محمد بن علي بن حمد العريمي

mahaluraimi@gmail.com

 

جودة الخدمات والمنتجات في أي دولة تُعدُّ انعكاسًا واضحًا لمستوى التقدم والتنمية فيها. ومع تسارع التطورات الاقتصادية والاجتماعية، أصبحت معايير الجودة عنصرًا جوهريًا يُعبر عن كفاءة المؤسسات وقدرتها على تلبية تطلعات المستفيدين. وفي هذا السياق، يثار سؤالٌ ذو أهمية بالغة: هل تواجه مؤسساتنا تحديات مرتبطة بالجودة؟ الإجابة ليست بسيطة، إذ تعتمد على تحليل جوانب متعددة وتأمل الأبعاد المختلفة.

ومن البديهي أن تُظهر بعض المؤسسات مظاهر تتطلب تحسينًا في الجودة. أحد أبرز هذه المظاهر هو التفاوت في تقديم الخدمات؛ حيث يلاحظ المستفيد أحيانًا تفاوتًا في مستوى الجودة بين الفروع أو بين الموظفين، ما يخلق انطباعات متباينة. فعلى سبيل المثال، قد تُقدم خدمة بسرعة وإتقان في جهة ما، بينما تواجه تعقيدًا أو تأخيرًا في جهة أخرى. بالإضافة إلى ذلك، نجد أن غياب المعايير الواضحة قد يؤدي إلى تفاوت في مستوى الأداء، إذ تفتقر بعض المؤسسات إلى سياسات موحدة تضمن تقديم خدمات أو منتجات متقنة.

وفي جانب آخر، التعامل مع ملاحظات المستفيدين يشكل عنصرًا حاسمًا في تعزيز الثقة، وقد يؤدي البطء في معالجتها أو عدم إيلائها الأهمية اللازمة إلى تقليل رضا العملاء. إلى جانب ذلك، فإن الاستثمار في تطوير الكوادر البشرية يُعد ركيزة أساسية لتحسين الأداء؛ إذ إن غياب التدريب الكافي قد يؤدي إلى تكرار الأخطاء، ما ينعكس على كفاءة العمليات. أما من الناحية التقنية، فإن الاعتماد على أنظمة قديمة قد يقلل من انسيابية العمليات ويزيد من تعقيدها.

وعند التأمل في الأسباب الجذرية لهذه التحديات، يتضح أن الثقافة المؤسسية تلعب دورًا محوريًا. فالوعي بأهمية الجودة كقيمة أساسية داخل المؤسسة قد يكون ضعيفًا في بعض الأحيان، مع تركيز أكبر على تحقيق الأهداف الآنية دون الانتباه إلى الاستدامة. كما أن توفير الموارد بالشكل الملائم يمثل عاملًا جوهريًا، حيث إن تخصيص الموارد بعناية يعزز من فرص تحقيق معايير الجودة المطلوبة. علاوة على ذلك، فإن التعامل مع شركاء أو موردين غير ملتزمين بمعايير الجودة، أو مواجهة تحديات اقتصادية وسياسية، قد يضيف تعقيدًا للمشهد.

من ناحية أخرى، يظهر غياب أدوات التقييم والرقابة كأحد الأسباب التي يمكن أن تعيق تحسين الأداء؛ إذ إن غياب الآليات المناسبة لقياس الجودة يجعل من الصعب تحديد مواطن التطوير. ورغم هذه التحديات، لا يمكن القول إن جميع المؤسسات تواجه المشكلة نفسها. فهناك نماذج مشرقة نجحت في تحقيق معايير عالمية للجودة، وبرزت كمثال يُحتذى به. في القطاع الخاص، على سبيل المثال، تمكنت شركات من تحقيق التميز من خلال الابتكار واستخدام التكنولوجيا الحديثة، مع التركيز على تجربة المستفيد. كما أن مؤسسات تعليمية وصحية حصلت على اعتمادات دولية، مثل المستشفيات والجامعات، أثبتت قدرتها على تقديم خدمات بمعايير عالية.

ومع ذلك، لا يمكن إنكار وجود بعض المؤسسات التي تواجه تحديات في تقديم خدماتها أو منتجاتها بجودة تلبي التوقعات، خصوصًا في القطاعات الحكومية أو الشركات الصغيرة والمتوسطة. لذا، يصبح السؤال الأهم: كيف يمكن النهوض بالجودة في مؤسساتنا؟ الإجابة تكمن في تبني رؤية استراتيجية قائمة على عدة محاور. من أبرزها، وضع معايير وطنية واضحة تُلزم جميع المؤسسات بتحقيق مستويات جودة متقاربة. كما أن تعزيز ثقافة الجودة بين الموظفين وصناع القرار يُعد عاملًا محوريًا في تحقيق النجاح.

إضافة إلى ذلك، الاستثمار في تطوير الكوادر البشرية وتدريبها يُسهم بشكل كبير في تحسين الأداء وتعزيز الكفاءة. ويأتي استخدام التكنولوجيا الحديثة كوسيلة فعالة لتبسيط العمليات وتسريعها، مع تقليل فرص حدوث الأخطاء. ولا يمكن التغاضي عن أهمية الرقابة الدورية على الأداء، من خلال تشكيل هيئات مستقلة لمراجعة وتقييم الجودة بشكل مستمر. كما أن الاستماع إلى ملاحظات المستفيدين والعمل على معالجتها يُعبر عن احترام المؤسسة لجمهورها ويُعزز من مصداقيتها.

ولذلك نوصي بتبني إطار وطني للجودة يتضمن معايير موحدة مُلزِمة لجميع المؤسسات، إلى جانب ضرورة العلم على تعزيز ثقافة الجودة، من خلال حملات توعوية وتدريب مستمر للموظفين والإدارة، وتطوير التكنولوجيا، عبر اعتماد أحدث الأنظمة الرقمية لتبسيط وتحسين العمليات، وإنشاء آليات رقابية مستقلة لقياس الأداء بموضوعية وبصورة دورية، وإعطاء الأولوية للمستفيد من خلال الإنصات لآرائهم ومعالجة ملاحظاتهم بجدية.

وفي الختام.. يمكن القول إنَّ التحديات المرتبطة بالجودة في مؤسساتنا تتفاوت وفقًا لطبيعة القطاع ومستوى الموارد المتاحة. ومع ذلك، فإن الحديث عن أزمة عامة قد لا يكون دقيقًا. هناك مؤسسات تتقدم بخطوات ثابتة نحو تحقيق التميز، بينما يحتاج البعض الآخر إلى جهود مكثفة لترسيخ معايير الجودة. ويبقى الاستثمار في الجودة مطلبًا ضروريًا، ليس فقط لتلبية توقعات المستفيدين، بل أيضًا لتحقيق تنمية مستدامة وترسيخ الثقة المتبادلة بين المؤسسة وجمهورها.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

شراكة استراتيجية بين طلعت مصطفى وألاميدا في مجال الرعاية الطبية والصحية فائقة الجودة

مستشفى بإدارة عالمية في "مدينتي" أولى ثمار هذه الشراكة

أبرمت مجموعة طلعت مصطفى ومجموعة "ألاميدا" Alameda - إحدى كبار مشغلي المستشفيات العالمية الرائدة - شراكة استراتيجية لتطوير وإدارة الرعاية الطبية والصحية المتميزة فائقة الجودة في عدد من مشروعات المجموعة.

وقع الاتفاقية هشام طلعت مصطفى الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لمجموعة طلعت مصطفى القابضة ، والدكتور فهد خاطر، رئيس مجلس إدارة شركة "ألاميدا"، بحضور عدد من قيادات الشركتين.

وبموجب الاتفاقية، ستقوم "ألاميدا" بإدارة وتشغيل مستشفى جديدة من خلال مشغل عالمي من الفئة الاولى بمواصفات عالمية في "مدينتي" – أكبر المجتمعات العمرانية التي تطورها مجموعة طلعت مصطفى، وذلك كباكورة لمشروعات مشتركة مماثلة في مدن المجموعة في مصر والخارج بمجال الخدمات الطبية والرعاية الصحية فائقة الجودة .

وسيتم افتتاح المستشفى الجديدة خلال عام 2027 بإجمالي استثمارات تتجاوز 5 مليار جنيه (100 مليون دولار)، وستقدم خدمات رعاية صحية لا مثيل لها في السوق المصري، وستعمل على استقطاب السياحة الطبية، والعمل كوجهة جاذبة للرعاية الصحية في المنطقة.

وتوفر المستشفى الجديدة بمدينتي الخدمات الطبية المتكاملة والرعاية الصحية ذات الجودة الفائقة بسعة نحو 200 سرير، وذلك في اطار استراتيجية عمل مجموعة طلعت مصطفى لتوفير كافة الخدمات المتكاملة لسكان مشروعات المجموعة بجودة حياة مستدامة لنحو 1.2 مليون من السكان واكثر من 4.5 مليون شخص في منطقة شرق القاهرة .

ويُذكر أن شركة إي اف جي هيرميس (EFG Hermes) للترويج وتغطية الاكتتاب ش.م.م قامت بدور المستشار المالي الحصري لهذه الصفقة.

وأكد هشام طلعت مصطفى أن الشراكة مع مجموعة "ألاميدا" تأتي في إطار استراتيجية المجموعة لإبرام اتفاقات مع الشركات الرائدة في مختلف المجالات لتلبية احتياجات عملاء المجموعة وفق أحدث التقنيات . وأوضح أن تشغيل مستشفى مدينتي يأتي استثماراً للنجاح الكبير لمختلف المشروعات الاستثمارية في كافة مدن المجموعة، واضافة للخدمات المتكاملة التي توفرها المجموعة لقاطني مدينتي ، حيث يتواجد بالمدينة مجموعة فريدة من الخدمات، منها المراكز الطبية المتكاملة ومجمعات عيادات وسيارات اسعاف لحالات الطوارئ، بالإضافة إلى الخدمات الإدارية مثل فروع البنوك ومكاتب الأعمال والشركات، فضلا عن الخدمات الحكومية المدنية مثل الشهر العقاري والسجل المدني والبريد والجوازات والمرور وغيرها، والخدمات التعليمية ، وأيضا الخدمات الرياضية والدينية وخدمات النقل والمواصلات، والخدمات التجارية والترفيهية .

وتعليقًا على هذه الشراكة، أشاد الدكتور فهد خاطر، رئيس مجلس إدارة مجموعة «ألاميدا للرعاية الصحية»، بالدور المحوري التي ستلعبه المجموعة في هذه المبادرة الاستراتيجية باعتبارها أحد المستثمرين والمشغل الرئيسي للمستشفى الجديدة في مدينتي، مشيرًا إلى ثقة ألاميدا في تلك الشراكة المميزة مع مجموعة طلعت مصطفى التي ستسهم في إرساء معايير جديدة لخدمات الرعاية الصحية المتكاملة في مصر والمنطقة. وأضاف خاطر أن هذا التعاون سيثمر عن تنمية المجتمعات بشكل مستدام على مستوى خدمات الرعاية الصحية وفقًا لأفضل المعايير الدولية، مؤكدًا أن تلك الاتفاقية تتماشى مع مهمة المجموعة الأساسية والمرتكزة على تسهيل وصول جميع الفئات إلى خدمات الرعاية الصحية فائقة الجودة. كما أوضح خاطر أن المستشفى الجديدة في مديتني هي باكورة لمشروعات مماثلة مشتركة، بهدف تقديم خدمات طبية متميزة للمجتمعات التابعة لمجموعة طلعت مصطفى في مصر والمملكة العربية السعودية وخارجها.

يُشار إلى أن مجموعة طلعت مصطفى هي المجموعة الرائدة في مجال التطوير العقاري والسياحي ، وواحدة من كبرى المؤسسات المتكاملة في مصر والشرق الأوسط، نجحت على مدى نحو 55 عاماً في تأسيس مدن ومجتمعات عمرانية متكاملة الخدمات قائمة بذاتها بمختلف ربوع مصر.

وتعد مجموعة "ألاميدا" هي العلامة التجارية الرائدة في مجال الرعاية الصحية والأكبر في القطاع الخاص للرعاية الصحية في مصر ، تدير شبكة واسعة من المستشفيات والمراكز الطبية المتخصصة في جميع أنحاء مصر، منها مستشفى السلام الدولي، ومستشفى دار الفؤاد، والمركز الألماني للتأهيل، وغيرها. وتقدم "ألاميدا" خدمات رعاية صحية عالية الجودة، وتعمل على توسيع خدماتها الصحية، والاستثمار على المستوى المحلي والإقليمي.

مقالات مشابهة

  • معايير مزدوجة.. هل تستهدف الجنائية الدولية أفريقيا والدول الضعيفة فقط؟
  • اجتماع تنسيقي بجامعة عين شمس لمناقشة معايير الاعتماد القومي
  • شراكة استراتيجية بين "طلعت مصطفى" و"ألاميدا" في مجال الرعاية الطبية والصحية فائقة الجودة
  • مؤسسة النفط تواصل سعهيا لتحسين «الأداء وتطبيق الجودة»
  • شراكة استراتيجية بين طلعت مصطفى وألاميدا في مجال الرعاية الطبية والصحية فائقة الجودة
  • المجلس الوزاري يقر زيادة أجور منح علامة الجودة العراقية إلى 5 ملايين دينار
  • الصحة العالمية: جهود مكافحة مرض السل تواجه تحديات
  • مدير التأمين الصحي بالغربية يناقش دور الجودة في تطوير الأداء الطبي وتحقيق الاعتماد
  • الدكتور نظير عياد: الفتاوى تواجه تحديات غير مسبوقة فى ظل الثورة الرقمية
  • أشرف حاتم،: مشروع قانون المسئولية يضع معايير عادلة لمساءلة الأطباء