الأسبوع:
2025-02-23@23:56:32 GMT

نجوم الفوضى.. من مقاهي الفشل إلى منصات التحريض

تاريخ النشر: 23rd, February 2025 GMT

نجوم الفوضى.. من مقاهي الفشل إلى منصات التحريض

قبل أحداث يناير 2011، لم يكن أكثر من شخص هامشي، بالكاد يُسمع له رأي أو يُرى له موقف. عاش في الظل طوال حياته، يتجنب الصراعات والمناقشات، بل كان معروفًا بين أهالي حارته بتهربه من المشاركة في أي مناسبات عامة، سواء كانت أفراحًا أو أتراحًا، وكان حضوره في الجنازات مجرد استثناء نادر، وإن حدث، كان يظهر للحظات قليلة، ثم ينسحب بهدوء إلى أقرب مقهى، حيث يجد راحته بين أصدقاء السوء.

. كيف تحول مثل هذا الشخص إلى مُحرِّض سليط اللسان على منصات التواصل الاجتماعي؟

كان يحمل مؤهلًا متوسطًا، حصل عليه بشق الأنفس بعد رسوب متكرر، ولم يسعَ يومًا لتطوير نفسه أو البحث الجاد عن عمل مستقر. كان يرى أن الظروف هي التي ظلمته، وأن الحظ لم يكن يومًا في صفه. وبينما كان أقرانه يشقون طريقهم في الحياة، كان هو يتنقل من مقهى إلى آخر، يراقبهم من بعيد، يواسي نفسه بأنهم مجرد محظوظين، وليسوا أذكى منه أو أقدر على النجاح.

بعد اندلاع أحداث يناير 2011، وجد نفسه فجأة أمام فرصة لم يكن يتخيلها. كانت الميادين ممتلئة بأشخاص غاضبين، يرفعون الشعارات ويطالبون بالتغيير، فقرر الانضمام إليهم، ليس اقتناعًا منه بأي فكرة أو قضية، بل لأنه شعر أن الأضواء قد تلتفت إليه أخيرًا. بدأ يردد العبارات التي يسمعها دون فهم حقيقي لمعانيها، وانخرط وسط الحشود، ثم أسس صفحة على الفيسبوك، مستعيدًا ما كان يحفظه من سور القرآن الكريم في كُتّاب القرية، وبعض ما تعلمه في ذلك الوقت من إجادة للكتابة.

مع مرور الوقت، وجد أن هذه الأجواء توفر له فرصة للظهور، فأطلق لحيته وبدأ يقترب من السلفيين، ثم اتجه إلى مجاذيب "حازمون". لم يكن يمتلك وعيًا سياسيًا أو اجتماعيًا، لكنه كان مستعدًا لترديد أي شيء يمنحه مكانة جديدة. تعلم سريعًا كيف يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي ليجذب الأنظار، وكيف يبني لنفسه صورة "الناشط الثائر". كانت كل خطوة يخطوها تقربه أكثر من وهم جديد صنعه لنفسه.

في منتصف يوليو 2013، وجد ضالته في اعتصام رابعة الإرهابي، وتصدر الصفوف في الاشتباكات، وخرج منه إلى صدارة أعمال الشغب والتخريب، إلى أن سقط في قبضة الشرطة. قضى عدة أسابيع في الحبس الاحتياطي، كان خلالها منبوذًا بين من اكتشفوا أنه ليس من أعضاء "الإخوان" ولا "الجماعة الإسلامية"، ولم يتعرف عليه قيادات تنظيمات أخرى. بل اتهمه بعضهم بأنه "عنصر مندس" وكاد يفكر في التخلص من حياته قبل أيام من إخلاء سبيله بكفالة مالية.

خرج من السجن وقرر أن يبيع ما تبقى له من ميراث أبيه، ليوفر ما تطلبه عصابات التهريب. ثم احتفظ بما تبقى له من أموال بعد أن وصل إلى إحدى الدول، وقرر أن يتوسع في نشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي، ليحقق أحلام المال والشهرة.

لم يمر وقت طويل حتى بدأ المال يتدفق إليه من مصدرين: لمجرد كتابة منشورات تحريضية، ونشر معلومات مغلوطة، وترويج الشائعات. لم يكن يهمه إن كانت هذه المعلومات صحيحة أو خاطئة، كل ما يهمه أن تجلب له المزيد من المتابعين. بدأ يتلقى دعوات لحضور المؤتمرات والندوات الخارجية، وكان المطلوب منه بسيطًا: الاستمرار في التحريض، وتصعيد نبرة العداء ضد مؤسسات الدولة.

قبل مرور عامين من رحلة الهروب، أصبح محكومًا عليه غيابيًا بما يزيد على ثلاثين سنة في قضيتين، كان متهمًا فيهما بالتظاهر والتجمهر والتخريب وإتلاف الممتلكات العامة. فطلب صورًا من الأحكام، وأرسلها إلى صاحب دكان حقوقي، وطلب المساعدة في الحصول على اللجوء السياسي أو الإقامة الإنسانية المؤقتة.

بعد السابع من أكتوبر 2023، حاول ارتداء قناع جديد، كان يظن أنه سيحقق له عشرات الآلاف من الدولارات، التي يحولها إلى محفظة عملات مشفرة نقلته إلى عالم الثراء المؤقت. أغرق صفحته وحساباته بمنشورات المحتوى الفلسطيني مدعيًا دعمه لأبناء غزة دون مراعاة ما تراه إدارة منصات التواصل مخالفًا للمعايير، وكانت النتيجة حذف المنشورات وتعطيل الأرباح. لكنه واصل العناد، وبدأ في نشر المزيد، وكان الحذف يتكرر، وعقوبات التقييد تتواصل، إلى أن استيقظ ذات صباح في الأسبوع الأخير من يونيو 2024 فلم يجد صفحاته وحساباته على الفيسبوك، وبعدها بأيام أغلقت منصة "إكس" حسابه، ليفقد كل شيء.

في الأول من يوليو 2024، أسس صفحة جديدة بصعوبة وفكر في حيلة تجلب له المزيد من الأموال، فقرر المتاجرة بآلام ضحايا الحرب على غزة وانتحال صفة مسؤول حملة لجمع التبرعات، وكاد يحقق ما أراد من الغش والاحتيال، لكنه سرعان ما سقط في قبضة أحد القراصنة، وأصبح رصيده في محفظة العملات المشفرة صفرًا خلال دقيقة واحدة وخسر القديم والجديد.

عاد "المناضل" إلى نقطة الصفر، وأصبح من رواد المقاهي التي تجمع تعساء الهاربين، متذكرًا أيام الفقر والبؤس في الحارة. وبدأ البحث عن حيلة جديدة لتأسيس منصة تحريض يستعيد بها أيام الثراء والثروة. وبينما هو غارق في أحلامه، أمسك أحدهم بكتفه، وقال له:

ــ "إيه رأيك؟ تعالى نستفيد بخبراتك وندعو لثورة جديدة في مصر، ونعمل صفحات وحسابات وبث مباشر يجيب فلوس، ده غير اللي ييجي من الحبايب".

قال: "فكرة رائعة.. ." لكنه استدرك قائلًا: "وإذا لم تحدث ثورة؟"

فأجابه رفيق الفشل:

ــ "وإيه يعني؟ نعلن عن ميعاد تاني، وأهي الحسابات والصفحة والقناة بيجيبوا فلوس ورزق الهبل على المجانين، وأكيد فيه اللي يدفع تاني.. .بس الشرط نور، الأرباح مناصفة!"

قد يسأل سائل عن اسم هذا "المناضل المنحوس".. .والإجابة: إنه ليس شخصًا واحدًا فقط، لكنه نموذج متكرر بين المرتزقة دعاة الفوضى والخراب والدمار. قد يتغير الاسم، وقد تتبدل الوجوه، لكن الحكاية تبقى واحدة.. .بائع وهم، يلهث خلف الأضواء، ينتهي دائمًا إلى حيث بدأ في مقهى الفشل، بين رفاق الخيبة.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: لم یکن

إقرأ أيضاً:

طبيب: البابا فرنسيس لم يتعافَ بعد لكنه لا يواجه خطر الموت

سرايا - قال سيرجيو ألفيري، أحد الأطباء المعالجين للبابا فرنسيس، الجمعة إن بابا الفاتيكان الذي يعالج في المستشفى من التهاب رئوي مزدوج لا يواجه خطر الموت لكنه لم يتعافَ بعد.

وأضاف ألفيري في مؤتمر صحفي "هل هو خارج منطقة الخطر؟ لا، ولكن إذا كان السؤال هل هو في خطر الموت، فإن الإجابة هي لا".





تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا


طباعة المشاهدات: 2285  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 21-02-2025 11:25 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
بسبب المخدرات .. أب يقتل طفله الرضيع حادث مروع .. قطار يدهس 6 أفيال ويخرج عن مساره حادث مرعب .. مراهق حقن نفسه ببقايا فراشة فلقى حتفه بالفيديو .. هدية غريبة من الرئيس الأرجنتيني لإيلون ماسك إغلاق الوكالة الأميركية في الأردن سيؤثر على 55 الف... أميركا .. بدء أول خطوة للانسحاب من الأمم المتحدة نتنياهو وكاتس يقتحمان منزلا فلسطينيا في طولكرم ترامب: فوجئت بعدم ترحيب الأردن بخطة غزة .. وسأكتفي... يساريون إسرائيليون يتظاهرون ضد المستوطنين بالضفة:... 284 أسيرا من ذوي الأحكام المؤبدة شملتهم المرحلة...القسام تسلم جثمان الأسيرة بيباس للصليب الأحمرضبط 10 أشخاص من جنسية عربية بعد مشاجرة جماعية في صويلحالشاباك يعتقل إسرائيليين يشتبه في تورطهما تفجير...أنباء عن قمة وشيكة لمطورين عقاريين بالبيت الأبيض...بالفيديو .. نجل نصر الله يخاطب من سيشاركون في...بالفيديو .. النابلسي: دعم الرئيس السوري "فرض...ترامب: فوجئت بعدم ترحيب الأردن بخطة غزة .. وسأكتفي...البيت الأبيض: زيلينسكي سيوقع قريبا اتفاقا بشأن... سيرين عبد النور تتعرّض لهجوم بسبب إطلالة جريئة بعيد... محمد رمضان ينافس في "رمضان" بجوانب إنسانية أزمة أصالة وطارق العريان تنتهي .. أشهر أغانيها... أحمد العوضي في فخ رامز جلال .. ما الحقيقة؟ تسريب ملف شاكيرا الطبي .. السلطات تتحرك! ميدالية برونزية للأردن في بطولة الدوري العالمي للكراتيه المنتخب الوطني لكرة السلة يفوز على نظيره السعودي "أبو السعود" يتأهل إلى نهائي كأس العالم للجمباز (جولة كوتبوس) رئيس نادي دوقرة: انتهاء مرحلة هامة من التقاضي أمام محكمة الكاس بنجاح انطلاق منافسات بطولة الأردن لبناء الأجسام بمشاركة 230 لاعبا ارتدى زيّاً نسائياً واختطف عمّته طمعاً بأموالها .. وهذا ما حصل! بالفيديو .. وسط ضحك الجميع شخص يطلق النار على نفسه بالخطأ قصة مأساوية .. نووي أوكرانيا حوله لوحش روسي وأميركية أنقذته بالفيديو .. صورة حسن نصر الله تشعل توترًا بمطار رفيق الحريري بسبب إطلاقه النار على "بطة" اصطادها .. إيطاليا تطلب ابن ترامب للتحقيق انتشال نحو 100 جثة من مقبرتين في ليبيا ودعوة أممية لمحاربة "الاتجار بالبشر" اكتشاف نفق تهريب مخدرات يمتد من المغرب إلى سبتة الإسبانية غضب ترامب من "بوينغ" يدفعه للتفكير في شراء طائرة مستعملة للرئاسة الحكم بالإعدام على 5 أشقاء في مصر .. تفاصيل مزاعم تكشف السبب الحقيقي وراء تدهور زواج تشارلز وديانا

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

مقالات مشابهة

  • نقابة الصحفيين السودانيين تحذر من تزايد حملات التحريض الخطيرة التي تستهدف الصحفيين والصحفيات عبر منصات التواصل الاجتماعي
  • فخ الثراء السريع.. منصة FBC «تلهف» 6 مليارات دولار من مليون شخص
  • إعلام إسرائيلي: نتنياهو قرر الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين لكنه تراجع لاحقا
  • هوغو بال والدادية: فن الفوضى أم فلسفة الحرية
  • الأنبار.. ضبط رجلين وامرأة يسرقون تبرعات مرضى الفشل الكلوي
  • ألفييري: البابا يستجيب للعلاج لكنه لم يخرج بعد من دائرة الخطر
  • طبيب: البابا فرنسيس لم يتعافَ بعد لكنه لا يواجه خطر الموت
  • حور محب.. القائد الذي أنقذ مصر من الفوضى وأعاد مجد الفراعنة| شاهد
  • الفوضى وأثرها على الأمم