المجلس الأطلسي: واشنطن واليمن.. تحالف بحري لاستعادة السيادة وتقليص تحالفات الحوثي مع التنظيمات المتطرفة ووقف تهريب الأسلحة
تاريخ النشر: 23rd, February 2025 GMT
تبنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موقفًا يبدو إلى حد ما أنها أكثر حزماً من إدارة سلفها، بهدف التقليل من التهديدات الحوثية المتزايدة، خصوصاً في ظل تهريب الأسلحة قبالة السواحل اليمنية، وسط تفاوضات مكثفة بين المليشيا وموسكو بدعم إيراني، بهدف توريد أسلحة متطورة للجماعة، وسط تأكيدات تزويد تنظيم القاعدة بطيران مسيّر إيراني الصنع، وتزايد أنشطة التهريب بين الحوثيين وحركة الشباب الصومالية عبر إقليم بونتلاند.
قالت الباحثة إليونورا أرديماني، الخبيرة في شؤون اليمن ودول الخليج، والباحثة الأولى في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، إن "الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعاد تصنيف الحوثيين كـ"منظمة إرهابية أجنبية" في اليوم الثالث من رئاسته، في خطوة تعكس توجه الإدارة الأمريكية نحو إعادة تفعيل سياسة 'الضغوط القصوى' ضد طهران".
وأكدت أرديماني في تقرير نشره "المجلس الأطلسي للدراسات" أن "هذا القرار يأتي ضمن استراتيجية أمريكية أوسع تهدف إلى تجفيف موارد الحوثيين العسكرية والمالية، وحماية حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر".
وأوضحت الباحثة والخبيرة أن "وثيقة تنفيذية أمريكية أكدت أن واشنطن تعمل بالتعاون مع شركائها الإقليميين لـ"سحق قدرات الجماعة"، وهو ما يتماشى مع التوجه الأمريكي لتعزيز الأمن البحري في المنطقة".
ولفتت أرديماني إلى أن "هذه الخطوة تتماشى مع مبادرة (شراكة الأمن البحري اليمنية) التي أطلقتها المملكة المتحدة بدعم أمريكي في نوفمبر 2023، حيث تركز المبادرة على دعم خفر السواحل اليمني عبر توفير القوارب والتدريب وتمويل الرواتب".
وشددت الباحثة على "تعزيز خفر السواحل اليمني" باعتباره "ركيزة أساسية لاستعادة السيادة اليمنية على سواحل البلاد، وقطع الطريق أمام تحالفات مليشيا الحوثي وتنظيم القاعدة وحركة الشباب الصومالية، مما يصعب على روسيا تطوير علاقات عسكرية استراتيجية مع الحوثيين.
ففي الأشهر الأخيرة، عزز خفر السواحل اعتراض أسلحة إيرانية متجهة للحوثيين. ففي 13 فبراير، اعترضت سفينة شحن تحمل كميات كبيرة من الأسلحة غادرت جيبوتي نحو ميناء الصليف الحوثي في الحديدة، بالتنسيق مع "قوات المقاومة الوطنية".
وأشارت إلى تركيز أمريكا بشكل واضح على "مواجهة سلاسل توريد أسلحة الحوثيين"، في الوقت الذي لا تزال تحافظ "على خيارات أخرى مفتوحة، بما في ذلك تصعيد عسكري محتمل ضد الجماعة المدعومة من إيران".
وأكدت أن "الإدارة الأمريكية ترى في شراكة بحرية أقوى مع الحكومة اليمنية والقوات المتحالفة في الجنوب والغرب خطوة أولى للحد من قدرات الجماعات المسلحة المتنامية في منطقة البحر الأحمر"، مشيرة إلى أن هذه الخطوات من شأنها دعم المؤسسات اليمنية لاستعادة جزء من السيادة، وتقليل التعاون بين مليشيا الحوثي والتنظيمات المتطرفة.
تهريب أسلحة
وتطرقت أرديماني إلى التحديات الأمنية المستجدة، مشيرةً إلى أن "التقارير الدولية تؤكد أن تهريب الأسلحة للحوثيين لم يعد مقتصراً على البحر الأحمر، بل هناك "تحولات خطيرة في مسارات التهريب باتجاه بحر العرب وخليج عدن".
وأضافت أن "تقارير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) حذرت من أن الجماعات المسلحة تعيد شحن الأسلحة قبالة السواحل الصومالية، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني في المنطقة".
وقالت إن "وجود خفر السواحل اليمني في بحر العرب سيعزز فعالية اليمن في حماية مياهه الإقليمية، وسيضعف من قدرة الحوثيين على استغلال طرق التهريب الجديدة التي باتت تشكل تهديدًا للأمن الإقليمي والدولي".
بحسب الباحثة، ترى واشنطن في تقليص القدرات الهجومية للمليشيا الحوثية خياراً وحيداً متبقياً، خاصة مع تزايد القلق الدولي بشأن تحركاتها في المناطق الخاضعة لسيطرتها، موضحة أن "التقارير الأخيرة تشير إلى أن الحوثيين لم يعودوا يعتمدون فقط على الدعم الإيراني، بل يعملون على بناء شبكة تمويل وإمداد مستقلة، مستفيدين من تحالفات جديدة مع جماعات مسلحة أخرى".
وتطرقت إلى أن تقارير أممية كشفت قيام مليشيا الحوثي بإقامة "تحالف انتهازي" مع تنظيم القاعدة في اليمن، شمل تزويد الأخير بطائرات مسيرة إيرانية الصنع لتعزيز هجماتها، بينما تواصل الأمم المتحدة تحذيراتها من "تزايد أنشطة التهريب بين الحوثيين وحركة الشباب الصومالية عبر إقليم بونتلاند"، وهو ما سبق أن حذرت منه الاستخبارات الأمريكية في تقارير سابقة، حد قولها.
تعاون روسي- حوثي
لم يعد التعاون "الروسي- الحوثي" خافياً على أحد، بعد أن كشفت معلومات وتقارير دولية واستخباراتية عسكرية تفاصيل كثيرة في سياق هذا التعاون، مما أثار مخاوف الولايات المتحدة على وجه التحديد، ودفعها إلى اتخاذ موقف حازم "في مواجهة تهريب الأسلحة قبالة السواحل اليمنية" لأهمية ذلك في "تقليل المخاطر المرتبطة بتعزيز التعاون العسكري بين الحوثيين وروسيا".
وتحدثت "تقارير إعلامية دولية عن مفاوضات تجريها جماعة الحوثي، بدعم إيراني، مع موسكو لتوريد أسلحة متطورة، في إطار الشراكة الاستراتيجية بين طهران وروسيا".
وأكدت الباحثة أن "هناك معلومات تفيد برصد عناصر استخبارات عسكرية روسية في مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين، إلى جانب تقارير تشير إلى قيام موسكو بتجنيد مقاتلين يمنيين عبر وساطات حوثية للقتال في أوكرانيا".
تحديات أمنية
من المتوقع أن تحدث استراتيجية قوية وشاملة بهدف تعطيل شبكات تهريب الأسلحة للحوثيين، لتأثيراتها على اليمن والمنطقة وحركة الملاحة البحرية العالمية.
وأوضحت الباحثة أنه "كلما زاد الدعم الأمريكي للقوات اليمنية في مواجهة أنشطة التهريب الحوثية، زادت قدرة الحكومة اليمنية والقوات المتحالفة في الجنوب والغرب على استعادة وجود مؤسسي قوي في البلاد".
وأشارت إلى أن "الهجمات الحوثية على السفن البحرية دفعت الحكومة اليمنية إلى تصعيد مطالباتها بالحصول على دعم دولي لاستعادة المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة".
وأكدت أن "رئيس المجلس الرئاسي اليمني رشاد العليمي شدد، خلال مؤتمر ميونخ للأمن، على ضرورة (تمكين الحكومة اليمنية من السيطرة الكاملة على أراضيها) من خلال دعم دولي يوقف تدفق الأسلحة الإيرانية".
وأضافت أن "وزير الخارجية اليمني شائع الزنداني طالب، في نوفمبر الماضي، بتعزيز قدرات القوات الأمنية والعسكرية، لا سيما خفر السواحل، لمواجهة التهديدات المتزايدة في البحر الأحمر".
وفي ختام حديثها، أوضحت أرديماني أن "سياسة إدارة ترامب تجاه اليمن بدأت تتبلور بشكل واضح، حيث يُشكل خنق طرق تدفق أسلحة الحوثيين محورًا رئيسيًا في استراتيجيتها".
وأكدت أن "الشركاء الأمريكيين في اليمن يتطلعون إلى تأدية أدوار فاعلة ضمن هذه الاستراتيجية، في ظل تصاعد التهديدات التي تمثلها الجماعة على الأمن البحري في المنطقة".
وأشارت إلى أنه "من المتوقع أن تُحدث استراتيجية أمريكية قوية وشاملة لتعطيل شبكات التهريب الحوثية تأثيرات متعدية على المنطقة بأكملها، بل وحتى على حركة الملاحة البحرية العالمية".
المصدر: وكالة خبر للأنباء
كلمات دلالية: الحکومة الیمنیة السواحل الیمنی تهریب الأسلحة البحر الأحمر خفر السواحل إلى أن
إقرأ أيضاً:
عندما تغفو العدالة.. الحرب المنسية على المدنيين في اليمن (ترجمة خاصة)
منذ عام 2015، ينفذ تحالف تقوده السعودية، ويضم الإمارات العربية المتحدة، عمليات عسكرية ضد الحوثيين في اليمن. وقد اتُهم هذا التحالف من قبل محققي الأمم المتحدة بارتكاب جرائم حرب، بما في ذلك قصف مناطق مدنية كالأحياء السكنية والأسواق والجنازات وحفلات الزفاف والسجون والقوارب والمرافق الطبية، مما تسبب في مقتل آلاف المدنيين.
علاوة على ذلك، اتُهم التحالف أيضًا بفرض حصار على الموانئ والمجال الجوي اليمني، مما أدى إلى تقييد شديد لوصول الغذاء والوقود والمساعدات الإنسانية، مما ساهم في انتشار المجاعة وأزمة إنسانية كارثية. ووُصف هذا الحصار وما نتج عنه من مجاعة بأنه أفعال ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية.
من الأخطاء إلى المجازر
لقيت الغارات الجوية التي يشنها التحالف بقيادة السعودية في اليمن إدانات متكررة لانتهاكها القانون الدولي الإنساني. لا سيما مبدأ التمييز، الذي يتطلب تجنب الأهداف المدنية، ومبدأ التناسب، الذي ينص على أن الميزة العسكرية يجب أن تفوق الضرر اللاحق بالمدنيين. تشير الأدلة التي جُمعت على مر السنين إلى نمط ثابت من الخسائر المدنية وتدمير البنية التحتية، مما يثير مخاوف قانونية وأخلاقية خطيرة.
ومن أبرز الأمثلة الصارخة على استخفاف التحالف بقيادة السعودية بحياة المدنيين ما حدث في يناير/كانون الثاني 2022، عندما أسفرت ثلاث غارات جوية منفصلة عن مقتل 80 مدنيًا وإصابة 156 آخرين، حيث أصابت سجنًا في صعدة، ومنشأة اتصالات، ومحطة وقود في الحديدة - وهي مواقع أفاد شهود عيان بعدم وجود عسكري فيها.
والجدير بالذكر أن هذه ليست حادثة معزولة، بل هي جزء من نمط أوسع من الاستهداف العشوائي الذي ميّز سلوك التحالف طوال فترة النزاع. وبحلول عام 2017، ارتبطت نسبة مذهلة بلغت 60% من إجمالي 16,700 ضحية مدنية موثقة بغارات التحالف الجوية، وهي إحصائية تشير بقوة إلى انتهاكات منهجية للقانون الإنساني الدولي، ولا سيما مبدأي التمييز والتناسب.
على سبيل المثال، اعتبرت هيومن رايتس ووتش قصف حافلة مدرسية في ضحيان عام 2018، والذي أودى بحياة 26 طفلاً، "جريمة حرب واضحة". وبالمثل، أودى هجوم عام 2016 على قاعة عزاء في صنعاء بحياة 140 مدنياً، وهي جريمة فظيعة اعترف التحالف لاحقاً بأنها "خطأ".
تُبرز هذه الحوادث مجتمعةً نمطاً مُقلقاً يُشير إلى تكرار خطأ تحديد البنية التحتية والتجمعات المدنية أو تجاهلها كأهداف عسكرية مشروعة، مما يثير مخاوف جدية بشأن بروتوكولات الاستهداف وآليات المساءلة التي يعتمدها التحالف.
الوقود والمجاعة وتبريرات واهية
إن تبرير التحالف بقيادة السعودية لإبقاء حصاره على اليمن، متذرعاً بضرورة منع تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين، مُقوّض بشكل خطير من خلال نتائج الأمم المتحدة المستقلة والتحليلات الإنسانية، وخاصةً من آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش (UNVIM)، التي لم تعثر على أي أسلحة في 90% من السفن التي تم تفتيشها والمتجهة إلى الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون مثل الحديدة.
على الرغم من ذلك، يواصل التحالف تقييد الواردات الحيوية من الغذاء والوقود، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، حيث يتم استيراد 90% من الضروريات، وحيث ارتبطت أكثر من 131,000 حالة وفاة، بحلول عام 2020، بأسباب يمكن الوقاية منها مثل المجاعة ونقص المياه النظيفة وعدم كفاية الرعاية الصحية.
تصف منظمات مثل المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب (OMCT) الحصار بأنه "تعذيب بطيء"، مسلطة الضوء على كيفية شل قيود الوقود للمستشفيات وشبكات المياه. وبينما يزعم التحالف أن الحوثيين يستخدمون المناطق والموانئ المدنية لأغراض عسكرية، فإن عمليات التفتيش التابعة للأمم المتحدة لا تجد باستمرار أي دليل على عسكرة الموانئ بشكل منهجي، وتفتقر تحقيقات التحالف نفسها في ضحايا الغارات الجوية المدنية إلى الشفافية والمساءلة.
أدى الحصار، الذي دُفِعَ به من خلال قرار مجلس الأمن رقم 2216 (2015)، إلى أضرار جسيمة بالمدنيين، حيث انخفضت واردات الديزل إلى مناطق الحوثيين بنسبة 75% بين عامي 2015 و2017، مما أدى فعليًا إلى شلل البنية التحتية الأساسية.
ويجادل الخبراء القانونيون وجماعات حقوق الإنسان بأن الحصار يُشكل عقابًا جماعيًا وتجويعًا كأسلوب حرب، مما يُشكل انتهاكًا للقانون الإنساني الدولي، وقد يرقى إلى جرائم حرب وتعذيب بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب.
وبالتالي، فإن ادعاءات التحالف لا تدعمها أدلة موثوقة، ويعمل الحصار في المقام الأول كحرب اقتصادية أكثر منه للسيطرة على الأسلحة، مما يجعل آليات المساءلة الدولية، مثل تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية وحظر الأسلحة، ضرورية بشكل عاجل لوقف المزيد من الانتهاكات ومنع المعاناة الجماعية.
من الناحية القانونية، يدّعي التحالف بقيادة السعودية أنه يستهدف مواقع عسكرية مشروعة، ويبرر الحصار بالإشارة إلى أسلحة إيرانية مُعتَرَضة، مثل صواريخ كورنيت الروسية وبنادق صينية. ومع ذلك، يُصبح هذا التبرير إشكاليًا من الناحيتين القانونية والأخلاقية عند مقارنته بمبادئ القانون الدولي الإنساني، وخاصة مبدأ التناسب.
وفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة عام 2018، غالبًا ما أخفقت غارات التحالف الجوية في إظهار أي جهد واضح للحد من الأضرار المدنية، مع توثيق هجمات على الأسواق والجنازات وغيرها من التجمعات غير العسكرية.
يثير استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المكتظة بالسكان مخاوف جدية بشأن استخدام القوة العشوائية وغير المتناسبة. وبموجب القانون الدولي الإنساني، حتى لو كان للهدف قيمة عسكرية، يجب ألا يتسبب الهجوم في أضرار مدنية مفرطة مقارنةً بالميزة العسكرية المتوقعة.
في هذا السياق، تتفوق الخسائر المدنية المستمرة والخطيرة على القيمة العسكرية للأهداف المزعومة بشكل كبير. ويؤدي الحصار المستمر للتحالف إلى تفاقم الأزمة، مما يحد من وصول الوقود والمساعدات، مما يؤدي إلى انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي. وبالتالي، فإن تجاهل هذه الانتهاكات يهدد بتطبيع الإفلات من العقاب في الحروب، وتقويض حماية المدنيين، وإضعاف أسس القانون الإنساني الدولي في النزاعات المستقبلية.
خطاب حقوق الإنسان مقابل الواقع
إن الخسائر المدنية المستمرة في اليمن هي نتيجة سلوك التحالف والدعم المُمكّن الذي تقدمه جهات فاعلة دولية مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. على الرغم من برامج التدريب الهادفة إلى الحد من الأضرار المدنية، لا تزال غارات التحالف الجوية تُسبب وفيات وإصابات جسيمة في صفوف المدنيين.
فمنذ عام 2015، قُتل أو شُوِّه أكثر من 19200 مدني، من بينهم أكثر من 2300 طفل، جراء غارات التحالف الجوية وحدها. وقد وُثِّقت استهدافات التحالف الممنهجة للبنية التحتية المدنية، مثل المستشفيات والأسواق ومحطات المياه.
قدّم الداعمون الدوليون، وتحديدًا الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، أسلحةً، بما في ذلك قنابل MK-82 وذخائر دقيقة التوجيه، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية عسكرية ودعم لوجستي. وقد مكّن هذا الدعم التحالف من مواصلة حملته الجوية، التي انتهكت القانون الدولي الإنساني مرارًا وتكرارًا.
ويشير استمرار سقوط الضحايا المدنيين، رغم التدريب والرقابة، إلى درجة من التواطؤ من جانب هذه الدول الغربية في جرائم حرب محتملة. فعلى سبيل المثال، في عامي 2024 وأوائل 2025، كانت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة مسؤولة عن حصة متزايدة من الخسائر المدنية الناجمة عن الغارات الجوية، مع زيادة بنسبة 71٪ في الأضرار المدنية في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025 وحده.
يثير هذا السلوك المزدوج للتحالف، المتمثل في المسؤولية المشتركة، وتمكين الدعم الخارجي، تساؤلات جدية حول مصداقية خطاب حقوق الإنسان الغربي عالميًا. فمن جهة، تدافع هذه الدول علنًا عن حقوق الإنسان والقانون الدولي. ومن جهة أخرى، تُسهم مبيعاتها من الأسلحة ومساعداتها العسكرية بشكل مباشر في الانتهاكات على أرض الواقع.
ويُقوّض هذا التناقض سلطتها الأخلاقية ويُضعف الجهود العالمية لإنفاذ المساءلة. كما أن عدم وقف مبيعات الأسلحة أو ربط الدعم بالامتثال الصارم للقانون الدولي الإنساني يُقوّض الثقة في التزامات الغرب بحقوق الإنسان والعدالة الدولية.
وفي الختام، لم تُلحق الحملة العسكرية والحصار الذي فرضه التحالف بقيادة السعودية على اليمن معاناةً شديدةً بالمدنيين وانتهك القانون الإنساني الدولي فحسب، بل زعزع أيضًا استقرار مستقبل اليمن. ومن الناحية السياسية، أدى الصراع المطول إلى تعميق الانقسام وتمكين الفصائل المتنافسة مثل المجلس الانتقالي الجنوبي، مما قوض آفاق الوحدة الوطنية.
كما غذّت الأزمة الإنسانية، التي اتسمت بالمجاعة والمرض والدمار، التطرف، مما هيأ الظروف المناسبة لتجنيد المتطرفين. ومن الناحية الاقتصادية، أدى الحصار إلى شلل البنية التحتية، مما أخر إعادة الإعمار والتنمية لعقود. ولعكس هذا المسار، لا بد من اتخاذ خطوات فورية تشمل رفع الحصار، ووقف الغارات الجوية، وفرض المساءلة الدولية لتمكين السلام المستدام والتعافي.
من الأقوال إلى الأفعال
أدت أفعال التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، من غارات جوية عشوائية وحصار متواصل، إلى انتهاكات واسعة النطاق للقانون الدولي الإنساني، مع استهداف متكرر للبنية التحتية المدنية، وتفاقم المجاعة والأمراض بسبب الحصار.
ولمعالجة هذا الوضع، لا بد من تفعيل الآليات القانونية الدولية: ينبغي على المحكمة الجنائية الدولية التحقيق في جرائم حرب محتملة بموجب المادة 8 من نظام روما الأساسي، بينما يتعين على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فرض حظر على توريد الأسلحة وفقًا للمادة 2(4) من ميثاق الأمم المتحدة. إن عمليات نقل الأسلحة المستمرة من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تنتهك معاهدة تجارة الأسلحة، ويجب وقفها.
كما يجب رفع الحصار، الذي يرقى إلى مستوى العقاب الجماعي بموجب المادة 33 من اتفاقيات جنيف، لاستعادة وصول المساعدات الإنسانية الأساسية. وعلى الصعيد الدبلوماسي والإنساني، يجب على الدول المانحة تلبية نداء الأمم المتحدة للمساعدات بقيمة 4.3 مليار دولار، بينما ينبغي على الجهات الفاعلة الإقليمية، مثل مجلس التعاون الخليجي وسلطنة عمان، الاستفادة من انفراجة العلاقات السعودية الإيرانية في عام 2023 لبدء مفاوضات سلام مستدامة مع الحوثيين.
يجب دعم منظمات المجتمع المدني، مثل "مواطنة"، في توثيق الانتهاكات والسعي لتحقيق العدالة، مع تقديم تعويضات للضحايا، بما يتماشى مع مبادئ الأمم المتحدة، بتمويل من أرباح مبيعات الأسلحة المُعاد توجيهها. يتطلب تحقيق السلام والاستقرار طويل الأمد في اليمن إنهاء الإفلات من العقاب، واستئناف المساعدات الإنسانية، وتعزيز إعادة بناء سياسي شامل لمواجهة المزيد من التطرف وانهيار الدولة.
يمكن الرجوع للمادة الأصل: هنا Modern Diplomacy