إنَّا على العهد.. من يمن الإيمان إلى ضاحية لبنان
تاريخ النشر: 24th, February 2025 GMT
عبد القوي السباعي
إِنَّا على العهد؛ كلماتٌ نقشها في جدار الزمن وعلى جبين الدهر، ونقلها اليمنيون بقلوبٍ مفعمة بالعزة والإباء؛ لا بالحزن والبكاء، مفرداتٌ جاءت بلُغةِ قومٍ يمتلكون ذاكرةً ممتلئةً بالمواقف والتضحيات.. بالمجد والبطولات، ويحسِدُهم عليها كُـلُّ من يعاني فراغًا وجوديًّا، شعر للوهلة الأولى أنه بلا حياة.
إنَّا على العهد؛ يا شهيدنا الأسمى، وقد جاءك ملايين تسرَّبوا من السماء كالضوء ليس لتشييع جثمان، بل ليرفعوا ألقًا من بضعة النور.. تدفقوا كنهر حُبٍّ هادرٍ بالطُّهر والنقاء، لملاقاة بحرٍ من الدم المبارك الذي سقى الأرض حتى ارتوت، فأنبتت أشجارًا مباركةً يكادُ زيتُها يضيءُ العالَمَ بكل معاني السيادة والحرية والإنسانية.
إِنَّا على العهد؛ يا شهيدنا الأسمى، بعد أن عانقت الأرض السماء، في مشهدٍ مصنوع من خيوط الشمس وذهب الأرض ودماء الشهداء؛ هُنا اليمنيون بعنفوانهم المعهود، حتى وإن فارقتهم جسدًا؛ لم ولن تغب روحك يومًا؛ فهم رغم ألم الفقد ووجع البعد، جاؤوك مع كُـلّ أحرار الأرض، يتقدمهم حماة العرض وصناع المجد والتاريخ، ليشاركوا في حمل أمانة الله، والسير خلف بقية العترة، والذين وإن تدفن أجسادهم إلا أنهم يرفعون إلى السماء، بين الأحياء.
إِنَّا على العهد؛ يا سيدنا الأسمى، وقد أَمَّمَ الملايين من البشر إليك ونحوك مسيرهم وأنظارهم، بما لا تستوعبهُ جداول الحساب، وتلهج ألسنتهم وتصدح حناجرهم بما لا تقدر عليه التفاسير، وكل تحليلات المحبين والمبغضين، وكأن من وصل إلى أرض لبنان، جاءوا لرفع قربان الحرية الجريحة إلى، حَيثُ تستقر النجوم، وإيمانهم بأن من سيبرئُها من هذا الجرح؛ ويقيمُ القصاص، هم أُولئك الذين داووا وجعَ الأرض، وأعادوا لونَ البحر، وضوءَ الشمس، وتقويمَ الأيّام.
إِنَّا على العهد، قالها ويقولها ويردّدُها أهل الجهاد في يمن الإيمان، الذين ما انحنوا لظالمٍ وما سكتوا على محتلّ، وما ناموا عن نصرة مستضعف، وجاءوا وكأنهم يطوون الأرض تحت أقدامهم شوقًا ليشاركوا في هذا اليوم المهيبِ بطريقتهم، ومهنئين من سار خلفَ جثمانك الطاهر، ورغم ألمِهم إلا أن عزاءَهم أنهم يسيرون خلفَ روحك ومنهاجِ أجدادِك، نحو مستقبلٍ جديدٍ من “نصر الله” الموعود والمكتوب بدمائهم وصمودهم.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: ا على العهد
إقرأ أيضاً:
نجم الجبهة
لطالما كان للنجوم حضور قوي في الثقافة العربية، ولا تزال الكثير منها تحمل أسماء عربية حتى اليوم، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى في سورة الأنعام: "وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ"، وارتبط العرب بالنجوم بشكل وثيق، فأطلقوا عليها أسماء ووصفوها بدقة، ولم يقتصر تأثيرها على علم الفلك وحسب، بل امتد أيضًا إلى الشعر والأدب، حيث تغنّى بها الشعراء وحيكت حولها الأساطير، مستخدمينها لرسم صور خيالية تربط بين النجوم وتوضح مواقعها في السماء ضمن حكايات وقصص مشوقة.
والنجم الذي نتحدث عنه اليوم هو نجم "الجبهة"، وهو أحد ألمع النجوم في كوكبة الأسد، ولقد سمي بالجبهة لأنه يقع في رأس هذه الكوكبة التي تخيلها العرب على شكل أسد، وهو في حقيقة الأمر ليس نجما مفردا وإنما نظام ثنائي مكوّن من نجمين يدوران حول بعضهما، وكلاهما من النوع العملاق البرتقالي.
يبدأ ظهوره في سماء سلطنة عمان، خلال أواخر فصل الشتاء وبداية الربيع، ويظل مرئيًا حتى منتصف الصيف، ويمكن رصده بعد غروب الشمس في الجهة الشرقية، حيث يرتفع تدريجيًا نحو السماء الجنوبية الشرقية مع تقدم الليل، وفي شهر مارس، يكون "الجبهة" مرئيًا بوضوح بعد الساعة 8 مساءً، ويصل إلى أعلى نقطة له في السماء حوالي منتصف الليل.
في التراث العربي، كان نجم "الجبهة" يُعتبر أحد منازل القمر ويُستخدم في التقويمات الزراعية لتحديد أوقات الزراعة والحصاد، ودخول "نوء الجبهة" كان يشير إلى بداية فصل الخريف وفقًا لحساب النجوم، حيث تتغير الظروف المناخية وتبدأ درجات الحرارة في الانخفاض، مما يؤثر على الأنشطة الزراعية، وقد ذكر القلقشندي في موسوعته المشهورة "صبح الأعشى في صناعة الإنشا" أن هذا النوء هو سبع ليال، ومما ذكره القلقشندي أيضا عن نوء "الجبهة" قال: "ثلاثة كواكب نيرة قد عدل أوسطها إلى الشرق، فهي لذلك على شكل مثلّث مستطيل القاعدة قصير الساقين، وإلى الجنوب عنها نجم أحمر مضيء جدّا يسمّى قلب الأسد يرسمه المنجمون في الاسطرلاب ، وأصحاب الصور يجعلون الجبهة على كتف الأسد".
وإذا أتينا إلى ذكر هذا النجم في أشعار العرب نجد أن كثيرا منهم ذكروه مرة مقترنا بكوكبة الأسد فيقولون "جبهة الأسد"، ومرة قرنوه مع النجوم الأخرى في السماء المرتبطة بالرفعة والعلو، فقد ورد في المنظومة الفلكية للملاح العماني أحمد بن ماجد فقال:
وجَبهةٌ وزُبرَةٌ والصرفه
ما في صفاتي قطُ لك حرفه
وبعدَهَا العَوَّاءُ والسمَاك
هُم آخرُ الشاميَّةِ الزواكي
ونجد الأديب العماني المبرد يذكر هذا النجم في قصيدة له من بحر الهزج فيقول:
وَخَبِّرني عَنِ السبت
وَسعمِ الحُرَّةِ الخَيفَق
وَما الجَبهَةِ في الكَوك
بِ ذي الرَجراجَةِ الفَيلَق
كما نجد للشاعر الأموي الكميت بن زيد الأسدي بيتا شعريا يقرن هذا النجم بكوكبة الأسد فقال:
بَانَتْ لَهُ الْعَقْرَبُ الْأُولَى بِشَرَّتِهَا
وَبلَّهُ مَعْ طُلُوعِ الْجَبْهَةِ الْأَسَدُ
وقد ذكر الأديب البارع أسامة بن منقذ الذي عاش في العصر الأيوبي في كتابه "المنازل والديار" أربعة أبيات للشاعر حفص الأموي يقول فيها:
يا ربع أين انتجع الحاضرُ
جادك نوء الجبهة الماطرُ
مالي أرى مغناك قفراً كأن
لم يلهُ في ساحته سامر
وهذا الفيلسوف محيي الدين بن عربي قد أورد ذكر هذا النجم في إحدى قصائده فقال:
نثرةُ الذابحِ للطرفِ رات
بلعاً يشكو كمينَ الحُرَق
جبهةُ السعد إذا ما زَبَرَتْ
علمها وسط خباءٍ أزرق
ونجد الشاعر ابن أبي حصينة الذي عاش في العصر الفاطمي يذكر هذا النجم فيقول:
فَلا الرَفدُ مَمنُوعٌ وَلا العَهدُ حائِلٌ
وَلا الفِعلُ مَذمُومٌ وَلا المَدحُ مَكذُوبُ
وَطالَت فَنالَت جَبهَةَ النَجمِ أُسرَةٌ
لَها نَسبٌ في الصالِحيِّينَ مَنسُوبُ
كما أن الشاعر أحمد بن شاهين القبرسي الذي عاش في العصر العثماني يذكر هذا النجم فيقول:
عجبت للشمس إذ حلَّت مؤثِّرةً
في جبهةٍ لم أخلها قطُّ في البشرِ
وإنما الجبهة الغرَّاء منزلةٌ
مختصةٌ في ذرى الأفلاك بالقمرِ
وإذا أتينا إلى الشعراء في العصر الحديث فنجد الكثير منهم ذكر هذا النجم، فهذا الشاعر اللبناني مصطفى الغلاييني يقول في نجم "الجبهة":
فَدانَتْ وكانت جَبْهَةَ اللَّيْثَِ مَنْعَةً
يُحَسدُها العَيُّوقُ يُخْفِقُ طالِبُه
أَتاهُمْ وَجَوُّ الأَمْرِ كاللَّيلِ مُظْلِمٌ
فَرَوَّعَهُمْ والخُلْفُ دَبَّت عَقارِبُه