عاد الخلاف بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والجمعية العامة لاتحاد رجال الأعمال والصناعات التركية "توسياد" (TÜSİAD) إلى الواجهة مجددا عقب انتقادات وجهتها الأخيرة للحكومة بسبب الوضع الاقتصادي والتحقيقات التي تجريها السلطات مع شخصيات سياسية معارضة.

وقبل أيام، قام أورهان توران رئيس "توسياد" وعمر آراس رئيس المجللس الاستشاري الأعلى في الجمعية التي تعتبر أقوى منظمة مجتمع مدني في عالم الأعمال التركي، بتوجيه انتقادات حادة إلى الحكومة بسبب سياساتها الاقتصادية وقرارات العزل بحق رؤساء بلدية منتخبين.



وقال تورات في كلمة له خلال اجتماع للجمعية، إنه "بموجب اللوائح القانونية الجديدة، أصبح من الممكن فصل الموظفين العموميين من قبل مجلس الرقابة الحكومي وتعيين أوصياء".
وأضاف توران أن "تأسيس منظمة لارتكاب الجرائم أصبح أسهل الآن من تأسيس شركة. ولا نهاية لجرائم قتل النساء وإساءة معاملة الأطفال"، معتبرا أن السبب وراء كل هذه المشاكل هو "فقدان الثقة في القانون".

وقال إنه على الرغم من دعمهم لبرنامج وزير المالية محمد شيمشك فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية، إلا "أننا لا نستطيع أن نقول إن كل شيء على ما يرام" في الاقتصاد.

من جهته، قال أراس إن أحداثا غير عادية تجري في الحياة السياسية في الآونة الأخيرة، مشيرا إلى أنه "يتم عزل رؤساء البلديات المنتخبين من مناصبهم، ويتم تعيين أمناء في أماكنهم. ويتم أولا فتح تحقيق مع زعيم حزب سياسي، ثم يتم اعتقاله لسبب مختلف".


وفيما يتعلق بالقضايا المرفوعة ضد رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو، قال أراس: "يتم فتح تحقيقات ضد رئيس بلدية كبرى بعد دقائق من المؤتمر الصحفي بسبب خطاباته".

في المقابل، شدد  أردوغان على رفضه الشديد للانتقادات التي وجهتها جمعية رجال الأعمال والصناعيين الأتراك للحكومة، مؤكدا أن تلك التصريحات الاستفزازية "تجاوزت حدودها".

وقال أردوغان مخاطبا الجمعية "ستعرفون حدكم في تركيا الجديدة"، مضيفا أن الجمعية التي كانت تسعى لتحديد السياسات في "تركيا القديمة" ستجد نفسها في مواجهة حكومة تُوسع النفوذ السياسي والاجتماعي لتركيا في المنطقة.

وأوضح أردوغان أن الديمقراطيات لا ترفض النقد إذا كان “بناء وحسن النية”، مشيراً إلى أن حكومات حزب العدالة والتنمية هي التي جعلت "تركيا الناطقة" واقعا.

وأكد أن الحكومة الحالية تعمل على محاربة التضخم وتكاليف المعيشة داخليا، كما تبذل جهودا كبيرة لمكافحة الإرهاب، وهو ما لا يتماشى مع توجهات جمعية "توسياد"، وفق تعبير أردوغان.

وشدد أردوغان على ضرورة أن تتعلم الجمعية "كيف تتصرف كجمعية أعمال"، مشيرا إلى مواقف الجمعية السابقة في العقود الماضية بالقول "هذه المواقف لا تزال في ذاكرتنا".

في غضون ذلك، تم فتح تحقيق مع كل من أراس توران، بعد تصريحاتهما التي انتقدت الحكومة. وبحسب المدعي العام في إسطنبول فقد تم توجيه تهم لهما بمحاولة "التأثير على المحاكمة العادلة" و"نشر معلومات كاذبة علنا"،

وأشارت صحف تركية إلى أنه تم الإفراج عن أراس وتوران بشروط، بما في ذلك منع سفرهما إلى الخارج مع فرض الرقابة القضائية عليهما.

وبهذه المواجهة، تشهد تركيا فصلا جديدا في التوتر المستمر بين أردوغان و"توسياد" التي لطالما وصفت بأنها "نادي الرؤساء" في تركيا.

من هي "توسياد"؟
تعتبر جمعية رجال الأعمال والصناعيين الأتراك "توسياد" أكبر منظمة تجارية في تركيا، وهي تمثل شبكة عملاقة من الشركات التي تلعب دورا محوريا في الاقتصاد التركي.

تأسست توسياد في عام 1971، وهي منظمة تطوعية مستقلة غير حكومية تهدف إلى تعزيز الرفاهية العامة من خلال مشاريع تركز على التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وجرى تأسيس الجمعية على يد 12 شخصا بينهم أكبر رجال الأعمال في تركيا مثل وهبي كوتش وصاقب سابانجي وعثمان بوينر.

تشير المعلومات الواردة من موقع توسياد الإلكتروني إلى أن الجمعية تضم ما يقرب من 4500 شركة، تمثل نحو 50% من الدخل الوطني غير العام في تركيا، و85% من التجارة الخارجية للبلاد.


بالإضافة إلى ذلك، يشكل أعضاؤها حوالي 50% من العمالة المسجلة باستثناء القطاعين العام والزراعة، وتساهم بنحو 80% من ضريبة الشركات المحصلة في تركيا.

وتقول توسياد إنها تدافع عن مبادئ الديمقراطية التشاركية واقتصاد السوق التنافسي، وتسعى لتحقيق الاستدامة البيئية والحفاظ على الحريات العالمية وحقوق الإنسان.

محطات من الصراع مع أردوغان
الصراع بين "توسياد" وأردوغان ليس جديدا، بل هو نتاج عدة توترات متراكمة بدأت منذ عام 2002 مع تولي حزب العدالة والتنمية السلطة، حيث ظهرت توترات حول قضايا عديدة، منها السياسة الاقتصادية والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي وحرية التعبير.

وبدأت الخلافات منذ ذلك الحين حول العديد من القضايا السياسية والاجتماعية، حيث كانت جمعية توسياد، المعروفة باسم "نادي الرؤساء" في مواجهة مباشرة مع الحكومة في مناسبات عدة.

وكان إركوت يوجاوغلو الرئيس السابق لتوسياد، وصف في تصريحات سابقة العلاقة مع الحكومة في تلك الفترة بأنها كانت "حجرا ساخنا".

وقال  "قد يكون لدى بعض رجال الأعمال مخاوف مثل ‘سنختلف مع الحكومة’. وهذا أمر يجب فهمه. لأن رؤساء توسياد يكشفون الحقائق في تركيا. في بعض الأحيان تزعج هذه الحقائق الحكومات، لكن قول الحقيقة لا ينبغي أن يسيء إلى أي شخص".

في عام 2012، وصلت الخلافات إلى ذروتها، عندما انتقد رئيس توسياد حينها، أوميت بوينر، الحكومة بعد مقتل 34 مدنيا في أولوديري، فضلا عن انفجار في أفيون أسفر عن مقتل 25 جنديا.

في هذا السياق، أعرب بوينر عن استياءه من غموض الحكومة بشأن هذه الحوادث، وشدد على ضرورة أن يتحمل المسؤولون عواقب أعمالهم، مشيرا إلى أن "المواطنين يريدون أن يفهموا ما حدث، وأن يعرفوا أسباب الانفجار في أفيون، وأن يعرفوا من المسؤول، وهم لا يريدون أن يظلوا صامتين".

في المقابل، رد أردوغان بحدة على هذه الانتقادات، حيث شدد على أن جمعية توسياد لا يحق لها أن تعطي دروسا في السياسة، قائلا "من له الحق في ذلك، وإلى أي مدى؟ لن يحدد أوميت بوينر مقياس ذلك. فليهتم بأموره الخاصة".

التوترات بين الطرفين استمرت، وفي عام 2013، ظهر الصراع مجددا بعد قضية الفساد التي هزت تركيا في 17 و25 ديسمبر من نفس العام. حيث انتقد محرم يلماز، رئيس توسياد آنذاك، الحكومة بسبب تداعيات هذه الفضائح.

وتسبب انتقاد يلماز في تصعيد حدة التصريحات من قبل أردوغان، الذي وصف تصريحات رئيس توسياد بأنها "خيانة"، قائلا إنه "في حال استخدم رئيس جمعية رجال الأعمال والصناعيين في تركيا هذه الجملة، فهي خيانة”.

بعد فترة قصيرة، قام يلماز بتقديم استقالته من منصبه، ما أضاف مزيدا من التوتر إلى العلاقات بين الحكومة والجمعية.

توسياد قبل أردوغان
شهدت "توسياد" أول تدخل سياسي لها بعد تأسيسها عام 1979 عندما بدأت بالضغط على حكومة بولنت أجاويد بعد خلافاتها معها.

استهدفت الجمعية الحكومة عن طريق نشر بيانات تطالب بالاستقالة، وتسببت في صنع أزمات اقتصادية، مما أسهم في الإطاحة بحكومة أجاويد، وهي أول حكومة يشكلها حزب الشعب الجمهوري بمفرده منذ فترة طويلة.

ومنذ ذلك الحين، برز توسياد كواحدة من أبرز وأهم الهيئات الاقتصادية في تركيا وبحسب الإعلامي التركي الراحل محمد جانبكلي، فإن توسياد "ليست مجرد جمعية عادية بل هي قوة اقتصادية قادرة على التأثير في الحكومات التركية بل إسقاطها عند الحاجة".

كيان موازٍ لـ"توسياد"
مع صعود تورغوت أوزال إلى رئاسة الحكومة التركية في الثمانينات، بدأت الشركات الأناضولية ذات التوجهات الإسلامية تنمو بشكل ملحوظ، ما دفع بعض رجال الأعمال إلى التفكير في إنشاء كيان اقتصادي منافس لتوسياد.

كان رجل الأعمال المعروف بانتمائه للتيار المحافظ، إرول يرار، أحد أهم الأشخاص الذي قادوا هذه المبادرة، حيث قام في عام 1990، بالتعاون مع رجال الأعمال المحافظين، بتأسيس جمعية الصناعيين ورجال الأعمال المستقلين "الموصياد".


وهدفت الجمعية إلى تمثيل مصالح رجال الأعمال الذين يرون في "توسياد" سيطرة غير مرغوب فيها من قوى معينة على الاقتصاد التركي.

تمكنت "موسياد" من جذب حوالي 2500 رجل أعمال، يمثلون أكثر من 7500 شركة يعمل بها حوالي مليوني عامل تركي. ورغم أنها كانت تفتقر إلى القوة المالية التي تتمتع بها "توسياد"، إلا أنها أصبحت قوة اقتصادية قوية تلعب دورا كبيرا في العديد من القطاعات مثل الصناعات التحويلية، والتعدين، والتجارة، والمقاولات.

وتلقت "موسياد" دعما قويا من رئيس الوزراء الراحل نجم الدين أربكان، الذي كان يسعى إلى دعم اقتصاد يعتمد على الاكتفاء الذاتي والتصدير، وأصبحت الجمعية تساهم بنسبة 18 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لتركيا، مع نشاط متزايد في 95 دولة حول العالم.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي اقتصاد تركي منوعات تركية أردوغان توسياد الاقتصادي اقتصاد أردوغان توسياد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة رجال الأعمال فی ترکیا إلى أن فی عام

إقرأ أيضاً:

بيان عاجل لنائب مطروح حول اتهام أحد رجال الأعمال لأهالي المحافظة بإعاقة الاستثمار

أكد رزق جالي عضو مجلس النواب، أن أبناء مطروح هم الذين حافظوا على الساحل الشمالي حتى غرب مطروح، وأضاف بقوله: «هم الذين سلموا أرض العلمين للدولة من أجل المصلحة العامة والقومية».

جاء ذلك خلال بيان عاجل، ألقاه النائب، أمام الجلسة العامة لمجلس النواب المنعقدة اليوم، برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالي، بشأن ما ذكره أحد رجال الأعمال، بأن أبناء مطروح يعوقون الاستثمار

وأشار إلى أن أبناء مطروح هم الذين تركوا منازلهم وبيوتهم وسلموا رأس الحكمة من أجل الاستثمار، قائلا: هم الذين وقفوا حراسا للبوابة الغربية خلف القوات المسلحة والجيش المصري في المنطقة التي لم يأت إليها سارق أو متسلل.

ورفض عضو مجلس النواب، ما ذكره رجل الأعمال، مشيرا إلى أن ما يدعيه يشكك من وطنية أبناء مطروح.

اقرأ أيضاًبدء الجلسة العامة لمجلس النواب لمناقشة قانون الإجراءات الجنائية

قانون العمل الجديد أمام النواب الأسبوع المقبل

مقالات مشابهة

  • برلماني ردا على أحد رجال الأعمال: أبناء مطروح داعمين للاستثمارات
  • حزب العدالة والتنمية التركي ينتخب مجددا أردوغان رئيسا له
  • بيان عاجل لنائب مطروح حول اتهام أحد رجال الأعمال لأهالي المحافظة بإعاقة الاستثمار
  • بنغازي تستضيف فعاليات المنتدى الاقتصادي الليبي الروسي
  • تركيا تلاحق منافس أردوغان المحتمل قضائياً
  • قناة «ON» تعرض الجزء الثاني من «المواجهة حق المعرفة» مع أكبر رجال الأعمال في مصر الليلة
  • قد تعود كورونا مجدداً.. ظهور فيروس جديد لدى الخفافيش في الصين
  • عاجل. نتنياهو: الجثة التي أُعيدت تعود لامرأة من غزة
  • الجيش الإسرائيلي: إحدى الجثث التي سلمتها حماس لا تعود لأي رهينة