خالد بن حمد الرواحي

في عالم تسعى فيه المؤسسات لتحقيق الكفاءة والشفافية، كيف يمكننا التغلب على ظاهرة الفساد الإداري التي تهدد أسس التنمية المُستدامة؟ الإجابة تكمن في تطبيق مبادئ الحوكمة المؤسسية بشكل فعّال؛ حيث تُعد الحوكمة الإطار الذي يُعزز النزاهة والمساءلة ويُقلل من مظاهر الفساد.

والفساد الإداري، كما تُعرِّفه منظمة الشفافية الدولية؛ هو إساءة استخدام السُلطة لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المصلحة العامة.

ويتسبب هذا الفساد في إهدار الموارد، تدهور الأداء المؤسسي، وفقدان ثقة الجمهور. لكن ما يميز المؤسسات الناجحة هو قدرتها على اعتماد الحوكمة كوسيلة أساسية للتعامل مع هذه التحديات.

وفي ورقة بحثية حديثة نُشرت لنا في فبراير 2025، بمجلة المركز الوطني للدراسات والأبحاث المغربية العلمية المُحْكَمَة، تناولنا "مظاهر الفساد الإداري وآثاره على الحوكمة المؤسسية". نتائج الدراسة أكدت أن الحوكمة ليست مجرد نظريات؛ بل نظام متكامل يُسهم في تعزيز الشفافية وتقليل الفساد بنسبة تصل إلى 50%، وفقًا لدراسات حديثة مثل تقرير البنك الدولي لعام 2022. ومن خلال تعزيز الإفصاح المالي وتفعيل أنظمة رقابية صارمة، تصبح المؤسسات أكثر قدرة على تحقيق أهدافها بكفاءة وفعالية.

والتحديات في هذا السياق ليست غائبة؛ إذ إنَّ الطريق نحو تطبيق الحوكمة مليء بالعوائق، مثل: مقاومة التغيير، وضعف الاستثمار في التكنولوجيا، وغياب التشريعات الملزمة، وهذه بعض من العقبات التي تواجه المؤسسات. لكن كما أظهرت تجربة سنغافورة، فإن التغلب على هذه التحديات ليس أمرًا مُستحيلًا. ومن خلال اعتماد نظم رقابية مبتكرة واستخدام التكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعي وسلاسل الكتل، نجحت سنغافورة في تقليل الفساد وتحسين الثقة بين الحكومة والمواطنين.

ولا يقتصر تأثير الفساد الإداري على المؤسسات فقط؛ بل يمتد ليشمل المجتمع ككل؛ إذ إنه يُعيق التنمية الاقتصادية ويزيد من تكاليف الخدمات. لذلك، يجب أن تكون الاستراتيجيات لمكافحة الفساد شاملة، تشمل تعزيز الشفافية، بناء ثقافة مؤسسية داعمة للنزاهة، وتطوير برامج تدريبية للقادة والموظفين.

لكن.. لماذا يُعَدُّ القضاء على الفساد الإداري أمر ضروري؟! لأن المؤسسات التي تعتمد الحوكمة ليست فقط أكثر كفاءة؛ بل تُحقق أيضًا مستويات أعلى من الثقة العامة؛ مما يجعلها قادرة على جذب الاستثمارات وتحقيق التنمية المُستدامة.

الورقة البحثية التي استند إليها هذا المقال، ليست مجرد دراسة أكاديمية؛ بل تمثل دعوة للتحرك نحو تعزيز مبادئ الحوكمة. والمؤسسات التي تتبنى الشفافية والمساءلة لن تحقق النجاح وحسب، لكن أيضًا ستصبح نموذجًا يُحتذى به في عالم مليء بالتحديات.

الرسالة واضحة، وهي أن مكافحة الفساد تبدأ من القادة أنفسهم، علاوة على أن تبنِّي الحوكمة لم يعد ضربًا من الرفاهية؛ بل ضرورة لضمان استدامة المؤسسات ونجاحها.

وأخيرًا.. التغيير يبدأ اليوم؛ فالمستقبل يُبنى على أساس النزاهة والشفافية.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الحوكمة الرقمية.. أهميتها وتحدياتها

 

سالم البادي (أبو معن)

 

عند بداية الثورة الصناعية الرابعة في أوائل القرن الحادي والعشرين، تقريبًا ومنذ عام 2011، بدأ العصر الرقمي الذي تميَّز بتقنيات متقدمة وأكثر تطورًا مثل الذكاء الاصطناعي، إنترنت الأشياء، والبيانات الضخمة، مما شكل تطور المجتمعات والاقتصادات حول العالم، ومنها ظهرت "الحوكمة الرقمية".

الحوكمة الرقمية تعني استخدام التكنولوجيا الرقمية لتحسين وتسهيل العمليات الحكومية والإدارية، وتهدف إلى تعزيز الشفافية، والكفاءة، والمشاركة من قبل المواطنين في صنع القرار.

وقد طبقت سلطنة عُمان الربط الإلكتروني بشكل رسمي في عام 2006، حيث بدأت الحكومة في تنفيذ مشروع "عُمان الرقمية" الذي يهدف إلى تحسين الخدمات الحكومية من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة. وهذا الربط ساعد على تسريع الإجراءات الحكومية وتسهيل الوصول إلى الخدمات للمواطنين والمقيمين.

مصطلح "عُمان الرقمية" يشير إلى نفس مفهوم "الحوكمة الرقمية"؛ حيث يتعلق الأمر باستخدام التكنولوجيا الرقمية لتحسين الخدمات الحكومية وزيادة كفاءة العمليات.

و"الحوكمة الرقمية" لها أهمية كبيرة وتحديات متعددة، كما أنَّ هناك سبل لتطويرها، وأهميتها تكمن في تحسين الخدمات؛ حيث تساهم الحوكمة الرقمية في تحسين جودة وكفاءة الخدمات الحكومية المُقدمة للمواطنين.

وزيادة الشفافية؛ إذ تعزز من مستوى الشفافية والمساءلة في العمليات الحكومية، مما يساعد على بناء الثقة بين الحكومة والمواطنين.

وتعزيز المشاركة؛ حيث توفر منصات رقمية تتيح للمواطنين المشاركة في صنع القرار وتقديم آرائهم ومقترحاتهم.

وتوفير الوقت والجهد، من خلال تسهيل الوصول إلى المعلومات والخدمات، مما يقلل من الوقت والجهد المبذول في التعامل مع الإجراءات الحكومية التقليدية.

تحديات الحوكمة الرقمية

التحديات الأمنية: مع زيادة الاعتماد على التكنولوجيا، تزداد المخاطر المتعلقة بالأمن السيبراني وحماية البيانات.

الفجوة الرقمية: قد يؤدي عدم توفر التكنولوجيا أو الوصول إلى الإنترنت إلى تفاقم الفجوة بين الفئات الاجتماعية المختلفة.

تغييرات في الوظائف: قد تؤدي الأتمتة والرقمنة إلى تغييرات في سوق العمل، مما يتطلب إعادة تأهيل القوى العاملة.

سبل تطور الحوكمة الرقمية وحمايتها من المخاطر المستقبلية:

يجب على الحكومات الاستثمار في تطوير البنية التحتية الرقمية لضمان الوصول الشامل.

وإنشاء سياسات واضحة تدعم الابتكار وتعزز من استخدام التكنولوجيا في العمليات الحكومية.

والتعاون مع القطاع الخاص، من خلال تشجيع الشراكات مع الشركات التكنولوجية لتطوير حلول مبتكرة تلبي احتياجات الحكومة والمواطنين.

وتعزيز الأمن السيبراني؛ حيث يجب على المؤسسات والأفراد اتخاذ تدابير قوية لحماية البيانات والمعلومات الحساسة، ويشمل ذلك استخدام برامج مكافحة الفيروسات، وتحديث الأنظمة بشكل دوري، وتطبيق تدابير التشفير.

التوعية والتدريب: من المهم توعية المستخدمين حول المخاطر الرقمية وكيفية التعامل معها، يمكن تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية لتعريف الأفراد بأساليب الحماية.

المراقبة والتقييم المستمر: يجب على المؤسسات مراقبة أنظمتها بشكل دوري لتحديد الثغرات الأمنية وتقييم المخاطر المحتملة.

التعاون الدولي: بما أن التهديدات الرقمية غالبًا ما تتجاوز الحدود، فإن التعاون بين الدول ضروري لمواجهة التحديات المشتركة.

الابتكار في التكنولوجيا: الاستثمار في تقنيات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي يمكن أن يساعد في تطوير حلول أكثر فعالية لمواجهة التهديدات.

وباتباع هذه الاستراتيجيات، يمكننا تعزيز الحماية لعالمنا الرقمي وتقليل المخاطر المستقبلية.

ولا شك أنَّ الحوكمة الرقمية ستُؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الوطني بعدة طرق منها:

زيادة الكفاءة: من خلال تسهيل العمليات التجارية وتبادل المعلومات، يمكن للشركات تقليل التكاليف وزيادة الإنتاجية، مما يؤدي إلى نمو اقتصادي أكبر.

توسيع الأسواق: يتيح الربط الإلكتروني للشركات الصغيرة والمتوسطة الوصول إلى أسواق جديدة، مما يساعدها على التوسع وزيادة الإيرادات.

تحسين الخدمات: من خلال تحسين الخدمات الحكومية والتجارية، يمكن للمواطنين والشركات الاستفادة من خدمات أسرع وأكثر كفاءة، مما يعزز الثقة في الاقتصاد.

خلق فرص عمل: مع زيادة الاعتماد على التكنولوجيا، تظهر فرص عمل جديدة في مجالات مثل تكنولوجيا المعلومات، التسويق الرقمي، وخدمات العملاء.

تحفيز الابتكار: الربط الإلكتروني يشجع على الابتكار من خلال تسهيل التعاون بين الشركات والأفراد، مما يؤدي إلى تطوير منتجات وخدمات جديدة.

بشكل عام، عند اكتمال الحوكمة الرقمية في سلطنة عُمان ستسهم في تعزيز النمو الاقتصادي وزيادة الاستدامة في الاقتصاد المحلي.

أثر الربط الإلكتروني على الخدمات الحكومية في سلطنة عُمان بعدة طرق إيجابية:

تسهيل الوصول إلى الخدمات: أصبح بإمكان المواطنين والمقيمين الوصول إلى مجموعة واسعة من الخدمات الحكومية عبر الإنترنت، مما يوفر الوقت والجهد.

تقليل البيروقراطية: ساعد الربط الإلكتروني في تقليل الإجراءات المعقدة والمتطلبات الورقية، مما جعل المعاملات أكثر سلاسة وسرعة.

تحسين الكفاءة: تم تحسين كفاءة العمل داخل الجهات الحكومية، حيث أتاح الربط الإلكتروني تبادل المعلومات بشكل أسرع بين مختلف الجهات.

زيادة الشفافية: ساعد الربط الإلكتروني في تعزيز الشفافية والمساءلة، حيث يمكن للمواطنين متابعة معاملاتهم والتأكد من سيرها بشكل صحيح.

توفير الخدمات على مدار الساعة: أصبح بإمكان الأفراد إجراء المعاملات الحكومية في أي وقت، دون الحاجة للانتظار في الطوابير أو زيارة المكاتب الحكومية.

بشكل عام ساهم الربط الإلكتروني في تحسين جودة الخدمات الحكومية وزيادة رضا المواطنين.

ولمواجهة التهديدات المستقبلية، من المهم تبنِّي استراتيجيات متعددة تشمل التوعية والتخطيط الجيد، يجب أن نبدأ بتقييم المخاطر المحتملة التي قد نواجهها في المستقبل، سواء كانت اقتصادية، بيئية، أو اجتماعية. بعد ذلك، يمكن تطوير خطط استجابة فعالة، مثل تعزيز التعاون بين المؤسسات المختلفة، والاستثمار في التكنولوجيا الحديثة، وتوفير التدريب اللازم للأفراد لمواجهة التحديات، كما يجب التحلي بالمرونة والقدرة على التكيف مع التغيرات السريعة في العالم من حولنا.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • أمين هيئات الإفتاء: المؤسسات الدينية الكبرى تلعب دورا محوريا في تعزيز قيم التضامن
  • أسامة ربيع: قناة السويس لديها حلول لجميع المشكلات التي تواجهها
  • جلسة حوارية حول تعزيز الكفاءة والابتكار بقطاع التعليم العالي
  • الحوكمة الرقمية.. أهميتها وتحدياتها
  • ملتقى تكامل يناقش تعزيز التعاون بين رواد الأعمال بمحافظة الداخلية
  • باسيل: مشكلتنا ليست مع الفساد بل مع منظومته
  • رئيس جامعة سوهاج: إنطلاق برنامج الحوكمة ومكافحة الفساد
  • لقجع: ضعف تدبير المنازعات كلف الدولة 5.4 مليار سنة 2023.. وعلى القضاء الإداري تفهم إكراهات الإدارة 
  • كرم: التزام الرئيسين عون وسلام الإصلاحات والشفافية يعزز فرص النجاح
  • «اللافي» يبحث مع البعثة الأممية تعزيز مبادئ الشفافية والإفصاح