب سيادة الدولة من قبضة الجيش، وهو ما قد يؤدي إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي كليًا.
يشير النص إلى أن هذه الخطوة لم تقدم عليها أي حركة سياسية أو عسكرية منذ الاستقلال، حتى من قبل حركات الكفاح المسلح السابقة مثل الحركة الشعبية أو التجمع الوطني الديمقراطي.
تشير المعطيات إلى أن الحكومة الجديدة تحظى بتأييد شعبي واسع، خاصة في مدن دارفور، حيث خرجت مسيرات مؤيدة لتحالف "تأسيس"، مما قد يدفع نحو اعتراف إقليمي ودولي بهذه الحكومة. في المقابل، حكومة البرهان فقدت شرعيتها بسبب الانقلاب على السلطة الانتقالية ورفضها لدعوات السلام، مما يعزز موقف الحكومة الجديدة دوليًا. تسعى هذه الحكومة إلى تحقيق السلام والوحدة، واستيعاب تطلعات الشارع السوداني، عبر تقديم رؤية جديدة حول توزيع السلطة والثروة بعدالة، بدلًا من المركزية الصارمة. كما تهدف إلى حماية المدنيين في مناطق الصراع من القصف الجوي، وإعادة إعمار ما دمرته الحرب، إضافة إلى تجاوز التحدي الاقتصادي عبر عقد شراكات دولية في القطاعات الخدمية مثل التعليم والصحة. تشكيل جيش موحد تحت قيادة الحكومة الجديدة قد يسهم في فرض إرادة الدولة الجديدة ومواجهة الحكومة العسكرية القائمة.
أحد أبرز التحديات هو كيفية تنفيذ هذه الرؤية في ظل وجود حكومة عسكرية مسيطرة وقوى إقليمية ودولية لها مصالح في المشهد السوداني. نجاح الحكومة يعتمد على قدرتها على تقديم الخدمات الفعلية، وكسب الاعتراف الدولي، وتجاوز العقبات السياسية والأمنية، بما في ذلك احتمالية نشوء صراعات جديدة داخل التحالف نفسه. يشكل الميثاق فرصة تاريخية للقوى المدنية السودانية لتعزيز دورها في صنع القرار السياسي، وذلك من خلال إشراك القوى المدنية في الهيكل الحكومي، إذ يُلمح النص إلى أن التحالف الجديد يضم قوى سياسية متنوعة، مما قد يفتح الباب لتمثيل أوسع للقوى المدنية كالأحزاب السياسية، النقابات، ومنظمات المجتمع المدني في هياكل الحكم، خاصة في قضايا مثل إعادة الإعمار وتوزيع الثروة. كما يسعى الميثاق إلى استيعاب تطلعات الشارع، مما قد يُترجم إلى إنشاء آليات تشاورية تضمن مشاركة الرأي العام وصناعته في السياسات العامة، كإنشاء مجالس محلية أو وطنية تمثل المجتمع المدني.
يُقدم الميثاق رؤية لإنهاء التمييز العرقي والمركزية، وهي مطالب أساسية للقوى المدنية، خاصةً في غرب السودان وشرقه. كما أن تركيزه على قطاعات التعليم والصحة عبر شراكات دولية يُلبي مطالب الحركات المدنية الرافضة لسياسات الإفقار الممنهج. التزام الحكومة الجديدة بوقف القصف الجوي في مناطق الصراع يُعزز ثقة المجتمع المدني بقدرتها على تحقيق الأمن، مقارنةً بحكومة البرهان المتهمة بانتهاكات حقوق الإنسان. التأييد الواسع في دارفور ومناطق الهامش يُضفي شرعيةً على الميثاق كتمثيل حقيقي للإرادة الشعبية، مما يقوي موقف القوى المدنية الداعمة له أمام المجتمع الدولي. سحب سلطة الدولة من الجيش عبر تشكيل جيش موحد قد يقلص هيمنة المؤسسة العسكرية، ويفسح المجال للقوى المدنية لقيادة المرحلة الانتقالية.
لكن هناك تحديات تواجه القوى المدنية في إطار الميثاق، منها التنافس مع المكون العسكري، حيث قد تُهمَّش الأصوات المدنية لصالح القوى المسلحة داخل التحالف، خاصةً في ظل حاجة الحكومة الجديدة إلى دعم عسكري لفرض وجودها. كما أن اختلاف أولويات القوى المدنية بين المدنيين الحضريين وقادة المناطق المهمشة قد يُضعف قدرتها على التنسيق والضغط لتحقيق أهدافها. إضافة إلى ذلك، فإن الشراكة مع جهات خارجية لإدارة الخدمات قد تعرض القوى المدنية لاتهامات بالتبعية، خاصةً إذا طُبقت سياسات لا تتوافق مع المطالب المحلية.
في ظل هذه المعطيات، تتشكل عدة سيناريوهات لمستقبل السودان. في حال نجاح الحكومة في فرض نفسها كبديل شرعي لحكومة البرهان، قد تصبح القوى المدنية ركيزةً للشرعية الديمقراطية، خاصةً إذا نجحت في إدارة الخدمات وحماية المدنيين. أما إذا استمر الصراع المسلح بين الطرفين، فقد تُجبر القوى المدنية على الانحياز لأحد الأطراف العسكرية، مما يفقدها استقلاليتها. وفي حال ظهور ضغوط إقليمية ودولية تؤدي إلى وقف إطلاق النار والبحث عن حلول سياسية جديدة، قد تكون القوى المدنية وسيطًا أساسيًا في المفاوضات، لا سيما إذا حصلت على دعم إقليمي كـ"ضامن ديمقراطي".
يُبرز الميثاق فرصةً لتحويل القوى المدنية من فاعل هامشي إلى شريك أساسي في الحكم، عبر شرعنتها كمتحدث باسم المظلومين، وتقديم حلول عملية لمطالبها. لكن نجاحها مرهون بقدرتها على توحيد صفوفها، وموازنة العلاقة مع المكون العسكري داخل التحالف، واستغلال الدعم الشعبي لفرض أجندتها.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحکومة الجدیدة حکومة البرهان للقوى المدنیة القوى المدنیة
إقرأ أيضاً:
مستشار حميدتي لـ«الشرق الأوسط»: أولوية حكومتنا «تحييد طيران الجيش» .. قال إن الحكومة الجديدة ستفرض السلام… وستعلن من الخرطوم
قال مستشار أول قائد «قوات الدعم السريع»، عز الدين الصافي، إن «حكومة السلام والوحدة» المزمع تشكيلها في السودان في غضون شهر من التوقيع على الميثاق السياسي التأسيسي والدستور المؤقت المقرر السبت، في نيروبي، ستعمل على امتلاك الآليات المتاحة لحماية المدنيين من القصف الجوي العشوائي الممنهج و«غير المسبوق»، الذي ظل يشنّه طيران الجيش السوداني على المدنيين، وأودى خلال أشهر قليلة بحياة أكثر من 5000 شخص.
وشدَّد الصافي في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، «على أن واجب الحكومة المقبلة هو وقف هذا القصف». وردّاً على سؤال ما إذا كانت «قوات الدعم السريع» تسعى لامتلاك أنظمة دفاعية متطورة مضادة للطيران، قال: «الحكومة ستوقع على كل البروتوكولات المعنية بامتلاك الأسلحة، التي لا تستطيع أن تمتلكها المنظمات العسكرية غير الحكومية»، وأضاف: «سيكون هناك جيش وطني وحكومة تخاطب الحكومات حول العالم، بما يُمكنها من استقطاب الدعم العسكري».
سنفرض السلام
وأشار الصافي إلى أن الامتياز العسكري الوحيد للجيش الذي «اختطف المؤسسات الحكومية»، هو سلاح الجو، «وإذا استطاعت الحكومة المقبلة تحييد سلاح الجو فسيتم فرض السلام، ولن يكون أمام الجيش خيار رفض التفاوض، وسيخضع لذلك، سواء كان التفاوض مع (قوات الدعم السريع)، أو بين حكومتين»، مشدداً على أن التأسيس الجديد سيفرض السلام في البلاد.
وقال مستشار «الدعم السريع» إنه لا يمكن أن يجزم بإمكانية تقديم بعض الدول دعماً عسكرياً للحكومة، ولا نتطلع إلى ذلك، وأضاف: «نحن قادرون على توفير كل الأدوات اللازمة لحماية مواطنينا، وما نتطلع إليه أن تساعدنا الدول في تحقيق السلام ووقف الحرب، ومعالجة الكارثة الإنسانية التي خلفتها».
الاعتراف بالحكومة
وبشأن ما إذا كانت الحكومة الجديدة ستجد اعترافاً، ذكر الصافي، أن حكومة بورتسودان «غير شرعية»، ولا تعترف بها أي دولة -على حد وصفه- لكنها باختطاف مؤسسات الدولة السودانية، استطاعت أن تحصل على كل أنواع الأسلحة.
وتابع: «الحكومة الجديدة ستطرح رؤيتها لتحقيق السلام، ونتطلع للتعاون مع حكومات الإقليم التي تدعم العملية السياسية السلمية لوقف الحرب، وأن تعترف بهذه الحكومة التي ستُمثل الشرعية في البلاد».
وقال: «الاعتراف الحقيقي سنحصل عليه من جماهير الشعب السوداني الذي حرم لأكثر من 24 شهراً (منذ اندلاع الحرب) من الخدمات والمساعدات الإنسانية، واستخدم كل من الجيش السوداني والميليشيات الإسلامية سلاح التجويع ضد المدنيين، ما أنتج عنه فجوات غذائية ومجاعة في كثير من مناطق البلاد». وأضاف: «الحكومة المزمع تشكيلها ستكون قادرة على القيام بواجباتها الأساسية في توفير الحماية والأمن وكل الخدمات للمواطنين». وأشار إلى أن «الدول الصديقة والشقيقة والأوروبية الحريصة على السلام والمنظمات ستتعاون معنا، وستقدم المساعدات الإنسانية، وتسهم في تعمير ما دمرته الحرب، بغض النظر عن الاعتراف السياسي بالحكومة».
إعلان الحكومة من الخرطوم
وكشف مستشار «الدعم السريع» «عن أن إعلان الحكومة الجديدة سيكون من داخل العاصمة الخرطوم»، مؤكداً أنها لن تكون حكومة منفى، أو تعلن في كينيا، أو في أي دولة أخرى. وقال إن ما يجري في كينيا مشاورات سياسية بين القوى السياسية والمجتمعية للتوافق على ميثاق سياسي تأسيسي، وسبق لدولة كينيا أن احتضنت محادثات السلام التي جرت بين الأطراف السودانية في السنوات الماضية، ونجحت وساطتها في توقيع اتفاق «نيفاشا» للسلام الشامل في السودان 2005.
وقال: «تمت إجازة الميثاق السياسي التأسيسي للحكومة، ويجري حالياً وضع اللمسات النهائية للدستور المؤقت، (سيتم التوقيع عليه السبت) في نيروبي كما تم اعتماد البرنامج الإسعافي للحكومة».
وأضاف نحن الآن في المرحلة النهائية من المشاورات بشأن تشكيل الحكومة من داخل السودان، تعقبه تسمية أعضاء السلطة في مستوياتها السيادية والتنفيذية، واختيار الوزراء، بالإضافة إلى تعيين حكام في كل ولايات السودان (18 ولاية). وأكد الصافي أن أقصى مدى زمني لإعلان الحكومة لن يتجاوز الشهر بعد التوقيع على مسودة الدستور المؤقت.
الحلو ستوقع والنور في الطريق
وبشأن انضمام «الحركة الشعبية لتحرير السودان»، بقيادة عبد العزيز آدم الحلو، إلى السلطة الجديدة، قال: «لقد جرت نقاشات عميقة بين اللجنتين المكونتين من القوى السياسية و(الحركة الشعبية)، وتم التوصل إلى الصيغة النهائية للميثاق السياسي، مع إضافة كل الملاحظات التي أبديت من طرفها. نحن متوافقون تماماً على الميثاق، ولا تزال النقاشات مستمرة حول الدستور المؤقت». وتابع: «بعد اكتمال الترتيبات ووصول وفد (الحركة الشعبية) بالكامل إلى نيروبي سيشاركون في مراسم التوقيع».
من اليمين عبد العزيز الحلو «الحركة الشعبية لتحرير السودان» والرئيس الكيني ويليام روتو ورئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك وعبد الواحد محمد نور رئيس «حركة تحرير السودان» خلال توقيع وثيقة سياسية في نيروبي مايو 2024 (منصة «إكس»)
من اليمين عبد العزيز الحلو «الحركة الشعبية لتحرير السودان» والرئيس الكيني ويليام روتو ورئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك وعبد الواحد محمد نور رئيس «حركة تحرير السودان» خلال توقيع وثيقة سياسية في نيروبي مايو 2024 (منصة «إكس»)
وأشار الصافي إلى أن «الاتصالات مع رئيس (حركة تحرير السودان)، جناح عبد الواحد محمد النور، لم تنقطع، وأن المواقف بيننا ليست بعيدة من الوصول إلى اتفاق كامل حول الميثاق السياسي، وقد تكون المفاجأة انضمام عبد الواحد للسلطة».
التأييد الشعبي
وأكد الصافي أن الحكومة الجديدة تُمثل قطاعات واسعة من السودانيين، وكسبت التأييد الشعبي قبل الإعلان عنها، مشيراً في هذا الصدد إلى المسيرات التي خرجت في عدد من مدن دارفور داعمة للحراك السياسي الجاري بالميثاق السياسي التأسيسي الذي سيفضي لتشكيل حكومة قومية في كل البلاد.
وقال: «بعد تشكيل الحكومة، ستتوجه وفود إلى دول الإقليم وبعض الدول الغربية لشرح رؤيتها وخططها الإسعافية، وتدعوهم لدعمها، كما أعدت لجنة الاتصال الخارجي برامج كاملة للتواصل مع الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والبعثات الدبلوماسية».
(الشرق الأوسط) نيروبي: محمد أمين ياسين