شهدت العاصمة اللبنانية بيروت، اليوم الأحد، مراسم تشييع غير مسبوقة لأمين عام حزب الله السابق حسن نصر الله وخلفه هاشم صفي الدين، اللذين قُتلا في غارات إسرائيلية خلال الأسابيع الماضية. 

وقد شارك عشرات الآلاف من أنصار الحزب في الجنازة التي جرت في مدينة كميل شمعون الرياضية جنوب بيروت، وسط إجراءات أمنية مشددة وحضور وفود إيرانية رفيعة المستوى، في حين لم يحضر الرئيس اللبناني جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام شخصيًا.

ضربة إسرائيلية مزدوجة

لقي حسن نصر الله مصرعه في 27 سبتمبر الماضي، في غارة إسرائيلية استهدفت مقره تحت الأرض في منطقة حارة حريك، المعقل الرئيسي للحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث استخدمت فيها أطنان من المتفجرات. 

ولم تمضِ سوى أيام قليلة حتى قُتل خليفته هاشم صفي الدين في 3 أكتوبر، في غارة مماثلة.

ومنذ ساعات الصباح الأولى، اكتظّت مدينة كميل شمعون الرياضية والطرق المؤدية إليها بحشود ضخمة من أنصار الحزب الذين ارتدوا الملابس السوداء ورفعوا صور نصر الله وصفي الدين ورايات الحزب الصفراء. ووفق المنظمين، فقد امتلأت مدرجات الملعب تمامًا، حيث يتسع لأكثر من 78 ألف شخص، إضافة إلى المقاعد الإضافية التي تم وضعها.

وقبيل مراسم التشييع، بثّت شاشات عملاقة في الملعب مقتطفات من خطابات سابقة لنصر الله، ما دفع الكثير من المشيعين إلى البكاء.

غياب رسمي لبناني وحضور إيراني بارز

غاب الرئيس اللبناني جوزيف عون ورئيس الوزراء نواف سلام عن حضور المراسم شخصيًا، حيث أوفد الأول رئيس مجلس النواب نبيه بري، حليف حزب الله، لتمثيله، بينما أوفد نواف سلام وزير العمل محمد حيدر.

وفي المقابل، كان هناك حضور إيراني رفيع المستوى، حيث تقدّم الجنازة وفد ضم:

محمد باقر قاليباف، رئيس مجلس الشورى الإيراني.عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني.علي فدوي، نائب قائد الحرس الثوري الإيراني.

وتم وضع صور عملاقة لنصر الله وصفي الدين داخل المدينة الرياضية وعلى جدرانها، فيما حمل المشيعون نعشيهما المغطّيين برايات حزب الله الصفراء.

نعيم قاسم يتعهد بـ"السير على خط نصر الله"

وفي كلمة ألقاها خلال مراسم التشييع، تعهّد الأمين العام الجديد لحزب الله، نعيم قاسم، بمواصلة مسيرة نصر الله، قائلاً:
"سنحفظ الأمانة وسنسير على هذا الخط"، مردّدًا بقبضة مرفوعة: "أنا على العهد يا نصر الله".

وأضاف قاسم، الذي ظهر عبر الفيديو من موقع غير معلوم بسبب التحليق المكثف للطائرات الإسرائيلية فوق بيروت:
"لن نقف مكتوفي الأيدي بينما نتعرض للقتل والاحتلال.. ونقول لأمريكا: لن تأخذوا بالسياسة ما لم تأخذوه بالحرب."

وأشار إلى أن حزب الله "يدعم الجيش اللبناني ويقف إلى جانبه"، في رسالة تؤكد استمرار العلاقة بين الحزب والقوات المسلحة اللبنانية.

إجراءات أمنية مشددة ودفن الجثامين

مع تصاعد التوتر الأمني، اتخذ حزب الله والأجهزة الأمنية اللبنانية تدابير مشددة، حيث نُشرت آلاف العناصر الأمنية في محيط المراسم، كما عُلّقت الرحلات الجوية في مطار بيروت من الساعة 12:00 ظهرًا حتى 4:00 عصرًا بتوقيت بيروت.

ومن المقرر أن يُدفن حسن نصر الله في قطعة أرض تقع بين الطريقين المؤديين إلى المطار، فيما سيتم نقل جثمان صفي الدين إلى بلدته دير قانون النهر جنوب لبنان، حيث سيتم دفنه غدًا الإثنين.

إسرائيل تواصل التصعيد مع استهداف جنوب لبنان

لم يمر يوم التشييع دون تصعيد إسرائيلي، حيث شنّت مقاتلات إسرائيلية صباح الأحد غارات على جنوب لبنان وشرقه، ما أسفر عن إصابة فتاة بجروح، بحسب الوكالة الوطنية للإعلام في لبنان.

وأكد الجيش الإسرائيلي أنه استهدف "موقعًا عسكريًا يحتوي على منصات صواريخ وأسلحة" في جنوب لبنان، زاعمًا أنه تم "رصد نشاط لحزب الله فيه". كما استهدفت الغارات "منصات صواريخ كانت تشكل تهديدًا وشيكًا للمدنيين الإسرائيليين".

وبالتزامن مع التشييع، حلق الطيران الحربي الإسرائيلي على علو منخفض فوق بيروت وضاحيتها الجنوبية، في استعراض واضح للقوة.

وفي تعليق مستفز على جنازة نصر الله، نشر الجيش الإسرائيلي تغريدة عبر منصة إكس (تويتر سابقًا) قال فيها: "اليوم هو يوم جنازة حسن نصر الله.. اليوم أصبح العالم مكانًا أفضل."

كما صرّح وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس قائلًا:
"طائرات سلاح الجو الإسرائيلي التي تحلق حاليًا في سماء بيروت فوق جنازة حسن نصر الله ترسل رسالة واضحة: من يهدد بتدمير إسرائيل ويهاجمها، فهذه ستكون نهايته."

حزب الله أمام مرحلة جديدة

يشكّل تشييع نصر الله وصفي الدين أول حدث جماهيري كبير لحزب الله منذ اندلاع المواجهة المفتوحة مع إسرائيل، والتي انتهت بوقف لإطلاق النار في 27 نوفمبر الماضي، بعد أن تعرّض الحزب لضربات موجعة.

وكان نصر الله قد دُفن بشكل مؤقت بعد مقتله في مكان سري، بسبب استمرار المواجهات، قبل أن يتمكن الحزب من تنظيم جنازة علنية اليوم.

وفي ظل التصعيد الإسرائيلي المستمر، تواجه قيادة حزب الله الجديدة تحديات استراتيجية كبيرة، إذ بات الحزب في وضع حساس بين التصعيد العسكري مع إسرائيل، وبين الضغوط الدولية والإقليمية التي قد تؤثر على وضعه الداخلي في لبنان.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: لبنان بيروت حسن نصر الله حزب الله هاشم صفي الدين نصر الله جوزيف عون أمين عام حزب الله المزيد حسن نصر الله جنوب لبنان حزب الله

إقرأ أيضاً:

الطيران الإسرائيلي يحلق على علو منخفض خلال تشييع جنازة حسن نصر الله

خرق الطيران الإسرائيلي، الأحد، جدار الصوت على علو منخفض في سماء بيروت، تزامناً مع بدء حزب الله حفل تأبين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، الذي قاد حزب الله لمدة أسبوع بعد اغتيال نصر الله قبل أن تقتله إسرائيل أيضًا.

نشأة حسن نصر الله

وُلد حسن نصر الله في أغسطس 1960 في أحد الأحياء الفقيرة شرق بيروت، كان والده يملك محل بقالة صغيرًا، وكان نصرالله هو الابن الأكبر بين 9 أبناء.

عند اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية كان عمره 15 عامًا، في بداية الحرب، قرر والد حسن نصرالله مغادرة بيروت والعودة إلى قريته الأصلية في جنوب لبنان «البازورية» التي ينتمي سكانها إلى الطائفة الشيعية مثل العديد من القرى في مدينة صور في محافظة الجنوب، وهناك تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي.

وانضم حسن نصر الله في سن الـ 15 إلى أهم مجموعة سياسية عسكرية شيعية لبنانية في ذلك الوقت إلى «حركة أمل»، وهي جماعة مؤثرة وناشطة أسسها موسى الصدر، ورغم أن «نصرالله» درس في النجف بالعراق لمدة عامين فقط ثم اضطر إلى مغادرتها، إلا أن وجوده في النجف كان له تأثير عميق على حياته، حيث التقى في النجف برجل دين آخر يُدعى عباس الموسوي والذي كان يكبر حسن نصر الله بـ8 سنوات، وسرعان ما أصبح مدرسًا صارمًا ومرشدًا مؤثرًا في حياة نصرالله، وبعد عودتهما إلى لبنان، انضم الاثنان إلى القتال في الحرب الأهلية.

كان «الموسوي» يُعتبر أحد طلاب موسى الصدر في لبنان، وتأثر بقوة بالأفكار السياسية لروح الله الخميني الذي سيصبح المرشد الأعلى للثورة الإيرانية فيما بعد.

تأسيس حزب الله

قرر قادة الحرس الثوري الإسلامي في إيران الذين كانوا يمتلكون خبرة في الحروب التقليدية، إنشاء مجموعة في لبنان تتبع بالكامل لإيران، واختاروا الاسم الذي كانوا معروفين به في إيران ليكون اسم هذه المجموعة «حزب الله».

وفي عام 1985، أعلن حزب الله رسميًا عن تأسيسه، انضم حسن نصرالله وعباس الموسوي، مع بعض الأعضاء الآخرين في حركة أمل، إلى هذه المجموعة التي تم إنشاؤها حديثًا.

عندما انضم نصرالله إلى جماعة حزب الله، كان عمره 22 عامًا فقط وبمعايير رجال الدين الشيعة، كان يُعتبر مبتدئًا، وكان يقودها شخصية أخرى تُدعى صبحي الطفيلي، وسرعان ما تركت بصمتها من خلال تنفيذ أعمال مسلحة ضد القوات الأمريكية في لبنان.

التواصل مع إيران

في منتصف الثمانينيات، ومع تعمق علاقة نصرالله مع إيران، قرر الانتقال إلى مدينة قم لمواصلة دراسته الدينية، وخلال فترة وجوده في الحوزة العلمية في قم، أصبح نصرالله متمكنًا من اللغة الفارسية وأقام علاقات صداقة وثيقة مع العديد من النخب السياسية والعسكرية في إيران.

عندما عاد إلى لبنان، نشأ خلاف كبير بينه وبين عباس الموسوى، في ذلك الوقت، كان الموسوي يدعم زيادة النشاط السوري والنفوذ في لبنان تحت قيادة حافظ الأسد، في حين أصر نصرالله على أن تركز الجماعة على الهجمات ضد الجنود الأمريكيين والإسرائيليين.

موقفه تجاه إسرائيل

وجد نصرالله نفسه في الأقلية داخل حزب الله، وبعد ذلك بوقت قصير، تم تعيينه «ممثلًا لحزب الله في إيران»، أعادته هذه الوظيفة إلى إيران وأبعدته في الوقت نفسه عن الساحة اللبنانية.

تصاعد التوتر بين الحزب وإيران، إلى درجة أنه في عام 1991 تم عزل صبحي الطفيلي من منصب الأمين العام لحزب الله بسبب معارضته لارتباط الجماعة بإيران، وتم تعيين عباس الموسوي بدلًا منه.

بعد عزل الطفيلي، عاد حسن نصرالله إلى بلاده، بعدما بدت مواقفه حول دور سوريا في لبنان قد تعدلت، وأصبح فعليًا الرجل الثاني في جماعة حزب الله.

توليه قيادة حزب الله

اغتيل عباس الموسوي على يد عملاء إسرائيليين (الموساد) بعد أقل من عام من انتخابه أمينًا عامًا لحزب الله، وفي العام نفسه 1992، انتقلت قيادة الجماعة إلى حسن نصرالله في ذلك الوقت والذي كان يبلغ وقتها 32 عاما.

اقرأ أيضاًحزب الله يستعد لإقامة جنازة حسن نصر الله بالضاحية الجنوبية لبيروت الأحد المقبل

حزب الله يعلن اغتيال مسؤول قطاع البقاع الغربي

قبل انتهاء مدة الهدنة.. «حزب الله» يطالب بانسحاب المحتل الإسرائيلي من لبنان

مقالات مشابهة

  • عشرات الآلاف يتدفقون على بيروت لتشييع جنازة حسن نصر الله
  • الطيران الإسرائيلي يحلق على علو منخفض خلال تشييع جنازة حسن نصر الله
  • جيش الاحتلال يهاجم مناطق في لبنان خلال تشييع جنازة نصر الله بـ بيروت
  • بدء مراسم تشييع جنازة حسن نصر الله وهاشم صفي الدين في لبنان
  • بدء مراسم تشييع جثمان حسن نصرالله وهاشم صفي الدين في بيروت
  • تشييع جنازة حسن نصر الله اليوم من بيروت.. بث مباشر
  • بعد أشهر من اغتيالهما.. استعدادات مكثفة في لبنان لتشييع جثماني «نصر الله» و«صفي الدين»
  • مسيرات حاشدة في لبنان للمشاركة في جنازة حسن نصرالله
  • بعد خمسة أشهر على مقتله.. جنازة شعبية لحسن نصر الله في بيروت الأحد