كنز العراق التاريخي.. ذاكرة وطن في مهب الريح بين بغداد وواشنطن
تاريخ النشر: 23rd, February 2025 GMT
لا يزال مصير الأرشيف الوطني العراقي يكتنفه الغموض، وتثار حوله تساؤلات عديدة، أبرزها ما يتعلق بمصير جزء منه، وتحديدًا الأرشيف اليهودي، إذ تتردد أنباء عن إرساله إلى إسرائيل، وهو ما يقابله اتهامات عراقية للجانب الأميركي بتقديم حجج واهية وغير مبررة لعدم إعادته. وتأتي هذه الاتهامات رغم التأكيدات العراقية المستمرة على بذل أقصى الجهود لاستعادة الأرشيف الذي نقل بعد غزو العراق عام 2003.
ويشتمل الأرشيف على كمية من لفائف التوراة لمقاطع من سفر التكوين البالغ عددها 48، مكتوبة على جلد الغزال، وتقويمات باللغة العبرية، و7002 كتاب، ومجموعة من الخطب المطبوعة بشكل جميل طبعها حاخام في ألمانيا عام 1692م، وعشرات الآلاف من الوثائق المدرسية تعود إلى عشرينيات القرن الماضي حتى منتصف السبعينيات، وكتب مدرسية تربوية لمدارس الأليانس.
كما يضم 1700 تحفة نادرة توثق لعهد السبي البابلي الأول والثاني، وأقدم نسخة للتلمود البابلي، وأقدم نسخة للتوراة جلبت من فيينا عام 1568، ومخطوطات تاريخية، وسجلات شرعية تعود إلى قرون عدة تركها يهود العراق، وكتبا دينية وقصصا تعود إلى القرنين 18 و19، ومذكرات كتبت يدويا عام 1902، وكتاب صلوات عيد الفصح يعود إلى عام 1930 بالعبرية والفرنسية.
وزير الثقافة والسياحة والآثار العراقي أحمد فكاك البدراني أعرب عن استيائه الشديد إزاء الشكوك "غير المبررة" التي يبديها الجانب الأميركي بشأن قدرة العراق على تأمين الأرشيف الوطني، مؤكدا أن هذه الشكوك ليست سوى "حجج واهية" تهدف إلى إبقاء الأرشيف الوطني هناك لأطول فترة ممكنة، وذلك لجني الأرباح من خلال عرضه في المتاحف الأميركية.
وأوضح البدراني -في تصريح للجزيرة نت- أن الحكومة تبذل جهوداً حثيثة لاستعادة الأرشيف الوطني من الولايات المتحدة، والذي يتضمن الأرشيف اليهودي العراقي الذي أرسل إلى أميركا عام 2003 لأغراض الصيانة، ولكنه لم يعد حتى الآن بعد مرور أكثر من 20 عاماً.
وفي 6 مايو/أيار 2003 دخلت قوة أميركية قبوا تحت مقرّ المخابرات العراقية لتعثر على آلاف الوثائق والكتب المغمورة بالمياه، ومن ضمنها الأرشيف الوطني ليهود العراق، فاستولت عليه ثم نقلته إلى واشنطن بذريعة صيانته لكنها لم تعده حتى اليوم.
إعلانوأشار الوزير إلى أنه في يناير/كانون الثاني 2025، تم تشكيل لجنة عراقية لاستعادة الأرشيف الوطني بعد الانتهاء من ترميمه وعرضه في عدد من المتاحف الأميركية. وذكر أن الأرشيف خرج من العراق بموافقة رسمية لمدة سنتين فقط لإجراء أعمال الصيانة، إلا أن الجانب الأميركي قدم مبررات لعدم إعادته حتى الآن.
وتابع القول إنه في أغسطس/آب 2024، طالبت هيئة الآثار العراقية بعودة الأرشيف خلال زيارة السفيرة الأميركية ألينا رومانوسكي إلى مقر الوزارة، وأكدت ضرورة عودته إلى العراق دون منح أي تمديد إضافي، موضحا أن الكرة الآن في ملعب الخارجية العراقية للمطالبة بإعادة الأرشيف في أسرع وقت.
وأكد البدراني أنه تم تشكيل لجان تفاوضية بين بغداد وواشنطن، تضم مسؤولين من مختلف الجهات المعنية، بما في ذلك وزارة الثقافة والسياحة والآثار وهيئة الآثار ووزارة الخارجية، بالإضافة إلى خبراء في علم المخطوطات.
وأشار إلى أن العراق قد حقق تحسناً ملحوظاً في الوضع الأمني، وأن الحكومة بسطت سيطرتها على كافة جوانب الحياة وأرست قواعد القانون، خاصة بعد دحر الإرهاب وتحسن استقرار المناطق، بالإضافة إلى وجود بنية تحتية محسنة لحفظ الأرشيف. وبالتالي، فإن الشكوك الأميركية حول قدرة العراق على تأمين الأرشيف الوطني لا أساس لها من الصحة.
ودعا البدراني الجانب الأميركي إلى التعاون مع العراق في استعادة الأرشيف الوطني، مؤكداً أنه يمثل جزءاً لا يتجزأ من التراث العراقي، ويجب أن يعود إلى موطنه الأصلي.
كشف الباحث في الشأن التأريخي العراقي قاسم بلشان التميمي عن تفاصيل خطيرة تتعلق بمصير الأرشيف الوطني العراقي، وتحديداً الأرشيف اليهودي، الذي يعود إلى عصور موغلة في القدم.
إعلانوقال التميمي -في حديث للجزيرة نت- إن العراق يمتلك أرشيفاً وطنياً ثرياً يمتد إلى عصور موغلة في التاريخ، ويحتوي على مخطوطات ومنحوتات غاية في الأهمية لا توجد لدى أي أرشيف وطني آخر، مشيرا إلى أن الأرشيف العراقي متنوع بين وثائق منحوتة على الصخر أو على الجلود أو برديات، وهي أمور تكاد تكون معدومة في أرشيف أي دولة أخرى.
وأوضح أن الأرشيف العراقي ينقسم إلى قسمين: الأرشيف الخاص والعام، موضحا أن الأخير منتشر أو موزع لدى الدوائر والمؤسسات والوزارات الحكومية.
وتابع القول أنه عام 2003، وبعد أن احتلت أميركا البلاد وسقطت الدولة، وكان هذا العام حاسماً بخصوص أرشيف العراق، لأنه أصبح تحت أعين وأيد دولية، وبالتحديد أميركا وإسرائيل. حيث تم -حسب قوله- سرقة كل الأرشيف الوطني العراقي وسرقة آلاف الوثائق منذ فجر التاريخ إلى عام 2003.
وبين أنه لعل أهم ما في الموضوع أن الأرشيف اليهودي الذي يحوي أكثر من 5 آلاف وثيقة وتحف نادرة توثق العهود اليهودية بكل دقة وتفاصيل، وخصوصاً سبي اليهود من خلال السبي البابلي الأول والثاني، مستدركا بالقول إن الأرشيف الوطني العراقي يحتوي آثاراً بعيدة جداً قبل السبي اليهودي، ولعل من أهمها نسخة التلمود.
ولفت إلى أن أميركا قامت بنقل هذه الوثائق والمخطوطات، وهي عشرات الآلاف، ووضعتها في صناديق معدة سلفاً لهذا الغرض، وقامت بشحنها، وهناك قسم آخر تم شحنه إلى إسرائيل، وخصوصاً الوثيقة أو كتاب التوراة الحقيقي بالإضافة للتابوت، مشيرا إلى أنها معلومة تُذكر لأول مرة.
وأكد أن الأرشيف الوطني العراقي موثق، بما فيه الأرشيف اليهودي، والذي ضم أكثر من 70% بالعبرية، و30% توزعت ما بين العربية ولغات أخرى.
وشدد التميمي على أن إسرائيل وأميركا استولتا على الأرشيف الوطني العراقي بقوة السلاح، موضحا أن هناك حديثا أو أخبارا تظهر أن العراق استعاد أرشيفه، أو جزءاً منه.
إعلانواختتم التميمي تصريحه بتأكيد أن تلك المعلومات المتداولة مجرد "فبركة إعلامية" وأن ما تم استرجاعه مجرد نسخ مزورة من الوثائق الأصلية من خلال عمل نسخ طبق الأصل منها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات قمة الويب الأرشیف الوطنی العراقی الأرشیف الیهودی إلى أن عام 2003
إقرأ أيضاً:
ماهي أهداف وخفايا زيارة رئيس الوزراء العراقي الاسبق عادل عبد المهدي اليمن؟
ما زال الظهور الأخير لرئيس الوزراء العراقي الأسبق، عادل عبد المهدي، في اليمن رفقة بعض القيادات الحوثية، يثير مزيداً من التكهنات والجدل بشأن طبيعة الزيارة وأهدافها ومضامين الرسائل التي نقلها، خصوصاً في ظل تزامنها مع الهجمات الجوية الأميركية التي يتعرض لها الحوثيون، وتقارير صحافية غربية تتحدث عن «توفير العراق معسكرات خاصة لتدريب العناصر الحوثية».
العنوان الرئيسي لزيارة عبد المهدي كان المشاركة في أعمال «المؤتمر الدولي الثالث - فلسطين قضية الأمة» الذي ينظمه الحوثيون في صنعاء. لكن تفاصيل كثيرة ارتبطت بالزيارة وكانت مدار نقاشات عراقية عريضة.
أول تلك النقاشات التي ارتبطت بالزيارة، عبر عنه إبراهيم الصميدعي، مستشار رئيس الوزراء السابق، فقد استنتج أن واشنطن «اختارت» عبد المهدي ليكون «رسولها إلى اليمن بهدف التفاوض مع الحوثيين».
ويخلص الصميدعي من هذا الاحتمال إلى أن «العمق المحافظ الشيعي العراقي قد حسم خلافاته مع أميركا، والأمور تسير باتجاه التطبيع واستقرار الدولة، وإيران قد نقلت ملف الحوثي إلى العراقيين للوصول إلى تسوية مع (الصديق) الأميركي، ولضمان بقاء وجود سياسي لها في اليمن، ولكي تخفف العبء عن نفسها في مفاوضاتها المزمعة مع ترمب».لكن ضابط المخابرات العراقي السابق، سالم الجميلي، رأى في تدوينة عبر منصة «إكس» أن «سلطنة عُمان تتمتع بعلاقات وثيقة بالحوثيين، كما أنها محل ثقة من طرف أميركا، وهي وسيط ضالع في هذه الأزمة منذ بدايتها».
وأضاف أن «أميركا لو أرادت إيصال رسالة للحوثيين، لطلبت من السلطنة القيام بالمهمة، ولا يكلفون رئيس وزراء فاشلاً وشخصية ولائية فجة بهذه المهمة».
ويقول الجميلي: «احتمال واحد؛ هو أن الفرنسيين أرسلوه بصفته (يحمل الجنسية الفرنسية) لاستطلاع وجهة نظر الحوثيين، أو الدعوة إلى وقف نشاطاتهم، وفرنسا ماكرون تبحث عن أدوار وتتحرك بهذه الزوايا».
وكتب ليث شبّر، الناشط السياسي والمقرب سابقاً من عادل عبد المهدي، أن «البريطانيين اتصلوا بعادل عبد المهدي لغرض نقل رسالة إلى الحوثيين مفادها: (لكم البر ولنا البحر، الملاحة مقابل السلطة). الإيرانيون أعطوا الضوء الأخضر للوساطة».
وتتشابك هذه الأحاديث مع «رسائل» يقال إن قائد «فيلق القدس» الإيراني، إسماعيل قاآني، قد حملها إلى بغداد خلال زيارته الأخيرة، وطلب فيها إيصال رسالة للحوثيين بـ«ضرورة التهدئة وإيجاد نافذة للتفاوض مع واشنطن وإيقاف التصعيد العسكري في البحر الأحمر وباب المندب».
وجهة النظر الأخيرة، كانت هي الأخرى محل تشكيك المراقبين، بالنظر إلى اللهجة المتشددة ضد إسرائيل والغرب عموماً، التي استخدمها عادل عبد المهدي خلال كلمته في أعمال «المؤتمر الثالث» باليمن، إلى جانب إشادته الشديدة بجماعات «محور المقاومة»... هذه اللهجة لا تصدر عن «طرف وسيط يحمل رسائل سلام» إلى الجانب الحوثي.
ومن بين ما قاله عبد المهدي في كلمته «الحماسية» خلال المؤتمر المشار إليه: «وحدة الساحات غيّرت المعادلة، وجبهات لبنان والعراق واليمن وإيران فرضت نفسها»؛ الأمر الذي أثار استغراب كثير من المراقبين، خصوصاً مع الخسائر المتلاحقة التي تعرضت لها «وحدة الساحات» أو «محور المقاومة» خلال الأشهر الأخيرة بعد تدمير «حزب الله» اللبناني، وإسقاط نظام بشار الأسد في سوريا، وإيقاف هجمات الفصائل العراقية ضد إسرائيل والقوات الأميركية في العراق.
ثمة وجهة نظر أخرى تتعلق بأهداف الزيارة، يروج لها خصوم عبد المهدي، الذين يحمّلونه مسؤولية قتل أكثر من 800 متظاهر وجرح الآلاف في «حراك تشرين الأول (أكتوبر)» الاحتجاجي عام 2019، حين كان رئيساً للوزراء، ويرون أن عبد المهدي «يسعى جاهداً للانخراط في (محور المقاومة) لحماية نفسه من أي مساءلة قانونية محتملة جراء ضلوع حكومته في (أحداث تشرين)».
لفت الانتباه في معظم التكهنات والأحاديث التي دارت بشأن الزيارة غيابُ البعد العراقي فيها؛ إذ لم يشر أحد إلى أنه يمكن أن يكون مبعوثاً خاصاً من الحكومة العراقية، أو من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية التي ترتبط بعلاقات وثيقة بالجماعة الحوثية، وهي العلاقة التي تضع العراق في دائرة الاتهام بأنه يوفر معسكرات تدريب ودعم للجماعة الحوثية داخل أراضيه، وهو الأمر الذي نفته السلطات العراقية.
ورداً على تقرير من صحيفة «فورين بوليسي» الأميركية، عن أن للحوثيين وجوداً في العراق، نفى المتحدث باسم «خلية الإعلام الأمني» اللواء سعد معن، الخميس الماضي، ذلك، وقال إن «بعض وسائل الإعلام تداول أنباء بشأن استخدام الحوثيين معسكراً للتدريب بمنطقة الخالص في محافظة ديالى... ننفي هذه الأنباء جملة وتفصيلاً