دعوات الإفراج الرمضاني عن المعتقلين هل تجد استجابة؟
تاريخ النشر: 23rd, February 2025 GMT
"يدخل علينا رمضان المبارك ولنا أحبة وراء القضبان حرمنا منهم سنوات عديدة، لا نعرف عنهم شيئا، لا يكلمهم أحد، ولا يسمعهم أحد، ولا يشعر بهم أحد، وفي بيوتهم مقاعد فارغة.. لن يستطيع أن يملأها أحد، أحبابنا الذين في السجون ليسوا أرقاما وإنما هم أرواحنا ونور أعيننا وبهجة حياتنا التي فقدناها بغيابهم".
تلك كلمات السيدة سناء عبد الجواد، زوجة القيادي البارز بجماعة الإخوان المسلمين محمد البلتاجي، ووالدة أنس، المحبوسين منذ اثني عشر عاما، وهي واحدة من آلاف الأمهات المصريات اللاتي يفتقدن تغييب أبنائهن وأزواجهن خلف القضبان، ويحرمن من مشاركتهن طعام الإفطار والسحور في رمضان لما يزيد عن عشر سنوات متتاليات.
أنس البلتاجي نفسه نموذج لآلاف الشباب المصريين الذين قضوا قرابة نصف عمرهم في الاعتقال حتى الآن، فقد دخل السجن أواخر العام 2013 ولم يكن قد أكمل العشرين عاما، وها هو يكمل 32 عاما من عمره، هو في العام الثاني عشر، تنقّل بين عدة سجون، وعدة قضايا حكم القضاء ببراءته منها أو إخلاء سبيله، لكن السلطات المصرية مصرة على مواصلة الانتقام منه ومن أبيه، واستعاضت بالحبس الاحتياطي كعقوبة له حتى الآن بعد عجزها عن توفير أدلة إدانة تحاكمه بها.
لا تهتم كثيرا بالإدانات الدولية التي تصدر من منظمات حقوقية دولية، أو حتى من هيئات تابعة للأمم المتحدة، لأنها واثقة أنها إدانات نظرية لا تترجم عمليا، حيث لا يزال النظام المصري يتكئ على دعم حكومات غربية على رأسها الولايات المتحدة، تحول دون تحويل تلك الإدانات إلى خطوات عملية بوقف دعمها للنظام القمعي
تتلذذ السلطات المصرية باعتقال عشرات الآلاف من معارضيها، وتعد ذلك انتصارا تفاخر به، ولا تهتم كثيرا بالإدانات الدولية التي تصدر من منظمات حقوقية دولية، أو حتى من هيئات تابعة للأمم المتحدة، لأنها واثقة أنها إدانات نظرية لا تترجم عمليا، حيث لا يزال النظام المصري يتكئ على دعم حكومات غربية على رأسها الولايات المتحدة، تحول دون تحويل تلك الإدانات إلى خطوات عملية بوقف دعمها للنظام القمعي.
حولت السلطات المصرية الحبس الاحتياطي إلى عقوبة، رغم أنه إجراء احترازي مؤقت، ورغم أن القانون يضع حدا أقصى للحبس الاحتياطي لا يتجاوز سنتين، إلا أن أعدادا ضخمة من المعتقلين قد تصل إلى نصفهم تجاوزوا هذه المدة القصوى، بل وأضعافها، ولم تفرج السلطات عنهم، وحين حوصرت السلطات المصرية بضغط دولي قبيل المراجعة الدورية للملف المصري في الأمم المتحدة سارعت إلى إحالة الآلاف إلى محاكم الإرهاب، في إجراء شكلي لتحسين صورتها أمام الأمم المتحدة. وهذا الإجراء الشكلي هو نقل قيد هؤلاء المحبوسين من خانة الحبس الاحتياطي، إلى كونهم تحت المحاكمة بالفعل، وهو إجراء لا يؤثر على وضع المعتقل الذي يظل سجينا في مكانه أو حتى ينقل إلى مكان آخر، مع استمرار العقوبات التكميلية مثل منعه من مقابلة أهله ومحاميه، أو منعه من التريض، أو الدراسة الجامعية كما حدث لأنس البلتاجي نفسه ومئات غيره.
وفقا للمنظمات الحقوقية العالمية، يقبع في السجون المصرية ستون ألف سياسي، من رجال ونساء، وحتى أطفال، وهذا يعني أن هناك 60 ألف أسرة مصرية متضررة بشكل مباشر، ناهيك عن مئات آلاف، أو حتى ملايين الأسر الأخرى التي ترتبط بهؤلاء المعتقلين بصلات قرابة أو صداقة أو زمالة، أو جيرة. هذا يعني أن حالة الكآبة التي تعيشها مصر والتي تحدث عنها عمرو موسى ليست من فراغ، فقصص هؤلاء المعتقلين، وما يعانونه في محابسهم، وما تعاينه أسرهم من خلفهم؛ معروفة للقاصي والداني، يتناقلها الأصدقاء والزملاء والجيران، وتنعكس سلبا على حالتهم المعنوية، الموجوعة أصلا بكثير من الأوجاع الأخرى.
تفاخر الوفد المصري أيضا خلال استعراض الملف الحقوقي المصري في الأمم المتحدة مؤخرا بتشكيل لجنة للعفو الرئاسي، وأنها كانت وسيطا للإفراج عن ألفي معتقل، ورغم الشكوك الكبيرة في هذا الرقم إلا أن المؤكد أن أضعاف هذا العدد التحقوا بالسجون خلال الفترة ذاتها، والأهم أنه منذ أن تأسست هذه اللجنة توقفت النيابات والمحاكم عن إصدار قرارات إخلاء سبيل تقريبا، وهذا يعني أن وجود هذه اللجنة أصبح أمرا سلبيا وليس إيجابيا.
تحتاج مصر في هذه الظروف التي تمر بها إلى مصالحة مجتمعية شامل، حتى تتمكن من مواجهة التهديدات التي تحدق بها شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، فليس بمقدور بلد منقسم داخليا أن يتمكن من مواجهة أعدائه أو الانتصار عليهم في ظل هكذا انقسام
ووفقا لتقرير الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، توقفت دوائر الإرهاب تماما عن إصدار قرارات إخلاء سبيل في قضايا أمن الدولة على مدار عام 2024، إذ نظرت ثلاث دوائر إرهاب في 104 جلسات ما لا يقل عن 45965 قرار تجديد حبس، موزعين على 3217 قضية أمن دولة، دون إصدار أي قرار بإخلاء سبيل أي متهم، مضيفة أنه بعد مرور ما يقرب من ثلاثة أعوام منذ إعادة تفعيل اللجنة، تضاءل عدد قرارات إخلاء السبيل الصادرة من محكمة الجنايات حتى اختفت تماما منذ نهاية عام 2023، مما جعل هذه الدوائر تعمل كأداة لتجديد الحبس التلقائي دون النظر في ملفات المتهمين أو حتى حضورهم الجلسات"، ونظرا لتوقف عمل اللجنة فعليا شاهدنا مؤخرا نداء مصورا لأحد أعضائها يطالب بالإفراج عن المحبوسين احتياطيا قبيل دخول شهر رمضان، وهو الذي كان منوطا به مع بقية أعضاء لجنته أن يقدم للقيادة السياسية قائمة للعفو عنها بمناسبة دخول الشهر الفضيل.
تصاعدت مؤخرا دعوات الإفراج عن المعتقلين السياسيين، وقادت رابطة أسر المعتقلين هذه الدعوات، وانضم إليها بعض الإعلاميين المقربين من النظام، وبعض الجهات الأخرى، وساهم في زيادة زخمها أيضا إضراب الدكتورة ليلى سويف، والدة المعتقل علاء عبد الفتاح، للشهر الخامس، وهو ما استدعى تدخلا من رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر؛ حيث يحمل علاء وإخوته الجنسية البريطانية إلى جانب المصرية، وقد وعد رئيس الوزراء البريطاني ببذل مساعيه للإفراج عن علاء. ومع هذه التحركات والنداءات والتي سبقتها جلسة المراجعة الدورية، وما تضمنته من مطالبات بتصفية مواقف المعتقلين السياسيين، فقد تصاعدت الآمال مجددا بخروج دفعة من المعتقلين سواء مع دخول الشهر الكريم أو بمناسبة عيد الفطر.
تحتاج مصر في هذه الظروف التي تمر بها إلى مصالحة مجتمعية شامل، حتى تتمكن من مواجهة التهديدات التي تحدق بها شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، فليس بمقدور بلد منقسم داخليا أن يتمكن من مواجهة أعدائه أو الانتصار عليهم في ظل هكذا انقسام.
x.com/kotbelaraby
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه رمضان السجون المصريات المعتقلين مصر سجون معتقلين رمضان مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السلطات المصریة من مواجهة أو حتى
إقرأ أيضاً:
صندوق الأمم المتحدة للسكان يحتفل بيوم المرأة المصرية بعرض خاص لفيلم سنو وايت
احتفل صندوق الأمم المتحدة للسكان في مصر بيوم المرأة المصرية بعرض خاص لفيلم "سنو وايت" .
يعتبر الفيلم أول تجربة سينمائية مصرية من بطولة أحد قصار القامة، ويُسلّط الضوء على التحديات والوصمات الاجتماعية المحيطة بالنساء ذوات الإعاقة في مصر.
في عام ٢٠٢٠، حاز الفيلم على جائزة مقدمة من صندوق الأمم المتحدة للسكان تحت عنوان "تمكين المرأة وتعزيز المساواة بين الجنسين" في إطار شراكة مع مهرجان القاهرة السينمائي الدولي. ومن خلال هذه الشراكة، يهدف صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى إلهام ودعم قصص تتناول مواضيع تتعلق بالصحة الإنجابية، وعدم المساواة بين الجنسين، والتمييز، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، بالإضافة إلى قضايا سكانية أخرى.
فيلم "سنو وايت" من بطولة الممثلة مريم شريف، أول امرأة مصرية من أحد قصار القامة تؤدي دور بطولة، مما يجعل الفيلم علامة فارقة في مصر والمنطقة العربية.
تم تنظيم العرض الخاص بالتعاون مع سفارة المملكة النرويجية وحضره رئيسة المجلس القومي للمرأة في مصر، المستشارة أمل عمار، والمنسقة المقيمة للأمم المتحدة في مصر، إيلينا بانوفا، وممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في مصر، إيف ساسينراث، ورئيسة التعاون الدولي والتجاري شيشتي ليندو في سفارة المملكة النرويجية، والممثلة مريم شريف، والمخرجة تغريد أبو الحسن، بالإضافة إلى عدد كبير من شركاء صندوق الأمم المتحدة للسكان من الأمم المتحدة والجامعات والمجتمع المدني والجهات المعنية الوطنية وصناعة السينما والمتطوعين. وأعقب العرض نقاش مع فريق العمل.
وقال ساسينراث: "يفخر صندوق الأمم المتحدة للسكان بالاحتفال بيوم المرأة المصرية من خلال تسليط الضوء على قصة سنو وايت، وهي قصة مؤثرة عن التمكين والادماج والمساواة في الحقوق".
يعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان على بناء مجتمعات أكثر شمولاً، من خلال ضمان للأشخاص ذوي الإعاقة، وخاصة النساء والفتيات، حياة خالية من العنف، وتمكينهم بالحقوق المتساوية والمعرفة واتخاذ قرارات مستنيرة بشأن حياتهم.
في دورات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في عام ٢٠١٨ و ٢٠١٩ و٢٠٢٠، ساهم صندوق الأمم المتحدة للسكان بجائزة "الإعلام الواعي" وجائزة "تمكين المرأة" للاحتفاء بالأفلام التي تُحدث تأثيرًا وتُسلط الضوء على قضايا النوع الاجتماعي والقضايا السكانية. وقد مُنحت الجوائز لأفلام "ورد مسموم" و"بيك نعيش" و"سنو وايت" على التوالي.
وفقًا لدراسة أجراها المجلس القومي للمرأة عام ٢٠٢٢ بالشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وهيئة الأمم المتحدة للمرأة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن ٣٤% من النساء المتزوجات تعرضن للعنف القائم على الإعاقة من قِبل أزواجهن، بينما تعرضت ٤٨% منهن للعنف النفسي أو الجسدي أو الجنسي أو العنف القائم على الإعاقة من قِبل أفراد الأسرة أو في بيئتهن المحيطة منذ سن الخامسة عشرة.