للكاتبة اليهودية ذات الأصل الألماني (حنا ارندت) كتاب مهم ومؤثر، حنا ارندت كانت معادية للصهيونية وكتبت عن محاكمة شهيرة لأحد النازيين تلك التي حدثت في إسرائيل بعد خطف المتهم النازي (آيخمان) من الأرجنتين، كتبت أرندت كتابا شهيرا وقد كانت شاهدة على المحكمة بعنوان (آيخمان في القدس- تقرير في تفاهة الشر)، وهذا ليس موضوعنا ولكن كتلخيص عام عن الكتاب نذكر أنه كتاب مزعج للصهاينة ومربك لدعايتهم لذا ينصح بقراءته.
ما أستوقفني هنا هو أنني قرأت مقالات الطيب صالح التي لخصت ذلك الكتاب، الطيب وبذوقه الأدبي الرفيع فهم المغزى تماما فترجم عبارة Banality of Evil بجملة (سماجة الشر) بدلا عن جملة تفاهة الشر.
فالسمج تافه لكنه يتجاوز حد التفاهة ليحمل معاني أنه ثقيل ومكرر ومزعج وغبي وجاهل ومكروه ومقزز ومثير للشفقة ورديء. السمج شيء أكثر تعبيرا عن الشر من معنى التفاهة.
هذا ما فهمته من المقالات ولكن وبتأمل بسيط في خطاب متحدثي مليشيا الدعم السريع وجماعة تقدم، ولي تجربة في مناقشتهم والصبر عليهم، بتأمل بسيط كنت أقوم به وأفكر كيف نصف هؤلاء؟ ماهذه الحالة؟
لم أجد وصفا حتى عثرت على مقالات الطيب صالح عن حنا أرندت ومعنى سماجة الشر، وكون الشر ليس نقيض الخير فقط، بل هو في الأساس نقيض الفكر، فهمت إذن ما أشعر به حين أناقشهم وربما ما يشعر به الكثيرون حين يسمعونهم.
لقد أعدت التفكير في مفهوم (سماجة الشر) مرة أخرى وأنا أشاهد ما تقوم به مليشيا الدعم السريع وحلفاؤها في نيروبي، حين تسمع خطاباتهم وتشاهد المشاهد والصور تشعر بأنك أمام الشكل الأكثر سماجة للشر، لأنه بجانب كونه شر بغيض إلا أنه مشحون بالحقد والجهل والغباء.
هشام عثمان الشواني
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
ما أشبه فيتنام قبل 50 عاما بغزة اليوم.. الصورة تقول ما لا يقوله كتاب
في مقارنة بين حرب فيتنام (1955-1975) وحرب غزة المستمرة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، تتشابه المعاناة في تفاصيلها الدقيقة: دمار شامل، حصار خانق، نزوح جماعي، وجوع يفتك بالأرواح، رغم اختلاف الزمان والسياقات.
وفي مشهد يعيد إلى الأذهان أهوال التاريخ، تتقاطع مآسي حرب فيتنام مع الكارثة الإنسانية التي تعصف بقطاع غزة.
وعلى فيتنام، حيث شنت الولايات المتحدة حربها، رمت الطائرات آلاف الأطنان من القنابل، لتحوّل المدن والقرى إلى أطلال. ولم يكن الهدف فقط كسب معركة، بل ترك أثر لا يُمحى في ذاكرة المكان.
واليوم، في غزة المحاصرة، تبدو المشاهد مألوفة حدّ الوجع، أكثر من 60% من مباني القطاع سويت بالأرض، بما فيها مستشفيات ومدارس ومخابز، وكل ما في غزة بات هدفا مشروعا.
ما بين فيتنام التي دفعت ثمنا باهظا بحوالي مليونَي قتيل خلال عقدين، وغزة التي فقدت أكثر من 50 ألف شهيد حتى الآن، تبرز حقيقة واحدة: الإنسان هو الخاسر الأكبر في كل حرب.
ففي غزة، تحت كل الركام هناك عائلات كاملة دفنت حيّة، معظمهم من النساء والأطفال، بينما لا تزال آلاف الجثث مفقودة تحت الأنقاض تنتظر أن تعرف أسماء ذويها.
وعرفت فيتنام وجه النزوح مبكرا، حيث اضطر 12 مليونا لترك بيوتهم، تحت ضغط النيران والرصاص.
وغزة اليوم تُكرّر القصة، لكن على رقعة أصغر، وأكثر اختناقا، حيث نزح أكثر من 90% من سكانها داخل القطاع نفسه، يفترشون الأرض، بعد تدمير أكثر من 150 ألف منزل بالكامل، ليُصبح السكن حلما، والمأوى ذكرى.
ولم تكن القنابل في فيتنام وحدها وسيلة الحرب؛ بل أيضا تدمير المحاصيل وتجويع السكان.
أما في غزة، فقد أُغلقت المعابر، ومنعت الإمدادات، حتى بات الطعام دواء مفقودا، والماء قطرة ثمينة.
إعلانوحذرت الأمم المتحدة من أن جميع سكان القطاع البالغ عددهم أكثر من مليونين يواجهون مستويات حرجة من انعدام الأمن الغذائي، مع خطر متزايد لحدوث مجاعة، نتيجة الحصار المفروض ومنع دخول المساعدات الإنسانية.
وتُظهر المقارنة بين حرب فيتنام وحرب غزة المستمرة أن معاناة المدنيين في النزاعات المسلحة تتكرر بشكل مأساوي، حيث يتعرضون للدمار، النزوح، الجوع، والحصار.
وهذه المآسي تستدعي من المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات فعالة لحماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية، والعمل على إنهاء النزاعات بطرق سلمية تحترم حقوق الإنسان.