نُذُر حرب متعددة الأطراف في اليمن بأفق سياسي محفوف بالمخاطر
تاريخ النشر: 23rd, February 2025 GMT
تتصاعد هذه الأيام وتيرة الاستعراضات العسكرية التي تأخذ طابع الردع المعنوي المتبادل وسط توقعات بإمكانية انفلات الأمور مما قد يؤدي إلى اندلاع الحرب مجددا؛ خصوصا في جبهات المواجهات التقليدية في وسط البلاد وغربها، بعد سنوات من الانضباط الذي أملته الإرادة الدولية والاستهانة الصارخة من جانب القوى الإقليمية بشركاء التحالف اليمنيين الذين يمثلهم معسكر الشرعية بسلطته وأحزابه وقواه العسكرية.
تمثل محافظة مأرب أحد الميادين الرئيسة لاختبار القدرات العسكرية للقوات الحكومية والحوثيين، عبر الاشتباكات المتقطعة والعنيفة التي شهدتها مناطق جنوب المحافظة وشمالها، وعلى تخوم محافظة الجوف. ومأرب نفسها كانت أيضا مسرحا لاستعراض القوة بمظهرها القبلي هذه المرة، في منحى تفضله السعودية -على ما يبدو- لمعركة محتملة مع الحوثيين، بانتظار نضج الشروط الإقليمية والدولية التي قد تسمح باندلاعها على الساحة اليمنية، بكلف قليلة، أسوة بما جرى في سوريا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024.
إظهار البعد القبلي في الحشود العسكرية الاستعراضية، ينطوي على رغبة واضحة في تحييد الأدوات السياسية التقليدية التي قامت عليها عملية التغيير والتزاماتها وأفقها السياسي، وضمان أن تكون النتائج السياسية للمعركة المحتملة مع الحوثيين بمثابة إهالة كاملة للتراب على البيئة السياسية والتعددية الديمقراطية في اليمن، الأمر الذي ينطوي على نية مبيته للإبقاء على خميرة الصراع في اليمن.
ثمة إرادة حقيقية لدى طرفي الحرب في الوصول إلى أهداف الحسم العسكري، وإنهاء الوضعية الاستثنائية الصعبة التي يعيشها اليمنيون، إلا أن توازن القوى الحالي أفقدهما قدرة السيطرة على مجريات الحرب، في مقابل الهيمنة الواضحة التي تتمتع بها القوى الإقليمية والدولية
ثمة إرادة حقيقية لدى طرفي الحرب في الوصول إلى أهداف الحسم العسكري، وإنهاء الوضعية الاستثنائية الصعبة التي يعيشها اليمنيون، إلا أن توازن القوى الحالي أفقدهما قدرة السيطرة على مجريات الحرب، في مقابل الهيمنة الواضحة التي تتمتع بها القوى الإقليمية والدولية، والتي لا تتوقف على التحكم بموارد المال والسلاح والقرار، بل أيضا على التحكم في تأمين الحصص السياسية والجيوسياسية المستقبلية لأطراف الحرب.
جماعة الحوثي التي تظهر أمام العالم مستقلة إلى حد كبير في خياراتها العسكرية، على نحو ما أظهرته المواجهات في جنوب البحر الأحمر، لا تمتلك ترف الذهاب الفوري أو اختبار قدرتها في حسم الموقف العسكري مع أطراف الحرب الأخرى. ويُعزى ذلك إلى أن قدراتها العسكرية النوعية لا تشكل عامل ردع للقوى المحلية على الإطلاق، فلا أهداف حساسة يمكن الوصول إليها لتقليص فارق القوة وزمن المواجهة ودفع الطرف الآخر للاستسلام.
أكثر المنشآت حساسية هي المنشآت النفطية والغازية، وهي منشآت معطلة حاليا ولا تمثل امتيازا حربيا للحكومة الشرعية التي تقع تحت سيطرتها، في ظل توقف الصادرات النفطية والغازية، وهو أمر انعكس على الميزانية وعلى الهشاشة الحادة للاقتصاد والعملة المتداولة في مناطق الشرعية.
لدي يقين بأن الحوثيين لا يرغبون في اختبار قوى الشرعية، على تفرقها، لأنه إن حدث ذلك فسيكون ذلك مدعاة لتأمين الحد المطلوب من التوافق داخل معسكر الشرعية المنقسم بفعل التدخل الإقليمي، الذي سيكون مضطرا لتوفير الامدادات العسكرية الكفيلة بخوض مواجهة؛ إما أن تبقي التوازن عند مستوياته الحالية أو قد تدفع باتجاه تقليص نفوذ الحوثيين وربما هزيمتهم، وكلاهما أمران يمكن تحقيقهما.
أخطر ما تنطوي عليه المعركة المحتملة مع الحوثيين؛ هو التحييد والتعطيل متعدد الأبعاد للسلطة الشرعية وقواها إلى جانب الغموض في المسار السياسي، الذي بات يفتقد بوضوح للحد المطلوب من الالتزام بالمرجعيات الحاكمة للأزمة اليمنية
يدرك الحوثيون أن خطورة التحول في الموقف الجيوسياسي الأمريكي تجاه الصراع في اليمن، من دعم واضح للحوثيين إلى استهدافهم، وإلى السعي الحثيث لتعطيل قوتهم العسكرية، وهو أمر بدأ مع الاستهداف الدقيق للأهداف مختارة من مخازن السلاح المحصنة ومراكز العمليات، وتكثيف الرقابة العسكرية الجوية والسعي الحثيث لإيجاد بدائل أكثر فعالية لخوض معركة حاسمة متعددة الأطراف ضدهم، وهو أمر قد لا يستغربه الحوثيون الذين وجدوا أنفسهم، بفعل الضغط الأمريكي على الرياض، يفاوضون الحكومة السعودية، ويخططون مع سفيرها وفريقه مستقبل حكم اليمن دون وجود يذكر للسلطة الشرعية المعترف بها دوليا وقواتها ورجالها.
الدور الذي لعبته الدول الأوروبية، وساهم في تنميط المعركة وتكريس بُعدها الإنساني وتخادم بشكل مباشر وغير مباشر مع جماعة الحوثي، قد تراجعت مفاعيله بسبب التحول في الموقف الأمريكي، وهو أمر لا شك سيُضيِّقُ مساحةَ هذا العبث، الذي ساهمت المنظمات الغربية في تغذيته، قبل أن يتبين مؤخرا أنها كانت تعتمد في جزء كبير من نشاطها على الدعم الأمريكي، الذي أوقفته إدارة ترامب.
إن أخطر ما تنطوي عليه المعركة المحتملة مع الحوثيين؛ هو التحييد والتعطيل متعدد الأبعاد للسلطة الشرعية وقواها إلى جانب الغموض في المسار السياسي، الذي بات يفتقد بوضوح للحد المطلوب من الالتزام بالمرجعيات الحاكمة للأزمة اليمنية، وهذه المخاوف مصدرها سلوك المتنفذين الإقليميين، الذين استَبَقوا لحظةَ الحسم المرتقبة، بتقييد المشهد اليمني بحزمة من الاتفاقيات والتفاهمات العبثية التي عززت سلطة الحوثيين، وعززت نفوذ الكانتونات المسلحة، بما يمثله بعضها من استهداف واضح لوحدة اليمن وسلامة أراضيه.
x.com/yaseentamimi68
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الحرب اليمنيين الشرعية الحوثيين اليمن الشرعية الحوثي حرب سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مع الحوثیین فی الیمن وهو أمر
إقرأ أيضاً:
محلل سياسي: الحرب الروسية الأوكرانية تعيد تشكيل العلاقة بين أوروبا والولايات المتحدة
أكد عبدالغني العيادي، المحلل السياسي، أن القضايا الجيوسياسية الكبرى، مثل الحرب الروسية الأوكرانية، تلعب دورًا محوريًا في إعادة تعريف ملامح العالم، وخاصة في طبيعة التعاطي الأمريكي مع القضايا الدولية، مشيرًا إلى أن التيار الوطني الشعبوي الذي يتبناه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثر بشكل واضح على طريقة تفاعل واشنطن مع الأزمات العالمية.
وأضاف العيادي، خلال مداخلة على قناة "القاهرة الإخبارية"، أن النقاش حول استقلالية الاتحاد الأوروبي عن الولايات المتحدة ليس جديدًا، بل يعود إلى عقود مضت، حيث ظل الأوروبيون يتساءلون عن الاستراتيجيات الممكنة لتعزيز هويتهم السياسية والعسكرية، وفي هذا السياق، تأتي زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الولايات المتحدة كدليل على استمرارية العلاقات الأمريكية-الأوروبية، لكنها أيضًا تعكس محاولات أوروبا لإيجاد توازن جديد في علاقتها بواشنطن.
وأوضح العيادي أن الحرب الروسية الأوكرانية أصبحت القضية المحورية التي تفرض نفسها على العلاقات بين الطرفين، إذ ينظر الأوروبيون إلى هذه الأزمة كمسألة أمن قومي مباشرة، بينما تتعامل الولايات المتحدة معها من منظور المصالح الجيوسياسية الأوسع.
وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي لا يبحث عن حلول قد تعرض أمنه وسلامته للخطر، خاصة في ظل التحولات السريعة والمفاجئة التي يشهدها العالم، وفي هذا السياق، أكد أن من غير المنطقي، من وجهة النظر الأوروبية، أن تتم معالجة الأزمة الأوكرانية دون إشراك الدول التي تتحمل العبء الأكبر في تمويلها ومساندتها، أي الدول الأوروبية نفسها.
إلى جانب الأزمة الأوكرانية، لفت العيادي إلى وجود خلافات أخرى بين الجانبين، تشمل قضايا الشرق الأوسط، الوضع في غزة، والرسوم الجمركية، إلا أن الحرب الروسية الأوكرانية تظل القضية التي ستشكل مستقبل العلاقات بين واشنطن وبروكسل، نظرًا لتداعياتها المباشرة على الأمن الأوروبي والعالمي.