هل تواجه مؤسساتنا تحديات في تحقيق الجودة؟
تاريخ النشر: 23rd, February 2025 GMT
محمد بن علي بن حمد العريمي
mahaluraimi@gmail.com
جودة الخدمات والمنتجات في أي دولة تُعدُّ انعكاسًا واضحًا لمستوى التقدم والتنمية فيها. ومع تسارع التطورات الاقتصادية والاجتماعية، أصبحت معايير الجودة عنصرًا جوهريًا يُعبر عن كفاءة المؤسسات وقدرتها على تلبية تطلعات المستفيدين. وفي هذا السياق، يثار سؤالٌ ذو أهمية بالغة: هل تواجه مؤسساتنا تحديات مرتبطة بالجودة؟ الإجابة ليست بسيطة، إذ تعتمد على تحليل جوانب متعددة وتأمل الأبعاد المختلفة.
ومن البديهي أن تُظهر بعض المؤسسات مظاهر تتطلب تحسينًا في الجودة. أحد أبرز هذه المظاهر هو التفاوت في تقديم الخدمات؛ حيث يلاحظ المستفيد أحيانًا تفاوتًا في مستوى الجودة بين الفروع أو بين الموظفين، ما يخلق انطباعات متباينة. فعلى سبيل المثال، قد تُقدم خدمة بسرعة وإتقان في جهة ما، بينما تواجه تعقيدًا أو تأخيرًا في جهة أخرى. بالإضافة إلى ذلك، نجد أن غياب المعايير الواضحة قد يؤدي إلى تفاوت في مستوى الأداء، إذ تفتقر بعض المؤسسات إلى سياسات موحدة تضمن تقديم خدمات أو منتجات متقنة.
وفي جانب آخر، التعامل مع ملاحظات المستفيدين يشكل عنصرًا حاسمًا في تعزيز الثقة، وقد يؤدي البطء في معالجتها أو عدم إيلائها الأهمية اللازمة إلى تقليل رضا العملاء. إلى جانب ذلك، فإن الاستثمار في تطوير الكوادر البشرية يُعد ركيزة أساسية لتحسين الأداء؛ إذ إن غياب التدريب الكافي قد يؤدي إلى تكرار الأخطاء، ما ينعكس على كفاءة العمليات. أما من الناحية التقنية، فإن الاعتماد على أنظمة قديمة قد يقلل من انسيابية العمليات ويزيد من تعقيدها.
وعند التأمل في الأسباب الجذرية لهذه التحديات، يتضح أن الثقافة المؤسسية تلعب دورًا محوريًا. فالوعي بأهمية الجودة كقيمة أساسية داخل المؤسسة قد يكون ضعيفًا في بعض الأحيان، مع تركيز أكبر على تحقيق الأهداف الآنية دون الانتباه إلى الاستدامة. كما أن توفير الموارد بالشكل الملائم يمثل عاملًا جوهريًا، حيث إن تخصيص الموارد بعناية يعزز من فرص تحقيق معايير الجودة المطلوبة. علاوة على ذلك، فإن التعامل مع شركاء أو موردين غير ملتزمين بمعايير الجودة، أو مواجهة تحديات اقتصادية وسياسية، قد يضيف تعقيدًا للمشهد.
من ناحية أخرى، يظهر غياب أدوات التقييم والرقابة كأحد الأسباب التي يمكن أن تعيق تحسين الأداء؛ إذ إن غياب الآليات المناسبة لقياس الجودة يجعل من الصعب تحديد مواطن التطوير. ورغم هذه التحديات، لا يمكن القول إن جميع المؤسسات تواجه المشكلة نفسها. فهناك نماذج مشرقة نجحت في تحقيق معايير عالمية للجودة، وبرزت كمثال يُحتذى به. في القطاع الخاص، على سبيل المثال، تمكنت شركات من تحقيق التميز من خلال الابتكار واستخدام التكنولوجيا الحديثة، مع التركيز على تجربة المستفيد. كما أن مؤسسات تعليمية وصحية حصلت على اعتمادات دولية، مثل المستشفيات والجامعات، أثبتت قدرتها على تقديم خدمات بمعايير عالية.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار وجود بعض المؤسسات التي تواجه تحديات في تقديم خدماتها أو منتجاتها بجودة تلبي التوقعات، خصوصًا في القطاعات الحكومية أو الشركات الصغيرة والمتوسطة. لذا، يصبح السؤال الأهم: كيف يمكن النهوض بالجودة في مؤسساتنا؟ الإجابة تكمن في تبني رؤية استراتيجية قائمة على عدة محاور. من أبرزها، وضع معايير وطنية واضحة تُلزم جميع المؤسسات بتحقيق مستويات جودة متقاربة. كما أن تعزيز ثقافة الجودة بين الموظفين وصناع القرار يُعد عاملًا محوريًا في تحقيق النجاح.
إضافة إلى ذلك، الاستثمار في تطوير الكوادر البشرية وتدريبها يُسهم بشكل كبير في تحسين الأداء وتعزيز الكفاءة. ويأتي استخدام التكنولوجيا الحديثة كوسيلة فعالة لتبسيط العمليات وتسريعها، مع تقليل فرص حدوث الأخطاء. ولا يمكن التغاضي عن أهمية الرقابة الدورية على الأداء، من خلال تشكيل هيئات مستقلة لمراجعة وتقييم الجودة بشكل مستمر. كما أن الاستماع إلى ملاحظات المستفيدين والعمل على معالجتها يُعبر عن احترام المؤسسة لجمهورها ويُعزز من مصداقيتها.
ولذلك نوصي بتبني إطار وطني للجودة يتضمن معايير موحدة مُلزِمة لجميع المؤسسات، إلى جانب ضرورة العلم على تعزيز ثقافة الجودة، من خلال حملات توعوية وتدريب مستمر للموظفين والإدارة، وتطوير التكنولوجيا، عبر اعتماد أحدث الأنظمة الرقمية لتبسيط وتحسين العمليات، وإنشاء آليات رقابية مستقلة لقياس الأداء بموضوعية وبصورة دورية، وإعطاء الأولوية للمستفيد من خلال الإنصات لآرائهم ومعالجة ملاحظاتهم بجدية.
وفي الختام.. يمكن القول إنَّ التحديات المرتبطة بالجودة في مؤسساتنا تتفاوت وفقًا لطبيعة القطاع ومستوى الموارد المتاحة. ومع ذلك، فإن الحديث عن أزمة عامة قد لا يكون دقيقًا. هناك مؤسسات تتقدم بخطوات ثابتة نحو تحقيق التميز، بينما يحتاج البعض الآخر إلى جهود مكثفة لترسيخ معايير الجودة. ويبقى الاستثمار في الجودة مطلبًا ضروريًا، ليس فقط لتلبية توقعات المستفيدين، بل أيضًا لتحقيق تنمية مستدامة وترسيخ الثقة المتبادلة بين المؤسسة وجمهورها.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
وزير الدفاع تفقد غرفة العمليات في قيادة الجيش
تفقد وزير الدفاع الوطني اللواء ميشال منسى غرفة العمليات في قيادة الجيش وتابع مع قائد الجيش بالنيابة اللواء الركن حسان عوده وعدد من الضباط الإجراءات المتخذة لمواكبة تشييع الشهيدين السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين في المدينة الرياضية.