التنوع السوداني والميثاق التأسيسي يغلق أبواب التقسيم  

فاطمة غزالي

تواثقت بعض قيادات الأحزاب السياسية والقوى المدنية وحركات الكفاح المسلح وقوات الدعم السريع على الميثاق السياسي التأسيسي والدستور المؤقت لتشكيل حكومة السلام والوحدة الذي تم التوقيع عليه مساء السبت في العاصمة الكينية نيروبي. تواثقت هذه القوى على إقامة دولة علمانية ديمقراطية غير مركزية في السودان وعلى تشكيل حكومة السلام الانتقالية بهدف حماية المدنيين وتقديم المساعدات الإنسانية واسترداد المسار الديمقراطي، وحظر تأسيس أي حزب أو تنظيم سياسي على أساس ديني أو تنظيم دعاية سياسية على أساس ديني أو عنصري، وتجريم كافة أشكال التطرف والانقلابات العسكرية واستغلال الدين لأغراض سياسية، كما ينص الميثاق على الالتزام بالعدالة والمحاسبة التاريخية وإنهاء الإفلات من العقاب، ويؤكد على دواعي تشكيل “حكومة سلام انتقالية” تنهي الحرب وتحقق سلاما شاملا ودائما، ويؤكد الميثاق على تأسيس جهاز أمن مخابرات مهني ومستقل غير خاضع لأي ولاء أيدلوجي أو سياسي أو حزبي، كما نص على خضوع الجيش الجديد منذ تأسيسه للرقابة والسيطرة المدنيتين ويعكس تنوع أقاليم السودان، ويشير الميثاق لـ”هوية سودانوية” ترتكز على حقائق التنوع التاريخي والمعاصر ودولة قائمة على الحرية والعدل والمساواة.

لا شك أن ما ورد في هذا الميثاق السياسي يعبر عن الكثيرين، و بهذا الإعلان التأسيسي أصبح الإعلان عن تشكيل الحكومة السلام أمراً واقعاً في المشهد السياسي ولا يمكن قتل الواقع الذي فرضته تداعيات الحرب في ظل تمسك قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان بالاستمرار في الحرب ورفضه للتعاطي مع المنابر التي تسعى لتحقيق السلام عبر التفاوض والتوصل اتفاق سلام ينهي هذه الحرب العبثية ..نأمل أن يشكل التنوع السوداني في الإعلان التأسيسي سداً منيعاً لحماية وحدة السودان وهذا التنوع السياسي المجتمعي و الجندري والعمري لهذه القوى السياسية والمدنية والعسكرية يتناسب تناسباً عكسياً مع مخاوف تقسيم السودان والترويج لفكرة انفصال إقليمي كردفان ودارفور. يمكن القول بأن الربط بين تشكيل حكومة السلام والتقسيم ينطلق من دوافع مختلفة هناك من يتحدث عن المخاوف من التقسيم بحسن نية ومن منطلق الحرص على الترابط الاجتماعي بين السودانيين والحفاظ على وحدة السودان شعباً وأرضاً وآخرين يتحدثون عن التقسيم لأنه يعبر عن رغبتهم الحقيقة ويروجون له ويتمنون أن يذهب الجميع وما يهمهم البقاء السيطرة على السلطة. لا جدال منطلقاً في لأن تقسيم السودان مشروع إسلاموي كيزاني فلولي بامتياز ومشروع مثلث حمدي ليس بعيداً عن الأذهان كما أن الذاكرة لا تنسى المؤيدين علناً لأفكار الانفصالي الطيب مصطفي خال الرئيس المخلوع عمر البشير الذي أسس صحيفة( الانتباهة) وكون منبراً سياسياً لدعم برنامج انفصال الجنوب وعمل بكل ما من أوتي من قوة حتى لا تكون الوحدة جاذبة لأهلنا من من جنوب السودان. لم ولن يُنسى اليوم الذي ذبح فيه الثور الأسود احتفالاً بانفصال الجنوب .. الطيب مصطفى غادر الدنيا وتتبعه اللعنات إلا أن أنصار فكرته موجودين والآن يعزفون على وتر انفصال غرب السودان ويتمنون أن تتحقق أمانيهم، ولكن هيهات لأن التنوع السوداني سيغلق أبواب التقسيم .البعض يصرخون بصوت عالي ويصرون على أن الانفصال سيأتي محمولاً على اكتاف حكومة السلام مع أن الموقعين على الميثاق السياسي التأسيسي أسكتوا صرخاتهم بتسمية حكومتهم حكومة السلام والوحدة.. وهؤلاء الذين يجيدون الصراخ بالتقسيم يمارسون إستراتيجية (الإلهاء) إلهاء الرأي العام السوداني وصرف الأنظار عن ماهية الحدث السياسي الكبير ومشروع حكومة السلام والوحدة. تطبيق إستراتيجيات الإلهاء التي لعبت ولازال تلعب دوراً كبيراً في التحكم في الشعوب خاصة في ظل تغبيش الوعي في مرحلة المنعطفات السياسية المحتقنة بالغبن وممتلئة بالتعقيدات التي تحمل الحزن والمرارات على أنهر الدماء التي تدفقت من أجساد الأبرياء . إستراتيجية الإلهاء هي العصاة التياتكأت عليها (صمود) في محاولة للابتعاد من دعاة حكومة السلام في مناطق الدعم السريع فكان الربط بين تشكيل حكومة السلام وتقسيم السودان لقتل الفكرة ظناًمنها أن الترهيب بالانفصال يجبر دعاة حكومة السلام للتراجع عن موقفها بيد أنه حدث العكس واستطاعت مجموعة الميثاق السياسي التأسيسي جذب حركة تحرير السودان شمال بقيادة عبد العزيز الحلو الذي شكل حضوره مفاجأة في الساحة السياسية كيف لا وهو قائد لتنظيم سياسي وعسكري له وزنه السياسي. بعض الأصوات سعت إلى خلق صورة ذهنية متوهمة لاتهام دعاة حكومة السلام العنصرية بأنها مجموعة من إقليم واحد إلا أن مشاركة إبراهيم الميرغني ممثلاً للحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل ودكتور النور حمد ودكتور علاء الدين نقد و اسامة سعيد ومبارك مبروك سليم غيرهم من الذين يمثلون الوسط النيلي والشمال النوبي والشرق وجبال النوبة برأت هذا التنظيم من العنصرية كما أن وجود اللواء فضل برمة ناصر فيه إشارة إلى أن هناك تيار داخل حزب الأمة القومي مؤيد لحكومة السلام وفي كل الأحزاب تجد هذا الانقسام على مستوى العضوية وربما بعض القيادات. لا جدال في أن المدخل الإنساني لفكرة حكومة السلام شكل طاقة جذب لأن حماية المدنيين وتقديم الخدمات وأهمية الأوراق الثبوتية أكدت أنها أرقام قياسية في دالة الواقع الذي فرضته الحرب ودفع العديد من التنظيمات المدنية للانضمام للميثاق التأسيسي. نعم الحديث عن تقسيم السودان لا يخرج من دائرة الإلهاء ومأرب أخرى للقوى السياسية التي اختارت المفاصلة بهدوء بدلاً عن الدخول في معركة الفعل السياسي الذي من شأنه تحريك الساحة السياسية بتشكيل ضغط سياسي على قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان وحلفائه للقبول بخيار التفاوض والوصول إلى اتفاق سلام ينهي تراجيديا الحرب التي أرهقت المواطن السوداني بويلاتها ويؤسس لحكومة مدنية انتقالية تضع ترتيبات ما بعد الحرب.. حقيقة القوى السياسية الحقيقة ينبغي أن تملك الجرأة في الفعل السياسي وتتحمل نتائج قرارتها وخياراتها وإلا ستصبح أسيرة ولا تستطيع الخروج من دائرة التعامل مع الأحداث إلا من منطلق رد الفعل على الفعل السياسي للآخرين الذين يصنعون الأحداث.. القائد السياسي الحقيقي لا يراهن على الظروف ولا عامل الوقت في حل الأزمات وينبغي للسياسي الحقيقي أن يكون قادراً على تحمل الخيارات الصعبة لأنها تحدث التحولات الكبيرة وتصنع التغيير الحقيقي.. الابتعاد عن القرارات الصعبة والخوف من أن يهتز عرش المركز إذا حدث أي تجاوب مع أي فكرة ولدت من الهامش فهذا الخوف لا يترك لها مجالاً للتحرر وقبول أي فعل سياسي يتبلور من خارج دائرتها .عقلية المركز حقيقة ليست مرتبطة بجهة أو إثنية أو قبيلة، بل مرتبطة بمصالح سياسية تتوافق وتتنافر أحياناً. فبدلاً عن محاولات اثارت المخاوف من التقسيم بين السودانيين علينا البحث عن إجابات للتساؤلات الكثيرة والاستفهامات العديدة تفرض نفسها على الواقع السياسي بشأن الأسباب الجذرية التي دفعت دعاة حكومة السلام إلى اللجوء لهذا الخيار بعد أكثر 21 شهراً من الحرب بين الجيش والدعم السريع .في مقدمة هذه التساؤلات هل حكومة السلام هي نتاج للأداء الإداري السياسي والاقتصادي الهزيل للنخب السياسية منذ الاستقلال؟ .. هل الأداء الفاشل صنع التناقضات الكبيرة وخلق بون شاسع بين أقاليم الوطن الواحد في إطار التنمية والعدالة والمساواة ؟ لماذا لم توظف الموارد البشرية والطبيعية وثرواته المعدنية لصالح السودانيين؟ ولماذا الأغلبية من مواطني هذا الوطن الجريح يعيشون في حالة فقر معيشي وتنموي واقتصادي ؟ وهؤلاء الفقراء يعيشون في المناطق التي تحمل في باطنها الخير(البترول- المعادن) وفي ظاهرها النعم(الثروة الحيوانية والمحاصيل النقدية وغيرها) ؟.هل الفشل في تحقيق الحكم الديمقراطي فتح شهية الصراعات المسلحة؟ أم تراكم المظالم فتح بوابات الحروب لتتدفق دماء السودانيين أم شهوة السلطة اختارت الضحية بالضعفاء الذين لم ينالوا حقهم من الحياة الكريمة ؟ لماذا ظل السودان في الحلقة الشريرة (انقلاب عسكري- انتفاضة شعبية- حكم مدني – انقلاب عسكري) ؟ .هل التلاعب بالتناقضات التي صنعتها الحركة الإسلامية السودانية في ظل هذه الحرب دفعت بعض قيادات حركات الكفاح المسلح والرموز المدنية إلى اللجوء إلى خيار حكومة السلام من أجل القيام بواجبهم تجاه المدنيين الذين ظلوا يعانون من الحروب منذ 2003م ؟ ماهي نقاط الضعف في النخب السياسية التي تولت أمر السودان وظلت مهيمنة على مجريات أحداثه منذ الاستقلال ولم تنجح في تأسس دولة عظيمة؟ وكيف أتقنت صناعة الفشل إلى أن وصل وضع البلاد إلى حالة يشيب لها الولدان ؟ الأجوبة على هذه التساؤلات يمكن أن يضع برنامج وطني قومي لا يتثنى أحد وبإمكانه أن يعصم البلاد من التقسيم والكرة في ملعب من يحرصون على وحدة السودان كما قالوا

الوسومالتقسيم التنوع الميثاق السياسي فاطمة غزالي

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: التقسيم التنوع الميثاق السياسي

إقرأ أيضاً:

التنوع الثقافي جذوره عميقة في الدولة السودانية

بقلم: تاج السر عثمان
١

تستمر الحرب اللعينة الجارية حاليا بكل دمارها ومآسيها الإنسانية والتي تدخل عامها الثالث، مع خطر تحولها لحرب عرقية وعنصرية تنسف وحدة التنوع والتعدد الثقافي الذي جذوره عميقة في الدولة السودانية، وكان ملازما لها منذ نشأتها. بالتالي من المهم التصعيد الجماهيري لوقف الحرب واستعادة مسار الثورة، حتى تقف سدا منيعا أمام تفكك الدولة السودانية.
معلوم ان التعدد الثقافي جذوره عميقة في الدولة السودانية منذ نشأتها وحتى قيام الدولة الوطنية الحديثة ، فما هي عناصر ذلك التنوع والتعدد؟.
- شهدت الدولة السودانية تعدد الأديان ابتداءاً من الوثنية إلى المسيحية ثم الإسلام ومازال التنوع والتعدد الديني موجوداً في واقعنا الماثل.
- كما شهدت تعدد اللغات مثل: اللغة المصرية القديمة ( الهيروغليفية)، ثم حدث الاستقلال اللغوي بقيام حضارة مروي التي عرفت اللغة المروية ، واللغة النوبية في حضارة النوبة المسيحية، ثم اللغة العربية التي انتشرت في عهد سلطنتي الفونج والفور، هذا إضافة للتنوع في لغات ولهجات أهل السودان ومكوناتهم الثقافية ( بجاوية، نوبية، زنجية) وناتج التلاقح اللغوي من الثقافات الحديثة ( تركية، انجليزية، فرنسية،حبشية الخ)، وبمراجعة قاموس اللهجة العامية في السودان للمرحوم د. عون الشريف قاسم ، نلاحظ التنوع والتلاقح اللغوي الذي شهده السودان منذ أقدم العصور..
- استوعبت الدولة السودانية التنوع الديني واللغوي والاثني وشهدت الاستمرارية في الثقافة السودانية خلال الحقب التاريخية المختلفة.
2
كما اشرنا سابقا، في مسارها التاريخي الطويل شهدت الدولة السودانية الحضارات الآتية :
- حضارة كرمة ( 3000 سنة ق .م) التي شكلت ميلاد الدولة السودانية، بعد ارتقاء الإنسان السوداني سلم الحضارة وتفكك المجتمعات البدائية التي تقوم على الصيد والتقاط الثمار وظهور المجتمع الزراعي والرعوي وتطور المدينة والصناعة الحرفية والتبادل التجاري وظهور أول انقسام طبقي واتساع الفروق الاجتماعية، وكانت نشأة الدولة السودانية مرتبطة بتفاعل عوامل سياسية ودينية وطبقية واجتماعية .
- حضارات نبتة ومروي والنوبة المسيحية التي كانت اوسع تطورا في الجوانب المادية والثقافية والفنية والروحية.
- المماللك الإسلامية ( الفونج ، دارفور ، تقلي المسبعات. الخ) التي استوعبت منجزات الحضارات السابقة المادية والفكرية وأضافت الجديد لها.
للمزيد من التفاصيل: راجع ، تاج السر عثمان الحاج : الدولة السودانية : النشأة والخصائص ، الشركة العالمية 2008)
* من سمات وخصائص الدولة السودانية أنها كانت في حالة تطور واتساع، في كل مرحلة تعرف حالات الازدهار والانحطاط والزوال،ثم تنبعث من جديد بشكل أوسع وأكبر مما كانت عليه في السابق، كما عرفت وحدة الاستمرارية والانقطاع، وتعدد المراكز أو العواصم. فضلا عن أنها كانت في حالة تطور باطني، وفي الوقت نفسه كانت في حالة تفاعل مع العالم الخارجي أخذا وعطاءاً.
- الشكل الحديث للدولة السودانية بدأ خلال فترة الحكم التركي - المصري (1821 -1885م) الذي شهد مولد السودان الحديث بشكله الحالي تقريبا، بعد ضم دارفور وسواكن وإقليم التاكا (كسلا حاليا)، والمديريات الجنوبية الثلاثة (الاستوائية ، بحر الغزال، وأعالي النيل، قبل انفصال جنوب السودان)، من خلال التوغل جنوباً، سواء لحملات تجارة الرقيق أو تجارة العاج أو لاكتشاف منابع النيل.
- كان صراع الهوّية ملازما لصراع الإنسان السوداني خلال الحقب التاريخية المختلفة ضد القهر والظلم من أجل الحرية ، ويتجلى ذلك في الثورات التي حدثت في دولة الفونج، والثورة المهدية ضد الاحتلال التركي، و ثورة الاستقلال ضد الحكم الإنجليزي ، وبعد الاستقلال: كانت ثورة أكتوبر 1964م ضد دكتاتورية الفريق عبود ، وانتفاضة مارس - ابريل 1985م ضد ديكتاتورية النميري، وثورة ديسمبر 2018 ضد ديكتاتورية نظام البشير أو الإنقاذ..
3
تجلي صراع الهوّية في علاقة الدين بالدولة ، فنجد أن الدولة السودانية مرت بكل المراحل التي عرفها التاريخ البشري، كما يتضح من الآتي:
- شهد السودان القديم الدولة الدينية أو الحكم بالحق الإلهي وعلى سبيل المثال :في دولة مروي كان كهنة آمون يحكمون بالحق الإلهي، وكان هناك صراع ضد القهر باسم الدين وحرية الاعتقاد، كما في صراع الملك "اركماني" ضد تسلط كهنة مروي، حتى تجح في الانتصار عليهم ، وغّير في المعتقدات والمفاهيم الدينية بعيد عن تسلطهم.
كما شهد السودان الوسيط: .
- ممالك النوبة المسيحية التي جمع فيها الملوك بين وظيفتي القس والحاكم، أي جمعوا بين السلطتين الزمنية والدينية .
- في سلطنة الفونج أو السلطنة الزرقاء ، شهد البلاد الشكل الجنيني للدولة المدنية ،حيث كان مشايخ الطرق الصوفية مستقلين نسبيا عن ملوك سنار .
أما في السودان الحديث والمعاصر فقد قامت:
- الدولة المدنية في فترة الحكم التركي- المصري ،و تم التراجع إلى الدولة الدينية في فترة المهدية ، ثم اتسعت دائرة الدولة المدنية خلال فترة الحكم الإنجليزي.
- بعد الاستقلال ظلت الدولة مدنية حتى قوانين سبتمبر 1983م وبعد انقلاب 30/يونيو 1989م، تم التراجع مرة أخرى إلى الدولة الدينية التي ارتبطت بالقهر ومصادرة الحريات الدينية والثقافية واللغوية والتفرقة العنصرية والعرقية، وقمع ثقافات وهوّيات الأقليات القومية، وفرض تصورهم الديني القاصر عليها وفي مناهج التعليم، وبالفساد والنهب والإبادة الجماعية كما حدث في دارفور، وجبال النوبا وجنوب النيل الأزرق، وحتى انفصال الجنوب، وواصل شعب السودان الصراع ضدها حتى اسقاطها في ثورة ديسمبر ، وما زال الصراع مستمرا لإزالة آثارها المدمرة. كما في مقاومة انقلاب اللجنة الأمنية للنظام البائد في ١١ أبريل ٢٠١٩، وانقلاب مجزرة فض اعتصام القيادة العامة والولايات، وحتى انقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ الذي قاد للحرب الحالية بهدف تصفية الثورة ونهب ثروات البلاد من المحاور الاقليمية والدولية التي تسلح طرفي الحرب، التي تهدد وحدة البلاد والتفريط في السيادة الوطنية.
4
ضمت الدولة السودانية شعوبا وقبائل ومناطق متباينة في التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ،وهذا التباين هو نتاج تطور تاريخي ، حيث شهد شمال ووسط السودان مولد الحضارات في السودان القديم وفي العصور الوسطى ، إضافة لسياسات المستعمر البريطاني الذي كرس الصراع القبلي والعنصري والادارة الأهلية، والانقسام الطائفي والقبلي، أي سياسة "فرق تسد" لاستمرار حكمه ، إضافة لتكريس التفاوت بين الشمال والجنوب من خلال نمط التنمية غير المتوازن ومن خلال قانون المناطق المقفولة الذي شمل الجنوب ومناطق الشرق ، وجنوب النيل الأزرق ، وجبال النوبة.
* من سمات وخصائص الدولة السودانية النشأة المستقلة ، فيما عدا الاحتلال المصري بعد انهيار دولة كرمة ، وفترة الحكم التركي المصري ، وفترة الحكم البريطاني، نلاحظ ان الممالك السودانية كانت مستقلة ، وكان الدفاع عن الوطنية السودانية مرتبطاً بالدفاع عن الدين والعقيدة ، كما حدث في مقاومة النوبة لحملة عبد الله بن أبى السرح والتي انتهت باتفاقية البقط ، والثورة المهدية التي قضت علي الاحتلال التركي ـ المصري، وثورة الاستقلال الثانية التي أنهت الحكم الاستعماري الانجليزي المصري عام 1956..
بعد الاستقلال واجهت الدولة الوطنية السودانية تحديات الديمقراطية التي لم تستقر بسبب الانقلابات العسكرية، وفشل النهضة السياسية والاقتصادية والثقافية ، وعدم قيام وحدة البلاد من خلال استيعاب تنوعها الديني والثقافي واللغوي في الدولة المدنية أو العلمانية الديمقراطية التي تسع الجميع، باعتبار ذلك مصدر إثراء واخصاب ونعمة بدلا أن يتحول لنغمة وحروب دامية لم تجنى منها البلاد غير الخراب والتخلف، وانفجرت مشكلة الجنوب عشية الاستقلال ، والتي ازدادت تعقيداً بعد أن أخذت الحرب طابعاً دينياً وخاصة بعد قوانين سبتمبر 1983م ، والتي زادت النيران اشتعالاً، حتى تمّ انفصاله بعد قيام نظام الانقاذ الدموي.
مما يطرح ضرورة وقف الحرب واستعادة مسار الثورة والمحافظة علي ما تبقي من الوطن بقيام دولة مدنية ديمقراطية المساواة فعلا لا قولا لرعاياها وحرية العقيدة والضمير والمساواة في الأديان وسيادة حكم القانون واستقلال القضاء ومساواة المواطنين أمام القانون بصرف النظر عن المعتقد أو العنصر أو الجنس وكفالة حرية البحث العلمي والفلسفي وحق الاجتهاد الديني وضمان الحقوق والحريات الأساسية والسياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وضمان حقوق الإنسان المنصوص عليها في المواثيق الدولية، وتحقيق التنمية المتوازنة والسلام المستدام

alsirbabo@yahoo.co.uk

   

مقالات مشابهة

  • الإمارات توجه نداءً عاجلاً من أجل السلام في السودان
  • قوات الدعم السريع تعلن قيام حكومة موازية في السودان مع دخول الحرب عامها الثالث  
  • السعودية تُشدد على أهمية وقف الدعم الخارجي لطرفي الصراع في السودان وتحذَّر من الدعوات إلى تشكيل حكومة موازية أو أي كيان بديل يُهدّد المسار السياسي
  • رسالة الدكتور عبدالله حمدوك إلى الشعب السوداني في الذكرى الثانية للحرب
  • بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لاندلاع الحرب .. بيان مشترك لمنتدى الإعلام السوداني بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لاندلاع الحرب في السودان
  • الجيش السوداني: نفذنا ضربات جوية ناجحة استهدفت تجمعات الدعم السريع
  • البيان المشترك لمنتدى الاعلام السوداني بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لاندلاع الحرب في السودان
  • نائب رئيس حزب الامة القومي: الحرب التي شنتها المليشيا هدفت الى طمس هوية السودان
  • العودة إلى منبر جدة- تحديات تحقيق السلام في السودان وسط تصاعد الحرب الدامية
  • التنوع الثقافي جذوره عميقة في الدولة السودانية