«قلنا إنَّ عملكم الآن هو تفكيك (حزب الله)، وإن لم تقوموا بذلك فسنفعل نحن». هذا ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو موجّهاً كلامَه للبنانيين.
تشييع ودفن حسن نصر الله، أمس، ليس سوى تشييع لـ«حزب الله» نفسه، الذي قرَّر الإسرائيليون مصيرَه منذ هجوم «حماس» في أكتوبر (تشرين الأول) في عام 2023.مرَّت خمسة أشهر على مقتله حتى تمكّن الحزب من تشييع قائده، نتيجة التدمير الذي ألحقته إسرائيل بقدراته ومواقعه، وبفعل هيمنتها المستمرة على لبنان من جنوبه إلى شماله.
تساؤلات عدة حول مستقبل الحزب، ومصير السلاح والمقاومة، ووضع لبنان من دونه، وكيف ستستطيع بقايا الحزب التكيف مع الأوضاع الداخلية والخارجية؟
يلمس الحزب أنَّ الضرر أصاب إيران هي الأخرى التي أصبحت تجد صعوبة في دعمه، مع هيمنة قوات نتنياهو على الفضاء اللبناني، وسقوط حليفها الأسد في دمشق.
في إحدى الندوات التي حضرتها قريباً، قال أحد المحللين الإيرانيين إن طهران الرسمية سعيدة بسقوط نظام الأسد. طبعاً، لم يقنعنا ذلك، فالأسد كان من أهم أصول إيران الاستراتيجية في الخارج. لكن كان المُحاضر يعني أن الحمل أصبح ثقيلاً على طهران. تمويل نظام الأسد ومنظومة «حزب الله»، وحركة «حماس»، والحوثي، مكلِّف عليها. وصار كل مشروع إمبراطورية آية الله في المنطقة في مهبّ الريح لسببين؛ عزم إسرائيل على مواجهته، والثاني ارتفاع تكاليفه بما لا يتناسب مع إمكانيات دولة كإيران؛ فقيرة اقتصادياً في الداخل، واستمرارها في تمويله قد يؤدي إلى انهيارها.
«حزب الله»، أغلى ثمناً من بقية الأصول الإيرانية الخارجيّة، يعيش على مساعداتها نحو مليون لبناني.
الخلاصة أنه لو لم يدمر نتانياهو مؤسسة «حزب الله» فإن مآل الحزب أن يضعف بسبب ضعف إيران، وقد ينتهي كما انتهت دول الاتحاد السوفياتي بعد انهياره، مثل ألمانيا الشرقية وألبانيا ورومانيا، وحتى اليمن الجنوبي والصومال، سلسلة من أنظمة محور موسكو ذابت سريعاً ، مثل الملح في الماء.
في داخل لبنان، «حزب الله» اختطف الطائفة الشيعية على مدار أربعة عقود، وسوق رواية تزعم أنه منحهم الكرامة وحماهم من التهميش، في حين أن الحقيقة أن الحزب وظّفهم اتباعاً لولاية الفقيه في طهران، وجعلهم عسكراً لمشروعه السياسي حتى صاروا رهينة لحروبه. هذا موضوع يستحق النقاش في حديث لاحق.
المقاتلات الإسرائيلية حضرت تشييع نصر الله، وخليفته هاشم صفي الدين، في تذكير للحزب بأنه لن يسمح له بالعودة لنشاطه السابق. وهذا الإصرار الإسرائيلي على مراقبة لبنان والتدخل العسكري لمنع نشاطاته، سيجبر إيران على القبول بالواقع الجديد، والأرجح أن يتم تأطير خروج لبنان من الخريطة الإيرانية، ضمن المفاوضات المحتملة بين طهران وواشنطن، مع جملة قضايا إقليمية، والبرنامج النووي الإيراني. إسرائيل اتخذت قراراً تقول لا رجعة فيه، لن تسمح بوجود قوة عسكرية على حدودها تهدد أمنها، وكرَّر نتنياهو إصراره على إضعافه داخل لبنان.
إذا وضعنا بعض العبارات العنترية جانباً، نلمس أن الحزب يتقبل الواقع الجديد، حيث قال أمينه العام نعيم قاسم إنه سيواجه إسرائيل وطردها عبر تحرك الدولة دبلوماسياً. وتحدَّث أيضاً عن تراجعه عن سياساته السابقة، معلناً أن الحزب سيعمل تحت سقف اتفاق الطائف.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: وقف الأب آيدكس ونافدكس رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل صناع الأمل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية لبنان حسن نصرالله حزب الله
إقرأ أيضاً:
اعتقال بريطانيين في إيران.. سياقات التصعيد وانعكاساته
طهران- مثلت قضية اعتقال السلطة القضائية الإيرانية مواطنين بريطانيين -في ديسمبر/كانون الأول الماضي- بتهمة التجسس وجمع المعلومات تحت غطاء السياحة خطوة جديدة في سياق التوتر بين طهران ولندن، أثارت ردود فعل دولية وتساؤلات حول تداعياتها على العلاقات بين البلدين.
وأوضح المتحدث باسم السلطة القضائية أن المعتقلين كانوا ينشطون في عدة محافظات، وأنهم تعاونوا مع مؤسسات تعمل كواجهة لأجهزة استخبارات غربية، ويأتي هذا الإعلان في ظل تصاعد التوتر بين طهران ولندن، لا سيما بعد فرض بريطانيا عقوبات جديدة على مسؤولين إيرانيين بسبب ما وصفتها بانتهاكات حقوق الإنسان.
كما أنه يتزامن مع تحركات دبلوماسية، أبرزها لقاء السفير البريطاني في طهران هوغو شورت مواطنين بريطانيين محتجزين في سجن كرمان الإيراني، وهو لقاء نادر أثار تكهنات حول إذا ما كان جزءا من جهود لحل قضايا المعتقلين عبر قنوات خلفية.
وتاريخيا، شهدت العلاقات الإيرانية البريطانية أزمات متكررة تتعلق بمزدوجي الجنسية، إذ سبق أن اتُهمت طهران باستخدامهم كورقة ضغط سياسية، وهو ما تنفيه السلطات الإيرانية، مؤكدة أن القضايا الأمنية تُنظر وفق القوانين المحلية من دون اعتبارات خارجية.
رأى الدبلوماسي الإيراني السابق أبو القاسم دلفي أن التطورات الأخيرة تعكس مرحلة إعادة ضبط في العلاقات بين البلدين، مشيرا إلى أن القنوات الدبلوماسية لا تزال مفتوحة رغم التصعيد الأمني.
إعلانوقال دلفي للجزيرة نت إن ما نشهده ليس مجرد أزمة أمنية، بل إنه جزء من مشهد أكبر يتضمن إعادة تقييم العلاقة بين طهران ولندن، حيث لا يبدو أن الطرفين يسعيان إلى القطيعة الكاملة.
وأشار إلى أن السماح بلقاء القنصليين البريطانيين مع المعتقلين يعكس توجها أكثر توازنا في إدارة الملف، مقارنة بفترات سابقة شهدت قيودا أكبر على مثل هذه اللقاءات.
وأضاف أن تعيين سفير جديد لإيران في لندن بعد فترة من إدارة السفارة على مستوى قائم بالأعمال فقط قد يكون إشارة على رغبة في إعادة ترتيب العلاقات، لكنه شدد على أن ذلك لا يعني غياب المشكلات العالقة.
وقال دلفي إن علينا أن ننتظر لنرى إذا ما كانت هذه التطورات ستؤدي إلى تغييرات جوهرية في العلاقة بين البلدين، أم أنها مجرد إجراءات شكلية في سياق التعامل مع الضغوط الدولية.
كما أشار إلى أن وصول حزب العمال وتولي رئيس الوزراء كير ستارمر الحكم قد يؤدي إلى تغييرات في السياسة البريطانية تجاه إيران، إذ قد تتبنى الحكومة الجديدة نهجا أكثر براغماتية مقارنة بالإدارات السابقة.
جدل قانونييثير اعتقال مزدوجي الجنسية تساؤلات من الناحية القانونية حول مدى التزام الدول بمعايير المحاكمة العادلة والإخطار القنصلي ويشير أستاذ القانون الدولي محسن عبد اللهي إلى أن إيران لا تعترف بالجنسية الثانية لمواطنيها، مما يعني أن مزدوجي الجنسية الذين يتم احتجازهم يُعاملون حصريا كمواطنين إيرانيين.
وأوضح عبد اللهي، في حديثه مع الجزيرة نت، أن نهج إيران يستند إلى مبدأ مفاده أن الجنسية الأساسية هي التي تُطبق داخل حدودها، ولذلك لا تعتبر نفسها ملزمة بتنفيذ أحكام الإخطار القنصلي المنصوص عليها في اتفاقية فيينا لعام 1963 بشأن المواطنين الإيرانيين الذين يحملون جنسية أخرى.
وأضاف أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، وكل من إيران والمملكة المتحدة طرف فيه، يكفل حقوق المحاكمة العادلة لأي شخص محتجز، بغض النظر عن جنسيته.
إعلانكما أشار عبد اللهي إلى أن حالات سابقة شهدت توترات مماثلة، مثل قضية المواطنة نازنين زاغاري راتكليف، التي اعتقلتها السلطات الإيرانية عام 2016 ورفضت الاعتراف بجنسيتها البريطانية، رغم مطالبة لندن بتوفير الحماية الدبلوماسية لها.
وتطرق أيضا إلى اتفاقية لاهاي لعام 1930، التي تنص على أن الدول لا يمكنها تقديم الحماية الدبلوماسية لمواطنيها مزدوجي الجنسية في مواجهة الدولة التي يحملون جنسيتها الأساسية، ومع ذلك، أوضح أن القانون الدولي المعاصر يتجه نحو السماح بمنح هذه الحماية إذا كانت جنسية الشخص الغالبة هي جنسية الدولة التي تسعى لتقديم الدعم، شريطة أن تكون هذه الجنسية هي المهيمنة وقت وقوع الضرر والمطالبة بالحماية.
وأكد عبد اللهي أن معظم التدخلات الحكومية في قضايا مزدوجي الجنسية على الساحة الدولية تتعلق بالمطالبات بالتعويضات المالية أكثر من القضايا الأمنية، وأضاف أنه لم يُعرض أي ملف أمني من هذا النوع حتى الآن أمام محكمة دولية، إذ تُحل هذه القضايا عادة عبر القنوات الدبلوماسية.
وفيما يتعلق بالموقف الإيراني، أوضح عبد اللهي أن السلطات تنظر إلى قضايا مزدوجي الجنسية ضمن إطار أوسع من المخاوف الأمنية، كما أشار إلى بعض التقارير تزعم تورط مزدوجي الجنسية في أنشطة استخباراتية ضد المنشآت النووية والصاروخية الإيرانية.
وأضاف أنه في ظل هذه الظروف، ترى إيران أن التعامل مع المحتجزين مزدوجي الجنسية يخضع لاعتبارات أمنية، وليس فقط للمعايير المعتادة للحماية الدبلوماسية، وشدد على أن النهج الأكثر فاعلية بالنسبة لإيران في هذه القضايا هو تعزيز الشفافية في الإجراءات القضائية والالتزام بشكل أكبر بمعايير المحاكمة العادلة، الأمر الذي من شأنه أن يخفف الضغوط الدولية.
إعلانوقال "عندما تصبح القضايا الأمنية محور العلاقات الدولية، فإن الحلول القانونية البحتة لا تكفي، ويتعين على الدول إيجاد توازن بين الاعتبارات الأمنية والالتزامات الدولية".