الثورة نت:
2025-03-28@06:44:42 GMT

مشهد بيروت العالمي …أكثر من مجرد تشييع

تاريخ النشر: 24th, February 2025 GMT

مشهد بيروت العالمي …أكثر من مجرد تشييع

محور المقاومة ينال تفويضاً إسلامياً ودعماً دولياً لاستعادة فلسطين بالقوة المقاومة الإسلامية اللبنانية وبيئتها تتلقى أكبر إسناد إسلامي ومواساة دولية منذ خمسينيات القرن الماضي

 

الثورة / إبراهيم الوادعي

نحو مائة بلد شاركت جنسياته في تشييع الشهيدين القائدين السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين أميني عام حزب الله واللذين استشهدا في سبتمبر، وأكثر من مليون مشيع من تلك البلدان ملأوا منطقة ملعب كميل شمعون والشوارع المحيطة به في العاصمة اللبنانية بيروت رايات المقاومة الفلسطينية والعربية وأعلام عشرات الدول رفرفت فوق رؤوس المشاركين وحملها مواطنو تلك الدول .

الحشد المليوني وغير المسبوق في مراسم التشييع منذ وفاة الإمام الخميني، مثل استفتاء جديدا على خيار المقاومة ضد الطغيان العالمي من قبل الشعوب المستضعفة، واستفتاء دولياً على دعم الحركات الشعبية والمقاومة في مواجهة الحركة الصهيونية العالمية ورأس حربتها إسرائيل.

وعلى مستوى المنطقة، أكد التشييع المهيب والذي شارك فيه عشرات الآلاف من مواطني الأمة الإسلامية ومن دول عربية وإسلامية دخلت أنظمتها في تطبيع مع كيان العدو الإسرائيلي، دعما لخيار المقاومة المسلحة ضد العدو الإسرائيلي، ونصرة للشعب الفلسطيني، واستفتاء على كون الحلول في المنطقة ليست سياسية بقدر ماهي عسكرية تقتضي اقتلاع الغدة السرطانية برمتها، وليس خيار حل الدولتين، كما تروج له دول أوروبية .

وهو تحد في جانب منه لخطة الرئيس الأمريكي ترامب والذي يرغب برؤية الفلسطينيين خارج أرضهم تماما، ويدعم نقلهم إلى دول أخرى أو دول الجوار.

على مستوى لبنان فقد أدرك حزب الله بعد المعركة الأخيرة ضد العدو الصهيوني انه ليس وحيدا في الميدان على مستوى المنطقة، وأن له سندا عربيا ودوليا هي الشعوب وأنظمة وحركات حرة، قادرة على الحضور متى لزم الأمر في مواجهة المعركة السياسية التي افتتحها العدو بعد توقف جهده العسكري نتيجة صلابة الحزب ورجاله في الميدان جنوب لبنان، رغم ما أصابهم من استشهاد القادة في عمليات وجرائم غير مسبوقة منذ تفجيرات البيجر في سبتمبر 2014م

وادرك مناوؤوا الحزب ممن تمكنوا في لحظة من الإمساك بلبنان ومفاصل اتفاق الطائف في رئاستي الجمهورية والحكومة أن يقدموا إنجازا للأمريكي الذي ومن على عتبة القصر الجمهوري اللبناني في بعبدا أعلن انتصار إسرائيل، وهزيمة طرف لبنان، ولم يتحرك احد منهم لعتابه، بينما تحرك هذا الطرف ومنع وصول الطائرات الإيرانية إلى مطار بيروت .

وعلى مستوى الحزب فقد أعطى هذا المشهد الحاشد قوة داعمة للمقاومة الإسلامية، ودافعا معنويا كبيرا تحتاجه وهي تعمل على ترميم نفسها واستعادة قوتها، وفق مسار جديد قد يجعل من حزب الله اشد قوة مما مضى، فالضربة التي لا تكسر المقاومة تقويها، هكذا وثق التاريخ المقاوم خاصة بالنسبة إلى المقاومات التي أخذت بالنهج الإسلامي.

فلم تنكسر حماس منذ نشأتها رغم كل ما أصابها وعلى مدى مراحل المواجهة والنضال ضد العدو الإسرائيلي، ولم تنكسر الجهاد الإسلامي رغم اغتيال مؤسسها في وقت مبكر الدكتور احمد الشقاقي، ولم ينكسر حزب الله حين اغتال العدو الإسرائيلي أمينه العام الأول السيد عباس الموسوي، ولم ينكر الحشد الشعبي باغتيال قائده ومؤسسه أبو مهدي المهندس، ولم تنكسر “أنصار الله” بمقتل مؤسسها شهيد القرآن وست حروب شنت عليها بدعم سعودي ورعاية ودفع أمريكي.

ولبيئة حزب الله والمقاومة، تعدى مشهد الحضور المهيب والمتنوع من كل الدول جانب المواساة إلى المساندة الذي تحتاجه في مثل هذه الظروف الصعب، وهي لم تتحصل عليه منذ 1948م، وهي كانت تحتاج مثل هذه المواساة وهذا المشهد لتستعيد ثقتها بالله ونفسها ومقاومتها التي تعمل لترميم نفسها، وتواجه بعزم أكبر حرب الداخل الصهيوني أن جاز التعبير، فظلم ذوي القربى اشد مضاضة.

منذ الثامن من أكتوبر 2025م، جرى استهداف بيئة حزب الله والمقاومة بشكل متدرج منذ الثامن أكتوبر وقرار الإسناد الذي اتخذه حزب الله والسيد نصر الله لإسناد المقاومة الفلسطينية والمستضعفين في غزة، واستهدفت بشكل لئيم منذ استشهاد السيد نصر الله وفي لحظة افتقدت سندها المتمثل في حضور السيد نصر الله بكاريزمية والتي فاضت عن حجم لبنان لترتبط بها شعوب وحركات حرة في المنقطة والعالم، حتى وصل البعض بأولئك داخل لبنان إلى الدعوة لنقل الشيعة إلى الدول التي ينتمون إليها سياسيا.

وهي بيئة تواجه اليوم أيضا مماطلة لبنانية رسمية في إطلاق جهود إعادة الإعمار، وتدعم السلطة اللبنانية في ذلك خيارات ليست لبنانية بل إقليمية وغربية بالدرجة الأولى.

كان رد الرئيس اللبناني باردا على عرض قدمه محمد باقر قاليباف باستعداد الجمهورية الإسلامية في ايران لمساعدة لبنان في جهود الإعمار، وفضل الذهاب إلى جزئية السيادة التي تظهر أمام ايران المساندة لفلسطين ودول المنطقة وتغيب أمام الأمريكي إلى درجة التماهي، وهي من تسعى لاقتلاع شعب من أرضه وتريد من أنظمة الدول أن تكون أحذية عند الإسرائيلي، أما بالنسبة للبنان فلا تجهل السلطات اللبنانية حديث الدوائر الإسرائيلية عن حدود للكيان تمتد إلى نهر الأولى، ورغم ذلك ترفض المقاومة المسلحة كخيار لاستعادة الأرض رغم ما أثبتته من قوة للبنان منذ العام 2000م.

وكان لافتا وذا دلالة مقتل عالم آثار إسرائيلي في منطقة بجنوب لبنان اعترف العدو بأنه دخل للبحث عن آثار دولة إسرائيل، وهي ترفض اليوم وهي بيئة شريفة مجاهدة تستحق أن تدعم عربيا وإسلاميا بما قدمته صباح انتهاء مهلة الستين يوما من زحف بشري استطاع تحرير العشرات من القرى اللبنانية المحتلة على الحدود، وكانت على الوعد بعد انتهاء مهلة التمديد الثانية التي مضت بها السلطة اللبنانية مع الأمريكي في الـ18 فبراير لاستكمال تحرير ما تبقى من القرى الحدودية، وقدمت في التحركين الدم شهداء وجرحى من نساء وأطفال، وأثبتت أنها مصنع للمقاومة بلا مراء.

صمد العائدون من القرى فوق مبانيهم المدمرة، وبقوا في قراهم رغم قسوة الشتاء ليوسلوا رسالة واحدة انهم إلى جانب مقاومتهم حاضرون مقاتلون، وان لبنان شعبا لن يكون حتما إلا في الضفة العربية الإسلامية المناهضة للكيان والمشروع الصهيوني.

هذه البيئة وجدت بالأمس في التشييع المهيب ما تستحق من التكريم العربي والإسلامي الشعبي بدرجة كبيرة، وفي مشهد الحضور من القوى اللبنانية الشريفة ما يغني عن سواها من ارتموا تحت أقدام الأمريكي.

وعشية التشييع كان لافتا أن هذه البيئة استعادت نبرتها العالية، وهي ترى الاندفاعة الإسلامية والدولية إلى العاصمة بيروت والى الضاحية الأبية للمواساة والتوديع.

إن مشهد تشييع السيدين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، قد تجاوز بدلالاته لبنان وحزب الله إلى كونه استفتاء على خيار المقاومة في الشعوب الإسلامية وضد خيار التطبيع، وما بعد مشهد بيروت أمس الأحد وقد امتلأت شوارعها بالمودعين من أصقاع العالم وانصهر في مسارات التشييع كل أحرار العالم والأمة الإسلامية يودعون شهيد الأمة والإنسانية لن يكون ما بعد كما قبله، فالجميع سيعود وفي القلب بيعة وعهد ورابط.

تحليق الطيران الإسرائيلي فوق الحشود كان إدراكا لهذه القيمة وتعبيراً عن مدى القلق الذي يحمله هذا المشهد وستلده المنطقة ولبنان وفلسطين، وهيهات لمن قطع آلاف الكيلومترات أن يخاف، وهيهات لبيئة رأت العالم يحتضنها أن تهاب بعد اليوم، وهي من وقفت نساؤها بوجه فوهات الدبابات في الجنوب، وعجزت عن فعل ذلك جيوش عربة وفرق مدرعات.

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: العدو الإسرائیلی على مستوى حزب الله نصر الله

إقرأ أيضاً:

في رحاب يوم القدس العالمي.. رؤية الشهيد القائد لمواجهة أمريكا و”إسرائيل”

يمانيون/ تقارير

التاريخ يعيد نفسه، والمواجهة مستمرة، لكن البصائر التي أرساها الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي في محاضرته “يوم القدس العالمي” تكشف عن رؤية استراتيجية تمتد عبر الزمن، لتكون منهاجًا للأمة في صراعها مع الهيمنة الأمريكية والصهيونية. من منطلق إيمانه بأن قضية القدس ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، بل معركة الأمة الإسلامية جمعاء، وضع الشهيد القائد أسسًا فكرية واضحة لكيفية التعامل مع المشروع الاستعماري الذي تقوده الولايات المتحدة لحماية “إسرائيل”، مؤكدًا أن التحرك الجاد، والوعي العميق، والاستعداد الدائم للمواجهة، هي مفاتيح الانتصار على المشروع الصهيوني الأمريكي.

 

القدس ليست قضية جغرافية.. بل مقياس لموقف الأمة

تُعدّ القدس في الفكر الاستراتيجي للشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي مقياسًا لموقف الأمة الإسلامية تجاه الهيمنة والاستعباد العالميين. فهي ليست مجرد أرض متنازع عليها، ولا صراعًا محصورًا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل هي عنوان لمعركة أوسع بين المشروع الاستعماري الأمريكي-الصهيوني وبين الأمة الإسلامية بأسرها. إن القضية الفلسطينية تمثل جوهر الصراع بين الحق والباطل، حيث تسعى قوى الاستكبار العالمي إلى جعل “إسرائيل” كيانًا طبيعيًا في المنطقة، وإلى دفع المسلمين نحو التخلي عن أحد أهم مقدساتهم الدينية والتاريخية.

يؤكد الشهيد القائد أن الكيان الصهيوني ليس مجرد محتل غاصب، بل هو رأس الحربة في المشروع الاستكباري الذي يهدف إلى تفكيك الأمة الإسلامية وإضعافها سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا. ففي محاضرته (يوم القدس العالمي)، يُحذر من خطورة التواطؤ مع هذا المشروع عبر التطبيع أو التقاعس عن دعم القضية الفلسطينية، حيث يقول:

((قضية إسرائيل ليست قضية تخص الفلسطينيين, إنها قضية المسلمين جميعاً، حتى لو اعترف الفلسطينيون أنفسهم بإسرائيل، حتى لو رضوا بأن يكونوا عبارة عن مواطنين داخل “دولة إسرائيل”، فإنه لا يجوز للمسلمين أن يقروهم على ذلك، ولا يجوز للمسلمين أن يتخلوا عن جهادهم في سبيل إزالة هذه [الغدة السرطانية] كما أطلق عليها الإمام الخميني (رحمة الله عليه).”

وعلى أرض الواقع، نجد اليوم أن العديد من الدول العربية والإسلامية قد انخرطت في مشاريع التطبيع مع الكيان الصهيوني، متجاهلة التاريخ والجغرافيا والعقيدة التي تفرض عليها التصدي لهذا الكيان الغاصب. فقد شهدنا خلال الأعوام الأخيرة توقيع اتفاقيات “إبراهام” بين إسرائيل ودول عربية، ما أضفى شرعية زائفة على الاحتلال، وفتح له أبوابًا جديدة للتوسع الاقتصادي والعسكري في المنطقة. في الوقت نفسه، تستمر “إسرائيل” في تنفيذ مشاريع تهويد القدس، والتعدي على المقدسات الإسلامية والمسيحية، وسط صمت دولي وإقليمي مخجل.

إزاء هذه التطورات، يؤكد الشهيد القائد أن التخلي عن القدس هو تخلٍّ عن الإسلام ذاته، وأن التهاون في نصرة القضية الفلسطينية يعكس حالة من الانهيار الأخلاقي والروحي الذي أصاب بعض الشعوب والحكومات. وهذا ما نشهده اليوم في غياب مواقف حازمة من بعض الدول الإسلامية تجاه الجرائم الصهيونية المتكررة في غزة والضفة الغربية، بل إن بعضها قد انخرط في تحالفات أمنية واقتصادية مع العدو، بدعوى المصالح المشتركة، والسلام والاستقرار غير مدركين إن “إسرائيل” كيان طامع، وهذا ما أكده الشهيد القائد وأثبتته الأحداث أن الصهاينة لا يمكن تحقيق السلام معهم: “إسرائيل ليس من الممكن المصالحة معها, ولا السلام معها, ولا الوفاق معها, ولا أي مواثيق أو عهود تبرم معها. إنها دولة يهودية، إنها دولة يهودية طامعة، ليس فقط في فلسطين, وليس فقط في أن تهيمن على رقعةٍ معينةٍ تتمركز فيها، بل إنها تطمح إلى الهيمنة الكاملة على البلاد الإسلامية “.

إذن، فإن قضية تحرير فلسطين تمثل ميزانًا أخلاقيًا وسياسيًا يُحدد مدى التزام الأمة بمبادئها، ومدى استعدادها لتطهيرها من المغتصبين.

إن الوقوف مع القضية الفلسطينية ليس خيارًا سياسيًا بقدر ما هو التزام ديني وتاريخي، يفرض على الأمة الإسلامية عدم التخاذل، وعدم الرضوخ لمشاريع تصفية القضية عبر المؤامرات والمساومات والتطبيع.

 

الولايات المتحدة.. الراعي الأول للصهيونية ومصدر الفتن

لم يكن الدعم الأمريكي للكيان مجرد دعم عابر، بل هو جزء لا يتجزأ من الاستراتيجية الأمريكية الكبرى للسيطرة على المنطقة الإسلامية، وإضعاف أي قوة يمكن أن تعارض المشروع الصهيوني. فالولايات المتحدة لا تكتفي بتقديم الدعم العسكري والمالي للكيان، بل تتبنى بشكل كامل سياسات الاحتلال، وتعمل على تأمين التفوق الإسرائيلي على جميع الأصعدة، مع قمع أي حركة تحررية تسعى لمقاومة هذا المشروع.

في هذا السياق، يكشف الشهيد القائد عن الدور الأمريكي في إدارة الحروب والصراعات داخل العالم الإسلامي، من خلال إشعال الفتن الطائفية والمذهبية، ودعم الأنظمة الديكتاتورية، والتلاعب بالاقتصاد والسياسة لخدمة “إسرائيل”. حيث يقول:

“أمريكا هي وراء إسرائيل”

فهي ليست مجرد حليف لإسرائيل، بل هي الراعي الأول للمشروع الصهيوني، وهي التي تدير مخططات استعباد الأمة الإسلامية، عبر الهيمنة الاقتصادية والثقافية والعسكرية.

وما نراه اليوم يؤكد هذا التحليل، فالإدارة الأمريكية لم تكتفِ بدعم “إسرائيل” سياسيًا في المحافل الدولية، بل إنها تقود بنفسها معركة قمع المقاومة الفلسطينية واللبنانية، سواء من خلال تمويل آلة الحرب الإسرائيلية، أو عبر فرض العقوبات والحصار و الحروب على الدول الداعمة للمقاومة مثل إيران، وسوريا -سابقا-، واليمن. كما تعمل واشنطن على إضعاف حركات المقاومة من خلال تصنيفها ضمن “المنظمات الإرهابية”، في محاولة لشرعنة العدوان الصهيوني، وتجريم أي تحرك مشروع لمواجهة الاحتلال.

وعلى المستوى الإقليمي، تواصل الولايات المتحدة فرض سياسات التطبيع، ودعم الأنظمة العربية الموالية لها، لإضعاف أي تحرك شعبي ضد الاحتلال. فقد رأينا كيف عملت أمريكا على إجهاض ثورات الربيع العربي التي كانت تحمل في بعض مراحلها شعارات دعم القضية الفلسطينية، من خلال نشر الفوضى، ودعم الأنظمة القمعية، وتحويل وجهة الشعوب عن القضية الجوهرية نحو صراعات داخلية.

وفي مواجهة هذا المشروع الأمريكي، يجب أن تفهم  الأمة وأن تعي أن معركتها مع “إسرائيل” ليست منفصلة عن معركتها مع أمريكا، وأن مقاومة النفوذ الأمريكي في المنطقة هو جزء أساسي من مقاومة الاحتلال الصهيوني. وهذا يتطلب عدم الارتهان للهيمنة الغربية، ورفض كل المشاريع التي تسعى إلى ربط اقتصادنا وأمننا وسياساتنا بمصالح أمريكا و”إسرائيل”.

إن الولايات المتحدة ليست وسيطًا في الصراع، بل هي العدو الحقيقي الذي يُحرك أدواته في المنطقة لخدمة الكيان، ومن يتعامل مع أمريكا على أنها طرف محايد فهو واهم، لأن كل سياساتها تصب في صالح الاحتلال.

إن إدراك هذه الحقيقة يُشكل حجر الأساس في أي استراتيجية مقاومة فعالة، لأن المواجهة ليست فقط مع كيان استيطاني صغير، بل مع مشروع استعماري عالمي تقوده الولايات المتحدة. وبالتالي، فإن التحرر من هذه الهيمنة، وإفشال المشاريع الأمريكية في المنطقة، هو جزء من معركة تحرير القدس، التي لن تتحقق إلا بإرادة سياسية قوية، واستعداد دائم لمواجهة قوى الاستكبار العالمي بكل الوسائل الممكنة.

 

المقاطعة الاقتصادية.. سلاح بيد الشعوب لا يقل عن المقاومة المسلحة

في خضم الصراع مع الهيمنة الصهيونية الأمريكية، يبرز السلاح الاقتصادي كأحد الأدوات الفعالة التي تمتلكها الشعوب الإسلامية لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي وداعميه. يدرك الشهيد القائد أن الحروب ليست فقط معارك عسكرية، بل هي أيضًا حروب اقتصادية، حيث يسعى العدو إلى استنزاف موارد الأمة، وإبقائها في حالة تبعية دائمة، ما يجعل المقاطعة الاقتصادية أداة فعالة في عرقلة تمدد المشروع الصهيوني.

ولهذا رأينا الشهيد القائد يحث الناس على المقاطعة الاقتصادية بل جعلها أحد أبرز المواقف في مشروعه القرآني إلى جانب شعار الصرخة: “المقاطعة الإقتصادية, المقاطعة للبضائع مهمة جداً ومؤثرة جداً على العدو، هي غزو للعدو إلى داخل بلاده, وهم أحسوا أن القضية عندهم يعني مؤثرة جداً عليهم, لكن ما قد جرأت الحكومات العربية إلى الآن أنها تعلن المقاطعة، تتخذ قراراً بالمقاطعة, لأن الأمريكيين يعتبرونها حرباً، يعتبرون إعلان المقاطعة لبضائعهم يعتبرونها حرباً؛ لشدة تأثيرها عليهم.”

والاقتصاد الصهيوني لا يقوم فقط على الدعم الحكومي من الدول الغربية، بل يعتمد بشكل كبير على الاستثمارات والشركات العالمية الأمريكية و اليهودية التي تعمل في الأسواق الإسلامية، ما يعني أن كل دولار يُصرف في هذه الشركات يُترجم إلى رصاصة تُطلق على أبناء فلسطين والمجاهدين في ساحات القتال.

إن ما نشهده اليوم من تصاعد الدعوات لمقاطعة المنتجات والشركات الداعمة لـ”إسرائيل” يؤكد مدى أهمية هذا السلاح. فمنذ اندلاع العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، شهد العالم الإسلامي حراكًا واسعًا لمقاطعة العلامات التجارية التي تُتهم بتمويل الاحتلال، مثل بعض الشركات الأمريكية والأوروبية التي تُضخ ملايين الدولارات سنويًا لدعم الكيان عسكريًا واقتصاديًا. هذا الحراك الشعبي أدى إلى تراجع مبيعات بعض هذه الشركات بشكل ملحوظ في الأسواق الإسلامية، ما يدل على أن الوعي بضرورة المقاطعة بات أكثر انتشارًا وتأثيرًا.

لكن الشهيد القائد لا يكتفي بالدعوة إلى المقاطعة، بل يؤكد على أهمية بناء اقتصاد مستقل، بحيث لا يكون المسلمون مرهونين لاقتصادات الأعداء، ما يجعلهم عرضة للضغوط السياسية والاقتصادية في أي لحظة.  فالاعتماد على المنتجات الأمريكية أو المدعومة يجعل الأمة ضعيفة، وغير قادرة على اتخاذ مواقف حاسمة ضد العدو، خوفًا من العقوبات الاقتصادية أو الضغوط الخارجية.

واليوم، ومع تصاعد الهيمنة الاقتصادية الأمريكية على العالم الإسلامي، عبر المؤسسات المالية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، يصبح من الضروري إعادة النظر في البنية الاقتصادية للأمة، والسعي نحو الاستقلال المالي والاعتماد على الموارد المحلية، لتقليل التأثيرات السلبية التي تفرضها الشركات الكبرى المرتبطة بالمشروع الصهيوني.

ويشدد الشهيد القائد على أن المقاطعة الاقتصادية لا يجب أن تكون مجرد استجابة لحالة غضب مؤقتة، بل يجب أن تتحول إلى ثقافة دائمة في حياة المسلمين، بحيث يدرك كل فرد أن قراراته الشرائية لها تأثير مباشر على معركة الأمة ضد الاستكبار العالمي.”نحن هنا في اليمن كمثال ناهيك عن بقية الدول العربية، والمسألة هي واحدة: طعامنا، لباسنا، أدْوِيَتُنا، مختلف الكماليات التي نستخدمها، الصابون، الشامبو مختلف المشروبات، مختلف العطور، الأشياء الكثيرة جداً جداً التي نستهلكها، معظمها شركات أجنبية بأيدي اليهود.

هم لا يريدون أن يصل الناس إلى مستوى أن يصنعوا لأنفسهم، أن يكتفوا بأنفسهم في مجال الزراعة, في مختلف شؤون الحياة، لا يودون لنا أي خير. يريدون منا أن نظل سوقاً استهلاكية نستهلك منتجاتهم”.

ولهذا، فإن العمل على توعية الشعوب بأهمية المقاطعة، وتعزيز البدائل الاقتصادية المحلية، يُعَدان من أهم خطوات المواجهة ضد المشروع الصهيوني الأمريكي.

 

المقاومة العسكرية.. الخيار الذي لا يمكن التخلي عنه

في سياق المواجهة الشاملة ضد الكيان الصهيوني، يُعد العمل الجهادي أحد أهم الأدوات التي لا يمكن للأمة أن تتخلى عنها في معركتها ضد الاحتلال الإسرائيلي وداعميه. يؤكد الشهيد القائد أن “إسرائيل” ليست كيانًا يمكن أن يُواجه بالمفاوضات أو التسويات السلمية، بل هي كيان قائم على القتل والدمار، ولا يفهم إلا لغة القوة. ولهذا، فإن المقاومة المسلحة ليست خيارًا ثانويًا، بل هي الخيار الأساسي الذي أثبت فعاليته عبر العقود في مواجهة الاحتلال.

ويؤكد الشهيد القائد أن التجارب السابقة أثبتت أن كل المفاوضات التي أُجريت مع العدو لم تؤدِّ إلا إلى مزيد من التنازلات، بينما كانت المقاومة هي الخيار الوحيد الذي حقق إنجازات حقيقية على الأرض.

وتتجلى صحة هذه الرؤية بوضوح في الأحداث الجارية، حيث أثبتت فصائل المقاومة الفلسطينية، مثل كتائب القسام وسرايا القدس، أن الكيان الصهيوني ليس قوة لا تُقهر، بل هو كيان هش، يعتمد على الدعم الخارجي، وأنه يتراجع عسكريًا كلما تصاعدت عمليات المقاومة. ففي كل مواجهة مع الاحتلال، كانت العمليات العسكرية تُرغم “إسرائيل” على إعادة حساباتها، وتجعلها عاجزة عن فرض إرادتها بالكامل.

لكن الشهيد القائد لا ينظر إلى المقاومة فقط من الزاوية العسكرية، بل يرى أنها يجب أن تكون جزءًا من استراتيجية شاملة، تشمل المقاومة السياسية، والثقافية، والاقتصادية، بحيث يكون العمل العسكري أحد أدوات المواجهة، وليس الأداة الوحيدة. ولهذا، فإنه يُشدد على أن دعم المقاومة يجب أن يكون على كافة المستويات، سواء من خلال الدعم المالي، أو الإعلامي، أو السياسي، لأن أي انتصار تحققه المقاومة في الميدان العسكري، يحتاج إلى غطاء شعبي وسياسي يحميه ويعززه.

وفي ظل استمرار الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، كما يحدث اليوم في غزة والضفة الغربية، يُصبح من الواضح أن الرهان على أي تسوية سلمية مع الكيان الصهيوني هو رهان فاشل، وأن الخيار الوحيد أمام الأمة هو تعزيز خيار المقاومة، ودعم الفصائل التي تقف في وجه الاحتلال، لأنها تمثل خط الدفاع الأول عن كرامة المسلمين ومقدساتهم.

 

يوم القدس العالمي.. نقطة التحول في المواجهة

يرى الشهيد القائد أن يوم القدس العالمي يجب أن يكون أكثر من مجرد مناسبة سنوية، بل يجب أن يتحول إلى نقطة انطلاق لعمل مستمر، بحيث يتم استثماره في تعزيز الوعي بالقضية الفلسطينية، وتصعيد العمل المقاوم ضد الاحتلال الإسرائيلي. فهو ليس فقط لتذكير الناس بالقضية، بل هو فرصة لإعادة توجيه البوصلة، وتصحيح الأولويات، وتحفيز الشعوب الإسلامية للتحرك الجاد لمواجهة العدو الصهيوني الأمريكي.

ويقول الشهيد القائد في هذا الشأن:

“فيوم القدس هو يوم أن تتجه الشعوب نفسها حتى لا تبقى متأثرة بإعلام اليهود، ولا متأثرة بالإعلام الذي يبرر للدول التي تحكم المسلمين تبرر قعودهم”.

ويشدد على أن الاحتفاء بيوم القدس يجب أن يكون فعّالًا، من خلال تنظيم الفعاليات، والمظاهرات، والندوات، وحملات التوعية، والتأكيد على أن قضية القدس ليست قضية موسمية، بل هي محور الصراع الدائم الذي يجب أن يبقى حاضرًا في وجدان الأمة.

 

فلسطين هي القضية والمواجهة مستمرة

قدم الشهيد القائد خصوصا في محاضرته (يوم القدس العالمي ) خريطة طريق استراتيجية لمواجهة المشروع الصهيوني الأمريكي، حيث تتجاوز رؤيته نطاق الشعارات التقليدية إلى أسس عملية لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي وحلفائه على كافة الأصعدة. فمن خلال تحليله لطبيعة الصراع، يوضح أن “إسرائيل” ليست مجرد كيان محتل، بل رأس حربة لمشروع استعماري عالمي، تقوده الولايات المتحدة، ويهدف إلى إخضاع الأمة الإسلامية، وإبقائها في حالة ضعف وتبعية دائمة.

في هذا الإطار، يؤكد الشهيد القائد أن المعركة مع “إسرائيل” وأمريكا ليست مجرد معركة عسكرية، بل هي حرب شاملة تستهدف الأمة في كافة الجوانب السياسية، والاقتصادية، والإعلامية، والثقافية، ما يستوجب تبني استراتيجية مواجهة متكاملة تشمل المقاومة المسلحة، المقاطعة الاقتصادية، والتحرك الشعبي والإعلامي المستمر. وهذه الرؤية تتجلى في قوله:

“إسرائيل لم تعد تلك البقعة التي تهيمن عليها داخل فلسطين. الثقافة، الرأي العام، الهيمنة الإعلامية، الهيمنة الثقافية أصبحت بأيدي اليهود، فنحن بحاجة إلى أن نواجه اليهود، وليس فقط إسرائيل، اليهود تأثيرهم يصل إلى كل مكان”.

 

ضرورة التحرك الشعبي المستمر

إن ما نشهده اليوم من جرائم الاحتلال الصهيوني في فلسطين، والمجازر المستمرة في غزة ولبنان والضفة الغربية وفي اليمن، يثبت صحة ما أكده الشهيد القائد حول أن العدو لا يفهم إلا لغة القوة، وأن التخاذل أو الرهان على المفاوضات لن يؤدي إلا إلى مزيد من الإجرام والتهويد والعدوان. وفي مواجهة هذا الواقع، تصبح المسؤولية الجماعية للأمة الإسلامية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، بحيث لا تبقى قضية القدس مجرد قضية فلسطينية، بل تتحول إلى قضية مركزية لكل مسلم.

ولهذا، فإن يوم القدس العالمي ليس مجرد يوم رمزي، بل هو محطة للتحرك العملي، ودعوة لكل الشعوب الإسلامية لرفع صوتها، والتحرك ضد الاحتلال الإسرائيلي بكل الوسائل الممكنة.

 

دور الوعي في إفشال المخططات الأمريكية والصهيونية

من الجوانب المهمة التي تناولها الشهيد القائد، أن العدو الصهيوني وحلفاءه في الغرب لا يعتمدون فقط على القوة العسكرية في إخضاع الأمة، بل يعملون على إضعاف الأمة من الداخل، عبر نشر الفتن الطائفية، والترويج لثقافة الاستهلاك، وإشغال المسلمين بصراعات جانبية، حتى ينسوا قضيتهم الكبرى.

وما نراه اليوم من حملات إعلامية ضخمة، تهدف إلى تشويه المقاومة الفلسطينية، وإظهار إسرائيل ككيان ديمقراطي في المنطقة، يؤكد خطورة الحرب النفسية التي يشنها العدو، وضرورة التصدي لها عبر نشر الوعي، وكشف الأكاذيب، وتعزيز ثقافة المقاومة في المجتمعات الإسلامية.

عندما قال الله سبحانه وتعالى عن اليهود: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}(المائدة: من الآية82) يريد منا أن نربي أنفسنا, وأن نربي أولادنا على أن يحملوا عداوة لأعداء الله لليهود والنصارى, أن يحملوا عداوة. العداوة في الإسلام إيجابية ومهمة، العداوة إيجابية”.

 

تحرير القدس يبدأ من تحرير الأمة من التبعية

من أهم الدروس التي نستخلصها من رؤية الشهيد القائد، أن تحرير القدس لا يمكن أن يتم إلا إذا تحررت الأمة من التبعية للقوى الاستكبارية، سواء كانت تبعية سياسية، أو اقتصادية، أو ثقافية. فكما يؤكد، فإن الأنظمة التي تتودد لإسرائيل، وتسعى إلى نيل رضا الولايات المتحدة، لا يمكن أن تكون جزءًا من معركة التحرير، لأن ولاءها ليس لشعوبها، بل لأعدائها.

واليوم، بعد أن شهدنا موجة من التطبيع مع الكيان الصهيوني، ومحاولات تحويل “إسرائيل” إلى “شريك استراتيجي” في المنطقة، يتضح أكثر من أي وقت مضى أن الشعوب هي من يجب أن تأخذ زمام المبادرة، وأن تتحرر من تأثير الأنظمة العميلة، التي تروج لفكرة أن “إسرائيل باتت أمرًا واقعًا، لا يمكن تغييره”.

 

استمرار المقاومة.. ضمانة النصر

في الختام، يظل نهج المقاومة هو النهج الوحيد القادر على تغيير المعادلات، وفرض واقع جديد على الأرض، كما أثبتت التجارب السابقة في غزة ولبنان واليمن والعراق.

ولهذا، فإن المعركة ضد المشروع الصهيوني الأمريكي لن تُحسم إلا إذا واصلت الشعوب الإسلامية دعمها للمقاومة، وتحملت مسؤولياتها تجاه قضاياها المصيرية، ورفضت كل أشكال الخضوع والاستسلام.

فلسطين لن تتحرر بالمفاوضات أو الشعارات، بل ستتحرر حينما تُدرك الأمة أن المعركة مع “إسرائيل” وأمريكا هي معركة وجود، وأن خيار المقاومة هو الخيار الوحيد القادر على إعادة الحقوق لأهلها.

إن كسر الهيمنة الصهيونية الأمريكية ليس مجرد حلم، بل هو واقع يتحقق بالمقاومة، والتضحية، والإصرار، وبإيمان الشعوب بأن القدس ليست قضية سياسية فقط، بل هي قضية عقيدة، وهوية، وكرامة.

ولذلك، فإن إحياء يوم القدس العالمي يعتبر جهاداً في سبيل الله واستمرارا لنهج المقاومة، وتجديدا للعهد بأن فلسطين لن تُنسى، وأن الاحتلال لن يدوم، وأن الحق لا بد أن ينتصر في النهاية، مهما طال الزمن.

نقلا عن موقع أنصار الله

مقالات مشابهة

  • يوم القدس العالمي… يا قدس على العهد
  • أحزاب المشترك تدعو الشعب اليمني للخروج المليوني في يوم القدس العالمي
  • في رحاب يوم القدس العالمي.. رؤية الشهيد القائد لمواجهة أمريكا و”إسرائيل”
  • 6 قتلى خلال أقل من 24 ساعة : إسرائيل تكثف استهداف قادة «حزب الله» الميدانيين بالمسيرات
  • الصحة اللبنانية: استشهاد 3 أشخاص في غارة إسرائيلية
  • الجميل اكد خلال لقائه السفير الهولندي ضرورة استعادة سيادة الدولة اللبنانية
  • الصحة اللبنانية: استشهاد 3 أشخاص في غارة من مسيرة إسرائيلية ببلدة يحمر
  • مديرية الصافية تحيي يوم القدس العالمي بفعالية ثقافية
  • الوالي:مشهد المرأة التي تصفع “القايد” في الشارع لم يكن مجرد حادث عابر، بل أصبح ظاهرة يتكرر
  • البزري قدّم العزاء بالمستشار ماهر مشيعل في بيروت