الموقف العربي فيما وراء خطة ترامب تجاه قطاع غزة
تاريخ النشر: 23rd, February 2025 GMT
يجب الانتباه ابتداء إلى أن خطة ترامب تجاه غزة ومقاومتها مرتبطة بسقفين أو مستويين:
الأول: مستوى أعلى يتحدث عن استملاك غزة وتهجير أهلها، وإيجاد حالة ضغط هائل على أهل غزة وعلى مصر والأردن للتعامل بواقعية معها، وقبول ما يمكن قبوله وتنفيذ "الخروج الطوعي" بقوة الأمر الواقع.
الثاني: مستوى وسيط مستهدف بشكل أكثر جدية، ويرى ترامب والاحتلال الإسرائيلي أنه ممكن التحقيق وأكثر واقعية، وسيجد له صدى إيجابيا في البيئة العربية، ولدى سلطة رام الله.
فإذا لم يتحقق المستوى الأول، يتم "التنازل" للمستوى الثاني، ليبدو الأمر وكأن الدول العربية حققت "انتصارا"، بينما تتم محاولة تبليع الفلسطينيين "الطُّعم"، بدفعهم للاستجابة للمستوى الثاني!!
سيناريوهات:
أمام الدول العربية، وخصوصا مصر والأردن، ثلاثة سيناريوهات في مواجهة خطة ترامب، التي تهدف لتهجير فلسطينيي قطاع غزة:
1- الموافقة الضمنية أو العملية على خطة ترامب، وفتح الباب أمام عملية التهجير، بحجة المعالجة الإنسانية "المؤقتة" لقيام الاحتلال الإسرائيلي بتحويل قطاع غزة إلى منطقة مدمرة وغير قابلة للحياة، ورفضه السماح بإدخال مواد البناء وإعادة الإعمار، مع استمراره في عدوانه على القطاع بدرجات مختلفة وتحويله إلى بيئة غير آمنة وبيئة طاردة.
2- "الرفض الناعم" لخطة ترامب، من خلال الاستمرار في إغلاق الحدود في وجه عملية التهجير، واستخدام لغة هادئة في امتصاص واستيعاب اندفاعة ترامب وتبريرها تدريجيا، وتجنُّب أي احتكاك مباشر معه؛ مع التأكيد المتواصل على أن سلوك ترامب يُهدّد مصالحها العليا وأمنها القومي ويهدد بخسارتها لحلفائها في المنطقة، وهو ما يعني ضمنا خسارتها لمصالحها في المنطقة.
3- الرفض القوي الحاسم لخطة ترامب، وتفعيل البيئات الشعبية والمؤسسات الرسمية ضد الخطة، واستخدام لغة هجومية رادعة، ورفضها المطلق للابتزاز السياسي والمالي، وتحميل ترامب والاحتلال الإسرائيلي مسؤولية إسقاط مسار التسوية السلمية وحل الدولتين.
حتى الآن، يبدو السيناريو الأول مستبعدا، لأن ذلك يتعارض مع الأمن القومي لهذه الدول، ولأنه قد يتسبب لها بمشاكل سياسية وشعبية، أو ينعكس على نسيجها الاجتماعي كما في الأردن. كما أن السيناريو الثالث يظل مستبعدا، فليس ثمة رغبة ولا إمكانية بالنسبة للأنظمة السياسية لمواجهة ترامب وتحدِّيه. ولذلك، فمن خلال القراءة الواقعية للمنظومة العربية وأدائها السياسي وخلفياتها، يبدو السيناريو الثاني في "الرفض الناعم" أكثر ترجيحا.
* * *
تسويق نزع أسلحة المقاومة:
ولأن الموقف العربي سيكون رافضا لخطة التهجير، فسيتم تقديمه شعبيا باعتباره موقفا "بطوليا" وطنيا وقوميا. وعند ذلك سيلجأ الاحتلال الإسرائيلي والأمريكان إلى الضغط على غزة من خلال ثلاث أوراق: الأولى إمكانية استئناف الحرب على غزة وما تحمله من مآس ومعاناة؛ والثانية قطع السبل على إدخال المساعدات ومنع عملية إعادة الإعمار، والثالثة مواصلة عملية التهجير داخل القطاع وجعله منطقة غير قابلة للحياة.
وعند ذلك، سيتم تسويق فكرة إرسال قوات عربية ودولية للقطاع، وإدارته بمشاركة سلطة رام الله وفق المعايير الإسرائيلية، وإخراج حماس وتيار المقاومة من الحياة السياسية والعامة، ونزع أسلحة المقاومة.. باعتبار ذلك متطلبات ضرورية لوقف نزيف الدماء وإفشال مشروع التهجير وإمكانية البدء بالإعمار. وسيتم تقديم ذلك باعتباره مصلحة عليا، وسيتم السعي لحشر حماس باعتبارها سببا في تعطيل هذه المصالح.
أما "إقناع" الطرفين الإسرائيلي والأمريكي بـ"التراجع" عن فكرة التهجير، فسيظهر وكأنه تنازل كبير، بينما يكون الاحتلال الإسرائيلي في الحقيقة قد أنجز هدفه الرئيسي المعلن من الحرب.
وفي هذه الأجواء، فبينما كانت البيئة الشعبية الفلسطينية ترفض بأغلبية ساحقة التدخل العربي والأجنبي في إدارة قطاع غزة، حيث لم يدعم هذه الفكرة أكثر من اثنين أو ثلاثة في المئة وفق استطلاعات الرأي في أثناء الحرب، كما لم يدعم فكرة إدارة سلطة رام الله للقطاع بقيادة محمود عباس أكثر من 15 في المئة وفق الاستطلاعات نفسها.. فستصبح هكذا حلول قابلة للتسويق، ليس بالضرورة باعتبارها الأفضل، وإنما على قاعدة أهون الضررين. أما حماس فكانت تحظى بنحو 60 في المئة من التأييد.
مواجهة التحدي:
يمكن التعامل مع هذا التحدي وفق المعطيات والخطوط العامة التالية:
1- إن إدارة قطاع غزة هو شأن فلسطيني، وإن الفلسطينيين هم المعنيون بوضع التصورات المناسبة، وصناعة قرارهم في ضوء توافقهم الوطني. أما اللاجئون الفلسطينيون في القطاع، فانتقالهم الطبيعي الذي تدعمه القرارات الدولية هو لأرضهم الفلسطينية التي أخرجوا منها سنة 1948.
2- إن سلاح المقاومة هو الذي حمى قطاع غزة طوال خمس حروب شرسة شنها الاحتلال على القطاع، وهو حق طبيعي للشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه وتحرير أرضه.
3- إن سلاح المقاومة هو الذي أفشل التهجير، وأجبر الاحتلال على الانسحاب من القطاع، ونجح في عقد صفقة مُشرِّفة لتبادل الأسرى، وبالتالي كان هو خط الدفاع الأول عن الأمة العربية والإسلامي، وعن الأمن القومي العربي والإسلامي، وإن بقاءه وتقويته هو مصلحة عليا؛ وإن محاولة نزعه يفتح المجال للتغوّل الصهيوني على البيئة العربية والإمعان في تطويعها وإضعافها.
4- لا يجوز مكافأة الاحتلال على إجرامه ومجازره ووحشيته، ولا يجوز معاقبة المقاومة على بطولتها وتضحياتها وإنجازاتها. إن الاستجابة للأجندة الإسرائيلية الأمريكية يحقق لها بالسياسة ما فشلت فيه بالحرب، ويضع الدول العربية التي قد تتوافق مع هذه الأجندة، ليس فقط في مواجهة الإرادة الحرة للشعب الفلسطيني وخياراته، وإنما أيضا في مواجهة شعوبها التي تدعم بشكل عام خط المقاومة.
5- إن الأولى بالبيئة العربية إفشال مخططات التهجير والتطويع، من خلال التأكيد على الإرادة الحرة للشعب الفلسطينية، وحقه في أرضه وتحريرها، ومن خلال فك الحصار والسماح بدخول مواد الإغاثة وإعادة الإعمار.
6- إن الإرادة الأمريكية والإرادة الإسرائيلية ليست قدرا، وكلا الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأمريكية يعانيان من أزمات كبيرة، وليستا في وضع يمكنهما من شنّ حروب واسعة، وطبيعة ترامب نفسه تميل للتأزيم والمساومة لكنها لا تميل للحروب. وإذا كانت المقاومة قد تمكنت من تحدي العدوان والمخططات الإسرائيلية الأمريكية وإفشالها، فمن باب أولى أن تتمكن الدول العربية من إفشالها إن قررت ذلك، واستخدمت الأدوات المكافئة لتحقيقها.
x.com/mohsenmsaleh1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ترامب غزة الفلسطينيين التهجير فلسطين غزة تهجير ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاحتلال الإسرائیلی الدول العربیة خطة ترامب قطاع غزة من خلال
إقرأ أيضاً:
برلماني: تراجع تصريحات ترامب بشأن مخطط التهجير انتصار للدبلوماسية المصرية
أكد الدكتور جمال أبو الفتوح، عضو مجلس الشيوخ، أن تراجع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطته بشأن تهجير القسري للشعب الفلسطيني، تكشف حجم قوة الموقف المصري وتعد انتصارًا للدبلوماسية المصرية، لدحض هذا المخطط الذى يعني تصفية واضحة للقضية الفلسطينية وهذا مارفضته مصر منذ اندلاع الحرب، واتخذت موقفاً تاريخياً لوقف مخطط التهجير وحثت على العودة للتفاوض سلمياً، بدلا من خيار الحرب التي تكلف المنطقة فواتير اقتصادية وسياسية خطيرة وطويلة الأمد .
وأضاف "أبو الفتوح"، أن تراجع ترامب عن تصريحاته تكشف أيضًا عن ضعف رؤيته وعن حالة التذبذب التي تقوده في حلحلة الأزمات العالمية، حيث ينتهج الرئيس الأمريكي نهجاً مندفعا يسهم في زيادة الأزمات الدولية ويسهم في تهديد سبل الاستقرار بالمنطقة، في ضوء تصريحاته المتناقضة بشأن الموقف في غزة، فقد اتسمت هذه التصريحات بالنزعة التي يملوها التعصب والانحياز للكيان الصهيوني دون الالتفاف لمعايير ومفاهيم حقوق الإنسان الأولية فقد تجاهل جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل بحق المدنيين وترك هذه المجازر دون التطرق إليها، ليستنكر موقف حماس من الأسرى الإسرائيليين، على الرغم من تصريحاتهم التي كشفت عكس اتهامات ترامب ونتنياهو .
وأشار عضو مجلس الشيوخ، إلى أن مصر لعبت دوراً هاما في دعم القضية الفلسطينية على مر التاريخ، فلم تتوان لحظة في مساندة الشعب الفلسطيني لاسيما في محنته الأخيرة، فقد نددت مصر بالعدوان الغاشم على غزة وأصرت على تمرير المساعدات عبر معبر رفح، برغم التعنت الإسرائيلي لمنع تمرير القوافل الإغاثية عبر المعبر، كما ساهمت في التوصل إلى اتفاقية وقف إطلاق النار بعد أشهر طويلة من العدوان، فقد حركت الجليد ونجحت في إقناع الجانبين بالتوصل إلى هدنة لوقف نزيف الدم بين الأبرياء .
وأوضح الدكتور جمال أبو الفتوح، أن مصر لن تقبل بمخطط التهجير القسري للشعب الفلسطيني، لأن هذا يعني تصفية القضية الفلسطينية وحدوث نكبة جديدة تهدر الحق الفلسطيني في الأرض وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، فقد بذلت القاهرة جهوداً حثيثة من أجل رفض التهجير ووقفت صامدة أمام كافة الضغوط الأمريكية من أجل تمرير هذا المخطط، فقد تمسكت ووحدت الصف العربي ونجحت في توصيل رسالة من مصر والأردن بهذا الموقف الثابت حرصاً على عدم زعزعة الاستقرار بالمنطقة .