ما هي الخصخصة؟

تُعدّ الخصخصة عملية معقدة تنطوي على تحويل ملكية وإدارة الموارد والخدمات من القطاع العام إلى القطاع الخاص. من منظور فلسفي، يمكن أن تُفهم الخصخصة بوصفها جزءا من التحول الأوسع نحو نماذج اقتصادية نيوليبرالية، التي تؤكد على تقليل دور الدولة في الاقتصاد وتعزيز حرية السوق.

يرتكز الفكر الليبرالي على فكرة أنّ تخصيص الملكية للأفراد والشركات الخاصة يشجع الابتكار والكفاءة بسبب التنافسية الطبيعية التي تنشأ في الأسواق الحرة، إذ يعتقد الفلاسفة الليبراليون أنّ الخصخصة تعزز حقوق الملكية الشخصية، وهي حقوق تُعتبر جوهرية لتحقيق العدالة التوزيعية.

على الجانب الآخر، ينتقد الفلاسفة الاجتماعيون واليساريون الخصخصة، حيث يعتبرونها خطوة قد تؤدي إلى تقويض دور الدولة في تقديم الخدمات الأساسية، وتفاقم الفجوات الاقتصادية والاجتماعية بين طبقات المجتمع.

ومن هنا، يمكن القول: تعد الخصخصة عملية ديناميكية تعيد رسم الحدود بين الدولة والسوق والمجتمع، وتثير تساؤلات فلسفية جوهرية حول دور الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وحقوق الأفراد في تملك وإدارة الموارد.

الحكومة السورية المؤقتة والحديث عن الخصخصة:

تسعى الحكومة السورية المؤقتة جاهدة لإعادة بناء اقتصادها المدمر بعد سنوات من الصراع الداخلي، إحدى الخطوات المهمّة التي تفكر بها هي خصخصة جزء من الاقتصاد، خصوصا الشركات الحكومية التي تعاني من خسائر مستمرة. والفكرة وراء ذلك هي تحسين كفاءة هذه الشركات، وجذب الاستثمارات الأجنبية التي من شأنها تعزيز الاقتصاد السوري.

وتشمل عملية الخصخصة بيع الشركات الحكومية أو تحويلها إلى شركات خاصة، مع الحفاظ على بعض الأصول الاستراتيجية مثل الطاقة والنقل تحت سيطرة الدولة لضمان الأمان الوطني، وتعتمد هذه العملية على إقناع المستثمرين الأجانب والمحليين بأن السوق السورية ستكون مكانا آمنا ومربحا للاستثمار.

من الجوانب المهمة التي تناقشها الحكومة؛ تقليل عدد موظفي القطاع العام بنسبة كبيرة تصل إلى الثلث. الهدف من ذلك هو تقليص النفقات الحكومية وتحقيق كفاءة أعلى في تشغيل المؤسسات، لكن هذه الخطوة تلقى معارضة من بعض الأوساط التي تخشى من تأثيرها السلبي على المواطنين، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشونها.

ومن الجدير بالذكر أن هناك جدلا واسعا حول الخصخصة في سوريا، حيث يخشى البعض من أن يؤدي ذلك إلى تفاقم الوضع الاقتصادي للمواطنين، وإلى تدهور الخدمات العامة إذا لم تُنفذ بشكل مدروس ومتوازن.

الخصخصة بين الإيجابيات والسلبيات:

تُعتبر الخصخصة وسيلة فعّالة لتحسين كفاءة المؤسسات، فعندما تُدار الشركات من القطاع الخاص، يكون هناك دافع أكبر لتحقيق الربح وتقليل التكاليف، ما يؤدي إلى تحسين الإنتاجية. ويمكن للمؤسسات الخاصة أن تكون أكثر ابتكارا واستجابة للتغيرات في السوق، ما يعزز النمو الاقتصادي، ناهيك عن أنّ فتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية يمكن أن يعزز الاقتصاد السوري من خلال نقل التكنولوجيا والمعرفة والخبرات الدولية، ما يحفز النمو الاقتصادي ويخلق فرص عمل جديدة، ويسهم في تحسين مستوى المعيشة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تخفف الخصخصة من العبء المالي على الحكومة، ما يتيح لها توجيه الموارد المالية نحو تحسين الخدمات العامة مثل التعليم والصحة والبنية التحتية، وبالتالي تعزيز التنمية المستدامة.

ومع ذلك، تحمل الخصخصة بعض المخاطر والسلبيات، إذ قد تؤدي الخصخصة إلى تسريح عدد كبير من موظفي القطاع العام، ما يفاقم البطالة ويزيد من الضغط على النظام الاجتماعي. وقد يجد المواطنون العاديون أنفسهم أمام تحديات اقتصادية أكبر، مما يتطلب توفير دعم اجتماعي مناسب. بالإضافة إلى ذلك، إذا لم تُنفذ الخصخصة بشكل مدروس، فقد يؤدي ذلك إلى تدهور الخدمات العامة. في بعض الحالات، قد تتحول الشركات الخاصة إلى البحث عن الربح فقط دون مراعاة الجودة والاحتياجات المجتمعية، ما يضر بالمواطنين. وقد تسهم الخصخصة في زيادة التفاوت الاقتصادي إذا لم تُنفذ بطرق تضمن العدالة، فيمكن أن يصبح الأغنياء أكثر ثراء بينما يزداد الفقراء فقرا، مما يؤدي إلى تفاقم الفجوة الاجتماعية وزيادة التوترات.

بالنظر إلى فلسفة الخصخصة، يمكننا أن نرى أنها تعكس تصادما بين الرؤى الاقتصادية النيوليبرالية والمفاهيم الاجتماعية للعدالة والتضامن. تعزز الخصخصة مبدأ السوق الحرة والكفاءة الاقتصادية، بينما تصطدم بقيم العدالة الاجتماعية والتكافل بين أفراد المجتمع. إذا تم تنفيذ الخصخصة بحذر وبمراعاة هذه التوازنات، يمكن أن تكون أداة قوية للنهوض بالاقتصاد السوري. ولكن، إذا أُسيء استخدامها، فقد تسفر عن نتائج عكسية تؤثر سلبا على المجتمع ككل.

كيف تتحقق الخصخصة النموذجية في سوريا؟

يستدعي تحقيق الخصخصة في سوريا بطريقة نموذجية اتباع نهج شامل ومتوازن يجمع بين الفلسفة الاقتصادية والاجتماعية.

وتُعدّ الشفافية أمرا أساسيا في عملية الخصخصة، حيث يتعين على الحكومة إطلاع الجمهور على كل خطوة من خطوات التنفيذ، وتساهم هذه الشفافية في تعزيز الثقة بين الحكومة والمواطنين، مما يمكن المجتمع من المشاركة الفعالة في صنع القرار والشعور بالأمان.

المساءلة هي عنصر آخر لا غنى عنه، إذ يتعين على الشركات التي ستخضع للخصخصة أن تكون مسؤولة أمام الجهات الرقابية وأمام المجتمع، وهذا الالتزام يضمن تقديم خدمات عالية الجودة وتحقيق التنمية الاقتصادية.

توازن الربحية مع العدالة الاجتماعية هو أمر حيوي، إذ يجب أن تُوجه الأرباح المحققة من عملية الخصخصة نحو تحسين الخدمات العامة وتعزيز الدعم الاجتماعي، لا سيما للفئات الأكثر ضعفا في المجتمع. هذا النهج يضمن أن القيم الإنسانية والعدالة الاجتماعية لن تُهمل لصالح الربح المالي فقط.

التوعية والتثقيف يلعبان دورا حاسما في هذه العملية، فقبل الشروع في الخصخصة، ينبغي على الحكومة تنفيذ حملات توعية شاملة تشرح الأهداف والفوائد والتحديات المحتملة. وتثقيف المواطنين والموظفين حول التوقعات وكيفية التعامل مع التغييرات القادمة يمكن أن يسهم في تحقيق انتقال سلس. فالمعرفة قوة، وتمكين المجتمع من خلال الفهم يساعد على تحقيق ذلك.

الخصخصة التدريجية تُعتبر استراتيجية فعالة لتجنب السلبيات، حيث إنّ تنفيذ الخصخصة على مراحل يتيح التقييم المستمر للنتائج والتكيف مع التحديات. هذه الطريقة تمكن الحكومة من تعديل السياسات وتجنب الوقوع في أخطاء كارثية قد تنجم عن التنفيذ السريع.

لا يمكن إغفال الجوانب البيئية ضمن فلسفة التنمية المستدامة، فالشركات الخاصة التي ستتولى الأصول الحكومية ينبغي أن تلتزم بمعايير البيئة والاستدامة، حتى لا تكون التنمية الاقتصادية على حساب البيئة.

التشريعات والتنظيمات الواضحة والقوية تساهم في تنظيم عمل الشركات الخاصة وتضمن التزامها بالأهداف الوطنية. التنظيم الذكي لا يعني تقييد الشركات، بل يهدف إلى تحقيق التوازن بين الحرية الاقتصادية والمسؤولية الاجتماعية.

في المجمل، تعتمد الخصخصة النموذجية على تحقيق توازن دقيق بين الفعالية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية. يتطلب ذلك قيادة حكيمة وإدارة شاملة تأخذ بعين الاعتبار تطلعات المجتمع واحتياجاته، مع الحفاظ على القيم الإنسانية والمبادئ الفلسفية. إنها رحلة طويلة ومعقدة، ولكن بإدارة حكيمة، يمكن أن تكون وسيلة لتحقيق تنمية مستدامة وشاملة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الخصخصة اقتصادية الاستثمارات سوريا التنمية سوريا اقتصاد استثمار تنمية الخصخصة مدونات مدونات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة رياضة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العدالة الاجتماعیة الخدمات العامة الشرکات الخاصة الخصخصة فی یمکن أن ت فی سوریا أن تکون

إقرأ أيضاً:

البرهان.. حديث “البندقية و”اللساتك”

أكد على ضرورة مراجعة الخدمة المدنية..
البرهان.. حديث “البندقية و”اللساتك”
تقرير : محمد جمال قندول- الكرمة
أكد رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان القائد العام للقوات المسلحة على ضرورة مراجعة قوانين الخدمة المدنية. وقال البرهان خلال مخاطبته الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الخدمة المدنية الذي تنظمه وزارة العمل والإصلاح الإداري بمدينة بورتسودان أمس (الثلاثاء): إنّ تعدد القوانين وتغييرها بين الفينة والأخرى أضر كثيرًا بالدولة.
الرئيس قدم خلال كلمته إفاداتٍ قوية لم تخلو من إرسال رسائل، وذلك بتطوافه على شواغل المشهد.
جريمة نكراء
وحيا رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان القائد العام للقوات المسلحة شهداء معركة الكرامة من القوات المسلحة والقوات المساندة لها والمستنفرين. وأشاد بالتضحيات الجسام التي قدموها من أجل عزة وكرامة أهل السودان.
البرهان أشار إلى أن ما يتم ترويجه عن هذه الحرب وأنها ضد أعراق وإثنيات بعينها محض أكاذيب، مؤكداً أن المعركة ضد ميليشيا الدعم السريع الإرهابية وكل من يحمل السلاح معها. وأضاف: “رسالتنا لكل المواطنين بأن لا يستمعوا لهذه الأكاذيب”، مبينًا أن القوات المسلحة تجمع كل أهل السودان بمختلف سحناتهم وقبائلهم دون تمييز.
البرهان أكد على ضرورة مراجعة قوانين الخدمة المدنية، مشيرًا إلى أن تعدد القوانين وتغييرها بين الفينة والأخرى أضر كثيرًا بالدولة.
ولم ينس الرئيس الإشارة إلى ما حدث في مجزرة صالحة، واصفًا ذلك بالجريمة التي يندى لها جبين الإنسانية على يد ميليشيا آل دقلو الإرهابية وهي جريمة نكراء في حق المدنيين.
ونفى البرهان الأكاذيب التي تتحدث عن أن الإسلاميين يديرون الحرب من بورتسودان. وذكر أنها محض أكاذيب وإشاعات.
وقال القائد العام إنّ القوات المسلحة قوات قومية لا تعرف التحزب والانتماءات الضيقة وهي تقاتل من أجل سلامة وأمن الوطن والمواطن.
إشاراتٌ مهمة
ويرى الخبير والمحلل السياسي د. الكباشي البكري أن مخاطبة رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة أمس، حوت العديد من الرسائل السياسية المهمة، كما أرسلت الإجابات المهمة للعديد من الاستفهامات التي تدور في أذهان أهل السودان في فترة ما بعد الحرب، خاصة إشارة الرئيس إلى استشرافهم بسط هيبة الدولة وقوة مؤسساتها ودولة القانون التي لا مجال فيها لتعطيل دولاب العمل والعبث بالخدمة المدنية وتسييسها من قوى سياسية تخدم أجندة الخارج في العمل على تفكيك الدولة وتأخيرها خلال الفترة المقبلة.
ويشير محدّثي إلى أن واحدة من الرسائل المهمة كان حديثه ورفضه للمحسوبية والفساد في أجهزة الحكم وإعمال مبدأ الشفافية والمحاسبة على كل من يستغل النفوذ والسلطة في تحقيق أهدافه الشخصية ومصالحه الخاصة.
وأضاف الخبير والمحلل السياسي د. الكباشي البكري أن رئيس مجلس السيادة فند خلال حديثه العديد من الأكاذيب التي تسوق لها الغرف الإعلامية للميليشيا المتمردة عن طبيعة الحرب التي تدور في السودان الآن، فهي حرب قد شنتها الميليشيا المتمردة على كل أهل السودان بمختلف أعراقهم وإثنياتهم وتنظيماتهم السياسية والفكرية، وليس صحيحًا أن الجيش السوداني الذي يقاتل الميليشيا الآن يقاتل من منطلقات فكرية ولا إثنية، فالقوات المسلحة الآن تمثل كل أهل السودان وتحمل تفويضهم في حسم التمرد.
وبحسب محدّثي فإنّ خطاب الرئيس غازل هموم أهل السودان الوطنيين المشفقين على مستقبل البلاد وعدم عودتها لعهود الظلام والفوضى التي أوردت البلاد والعباد المهالك.

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • البرهان.. حديث “البندقية و”اللساتك”
  • الوزير الشيباني: نحن نؤمن أن الطريق إلى الاستقرار يمر عبر الحوار، والتشارك الفعلي بين جميع مكونات الشعب السوري بعيداً عن الإملاءات، وتحت سقف السيادة السورية الكاملة، لأن لا أحد أحرص على سوريا من أبنائها، ولا يمكن لأي قوة خارجية أن تبني دولة قوية دون إرادة
  • أردوغان: ما تقوم به إسرائيل في سوريا استفزاز لا يمكن القبول به
  • تركيا تعلن أسماء الشركات التي ستقدّم خصومات للشباب المقبلين على الزواج! القائمة تضم 20 علامة تجارية
  • حديث برنامج المجلس بعد هزيمة الهلال من الاهلي
  • جاهزون لكل السيناريوهات.. الحكومة: الإصلاحات الاقتصادية بدأت تؤتي ثمارها
  • عاجل| مدبولي يترأس اجتماع الحكومة الأسبوعي لمتابعة أبرز الملفات الاقتصادية
  • مصر والصين بصدد توسيع مجالات التعاون الاقتصادي والمالي من خلال «الحزام والطريق»
  • عاجل. لابيد: حديث نتنياهو عن عملية "البيجر" هو كشف غير ضروري وغير مسؤول
  • وهبي: لا يمكن توفير طبيب شرعي لكل إقليم بسبب ضعف أجور التشريح التي لا تتجاوز 100 درهم