زهراء العرجلي
في زمن كثر فيه حكام المناصب فباتت الشعوب أضحية يقدمها حكامها الأراذل لأسيادهم الغربيين.
وفي وقت كثر الخنوع والاستسلام لمن هم أوهن من بيت العنكبوت، فانقلبت الموازين حين خنعت الشعوب وسلَّمت زمام أمرها لحكامها المحكومين من واشنطن لتلقِّي بمقاليد الأمور لليهود والنصارى.
ومع كُـلّ هذا الضلال والذل والخزي الذي كانت تعيشه الشعوب، ومن بلد هو بلد العز والفخر والشموخ ومن بيتٍ طيب وَطاهر خرج منه سيد المقاومة كما خرج منه أمير المؤمنين قديمًا، جاء سيد المقاومة فأشرقت بقدومه الأرض وانجلى بطلعته ديجور العمالة المستبد.
السيد حسن نصرالله، حفيد المصطفى وشبيه علي المرتضى، وابن فاطمة الزهراء.
وفي عام ١٩٩٢م وبعد اغتيال السيد عباس موسوي من قبل الكيان الغاصب تولى سيد الأُمَّــة السيد حسن منصب الأمين العام لحزب الله، ذلك الحزب الذي ناصر المظلوم وثار ضد الظالم.
فكان الأمين العام رجلًا لا يخاف في الله لومة لائم، فجسد قول الحق عزيز على الكافرين رحيم بالمؤمنين، عشقته القلوب، وتعلقت به الأرواح، كان سيد الأُمَّــة وسيد القضية، ذلك هو السيد الذي لم ينس فلسطين في أي خطاب يلقيه، هو الصادق الذي كان إذَا قال فعل، ففدى فلسطين بروحه ودمه.
وحين أعلنوا العدوان على اليمن كان هو الناصر الوحيد والسيد الوفي الذي لم يتركنا ليوم واحد.
خذلنا العالم فكان السيد نصرالله هو الصوت الوحيد الذي أدان واستنكر ورفض، قتلنا العالم فأحيانًا هو بكلماته التي كانت كالبلسم.
هو الذي قال: “إن لم يكن الشعب اليمني من العرب فمن العرب”!
كنا حين نشعر بالخِذلان نستمع له وهو يقول إن أفضل شيء عمله بحياته هو الخطاب الذي ألقاه في ثاني أَيَّـام العدوان على اليمن، فنشعر بكفيه الحانيتين تمتد لتحتضننا، كان بالنسبة لنا الحضن الحاني، والبلسم الشافي، والعزيز الغالي.
عرفناه عزيزًا كريمًا فما ازداد إلا عزة وكرامة وحبًّا في أعيننا يومًا بعد يوم.
نحن الذين كنا ننتظر حين يلقي خطابه بفارغ الصبر فنزداد شرفًا بحديثه عن اليمن.
فكان السيد الشهيد سيدنا وأبانا ووليَّ أمرنا، وكان شعب لبنان موطننا الآخر أما حزب الله فقد كان ولا زال بمثابة الروح لأنصار الله.
وفي السابع من أُكتوبر لعام 2023 استيقظ الناس على الطوفان الذي دَكَّ عرش الكيان الغاصب وأضج مضجعهم، وبعد اندلاع الحرب على غزة وجرائم الإبادة التي توجع بشاعتها الشجر والحجر وكل شيء في هذا الوجود غير البشر، ولم يتحَرّك قلب هذا العالم الميت قيد أنملة فيشعر بواجبه تجاه هذا الشعب المظلوم المستجير.
فكان محور المقاومة السبَّاقين في الاستجابة لأنين الجرحى ودموع الثكلى، لقد كان هذا المحور المساند والمناصر والمجيب الوحيد الذي لم يلزم الصمت ويغض الطرف وأهل غزة يستجيرون وما من مجيب.
فأغاظ أمريكا و”إسرائيل” وبريطانيا وكل من يدين لهم بالولاء، فأرادوا إشعالها حربًا كبرى قد تكون الحرب العالمية الثالثة، فكان المحور لهم بالمرصاد، فما خاف ولا وهن ولا تراجع.
بعدها قاموا بتفجيرات البيجر في لبنانَ ليبدأ العدوان على لبنان العزيز، فكان حزب الله بقيادة أسده الغالب هم جنود الله على أرضه فهم ولدوا ليزيلوا هذا الكيان الغاصب.
وفي يوم الجمعة، السابع والعشرين من شهر سبتمبر لعام 2024 حدثت الفاجعة الكبرى والجريمة النكراء، زلزال كبير هز العاصمة بيروت ويا ليته هز العالم بأكمله ولم يهزها،
قنوات الإعلام تثرثر بكلام لا يستوعبه العقل فكيف يصدقه القلب؟!
أيدٍ مرتجفة تتطلع إلى السماء، وكلمات متقطعة تتمتم بالدعاء، إلا السيد حسن، هكذا قال الجميع ولكن إرادَة الله كانت فوق كُـلّ إرادَة.
وفي الثامن والعشرين جرى تأكيد خبر استشهاد معز الأُمَّــة وحبيبها، سيد الوعد.
استشهد سيد الانتصارات فكان دمه الزاكي بركانًا يهز عروش المستكبرين.
هو الذي قال “عندما ننتصر ننتصر وعندما نستشهد ننتصر”، فانتصرت بدمه فلسطين ورفرفت راية الحق عاليًا، فكان السيد هو المربي والمعلم والأب الموجه والحنون، كان العطوف البشوش، كان آية في التواضع، ودرسًا للأخلاق النبيلة، كان القرآن الذي يمشي على هذه الأرض وما كانت تليق بسيد مثله نهاية غير هذه النهاية المشرِّفة.
لينظر العدوّ اليوم ليشاهد أنه باغتياله لسيد شهداء الأُمَّــة أحيا العالم بأكمله، لتنظروا إلى ذلك الموكب الذي يملأُ الأرض لتشييع أطهر الخلق، اغتلتم السيد حسن فكان العالم بأكمله حسن نصرالله، أردتم إبعاده فصار أقرب من حبل الوريد، فصار يعرفه من لم يتعرف عليه قبل رحيله، صار يحبه كُـلّ من سمع به.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: السید حسن
إقرأ أيضاً:
من هو الإمام السيوطى؟ تعرف على العالم الذى ملأ الدنيا علمًا بمؤلفاته
من هو الإمام السيوطى؟ شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال حفل تخرج الدورة الثانية لتأهيل أئمة وزارة الأوقاف من الأكاديمية العسكرية المصرية، بمركز المنارة للمؤتمرات الدولية، اليوم الثلاثاء، على أهمية الاقتداء بالإمام السيوطى لأنه نموذج يحتذى به، حيث قدم مساهمة استثنائية من خلال تأليف 1164 كتابًا خلال حياته، فمن هو هذا العالم الجليل؟ سنذكر تفاصيل عنه خلال السطور القادمة.
الإمام السيوطىهو العالم الموسوعي جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، ولد بالقاهرة في غرة رجب سنة (849 هـ/1445م)، وتعود جذور عائلته إلى محافظة أسيوط بصعيد مصر؛ وهذا سبب تسميته بالسيوطي.
وقد روي أن والده كان قد طلب من أمه وهي حامل به أن تأتيه بكتاب من مكتبته، فأخذها الطلْق وهي تحمل الكتاب إلى زوجها، ومن هنا لقب السيوطي بابن الكتب، وربما كانت هذه القصة هي التي صبغت حياته كلها، حيث عاش مع الكتب قارئا ومصنفا ومقلِّبا.
نبغ السيوطى منذ صغره، حيث قدر الله تعالى له أن يعيش في زمان راجت فيه الحركات العلمية، وتيسرت فيه سبل العلم بما لم يتيسر في زمان قبله؛ ما ساعده على تحصيل العلوم المختلفة في زمن قياسي؛ فحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، ثم اتجه لحفظ المتون، وطلب العلوم المختلفة، كالفقه والأصول، والتفسير، والحديث، واللغة، وغير ذلك من العلوم.
فقد عنى به والده مبكرا، فكان يأخذه إلى مجالس العلم التي يحضرها، ومن أهمها مجلس الإمام ابن حجر العسقلاني، الذي يلقب بـ"أمير المؤمنين في الحديث".
كما اهتم والد السيوطي بتحفيظه القرآن، وأتم حفظ كتاب الله في عمر الثامنة.
وعاش السيوطى يتيما منذ السادسة من عمره، حيث لم يلبث أن ينشأ في مجالس علم أبيه حتى توفي والده وهو في السادسة من عمره، فاهتم به أصدقاء والده من العلماء، وأولوه رعايتهم وعنايتهم، وعلى رأسهم الإمام الفقيه الكمال بن الهمام.
وقد كان كثير الأسفار في طلب العلم والشيوخ، وقد وُصف بأنه “دائرة معارف متكاملة وآية في سرعة التأليف”.
فقد رحل السيوطي في طلب العلم إلى عديد من البلدان، كالشام، والحجاز، واليمن، والهند، والمغرب
شيوخ الإمام السيوطي
تلقى السيوطى العلم على يد كبار علماء عصره، أمثال: الشيخ شهاب الدين الشارمساحي، وشيخ الإسلام علم الدين البلقيني، وشرف الدين المناوي، والعلامة تقي الدين الشبلي الحنفي، والعلامة محيي الدين الكافيجي، والشيخ سيف الدين الحنفي، وغيرهم كثير.
ولم يقتصر تلقي السيوطي على الشيوخ من العلماء الرجال، بل كان له شيخات راسخات في العلم من النساء، أمثال: آسية بنت جار الله بن صالح الطبري، وكمالية بنت عبد الله بن محمد الأصفهاني، وأم هانئ بنت الحافظ تقي الدين محمد بن محمد بن فهد المكي، وخديجة بنت فرج الزيلعي، وغيرهن كثير.
وألف المئات من الكتب، حتى قال عنه ابن العماد الحنبلي "المسند المحقق المدقق، صاحب المؤلفات الفائقة النافعة".
فقد كان سبّاقا إلى كتابة ألوان من الكتب لم تعهد قبل عصره إلا قليلا، فألف سيرة ذاتية وسمها بـ"التحدث بنعمة الله".
تدريس الإمام السيوطي للعلوم وتوليه الإفتاء
برع السيوطي في ما تلقاه من علوم، ما جعله عالمًا موسوعيًّا في العلوم الشرعية والعربية، كعلم القراءات، والفرائض، والفقه، والأصول، واللغة، ووصل إلى رتبة «الحافظ» في علم الحديث، حتى قيل عنه: إنه خاتمة الحُفَّاظ.
تولى الإمام السيوطى الإفتاء
ولما اكتملت عنده دوائر العلم وأدوات المعرفة جلس للإفتاء، وتدريس العلوم، وفي هذا الشأن يقول عن نفسه رحمه الله: (رُزقت التبحُّر في سبعة علوم: التفسير والحديث، والفقه، والنحو، والمعاني، والبيان، والبديع)، ويقول أيضًا: (وقد كملت عندي الآن آلات الاجتهاد بحمد الله، أقول ذلك تحدثًا بنعمة الله لا فخرًا، وأي شيء في الدنيا حتى يطلب تحصيلها في الفخر؟!) من كتاب حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة.
تلامذة الإمام السيوطى
لا يخلو متعلم بعد السيوطي إلا ونهل من بحره الزاخر، واستفاد من مؤلفاته النافعة، ومن أبرز تلامذته الذين عاصروه: شمس الدين الداودي، وشمس الدين الشامي محدِّث الديار المصرية، وابن إياس المؤرخ الكبير، وزين الدين الشَّماع، وشمس الدين بن طولون.
مؤلفات الإمام السيوطى
جاوزت مؤلفات الإمام السيوطي الستمائة مؤَلف في الفنون والعلوم المختلفة، ساعده على ذلك اعتزاله الناس بعد ما بلغ سنَّ الأربعين، ورفض مقابلة الأمراء والوجهاء، وانقطع في بيته في روضة المقياس على ضفاف النيل، للقراءة والتأليف، فألف الكثير من الكتب التي تُعد من أمهات المراجع في الفنون المختلفة، والتي ملأت طباق الدنيا علمًا، يقول عن نفسه كما جاء في مقامته «طرز العمامة في التفرقة بين المقامة والقمامة»: “فليس في الإسلام قُطر إلا وقد وصلَت تصانيفي إليه، ولا مِصر إلا وتجد شيئًا من كتبي لديه، ووصلَتْ إليَّ من علماء الأمصار المطالعاتُ والرسائل، ما بين راغبٍ في تأليفي وطالبٍ لجوابِ ما بعَث به من الفتاوى والمسائل”.
مؤلفات السيوطى فى علم التفسير والقراءات
ومن مؤلفاته في علم التفسير والقراءات: الإتقان في علوم القرآن، الدر المنثور في التفسير المأثور، ترجمان القرآن، المسند، أسرار التنزيل.
مؤلفات السيوطى فى علم الحديث
وفي علم الحديث: كشف المغطى في شرح الموطا، التوشيح على الجامع الصحيح، الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج، مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود، شرح ابن ماجه، تدريب الراوي في شرح تقريب النووي.
مؤلفات السيوطى فى الفقه
وفي الفقه: الأزهار الغضة في حواشي الروضة، الحواشي الصغرى، مختصر الروضة، مختصر التنبيه، شرح التنبيه، الأشباه والنظائر. إلى جانب مؤلفاته في التفسير والعربية والأصول والتصوف والتاريخ والأدب.
ماذا قال العلماء عن الإمام السيوطى؟
قال عنه تلميذه الداودي: وكان أعلم أهل زمانه بعلم الحديث وفنونه رجالاً وغريبًا، ومتنًا وسندًا، واستنباطًا للأحكام منه، وأخبر عن نفسه أنه يحفظ مائتي ألف حديث؛ قال: ولو وجدت أكثر لحفظته، قال: ولعله لا يوجد على وجه الأرض الآن أكثر من ذلك. [ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب 10/ 76.]
وقال تلميذه عبد القادر بن محمد: “الأستاذ الجليل الكبير، الذي لا تكاد الأعصار تسمع له بنظير.. شيخ الإسلام، وارث علوم الأنبياء عليهم السلام، فريد دهره، ووحيد عصره، مميت البدعة، ومحيي السنة، العلاَّمة البحر الفهامة، مفتي الأنام، وحسنة الليالي والأيام، جامع أشتات الفضائل والفنون، وأوحد علماء الدين، إمام المرشدين، وقامع المبتدعة والملحدين، سلطان العلماء ولسان المتكلمين، إمام المحدِّثين في وقته وزمانه. [إياد خالد الطباع: الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي” ص5].
ووصفه ابن العماد الحنبلي بأنه: المُسْنِد المحقِّق المدقِّق، صاحب المؤلفات الفائقة النافعة. [ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب 10/ 74]
مجدد المائة التاسعة
رجا الإمام السيوطي رحمه الله أن يكون هو إمام المائة التاسعة من الهجرة ومجددها؛ لعلمه الغزير، وتصانيفه الشاملة؛ فيقول عن نفسه: «إني ترجيت من نعم الله وفضله أن أكون المبعوث على هذه المائة، لانفرادي عليها بالتَّبحر في أنواع العلوم».[ مختارات من علوم القرآن: تركي بن الحسن الدهماني (ص67)]
وفاة الإمام السيوطي
رحل السيوطي عن عالمنا في 19 جمادى الأولى سنة 911 هـ، ودفن خارج باب القرافة في القاهرة، ومنطقة مدفنه تعرف الآن بمقابر سيدي جلال؛ نسبةً إليه.
أبرز جوانب القدوة في شخصية الإمام السيوطى:
الهمة العالية في طلب العلم.
التوكل على الله والأخذ بالأسباب.
إخلاص النية وإتقان العمل سببان في التميز والتفرّد.
اعتزاز العالم بنفسه وثقته بعلمه.
الزهد فيما في أيدي الناس.
العكوف على العلم وتأليف الكتب، والانشغال بالطاعات والأعمال الصالحة التي تنفع الناس في دينهم ودنياهم.