نظمت جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بالمصنعة ندوة بعنوان "السمت العماني روح الأصالة وجوهر الحضارة"، في إطار جهود الجامعة لتعزيز الهُوية الوطنية وترسيخ القيم العمانية الأصيلة في نفوس الأجيال الشابة. وقد تطرقت الندوة إلى خمسة محاور أساسية بمشاركة نخبة من الأكاديميين والإعلاميين.

ركزت الندوة على دور البرلمانات العمانية ووزارة الإعلام في تعزيز السمت العماني من خلال الورقة التي قدمها الدكتور رجب العويسي، خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية بمجلس الدولة، حيث أكد على أهمية السمت العماني في بناء الشخصية العمانية المتزنة وترسيخ القيم الأخلاقية والثقافية التي تعكس هُوية المجتمع العماني.

كما ناقش تأثير هذه القيم الحضارية على السلوك الاجتماعي وأثر الأجيال المتعاقبة في الحفاظ على هذا الموروث الأصيل.

أما في الورقة الثانية، فقد تناول الدكتور محمد الشعيلي، أكاديمي وباحث في التاريخ العماني، دور القيم الحضارية في السمت العماني، متتبعًا جذورها التاريخية وأثرها على السلوك الاجتماعي وكيفية حفاظ الأجيال المتعاقبة على هذا الإرث.

كما استعرض الإعلامي علي العجمي في الورقة الثالثة دور الإعلام في تعزيز السمت العماني، مشيرًا إلى الجهود الإعلامية في إبراز الهُوية العمانية وأهمية وسائل الإعلام في نشر القيم العمانية، بالإضافة إلى تأثير الإعلام الحديث على الهُوية الثقافية والتحديات التي تواجهها.

في الورقة الرابعة، أكدت الدكتورة بسماء الريامية على دور الشباب في تنمية العلاقات الاجتماعية، مشيرة إلى أهمية تعزيز روح التعاون والتلاحم بين فئات المجتمع العماني ودور الشباب في نقل القيم العمانية الأصيلة عبر الأجيال، مع تسليط الضوء على المبادرات الشبابية التي تقوي الروابط الاجتماعية.

أما في الورقة الخامسة، فقد تناول الدكتور يوسف الرجيبي من وزارة التربية والتعليم علاقة السمت العماني بالهُوية الوطنية، مؤكدًا على أهمية تكامل المؤسسات التعليمية في غرس القيم العمانية الأصيلة وتعزيز الانتماء الوطني من خلال المناهج الدراسية والأنشطة التربوية.

اختتمت الندوة بجلسة نقاشية تناولت المحاور الخمسة التي تم عرضها، حيث تفاعل الحضور من خلال طرح الأسئلة والمداخلات التي أثرت النقاش. وقد شهدت الندوة حضورًا واسعًا من منتسبي الجامعة وأفراد المجتمع، مما يعكس أهمية هذه القيم في بناء الهُوية الوطنية وتعزيز معاني الأصالة والحضارة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: القیم العمانیة السمت العمانی فی الورقة اله ویة

إقرأ أيضاً:

المُعلِّم العُماني.. صانع الأجيال وركيزة النهضة

 

 

د. حامد بن عبدالله البلوشي

shinas2020@yahoo.com

 

منذ فجر التاريخ، كان المُعلِّم شُعلة مُتقدة تنير دروب الإنسانية، وحاملًا لمشاعل الحكمة والمعرفة في أروقة الحياة. لم يكن المُعلِّم مجرد ناقل للعلوم، أو شارحًا للدروس، بل كان بانيًا للعقول، وصانعًا للأجيال، ومرشدًا للإنسان في رحلة البحث عن الحقيقة.

وعلى مر العصور، تواترت الثقافات والحضارات على تعظيم شأن المُعلِّم؛ إذ أدركت الأمم المتعاقبة أن التقدُّم لا يبنى إلّا على أساس متين من العلم والمعرفة، وركائز راسخة من الثقافة والفكر، وأن المُعلِّم هو الأساس الذي تستند إليه دعائم التقدم والرقي.

في مختلف بقاع الأرض، وعلى مدار التاريخ، كان المُعلِّم موضع إجلال وتقدير، فاليونانيون القدماء رأوا فيه فيلسوفًا يُنير العقول، والصينيون وضعوه في مصاف الحكماء، أما العرب، فقد جعلوه حامل راية العلم، وسفير الفضيلة، ولا تزال الدول المُتقدِّمة تكرم المُعلِّم، وتقيم له أيامًا تُخلِّد فيها إنجازاته، وترفع مكانته بين أفراد المجتمع.

لقد أتى الإسلام مُعليًا شأن العلم، ومُجلًّا لمكانة المُعلِّم؛ إذ كان أول ما نزل من الوحي قول الله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ (العلق: 1)، إعلانًا صريحًا بأن المعرفة هي المدخل الأول لنور الهداية. وقال سبحانه وتعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ (المجادلة: 11). وقد كان الرسول ﷺ نفسه مُعلِّما للبشرية، هاديا ودليلا، يخرج الناس من الظلمات إلى النور؛ حيث قال ﷺ: "إن الله لم يبعثني معنتًا ولا متعنتًا ولكن بعثني مُعلِّما وميسرًا". وهو القائل: "إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على مُعلِّم الناس الخير".

لقد حفلت صفحات التاريخ بأعلام كانوا منارات علم تهدي الحائرين، ومُعلِّمين صنعوا أجيالًا من العلماء، وأصحاب فكر بنوا عقولًا وشيدوا حضارات، ومن أمثال هؤلاء ابن سينا الذي مزج الطب بالحكمة، ولم يكتف بأن يكون طبيبًا حاذقًا، وعالمًا نابغًا، بل أضاف إلى ذلك كونه مُعلِّمًا رائدًا، ينقل علمه لطلابه ومريديه، ويترك بصمات خالدة ظلَّ أثرها على مدار التاريخ، والخليل بن أحمد الفراهيدي المولود في أرض عُمان المباركة، والذي وضع أُسس علم العَروض. كما وضع أسس التفكير المنهجي لطلابه الذين كان على رأسهم سِيبَوِيه إمام النحو، وباني أصوله، وأحد أعظم النُحاة المسلمين. كما لا ننسى العديد من الأئمة العُمانيين الذين حملوا لواء التعليم، وأثروا الحضارة الإسلامية بفكرهم النير، ونقلوا العلم إلى أجيال متتابعة، فكانوا مثالًا للمُعلِّم الذي يُسخِّر علمه لخدمة البشرية؛ كالإمام الفقيه جابر بن زيد، والإمام العلّامة والشاعر والمؤرخ الموسوعي نور الدين السالمي، والأصولي المحقق الإمام سعيد بن خلفان بن أحمد الخليلي، وغيرهم الكثير.

ولقد أدركت سلطنة عُمان، منذ انطلاقة نهضتها الحديثة، أن بناء الإنسان هو اللبنة الأساسية في بناء الوطن، وكان التعليم هو المحور الأول لهذا البناء، والمُعلِّم هو حجر الأساس. ولذا، لم تبخل السلطنة في دعم المُعلِّم، تأهيلا، وتدريبا، وتمكينا، ليكون على قدر المسؤولية في صناعة الأجيال الواعدة.

وكان السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- قائدًا مُستنيرًا، أدرك أن نهضة عُمان لن تتحقق إلا بالعِلم، فوجَّه جهوده لبناء منظومة تعليمية متكاملة، وأولى المُعلِّم اهتمامًا خاصًا. ومن أقواله التي خلدها التاريخ: "إننا نعيش عصر العلم ونشهد تقدمه المتلاحق في جميع المجالات، وإن ذلك ليزيدنا يقينا بأنَّ العلم والعمل الجادَ هما معا وسيلتنا لمواجهة تحديات هذا العصر وبناء نهضة قوية ومزدهرة على أساس من قيمنا الإسلامية والحضارية"، وهذا تأكيد على أن العلم هو أساس النهضة، والمُعلِّم هو الركن المتين لها.

وعلى خطى السلطان قابوس -رحمه الله- جاء حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- ليؤكد أن التعليم سيظل الركيزة الأولى للنهوض بالوطن. وقد أولى جلالته -أبقاه الله- التعليم اهتمامًا كبيرًا، إيمانًا منه بأن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الحقيقي. ومن أقواله: "وإن الاهتمام بقطاع التعليم بمختلف أنواعه ومستوياته وتوفير البيئة الداعمة والمحفزة للبحث العلمي والابتكار سوف يكون في سلم أولوياتنا الوطنية، وسنمده بكافة أسباب التمكين باعتباره الأساس الذي من خلاله سيتمكن أبناؤنا من الإسهام في بناء متطلبات المرحلة المقبلة".

إنَّ المُعلِّم ليس مجرد ناقل للمعرفة؛ بل هو مهندس العقول، ومؤسس القيم، وصانع الحضارات. فبكلماته تتفتح الأذهان، وبحكمته تتغير المسارات، وبصبره يبني جيلا قادرا على النهوض بالمجتمع، وهو الذي يزرع بذور الطموح في نفوس طلابه، ويرويها بحب العلم، ويصقلها بالتجربة، حتى تثمر علماء ومفكرين يرفعون راية أوطانهم عاليا.

وأقل ما يمكن أن نقدمه للمُعلِّم هو الاحترام والتقدير، وأن نُوَفِّر له بيئة تمكنه من أداء رسالته السامية. ومن الواجب علينا أن نكرم المُعلِّم معنويا وماديّا، وأن نمنحه المكانة التي يستحقها في المجتمع، حتى يؤدي رسالته النبيلة بكل حب وإخلاص.

وعلى الرغم من مكانته الرفيعة، إلّا أن المُعلِّم يواجه العديد من التحديات، منها التطور السريع في أساليب التعليم، وضغوط العمل، ومتطلبات العصر الرقمي. والتي تحاول وزارة التربية والتعليم جاهدة وفق إمكانياتها المتاحة، وعبر مؤسساتها التعليمية، إلى دعمه بالتدريب والتطوير المستمر، واللحاق بركب التقدم، وتوفير بيئة تعليمية تحفّزه على الإبداع، وتضمن له حياة كريمة.

إنَّ المُعلِّم هو النبراس الذي يُضيء لنا دروب المعرفة، وهو الباني الذي يُشيّد صروح الأمل، وهو الجسر الذي نعبُر عليه إلى المستقبل.

وفي يوم المُعلِّم العُماني، نقف جميعًا إجلالًا وتقديرًا له، شاكرين جهوده، سائلين الله -عز وجل- له التوفيق والسداد ليواصل رسالته السامية في بناء الأجيال والمساهمة في بناء نهضة عُمان المتجددة نحو غدٍ أكثر إشراقًا.

** مدير عام شبكة الباحثين العرب في مجال المسؤولية المجتمعية

مقالات مشابهة

  • قائمة أجهزة آبل المدعومة بتقنية Apple Intelligence.. اكتشف ما الجديد
  • "يوم المعلم العماني".. مسيرة مضيئة من الدعم اللامحدود لـ"مربّي الأجيال" والارتقاء بقدراتهم المهنية والوظيفية
  • انتخابات المجالس البلدية.. كيف يتم التسجيل لـ«القيم وغير المقيّد»؟
  • المعلم.. صانع الأجيال وموقد شعلة الحضارة
  • بتقنية المرسال.. لقاح واعد مضاد لسرطان البنكرياس
  • المُعلِّم العُماني.. صانع الأجيال وركيزة النهضة
  • من خلال هذين المثالين، تدرك اختلاف القيم والمبادئ بيننا وبينهم
  • في القيم الجمالية!
  • مواطنون: "وقف الأب" مبادرة إنسانية تكرّم العطاء وتخلّد القيم