رأيت رؤساء يصطدمون بالصحافة.. وما أراه الآن مختلفا
تاريخ النشر: 23rd, February 2025 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
يتصارع الرئيس ترامب مع وكالة أسوشييتد بريس بسبب مرسومه الصادر بتسمية الممر المائي القائم بين فلوريدا والمكسيك بـ«خليج أمريكا». وقد لا يبدو هذا أكثر من محض شجار من شجارات واشنطن المعتادة التي طالما كانت من سمات الصحافة والرئاسة، وبلغ أقصاه بسبب الدلالات اللغوية، لكن الأمر أكبر من ذلك، وأبعد دلالة أيضا.
أقول هذا بوصفي مراسلا سابقا وقديما في البيت الأبيض، بدأت عملي هناك بتغطية رئاسة جيمي كارتر لصالح وكالة أسوشييتد بريس. وبصفتي كبير مراسلي الوكالة في البيت الأبيض خلال معظم فترة ولاية رونالد ريجان الأولى، كنت أدخل المكتب البيضاوي وأخرج منه بصفة شبه يومية، وأسافر بانتظام على متن الطائرة الرئاسية. وفي وقت لاحق، بصفتي مراسلا لصحيفة لوس أنجلوس تايمز، قمت بتغطية البيت الأبيض خلال فترة ولاية الرئيس ريجان الثانية ورئاسات جورج بوش الأب وبيل كلينتون وجورج دبليو بوش.
نشأ هذا النزاع ـ الذي يصعب أن يوصف بالنزاع العادي ـ قبل أسبوعين تقريبا إثر منع مراسل وكالة أسوشييتد بريس من حضور فعالية في المكتب البيضاوي بسبب استمرار مؤسسته الإخبارية في الإشارة إلى خليج المكسيك باسمه القديم. وبعد ثلاثة أيام، قال مسؤول في البيت الأبيض إن الإدارة سوف تمنع مراسلي وكالة أسوشييتد بريس من دخول المكتب البيضاوي والطائرة الرئاسية، ولكنها ستبقي أوراق اعتمادهم في مجمع البيت الأبيض. وتدخل ترامب يوم الثلاثاء قائلا «إننا سوف نمنعهم من الدخول إلى أن يأتي الوقت الذي يوافقون فيه على أنه خليج أمريكا».
وقد وجهت عشرات المؤسسات الإخبارية الكبرى، ومنها صحيفة نيويورك تايمز ومنصات محافظة من قبل فوكس نيوز ونيوزماكس، الدعوة إلى البيت الأبيض يوم الاثنين لرفع الحظر المفروض على وكالة أسوشييتد بريس، ولكن دون جدوى. فرفعت وكالة أسوشييتد بريس، في يوم الجمعة، دعوى قضائية ضد مسؤولين كبار في البيت الأبيض، متهمة إياهم بانتهاك التعديلين الأول والخامس من خلال حرمان مراسليها من حرية الوصول.
يأتي هذه الهجوم على وكالة الأنباء ليبرز رفض الإدارة الأمريكية احترام التعديل الأول، إذ يحاول مساعدو الرئيس والرئيس نفسه فرض اللغة التي يستخدمها مراسلو الأخبار ـ تماما كما يفعل الطغاة الذين تخيلهم جورج أورويل. ويتجسد في هذا هجوم أوسع نطاقا من البيت الأبيض على حق الشعب في المعرفة.
في أول أسابيع الإدارة، أمر بريندان كار، رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية الجديد في إدارة ترامب، وكالته بإجراء تحقيق في نشاط (آيه بي سي) و(سي بي إس) و(إن بي سي) و(إذاعة أمريكا الوطنية) وطردت وزارة الدفاع منافذ إعلامية رئيسية مثل صحيفة نيويورك تايمز و(إن بي سي نيوز) و(إذاعة أمريكا الوطنية) من أماكن عملها في البنتاجون لتتيحها لمنابر إعلامية المحافظة. بدأ الضغط يأخذ ملامح تاريخية مرعبة. وطالما سعى الطغاة والقادة المستبدون بعامة إلى السيطرة على الدور الحاسم الذي تلعبه وسائل الإعلام الجماهيرية في تشكيل الخطاب العام. ومن هذه الزاوية، لا يمكن أن يوجد هدف للبيت الأبيض أفضل من وكالة أسوشييتد بريس، فهي واحدة من أكبر المنظمات الإخبارية العالمية. وهي تبعث الأخبار والصور إلى الصحف والإذاعات والمواقع الإلكترونية في جميع أنحاء العالم، دون أي هدف أو توجه سياسي.
منذ نشأتها في عام 1846، تحافظ وكالة أسوشييتد بريس على معايير صارمة في النزاهة والعمل الصحفي المستند إلى الحقائق، ساعية إلى إخلاء موادها من أي تحيز أو أجندات سياسية. وأوضحت بعناية أنها سوف تستخدم في تقاريرها تسمية «خليج المكسيك»، وفقا للمعروف منذ أكثر من أربعمائة عام، مع إشارة في أخبارها إلى أن الرئس ترامب يستخدم تسمية «خليج أمريكا»- لأنه لا سلطة لقراره بتغيير الاسم إلا في الولايات المتحدة فقط، والوكالة تخدم المنابر الإخبارية والقراء في جميع أنحاء العالم. وقالت وكالة أسوشييتد بريس إنها ستقوم بتحديث هذا التوجيه في كتابها الأسلوبي المؤثر الذي يعد مرجعا للكتابة والتحرير مستعملا على نطاق واسع في غرف الأخبار في جميع أنحاء العالم.
وقد أصدر الرئيس ترامب أمرا آخر بإعادة تسمية جبل في ألاسكا ـ كان الرئيس باراك أوباما قد أطلق عليه اسم دينالي ـ بـ«جبل ماكينلي». وقبلت وكالة أسوشييتد بريس هذا التغيير لأن القمة تقع بالكامل داخل الأراضي الأمريكية، وقالت إن تغيير الاسم يقع ضمن سلطة الرئيس).
يحتمل أن يكون تأثير هذا الهجوم على وكالة الأنباء ضخما، يتجاوز كثيرا مسألة تحديد اسم مسطح مائي. فإذا نجح هذا التأثير، من الممكن أن تشكل النتيجة لغة جميع وسائل الإعلام الإخبارية.
قال تايلور بودويتش نائب رئيس موظفي البيت الأبيض لوكالة أكسيوس إن «الأمر يتعلق بتسليح وكالة أسوشييتد بريس للغة من خلال كتابها الأسلوبي لترويج رؤية حزبية تتناقض مع المعتقدات التقليدية والراسخة للعديد من الأمريكيين والعديد من الناس في جميع أنحاء العالم».
وقالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، كارولين ليفات، في الثاني عشر من فبراير إن «تغطية أخبار البيت الأبيض امتياز» وإنه «ليس لأحد الحق في دخول المكتب البيضاوي وطرح أسئلة على رئيس الولايات المتحدة، إلا بدعوة».
وقالت في مؤتمر البيت الأبيض الصحفي اليومي إنه «إذا شعرنا بوجود أكاذيب تروجها وسائل الإعلام في هذه الغرفة، فسوف نحاسب على هذه الأكاذيب. ومن المعروف أن المسطح المائي المقابل لساحل لويزيانا يسمى خليج أمريكا».
صحيح أن تغطية أخبار البيت الأبيض امتياز، ولكن الإقامة في البيت الأبيض والعمل في منصب الرئيس امتياز أيضا، وهذا الامتياز يقترن بالالتزام باحترام الدستور.
ولا شك أن بعض الأخبار التي كتبها مراسلو وكالة أسوشييتد بريس ـ ومعظم الصحفيين الآخرين الذين يغطون البيت الأبيض ـ قد أزعجت رؤساء وموظفين يعملون معهم.
وليس الشجار بين المراسلين والرؤساء بين الحين والآخر بالأمر الجديد. ففي الوقت الذي كانت فيه فضيحة ووترجيت تدمر رئاسة ريتشارد نيكسون، أمر الرئيس بالتنصت غير القانوني على هواتف الصحفيين، ودخل في عداوة طيلة هذه الفضيحة مع صحيفة واشنطن بوست. كما أخضعت إدارة أوباما مراسلين لتحقيقات في تسريبات، وفي فترة ترامب الأولى، ألغى البيت الأبيض مؤقتا شارة الصحافة التي كان يحملها جيم أكوستا مراسل شبكة (سي إن إن).
ولكن مارك وينبرج الذي عمل في المكتب الصحفي للبيت الأبيض طيلة ثماني سنوات في إدارة ريجان ثم عمل متحدثا باسم الرئيس المتقاعد لمدة عامين، قال إنه «ما كان ليخطر ببالنا قط استبعاد وكالة أسوشييتد بريس أو أي منظمة أخرى، وبخاصة وكالات الأنباء. فهذه الوكالة ووكالة يونايتد برس إنترناشونال كانتا أساس التغطية في البيت الأبيض في عهد ريجان. ولم يتغيبا قط».
وقال لي إنه «بصفة أعم، ما كنا لنستبعد أي منظمة إخبارية مشروعة لعدم رضانا أو اتفاقنا مع تغطيتها. فذلك يبدو أمرا غير أمريكي. فضلا عن أن ريجان نفسه ما كان ليتسامح مع هذا».
في تاريخه للعلاقة بين الصحافة والرئيس، كتب المؤرخ هارولد هولزر في عام 2020 أن «التوتر الأساسي يعود إلى عصر التأسيس». لكنه أضاف أن الرئيس ترامب، في ولايته الأولى، «تمكن من تصعيده إلى حرب صريحة لا هوادة فيها ضد وسائل الإعلام وضد الحقيقة نفسها»، مما تسبب في «ضرر هائل، نرجو ألا يكون دائما».
وسوف نرى، فأي من هجمات الإدارة على الصحافة المستقلة يمثل تهديدا للديمقراطية الأمريكية. ومعاقبة ناقلي الحقيقة تنطوي على تقوية للكاذبين. ولقد أظهر لنا التاريخ مرارا أن تقييد الصحافة الحرة يكون مقدمة لفظائع الأمور.
جيمس جيرستينزانج مراسل متقاعد عمل في وكالة أسوشييتد بريس وصحيفة لوس أنجلوس تايمز وقام بتغطية أخبار البيت الأبيض خلال فترات حكم جيمي كارتر ورونالد ريجان وجورج بوش الأب وبيل كلينتون وجورج دبليو بوش.
الترجمة عن نيويورك تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی جمیع أنحاء العالم المکتب البیضاوی فی البیت الأبیض وسائل الإعلام خلیج أمریکا
إقرأ أيضاً:
أيرلندا الشمالية تقاطع زيارة البيت الأبيض بسبب خطة ترامب في غزة
أعلنت رئيسة وزراء أيرلندا الشمالية ميشيل أونيل، اليوم الجمعة، أنها لن تحضر فعاليات يوم القديس باتريك في البيت الأبيض اعتراضا على موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن غزة.
وقالت أونيل، في مؤتمر صحفي، "قلوبنا جميعا فطرت ونحن نشهد معاناة الشعب الفلسطيني وتصريحات الرئيس الأميركي في الآونة الأخيرة حول الطرد الجماعي للشعب الفلسطيني من غزة، وهو أمر لا يمكنني تجاهله".
كما ذكرت زعيمة حزب المعارضة الأيرلندي (شين فين) ماري لو ماكدونالد أنها لا تستطيع زيارة واشنطن "طالما هناك تهديد بالطرد الجماعي للشعب الفلسطيني".
وقالت ماكدونالد، في مؤتمر صحفي، "إننا نتحمل المسؤولية عندما نعتقد أن الإدارة الأميركية مخطئة، وهو أمر كارثي في حالة فلسطين".
وأثار ترامب غضبا عالميا عندما اقترح أن تتولى الولايات المتحدة "السيطرة" على قطاع غزة بعد تهجير الشعب الفلسطيني بشكل دائم إلى مكان آخر.
وتتم دعوة الحكومة الأيرلندية والسياسيين المعارضين تقليديا إلى البيت الأبيض كل عام بمناسبة يوم القديس باتريك -اليوم الوطني الأيرلندي في 17 مارس/آذار، ويرون في الاحتفالات مناسبة للتواصل الدبلوماسي.