الطريق نحو فلسفة شهر رمضان
تاريخ النشر: 23rd, February 2025 GMT
بدأت روحانيات شهر رمضان المبارك تحيط بنا في كل مكان، فلا حديث إلا حديثه ولا انتظار إلا انتظاره.. وهو شهر يستحق الانتظار، بل يستحق الشوق خاصة من الناس الذين يفهمون حقيقته وفلسفته العميقة.
وفلسفة شهر رمضان ليست فلسفة استهلاكية فهو ليس شهرا لبسط الموائد وكأن حاجة الإنسان للأكل تختلف خلال شهر رمضان، بل إن هذا المستوى من مستويات فلسفة الصوم يشير إلى عكس الاتجاه الاستهلاكي بحيث يعتدل الإنسان في الأكل حتى في مساءات رمضان.
وإذا كان رمضان مدرسة للتقشف من الناحية المادية فإنه مدرسة للإسراف من الناحية الروحانية وهذا التوجه وحده الذي يشعرنا بالروحانيات الحقيقية لشهر رمضان.
لم يعد الجوع موجودا في نهار رمضان مع توفر وسائل الراحة التي جلبتها تحولات الحياة التي نعيشها ولذلك فإن الجوع الذي يعلمنا إياه شهر رمضان لم يعد جوع الجسد، بل هو جوع الروح إلى النقاء والصفاء. ولا جدوى من أن يمسك الإنسان عن الطعام في نهار رمضان إن لم يُمسك عن الأحقاد! وما فائدة العطش إن لم ترتوِ النفس من ينابيع المغفرة؟ لذلك فإن علينا ونحن نقترب من شهر رمضان ومن أيامه التي نشتاق لها أن نستعد له روحانيا كما نستعد له ماديا عبر رحلات التسوق الكثيرة، وكما نسأل عن أسعار المنتجات التي نستهلكها في رمضان لا بد أن نسأل عن القيم والمبادئ والطقوس التي علينا استحضارها في رمضان لتتحول إلى سلوك حياتي بعد رمضان.. فإحدى أهم فلسفات رمضان أن يكون رياضة للقلب ليخفّ، وللعقل ليصفو، وللنفس لتتحرر من قيود المادية.
الأكل مطلب مهم وهو معين للإنسان على عبادته لكن لا يجب أن يتحول إلى تنافس وتفاخر وبذخ قد يوقع الإنسان في المحظور شرعا حينما يتحول الأمر برمته إلى مجرد إسراف وتبذير، فيما تغيب حقيقة الصيام وفلسفته.
وكما يتهيأ الناس في الأسواق هذه الأيام فإن الأوجب عليهم أن يستعدوا روحانيا لأيام عظيمة لا تأتي إلا مرة واحدة في العام وأعظم ما يتهيأ به الإنسان هو تطهير قلبه من الأحقاد ونشر التسامح والعفو والرحمة والتكافل.. وعلى الجميع أن يبحث في زوايا روحه عن نور كان خافتا لنعيد له توهجه؛ ففي توهج القلوب توهج للمجتمع وتوهج للحياة كلها.
ورمضان لا يأتي ليملأ موائدنا، بل ليملأ أرواحنا.. وهذا هو الطريق الوحيد الذي يوصلنا إلى فلسفة الصيام وإلى جوهر فلسفة الحياة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: شهر رمضان
إقرأ أيضاً:
أيقونةُ كلّ بني الإنسان.. تشييعٌ للبقاء
مصطفى عامر
لم يكن مشهدًا لتشييع سماحة السيد حسن، فحسب؛ بقدر ما كان مشهدًا لتعريف لبنان مجدّدًا، وكما ينبغي. بل: وتجديد العهد -حتى على مستوى أحرار العالم- بالاصطفاف إلى جوار القيم الإنسانيّة النبيلة.
بكل حياد، وبمنأى عن كُـلّ عاطفة، ينبغي الاعتراف بأن سماحة السيد حسن، وبإثبات مشهد التشييع، أكبر من أن تختزله طائفة، أَو تحتكره لبنان، أَو يُحسب رمزًا -فحسب- من رموز العرب، أَو باعتبَاره زعيمًا تاريخيًّا من زعماء المسلمين.
لقد أحبّه كُـلّ الأحرار في العالم، ومع الوقت فسوف يتم تداول اسمه كرمزٍ إنسانيٍّ متجاوزٍ لوضعه الطائفي، وانتمائه الدينيّ، وبلدته لبنان، ومحيطه العربي، وزعامته الرّوحيّة لدى كافة المسلمين.
ومثلما تحولت فلسطين إلى أيقونةٍ لكلّ بني الإنسان، في الطوفان هذا على الأخص، ورمزٍ لكل الأحرار الذين يرفضون هيمنة الطاغوت، ونهج الشيطان، وتسلط الغرب المستعمر البغيض، واليــهوديّ القذر، وشوفينيّة الاستكبار الجديد!
وفي بيروت، ذهب كُـلٌّ للاحتفاء برمزه الخاص، وتجديد العهد على ذات نهجه؛ ولأنّ سماحة السيّد، وصفيَّهُ بضعةٌ منه على نهجه، وكما أثبت تشييع اليوم: لم يكن رمزًا شيعيًّا فحسب، ولا إسلاميًّا فحسب، ولا لبنانيًّا فحسب، ولا عروبيًّا فحسب، ولكنه كان رمزًا متجاوزًا للمألوف، ويحبّه كُـلُّ النّاس وكأنّه قائدُهم وحدَهم!
لقد خَلَقَ لبنانَ متجاوزًا للمحاصصة؛ إذ بات رمزًا لكلّ الأحرار من كافّة طوائفها؛ ليبرز أن الطائفيين أعداؤه؛ ولأنهم لا يستطيعون حتى أن يظهروا إلى جواره، أَو أن يلتفت إليهم الناس -حتى- دون استغلال نظام المحاصصة، أَو في أغلب الأحيان، وإن تحرينا الدقة:
دون استغلال أحقاد “بعض” أبناء النفط، وعيال “الغاز”، ومخلفات عهد إنطوان لحد، وبشير الجميّل، وإفرازات التاريخ الخيانيّ العفن، والمعروف، والمُبرهن بالوقائع المثبتة على صفحات تاريخ لبنان الحديث.
من يزايدون بتجاوز “سقف الطائف”، إذن، هم الخاسر الأكبر بالفعل؛ ولأن حالة اليوم تتجاوز عمليًّا -وبالحب لا غيره- كُـلّ سقوف لبنان الحرب الأهلية وما تلاها!
ما حدث اليومَ استفتاءٌ أَيْـضًا على خيار المقاومة، رفضٌ بالتأكيد لمحاولات “تزييف لبنان”، وفي بيروتَ تحشّد لبنان الحقيقيّ لتشييعِ محبوب لبنان الحقيقيّ!
لتلقى في ساحة التشييع سُنّيًّا يعزِّيه أخوه الشيعيّ، يحتضنهما ثالثٌ مارونيٌّ، رابعٌ دُرزي! العمامةُ تلقاها والقلنسوة؛ القوميّ إلى جوارِ الشيوعيّ؛ والشيخ إلى جواره قسيس.
جميعُهم يهتفون: هيهاتَ منا الذلة، وجميعُهم يهتفون: إنّا على العهد، وجميعُهم يبكون محبوبهم، كُـلٌّ بعينه ومن زاويته.
لكنه كان لبنانَ بمجموعه جميلًا، حُرًّا، متحابًّا، عروبيًّا، مُقاومًا، قارئًا، ويعرف الفرق -بالتأكيد- بين الحقيقة التي ستُروى، وبين الزيف المبهرج المنحطّ المصطنع!
من يأبه بعدها بديما أَو نعيم، باللقيس أَو أليسا، بالـ mtv أَو الجزيرة أَو العربيّة الحدث، ما دامت كلها وجوهً للقناة الـ ١٤ العبرية، أَو من أفراخ الوحدة 8200!
على الأقل، وحتى لمن ينادون بتجاوز المحاصصة إلى الدولة، فلا وجه للقياس بين الجمهور والجمهور؛ ولا أحد يستطيع منافسة سماحته شهيدًا على أية مكانة، كما كان لا يستطيع -تمامًا وبالضبط- منافسته بيننا على أي مكان.
ليس في لبنان فحسب، ولكن في كُـلّ ديار العرب الأقحاح!
ليكشف الميدان، وبالفعل، أن العملية تحتاجُ -كي تستحوذَ على القلوب والعقول- جهدًا أكبر من تفريخ النشطاء واستنساخ المذيعين، وشراء تردّدات النايلسات، أَو تخليق الذباب على منصات التواصل!
إن الناس دائمًا أذكى من هذا، وأصعبُ مراسًا، ويعرفون التمييزَ بين الجيد والرديء، بين الحقيقة والزيف، بين النقيّ والمخلوط عمالةً لأعداء الأمة، بين الرجل الحقّ وبين أشباه الرجال، وأتراب البغال، وقيعان النعال، وأحفاد النغال، بين الذين يشبهون سحنة الأرض وعنفوان الجبل، وبين أُولئك الذين لا يشبهوننا، ولا يشبهون لبنان، ولا يشبهون تاريخَ العرب، ولا يشبهون حتى أبناء الإنسان.
من يملك الحد الأدنى من الأخلاق المتعارَف عليها بين كافة بني البشر، إلى الآن ومنذ آدم الطّيب النّقي المؤمن الأول!