لا يمكن للنساء أن يجتمعن اليوم دون أن يشغل الحديث عن «الجسد» حيزا من اهتمامهن، وكأنّ هنالك ما يجعلنا غير مُبتهجين بجلودنا الأصلية! أو كأنّ الجسد بضاعة ينبغي ألا تتقادم وإلا سترجم بنشازها عن الجوقة. إذ لم تعد وظيفة الجسد قاصرة على الاتصال وتمرير الدفء والتضامن، وإنّما «مكانٌ لإعادة ترتيب الهوية»، هذا ما يشير إليه دافـيد لوبروتون فـي كتابه المهم «أنثروبولوجيا الجسد والحداثة»، ت: محمد الحاج سالم، صفحة٧، والذي سأعرج على بعض أفكاره اللافتة.
فمع تعاظم النزعة الفردية، وفـي ظل تآكل المرجعيات والقيم، يقف الإنسان اليوم لينظر إلى الجسد الذي يدلـله المجتمع الاستهلاكي، بتلك الطريقة التي نظر بها من قبل لتمثال مثالي، بحثا عن جسد متخيل.
لقد تغيرت علاقتنا بمعنى الجسد، فبتنا مقيدين بأثقال اجتماعية تروجها وسائل التواصل الاجتماعي، بشكل مُرعب ومحموم لمواكبة شرط العصر المضطرب.. كمال الأجسام، الحميات الغذائية، الفـيتامينات، مستحضرات التجميل، التجميل، وتغيير الجنس.. حيث يغدو جسدنا - فـي فوضى هذا العالم العصي عن الإدراك - وسيلتنا لإيجاد تعريف وهوية لأنفسنا.
فالجسد مُنغرسٌ فـي أعماق هوية الإنسان، «ولولا الجسد الذي يعطينا وجها لما كان لنا أن نوجد، فما عيش الإنسان سوى اختزال لهذا العالم من خلال ما تُضيفه أجسادنا عليه من رمزيات».
نُشاهد فـي اليوم الواحد على شاشة الهاتف وجوها ومنتجات وطرقا، كلها تُغذي نظرة واحدة: أن نبقى شبابا. أن تخلد صورتنا وأن يُمجد الجمال كما تقترحه وسائل الإعلام الحديثة، لا كما نبدو على حقيقتنا، فلم يعد الجسد علامة الفرد الذي يمنح العمق والحساسية، «فكلما تمركز الإنسان على نفسه زادت أهمية جسده حد الاستحواذ عليه».
فهذا الجسد يدخل ماراثون سباق غير منقطع - ولقد لاحظنا العديد من النساء لا يستطعن التنحي عن صهوة جياده الراكضة - فطغيان لذة المظهر عمل غير مُنتهٍ، مسألة تتعقد أكثر فأكثر عندما يُقاس عليها الرضا عن الذات أو الشعور بتحققها.
الجسد أفضل الطرق لفهم الحاضر، لفهم اللغز المُتجذر والعميق - وإن بدا لنا بديهيا- طبعا الجسد ليس باعتباره الشخص وإنّما «النسيج الرمزي»، فالظروف الاجتماعية والثقافـية هي التي تولد تصوراتنا بشأنه، لكنها أيضا تصورات تشوبها الضبابية.
لم يعد «الجسد» هوية ثابتة، لقد أصبح جزءا من دلالة اجتماعية شاسعة، وعليه سيُحجبُ الجسدُ الذي لا يتمكن من التكيف. فبعد أن كان الجسد مادتنا الأولية فـي علاقتنا بالعالم، أضحى اليوم مجرد اقتراح يمكن صقله بوسائل السوق المتجددة.
بل إن التقنيات الطبية انزلقت هي الأخرى -على حد تعبير لوبروتون- نحو التجميل على نحو مرعب. فالأمر لم يعد يتعلق بتثمين رضانا عن أجسادنا بل عن إمكانية تعديلها بصورة مستمرة. العصر الآن يتعامل مع الجسد باعتباره «أنا» أخرى جالبة لخيبة الأمل ما لم تُعدل طوال الوقت!
المفارقة التي يُشير لها لوبروتون بذكاء هي ظن الإنسان أنّه يعيش تحررا من صورة جسده الذي لا يحبه غير أنّه فـي حقيقة الأمر يُكابد تبعية مضنية ولاهثة لمعايير السوق الغامضة.
فلغة السوق الجديدة، تجعلنا نخجل من أجسادنا تلك التي بقيت على سجيتها، أمام طوفان صناعة كاملة للجسد. والنساء على وجه الخصوص يشعرن بأنّهن غير جديرات بالعيش ما دمن لا يواكبن التحولات، وبالتالي لا يحظين بالقبول!
وعلى سبيل المثال، لم يعد للبدينات مكان فـي عالم الإنسانية أمام الأجساد المنحوتة والمُعدلة بالكامل التي تُمطرها علينا وسائل الإعلام والسينما والبرامج، «فالبدينة لا تنحرفُ عن معايير الجاذبية وحسب وإنّما عن الأخلاقيات التي تجعلها مسؤولة عما آل إليه جسدها»، ولذا فهي تتعرض للوم وربما الازدراء!
إنّها المطاردة اللئيمة والمستمرة لتجميد جلودنا، رفضا لسطوة الزمن الذي يعبر فوقها دون رحمة. وكأنّ التجاعيد والبثور والاحمرار والنُدب والدهون هي دنس العصر الجديد. وكل واحدة منا مُهددة الآن«بالموت الرمزي».
لكن ماذا عن بصمتنا، ماذا عن فرادتنا وعلاماتنا؟ لماذا يتم تسخيف كل ذلك.. إنّنا حقا نكابدُ امحاء الجواني العميق فـينا فـي سبيل الخارجي الهش والمتداعي لا محالة!
هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية:
لم یعد
إقرأ أيضاً:
الدعاء الذي لا يرد في رمضان
الدعاء الذي لا يرد في رمضان، ادعية رمضانية مستجابة، أدعية ليلة القدر، هذا كل ما سنتناوله في هذا المقال وفي شهر رمضان المبارك:

الدعاء الذي لا يرد في رمضان يارب انقطع الرجاء إلا منك وسدت الطرق إلا إليك، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، ليس لنا رب سواك، نحن أهل لعذابك ولكنك أهل للتقوى والمغفرة. يارب لاعذر لنا فنعتذر ولا حجة لنا فننتصر ولكنا جئنا ببابك مساكين متذللين متوسلين بصيامنا لإرضائك ومنتظرين لفرحتنا عند الفطر بالمغفرة والرحمة. نسألك ياغفور يارحيم بحق قولك الكريم "إن رحمتي سبقت غضبي" أن تسبقنا بالعفو و بدأت كتابك الكريم ببسم الله الرحمن الرحيم فابدأنا اليوم بالمغفرة والتوبة، قلت وقولك الحق "أنا عند حسن ظن عبدي بي" ولانظن بك إلا خيراً سترحمنا وتغفر لنا يارحيم وتتوب علينا وتوسع أرزاقنا وتهدي أبنائنا وتكتبنا من أهل الجنة، نتوسل إليك بقولك "وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى". يارب جئناك في رمضان فلا تردنا خائبين وامنحنا هذه الساعة للتوبة والمغفرة واجعلنا ممن تحبهم من التوابين.
اللهم أنت ربنا لا إله إلا أنت خلقتنا ونحن عبادك ونحن على عهدك ووعدك ما استطعنا نعوذ بك من شر ما صنعنا نبوء لك بنعمك علينا ونبوء بذنوبنا فاغفر لنا فإنه لايغفر الذنوب إلا أنت آمين يا رب. أدعية رمضانية مستجابة اللهم إنا نسألك باسمك العظيم الأعظم، الذي إذا دعيت به أجبت، وإذا سئلت به أعطيت، وبأسمائك الحسنى كلها ما علمنا منها وما لم نعلم، أن تستجيب لنا دعواتنا، وتحقق رغباتنا، وتقضي حوائجنا، وتفرج كروبنا، وتغفر ذنوبنا، وتستر عيوبنا، وتتوب علينا، وتعافينا وتعفو عنا، وتصلح أهلينا وذريتنا، وترحمنا برحمتك الواسعة، رحمة تغنينا بها عن رحمة من سواك. اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك. اللهم إني أسالك يا ألله بأنك الواحد الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، أن تغفر لي ذنوبي، إنك أنت الغفور الرحيم. اللهم إني أسالك أن ترفع ذِكري، وتضع وزري، وتُصلح أمري، وتغفر لي ذنبي. اللهم إني أسالك إيماناً لا يرتد، ونعيماً لا ينفد، ومرافقة محمد (صلى الله عليه وسلم) في أعلى جنة الخلد. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين. اللهم توفنا مسلمين، وأحينا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين. اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارض عنا. اللهم أقل عثراتنا، واغفر زلاتنا، وكفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار، يا عزيز يا غفار. اللهم عافني في روحي وفي جسدي، وفي قلبي وفي بدني، وفي صحتي وفي قوتي، وعافني في دنياي وآخرتي. اللهم إني أعوذ بك من عقوق الأبناء، ومن قطيعة الأقرباء، ومن جفوة الأحياء، ومن تغير الأصدقاء. اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع، ومن دعاء لا يسمع، ومن نفس لا تشبع، ومن علم لا ينفع، اللهم إني أعوذ بك من هؤلاء الأربع. أدعية ليلة
القدر اللهم اعتق رقابنا من النار وادخلنا الجنة مع الأبرار. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا. أدعية ليلة القدر، اللهم بلغنا ليلة القدر واجعلنا فيها من عتقائك من النار. اللهم تقبّل صيامنا، وقيامنا، وصلاتنا، ودعاءنا، وسائر أعمالنا، وبلّغنا برحمتك ليلة القدر، يا أرحم الراحمين اللّهم اجعلنا في هذه الليالي من الذين نظرت إليهم وغفرت لهم ورضيت عنهم، اللّهم اجعلنا في هذه الليالي من الذين تُسلّم عليهم الملائكة، يارب تقبل منا وعلى طاعتك أعنّا وأكرمنا ولا تهنّا. أدعية ليلة القدر، ربي إني استودعتك أدعية فاض بها قلبي فاستجبها لي يا كريم. اللهم ما أخشاه أن يكون صعباً هوّنه وما أخشاه أن يكون عسيراً يسّره وما أخشاه أن يكون شراً اجعل لي فيه خيراً ولا تجعلني أخشى سواك. أدعية ليلة القدر، اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت. اللهم أحسن ختامنا وارزقنا من حلالك واحمنا من طريق الشر والحرام، اللهم لطفك وعفوك بمرضى كورونا إنك أنت الشافي المعافي رب المعجزات القادر على إحياء العظام وهي رميم. أدعية ليلة القدر، اللهم لا تصرفني من هذه الليلة إلا بذنب مغفور وسعي مشكور وعمل متقبل مبرور وتجارة لن تبور وشفاء لما في الصدور وتوبة خالصة لوجهك الكريم. ربنا لك الحمد، ملء السماوات والأرض وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَد منك الجد. اللهم إن كانت هذه ليلة القدر فاقسم لنا فيها خير ما قسمت، واختم لنا في قضائك خير ما ختمت، واختم لنا بالسعادة فيمن ختمت.
أدعية رمضانية مختارة لقراء «موقع البوابة»
دعاء تجديد نية صيام رمضان
كلمات دالة:دعاءأدعيةأذكاررمضان

© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)

نادين طاهر مُحررة قسم صحة وجمال
انضمّتْ إلى فريق "بوابة الشرق الأوسط" عام 2013 كمُحررة قي قسم صحة وجمال بعدَ أن عَملت مُسبقًا كمحُررة في "شركة مكتوب - ياهو". وكان لطاقتها الإيجابية الأثر الأكبر في إثراء الموقع بمحتوى هادف يخدم أسلوب الحياة المتطورة في كل المجالات التي تخص العائلة بشكلٍ عام، والمرأة بشكل خاص، وتعكس مقالاتها نمطاً صحياً من نوع آخر وحياة أكثر إيجابية.
الأحدثترند

رداً على المجازر بحق المدنيين..القسام تتبنى قصف عسقلان

الإمارات تتعهد باستثمار 1.4 ترليون دولار في أمريكا

نتنياهو يتحدث عن الحرب الأهلية بعد تجميد قراره بإقالة رئيس الشاباك

خرقوا الجدار وخطفوا الحراس.. فرار نزلاء من سجن ريف حلب

إعلام إسرائيلي: خطة لتفكيك الضفة والسلطة عبر " الإدارة ذاتية" والبداية من الخليل Loading content ... الاشتراك اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن إشترك الآن

Arabic Footer Menu عن البوابة أعلن معنا اشترك معنا حل مشكلة فنية الشكاوى والتصحيحات تواصل معنا شروط الاستخدام تلقيمات (RSS) Social media links FB Linkedin Twitter YouTube
اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اشترك الآن
© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com) Arabic social media links FB Linkedin Twitter