النفوذ .. صراع ملتبس بالعقيدة
تاريخ النشر: 23rd, February 2025 GMT
قبل أن ندخل في متون الصراعات؛ وما أكثرها؛ لعلنا لا نحتاج كثيرًا من الجهد في التعريف بكلا الكلمتين الواردتين في العنوان (النفوذ/ العقيدة) وذلك لكثرة معايشتهما على الواقع، سواء معايشة لفظية، أو معايشة عملية -كممارسة وتنفيذ- ففلان «متنفذ» يحضر المعنى بكل دلالاته المعرفية والعملية، حيث لا غيره من يقرر، ويأمر، وينهى، أكانت هذه الممارسات متوافقة مع المنطق، أو مقبولة أو غير مقبولة؛ أو متصادمة مع العقيدة، حيث تتجاوز كل ذلك وتبقى حقيقة أن المتنفذ يمتلك مصائر من دونه، وعندما يشار إلى أن فلان ذو عقيدة؛ فإن المعنى يذهب إلى أن فلانا ذو موقف، أو قناعة، أو مبدأ، أو قيمة، وغالبا ما يذهب مفهوم العقيدة إلى كثير من العدالة، ومن السمو، ومن الحياد، وهذه كلها تنضم تحت عباءة الدين الصحيح، ومن يتبنى العقيدة يكون الأقرب إلى الرضا، وإلى القبول، بعكس من يتبنى النفوذ، ومن هنا تأتي نشأة الصراع بين الطرفين، طرف يسعى إلى تحقيق ذاته «نفوذ» بكل الوسائل والطرق الفضيلة منها والرذيلة، وطرف يسعى إلى تحقيق المجموع «عقيدة» بالطرق التي يقرها الدين والقانون، والمثل العليا، وهل كلاهما ينطلق من ممارسة مطلقة؟ أتصور الأول نعم؛ أما الثاني فلا، فهو يستند إلى كثير من القيم الضابطة لممارسته لفعل ما فهو لا ينطلق من ذاته الفردية، حتى ولو كانت عقيدة باطلة في الفهم الاجتماعي، أو الديني، ولذا يرجح - في الفهم العام - أن خواتيم الصراعات تكون غالبًا في صالح من يتبنى العقيدة، وليس من يتبنى النفوذ، ولذلك من المهم جدًا أن يكون من ذي العقيدة أن تكون عقيدته صافية؛ ويشار هنا إلى ارتباطها بالله عز وجل حتى يكتب لمن يتبناها النجاح والتفوق في أي صراع تدور رحاه بين طرفين، أما إذا تساوى طرفا الصراع في المسألة العقدية من حيث التشويش أو عدم النقاء، ووقع كلاهما في مأزق معززات النفوذ، فإن خواتيم الصراع، غالبا ما تكون في صالح من يمتلك معززات النفوذ، وهي المسنودة غالبًا بالقوة المادية، بكافة أشكالها وأنواعها، وهذا ما نراه في كثير من الصراعات القائمة بين أي طرفين، وما نراه كذلك بين أي طرفين يستند أحدهما إلى النفوذ، وآخر إلى العقيدة، وإن كان هذا الأخير محدودًا، لشيوع النفوذ على مستوى العالم، وتراجع العقيدة لظروف مختلفة، مع التأكيد أن مفهوم العقيدة غير خال من أي صراع قائم أو يقوم، بغض النظر إن كانت بعض العقائد فاسدة أو صالحة، فالحقيقة ألا صراع قائم دون أن تتخلله ثيمة العقيدة كمرتكز مهم لجذوة الصراع واستمراره، وإيجاد مبررات حدوثه.
السؤال هنا أيضا؛ لماذا تشيع كلمة نفوذ في الذاكرة الاجتماعية أكثر منها كلمة عقيدة؛ مع أن العقيدة تتغذى بها الأنفس منذ البدايات الأولى لعمر التنشئة كتوجيه، وتعليم، وتغذية مستمرة، ومع ذلك لا يكون لها ذلك الوقع المؤثر لكي يكون لها فضل قيادة كل سلوكيات الإنسان التي يقوم بها، بخلاف الفهم الواعي للنفوذ والذي يمارسه حتى الطفل في عمر الزهور عندما ينازع القريب والبعيد على ألعابه، وقد يتجاوز في هذا النزاع إلى أن يستحوذ على ألعاب غيره من الأطفال؟ هنا تتجلى النزعة الذاتية لمفهوم الصراع الذي نتحدث عنه، فالصراع بين الطرفين له جذر ممتدة تعكسه الفطرة الإنسانية في كل مراحل نمو الإنسان، فهي نزعة ذاتية أكثر منها مادية أو تحتاج إلى تعليم وتوجيه لسلوك النفوذ إطلاقا بخلاف العقيدة التي تحتاج إلى كثير من الجهد حتى تتبناها النفس، وتؤمن بأهميتها، مع أن انعكاس نتائجها على أرض الواقع أكثر أثرًا من النتائج المترتبة على ممارسات النفوذ، ولذلك يظل شيوع النفوذ قائمًا وبصورة متوهجة ومستمرة، فوق أن هناك فكرًا متموضعًا يعي تمامًا أن الحضور القوي للعقيدة سوف يفسد الكثير من مشروعات النفوذ التي يراد لها أن تنتعش، وتستمر لتلبي رغبات الذات، فالمعروف عن العقيدة أنها لا تظل على طول الخط متصالحة مع الذات إطلاقا، فالعقيدة تتصادم مع رغبات الذات في كثير من المواقف، وبالتالي فتصالحها مع الذات سوف يؤدي إلى خلل بنيوي في العلاقة مع رب العباد الذي يريد من العباد أن يكونوا على قدر كبير من الإيمان والصدق، والعفة، والتعاون، وهذا ما لا يتحقق في مشروعات النفوذ، والتي لا يؤمن أصحابها إلا بتحقق النصر، ولو أدى ذلك على الإضرار ببنية الحياة العامة للناس، والقتل والتشريد، وشيوع الفوضى.
تقتات الحياة -منذ نشأتها الأولى- على صراعين متضادين في المعنى، ومتوافقين إلى حد ما في النتائج، لأن النتائج في نهاية الأمر تظهر فريقين يصرع أحدهما الآخر، لتستمر ذات الحياة، وإن اختلفت الصور الماثلة فيها انعكاسا للنتائج المترتبة من أي صراع حدث في فترة زمنية من الحياة، وبوجود شخوص كان وجودهم في ذات الفترة الزمنية لذات الفترة، ينتمي فريق منهم إلى حاضنة النفوذ، وينتمي الآخر إلى حاضنة العقيدة، ولأن العقيدة أمر ذاتي أكثر منه مادي، فإن النفوذ يطغى في المساحة الأفقية للوعي الجمعي، ويظل أقرب للفهم، وللتطبيق، وللقياس عليه في مآلات النتائج بين أي صراعين يحتدمان بين أي فريقين، مع أن العقيدة أأكد في ترسيخ القناعة بمآلات نتائج الصراعات، إلا أنها تحتاج إلى أرضية معرفية أعمق، ولذلك فليس من اليسير أن يستوعبها الإنسان البسيط العادي، ويتخذها منهجا في حياته كلها، يجابه من خلالها مشروعات النفوذ، ومن هنا يواجه الفهم العقائدي الكثير من التحديات، ويتعرض لكثير من المثالب من قبل الأفراد الذين يؤمنون بالمحسوس أكثر منه بغير المحسوس، وهذه إشكالية موضوعية في العلاقة بين النفوذ والعقيدة، مع حرص الكثير من القوى -وخاصة الاستعمارية- إلى إزالة مفهوم العقيدة، أو تنحيته جانبًا حتى يتحقق لها ما تريد، حيث إنها تدرك أن مسألة العقيدة في جوهر الإيمان عند الفرد، تجعله لا يستجيب إطلاقا لمشروعاتها المؤلمة التي تأتي على الحرث والنسل، ولذلك تحرص هذه القوى المتسلطة على إضعاف الجانب العقدي عند الفرد في مناطق الصراعات القائمة بين النفوذ والعقيدة (الشر/ الخير).
تظل حقيقة الصراع بين النفوذ والعقيدة ماثلة ليس فقط بين المجموعات وفق تصنيفات معينة: سياسية، اقتصادية، ثقافية، دينية، لا؛ إطلاقًا بل قد يتبناها حتى الأفراد في مستويات العلاقات بينهم، وذلك انطلاقا من ذات الفكرة (النفوذ/ العقيدة)، حيث يطغى المقياس المادي على كثير من حقيقة العلاقات القائمة بين الناس، ولعل في أبيات الإمام الشافعي -رحمة الله عليه- ما يؤكد هذه الحقيقة: رأيت الناس قد مالوا؛ إلى من عندها مال ومن لا عنده مال، فعنه الناس قد مالوا. رأيت الناس قد ذهبوا، إلى من عنده ذهب ومن لا عنده ذهب، فعنه الناس قد ذهبوا رأيت الناس منفضة، إلى من عنده فضة ومن لا عنده فضة، فعنه الناس منفضة، حيث يأتي التقييم المادي أولوية قصوى في تحييد العلاقة مع الآخر، ولذلك ففي كثير من المواقف لا يشار إلى أهمية العقيدة كمحدد مهم في تعزيز العلاقات بين الأطراف، إلا في حالات استثنائية؛ ويذكر ذلك على استحياء، وكأن العقيدة هي حالة ثانوية، وليست مرتكزًا مهمًا في حياة الناس، وأشير هنا إلى موقف واحد من كثير من المواقف التي جاءت في النص الكريم في القرآن الكريم، حيث يقول الله تعالى: (وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم) -البقرة (247)-.
تأتي كلمة «ملتبس» في العنوان لتؤكد دلالة أن أي صراع قائم بين أي طرفين، لا يمكن ألا تتوغله ثيمة العقيدة، سواء أكانت عقيدة دينية صحيحة؛ أو غير صحيحة، أو عقائد كثيرة استحدثها الإنسان لتلبية مشروعات النفوذ عنده، ويدافع عنها بكل ما أوتي من قوة.
أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفـي عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من یتبنى الناس قد کثیر من أی صراع بین أی
إقرأ أيضاً:
أمل عرفة بين السبع والمواجهة مع أمل الدباس في رمضان
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- تخوض الفنانة السورية أمل عرفة مواجهة كوميدية مع الفنانة الأردنية أمل الدباس، في مسلسل "يا أنا يا هي"، المرتقب عرضه في موسم دراما رمضان 2025، وذلك إلى جانب مشاركتها في بطولة المسلسل السوري "السبع".
وتدور أحداث المسلسل المكون من 15 حلقة، حول "سوزان: أمل الدباس" التي تفقد ذاكرتها بفعل حادث تتعرض له، ما يجعلها ضحية لاستغلال "نادية: أمل عرفة"، في صراع كوميدي بين النجمتين حول منزل في دمشق.
والمسلسل من تأليف وإخراج فادي وفائي، وسيناريو وحوار إيناس سعيد، ويشارك فيه: عبدالمنعم عمايري، ووائل زيدان، ووفاء موصللي، وعاصم حواط، وممثلون كثر آخرون.
View this post on InstagramA post shared by Roya Comedy (@royacomedy)
كما تخوض النجمة السورية أمل عرفة منافسات موسم دراما رمضان 2025، من خلال المسلسل السوري "السبع"، الذي تشارك في بطولته إلى جانب باسم ياخور، وعبدالمنعم عمايري والممثلة الجزائرية أمل بوشوشة، ويضم المسلسل على قائمة أبطاله ممثلون كثر آخرون.
والمسلسل من إخراج فادي سليم، وشارك في تأليفه مع الكاتب سيف رضا حامد، ويتناول العمل حياة الغجز، من خلال صراع بين عائلتين على النفوذ، يشهد منعطفات كبيرة: حيث "لا يعرف فيها الجبروت حدًا، ولا الانتقام يصل نهاية، ولا حتى الحب يمنع كرهًا".