يطرح النص ميثاق حكومة السلام كخطوة غير مسبوقة في تاريخ السودان الحديث، من حيث التوقيت، والتركيبة، والأهداف. يتوقع المحللون أن يخلق هذا الميثاق هزة سياسية عميقة، ويسحب سيادة الدولة من قبضة الجيش، وهو ما قد يؤدي إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي كليًا.

يشير النص إلى أن هذه الخطوة لم تقدم عليها أي حركة سياسية أو عسكرية منذ الاستقلال، حتى من قبل حركات الكفاح المسلح السابقة مثل الحركة الشعبية أو التجمع الوطني الديمقراطي.

التحالف الجديد يضم قوى سياسية وعسكرية متباينة، أغلبها من غرب السودان، مع وجود معتبر من الشمال والوسط والشرق، مما يجعله قوة قادرة على الاستقطاب السياسي وتغيير موازين القوى. ينظر إلى تأسيس الحكومة كنوع من رد الفعل على ممارسات حكومة البرهان في بورتسودان، حيث تتهم الأخيرة باتباع سياسات إقصائية على أساس اللون والعرق، مما خلق بيئة خصبة لمعارضة أكثر راديكالية. يتوقع أن يكون لهذه الحكومة الجديدة دور كبير في التأثير على المجتمع الإقليمي والدولي، لا سيما فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية وإدارة الحرب والسلام.

تشير المعطيات إلى أن الحكومة الجديدة تحظى بتأييد شعبي واسع، خاصة في مدن دارفور، حيث خرجت مسيرات مؤيدة لتحالف "تأسيس"، مما قد يدفع نحو اعتراف إقليمي ودولي بهذه الحكومة. في المقابل، حكومة البرهان فقدت شرعيتها بسبب الانقلاب على السلطة الانتقالية ورفضها لدعوات السلام، مما يعزز موقف الحكومة الجديدة دوليًا. تسعى هذه الحكومة إلى تحقيق السلام والوحدة، واستيعاب تطلعات الشارع السوداني، عبر تقديم رؤية جديدة حول توزيع السلطة والثروة بعدالة، بدلًا من المركزية الصارمة. كما تهدف إلى حماية المدنيين في مناطق الصراع من القصف الجوي، وإعادة إعمار ما دمرته الحرب، إضافة إلى تجاوز التحدي الاقتصادي عبر عقد شراكات دولية في القطاعات الخدمية مثل التعليم والصحة. تشكيل جيش موحد تحت قيادة الحكومة الجديدة قد يسهم في فرض إرادة الدولة الجديدة ومواجهة الحكومة العسكرية القائمة.

أحد أبرز التحديات هو كيفية تنفيذ هذه الرؤية في ظل وجود حكومة عسكرية مسيطرة وقوى إقليمية ودولية لها مصالح في المشهد السوداني. نجاح الحكومة يعتمد على قدرتها على تقديم الخدمات الفعلية، وكسب الاعتراف الدولي، وتجاوز العقبات السياسية والأمنية، بما في ذلك احتمالية نشوء صراعات جديدة داخل التحالف نفسه. يشكل الميثاق فرصة تاريخية للقوى المدنية السودانية لتعزيز دورها في صنع القرار السياسي، وذلك من خلال إشراك القوى المدنية في الهيكل الحكومي، إذ يُلمح النص إلى أن التحالف الجديد يضم قوى سياسية متنوعة، مما قد يفتح الباب لتمثيل أوسع للقوى المدنية كالأحزاب السياسية، النقابات، ومنظمات المجتمع المدني في هياكل الحكم، خاصة في قضايا مثل إعادة الإعمار وتوزيع الثروة. كما يسعى الميثاق إلى استيعاب تطلعات الشارع، مما قد يُترجم إلى إنشاء آليات تشاورية تضمن مشاركة الرأي العام وصناعته في السياسات العامة، كإنشاء مجالس محلية أو وطنية تمثل المجتمع المدني.

يُقدم الميثاق رؤية لإنهاء التمييز العرقي والمركزية، وهي مطالب أساسية للقوى المدنية، خاصةً في غرب السودان وشرقه. كما أن تركيزه على قطاعات التعليم والصحة عبر شراكات دولية يُلبي مطالب الحركات المدنية الرافضة لسياسات الإفقار الممنهج. التزام الحكومة الجديدة بوقف القصف الجوي في مناطق الصراع يُعزز ثقة المجتمع المدني بقدرتها على تحقيق الأمن، مقارنةً بحكومة البرهان المتهمة بانتهاكات حقوق الإنسان. التأييد الواسع في دارفور ومناطق الهامش يُضفي شرعيةً على الميثاق كتمثيل حقيقي للإرادة الشعبية، مما يقوي موقف القوى المدنية الداعمة له أمام المجتمع الدولي. سحب سلطة الدولة من الجيش عبر تشكيل جيش موحد قد يقلص هيمنة المؤسسة العسكرية، ويفسح المجال للقوى المدنية لقيادة المرحلة الانتقالية.

لكن هناك تحديات تواجه القوى المدنية في إطار الميثاق، منها التنافس مع المكون العسكري، حيث قد تُهمَّش الأصوات المدنية لصالح القوى المسلحة داخل التحالف، خاصةً في ظل حاجة الحكومة الجديدة إلى دعم عسكري لفرض وجودها. كما أن اختلاف أولويات القوى المدنية بين المدنيين الحضريين وقادة المناطق المهمشة قد يُضعف قدرتها على التنسيق والضغط لتحقيق أهدافها. إضافة إلى ذلك، فإن الشراكة مع جهات خارجية لإدارة الخدمات قد تعرض القوى المدنية لاتهامات بالتبعية، خاصةً إذا طُبقت سياسات لا تتوافق مع المطالب المحلية.

في ظل هذه المعطيات، تتشكل عدة سيناريوهات لمستقبل السودان. في حال نجاح الحكومة في فرض نفسها كبديل شرعي لحكومة البرهان، قد تصبح القوى المدنية ركيزةً للشرعية الديمقراطية، خاصةً إذا نجحت في إدارة الخدمات وحماية المدنيين. أما إذا استمر الصراع المسلح بين الطرفين، فقد تُجبر القوى المدنية على الانحياز لأحد الأطراف العسكرية، مما يفقدها استقلاليتها. وفي حال ظهور ضغوط إقليمية ودولية تؤدي إلى وقف إطلاق النار والبحث عن حلول سياسية جديدة، قد تكون القوى المدنية وسيطًا أساسيًا في المفاوضات، لا سيما إذا حصلت على دعم إقليمي كـ"ضامن ديمقراطي".

يُبرز الميثاق فرصةً لتحويل القوى المدنية من فاعل هامشي إلى شريك أساسي في الحكم، عبر شرعنتها كمتحدث باسم المظلومين، وتقديم حلول عملية لمطالبها. لكن نجاحها مرهون بقدرتها على توحيد صفوفها، وموازنة العلاقة مع المكون العسكري داخل التحالف، واستغلال الدعم الشعبي لفرض أجندتها.

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحکومة الجدیدة حکومة البرهان للقوى المدنیة القوى المدنیة

إقرأ أيضاً:

الصول: مهمة الحكومة الجديدة المرتقبة تنحصر في إخراج ليبيا من أزماتها الحالية

أكد عضو مجلس النواب علي الصول، أن مهمة الحكومة الجديدة المرتقبة تنحصر في إخراج ليبيا من أزماتها الحالية.

وقال الصول في تصريحات لـ«قناة المسار»: أولوية البرلمان تتمثل بالتوافق مع مجلس الدولة على تشكيل حكومة جديدة”.

وأضاف “تنحصر مهمة الحكومة الجديدة المرتقبة في إخراج البلاد من أزماتها الحالية. تصريح رئيسة بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا هانا تيتيه مكرره وفي غير محلها، فهي متوافقة مع عبدالحميد الدبيبة على إبقائه في الحكم لفترة أطول”.

الوسومالحكومة الجديدة الصول ليبيا

مقالات مشابهة

  • عبد العزيز لـ الدبيبة: سنقاوم ولن نقبل تشكيل حكومة جديدة ويجب عدم الاستسلام
  • رفض تشكيل حكومة موازية في السودان.. تفاصيل لقاء السيسي ورئيس أنجولا
  • وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل: تعزيز التشاركية بين الحكومة والمنظمات ‏المدنية لتسريع تعافي المجتمع
  • حزب بارزاني:المناصب الرئيسية في حكومة مسرور الجديدة حسمت مع حزب طالباني
  • الفورتية: حكومة الدبيبة لا تمثل مصراتة ولا فبراير وعليها مغادرة المشهد
  • السوداني:الحكومة تعتزم إطلاق جملة مشاريع في محافظة كركوك
  • السوداني يؤكد على دعم الحكومة للقطاع الصناعي الخاص
  • السعودية تضع خططًا جديدة لمرحلة ما بعد الحوثيين: هل يشهد اليمن تحولًا جذريًا؟
  • الصول: مهمة الحكومة الجديدة المرتقبة تنحصر في إخراج ليبيا من أزماتها الحالية
  • حزب طالباني:تشكيل حكومة الإقليم قريباً بعد حسم توزيع المناصب