معالم في طريق استقرار الحكم في السودان
تاريخ النشر: 23rd, February 2025 GMT
أ / محمد علي طه الملك
خبير قانوني وقاض سابق بالمحاكم السودانية
سلسلة مقالات من ( 1 إلى 10 )
(2)
فكرة الدولة وتعريفها
لا أرغب في تدوير الحديث فيما هو معلوم بالضرورة بين عامة الناس ، وتكرار الشكوى مما آل إليه حال المجتمع والدولة ، فقد تجاوز واقع المرحلة حيثيات الفحص والبحث والتقصي عن الداء ، إلى ما يبرئ من دواء ناجع ، في هذا المدخل التعريفي نايت قدر جهدي عن الآكاديمية الصارمة ، بغية تيسير التنوير بمفهوم الدولة ، أشكالها ونظمها الإدارية و السياسية ، والمصطلحات السياسية الشائعة مثل جمهورية ، ديموقراطية ، لبرالية وقياسها بما نحن علية.
أصل ظهور فكرة الدولة وتعريفها
أصل الفكرة تعود لفرضية مفادها أن المجتمع والسلطة ، أمران متلازمان يوجدان في زمن واحد ، فالسلطة أمر وجوبي لسيطرة النظام في المجتمع ، ومن غير المنظور تصور مجتمع بلا سلطة أيا كان شكلها ، غير ان السلطة تباينت أنماطها وايديولوجيتها باختلاف المجتمعات والزمان والمكان ، ولكن بتقدم الوعي السياسي ، أصبحت المجتمعات المستنيرة لا تقبل الآنماط الفردية لسلطة الحكم كما كان سائداً في الماضي ، ذلك لما أفرزته تجاربها من تسلط واستبداد وفساد ، عانت منه المجتمعات طويلاً ، من هنا كانت الحاجة ماسة للبحث عن وسيلة أخرى يمكن بها تفادي مثالب فردانية سلطة الحكم ، حيث انتهى بهم المطاف للاقرار بفكرة أن السلطة ـ مع ضرورة وجودها ـ يجب فصلها عن ذات الشخص الذي يمارسها واسنادها لدعامة أخرى اصطلحوا على تسميتها بالدولة، وفي تطور لاحق دعمت تطبيقات الدولة، حجج المطالبين بفصل السلطة الزمنية عن السلطة الدينية، وظهرت كتابات فكرية أثرت مكتبة العلوم السياسية ، دارت نظرياتها حول مصدر السلطة ومنبعها تعددت فيها مذاهب المتحدثين ، حيث أحال انصار المذهب التيوقراطي ، مصدر السلطة وأصل الدولة إلى الله ، وأرجع أصحاب المذهب الديموقراطي مصدرها إلى الإرادة العامة للأمة ، بينما عزا أتباع المذهب التاريخي مصدرها إلى مجموعة من العوامل ، تلاقت وتفاعلت مع بعضها عبر دورات زمنية ، فاثمرت مصدر السلطة وأصل الدولة . عرفت نظريات تلك المذاهب على التوالي ، بنظرية الحق الإلهي ، ونظرية العقد الاجتماعي ، ونظريتي التطور العائلي والتاريخي ، غير أن تطبيقات فكرة الدولة كوعاء للسيادة والسلطة العليا ، لم يحد من ظواهر الظلم ولا القهر والاستبداد ، حيث سيطرت نظم دكتاتورية وشمولية وملكيات قابضة ، تحت تأثير أيديولوجيات عقدية وقومية واشتراكية ورأسمالية ، فاستمر البحث والتقصي عن صيغ أكثر إنصافا تكيف علاقة الفرد والمجتمع بالسلطة التي تحكمه .
الدولة وأركانها في مذاهب الفكر الوضعي.
تعددت تعريفات الدولة طبقا لمذاهب الفكر الوضعي ، حيث نحت كل منها المنحى الذي يجاري أيديولوجيتها ، غير انها اتفقت على أركان يجب توفرها في الكيان لتصنيفه كدولة حيث عرف الآستاذ السويسري ( بلنتشي ) الدولة ، بأنها مجموعة مستقلة من الآفراد يعيشون بصفة مستمرة على أرض معينة ، بينهم طبقة حاكمة وطبقة محكومة، بينما عرفها الانجليزي (
هولاند) ، بأنها مجموعة من الآفراد يقطنون إقليما معينا ، ويخضون لسلطان لآغلبية أو
سلطان طائفة منهم، أما الفيلسوف ( أرسطو) فقد قدم تعريفا اكثر دلالة ، عندما فرق في تعريفه بين الدولة والحكومة ، حيث عرف الدولة بانها مجموعة من المواطنين ، وعرف الحكومة بانها الفئة التي تأمر ، وتنظم أمور الدولة ، وتتولى الإشراف على الوظائف العامة.
يلاحظ أن العديد من المباحث جمعت في تعريفاتها للدولة بين المواطنين والفئة الحاكمة بحيث أضحى كل منهما ركنا من أركان الدولة ، غير بعضها أعطى تعريفا يقارب ما قال به أرسطو ، بحسبان أن الدولة شخص معنوي ، يمثل قانونا أمة تقطن أرضاً معينة ، بيدها السلطة العامة، من جملة هذه التعريفات يمكن تلخيص الآركان الواجب توافرها في الدولة في الآتي: ـ
(أ) جماعة بشرية ، سواء كانت شعبا أو مجموعة شعوب أو أمة.
(ب) أرض.
(ج) فئة حاكمة ذات سلطة على الجماعة .
الدولة في منظور الديانات التوحيدية.
من الآسئلة التي تتبادر إلى الذهن : هل فكرة الدولة من حيث الجوهر من أصول الفكر الديني التوحيدي ؟ أم أنها من مبتدعات الفكر الوضعي إبان عصر النهضة الآوربية ، بغية الفكاك من
قبضة الامبراطوريات المقدسة ؟
قبل الولوج بحثا عن إجابة ، يتعين تأصيل مصطلح (دولة ) ، والبحث فيما إن كان له معن ديني يطابق المعنى الاصطلاحي في الفكر الوضعي ، كدلالة حصرية عن وعاء جامع للسلطات في مجتمع ما تضمه بقعة جغرافية ( وطن.)
لعل الملاحظ أن لفظ ( دولة ) المستخدم في النصوص الدينية ، لا يخرج عن المعنى اللغوي للفظ (تداول ) ، وهو نفسه المعنى الوارد في المعجم المغني:
( تداول)
(د و ل . ( مصدر تداول.
بهذه الدلالة وردت في القرآن الكريم:
( وتلك الايام نداولها بين الناس ) اية 140 آل عمران.
(مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾
[ الحشر: 7
كذلك لم ترد بالمعنى الاصطلاحي المشار إليه تعينا في التوراة والآنجيل ، غير أن المعنى ورد بلفظ ( مدن ، بيت ، الآرض ) كوطن:
سفر التكوين ( 15) ( أَنَا الرَّبُّ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ لِيُعْطِيَكَ هذِهِ الأَرْضَ لِتَرِثَهَا).
غير أن جوهر فكرة الدولة والغاية منها ، تضمنها منهج أصول الدين ، فإن كانت فكرة الدولة ابتدعت أصلا لإضفاء صفة تجريدية للسلطة والسيادة ، تزحزحها عن أشخاص الحكام ، بعد أن كانت في الآزمان الغابرة لصيقة بالميزات الذاتية الخاصة بشخص الحاكم فذاك هو عين ما بشرت به الآديان التوحيدية ، حين اضفت على السلطة صفة تجريدية بنسبتها لذات غيبية وفق مبدأ الحاكمية لله.
يفهم من ذلك ـ أن المنهج الوضعي تحت تأثير الفكر المادي ، وضع السلطة والسيادة داخل سياج معنوي أطلق عليه مصطلح الدولة ، ولعل النجاح والانتشار الذي أصابه الفكر المادي من خلال تطبيقات فكرة الدولة ، لم يكن متعلقا بصواب الفكرة بحد ذاتها ، بقدر ما تعلق بحسن تطبيقاتها وتحقق غايتها على أرض الواقع ، بينما تجذرت في المقابل تفسيرات وتطبيقات مبدأ الحاكمية لله ، في إطار شروحات سلفية غلب عليها أهواء الحكام وتطبيقات معاصرة جاءت معيبة وفاسدة ، دثرت أهل السلطة بحرمة المبدأ وقدسيته ، وعادت بالتجربة إلى عصور الثيوقراطيان الماضية.
إن مبدأ توحيد الخالق المعبود الآحد ، والتسليم بحاكميته المطلقة غاية كلية شاملة لا تقبل التجزئة ، بشرت بها كافة الرسالات السموية ، وهي تتجاوز دور السلطة وتصاريفها بين البشر إلى عموم تصاريف الوجود مصيره ومسيره ، وعندما استخلف الله آدم في الآرض امتثالا
لقوله تعالي :
(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾
[ البقرة: 30]
وهبه جزءا يسيرا من سلطان حكمه المطلق ، تمثل في حكم الإنسان لآخيه الإنسان ، وحجب عنه الباقي كسلطة الحياة والموت والرزق والصحة ..الخ ولكن ثمة فروق جوهرية بين الآديان التوحيدية ، تعلقت بتطبيقات مبدأ الحاكمية ، ففي الدين اليهودي يأتي التطبيق كـأمر مباشر من
الخالق ، وكان القرآن أكثر وضوحا في ذلك لقوله تعالى :
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [ البقرة: 247]
يفهم من ذلك وما سواها من الآيات ، أن الله سبحانه وتعالى فرض على بني إسرائيل أحكاما لم يفرضها على أصحاب الديانات اللاحقة ، إذ اختص رسلهم بالنبوة والملك معا ، أي السلطتين الدينية والزمنية يقيمونهما بأمر ربهم ، فكانت رقابة الله على أحكامهم مباشرة كما بينت قصص القرآن )49(، وحجب عنهم الشورى ، وعطل إرادتهم الحرة ، فلم يعودوا قادرين على تدبير شؤون معاشهم من مأكل ومشرب ، حتى طفقوا يسالون الرب ليفجر لهم ينابيع مشربهم ، وينزل عليهم أطباق أطعمتهم.
إذن فإن سلطة الحكم في الدين اليهودي، تنزلت أمراً إلهي على رسلهم ، اكتسبوها ومارسوها بلا شورى أو مشورة لقومهم ، ودون فصل بين السلطة وشخص الحاكم ، فهي تدور معه وجودا وعدما ، وربما كان لهذا المثال أثرا مباشرا في ظهور النظم التي اصطلح علي تسميتها بالنظم الثيوقراطية ، حيث بيد الحكام كل من السلطة الدينية والزمنية ، مما دفعهم ليدعوا بأنهم يستمدون سلطتهم من الله ، تيمنا بملوك بني إسرائيل ، غير أن تطبيقات المبدأ أخذت منحى جديداّ بعد بعثة عيسى عليه السلام ، فهو لم يبعث ملكا كحال أنبياء بني إسرائيل ، ويعلمنا القرآن الكريم بذلك في قوله تعالى :
(قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾[ مريم: 30].
لذا جاءت المسيحية عند مبتدئها غير معنية بشؤون السلطة السياسية ، ثم تبدل الحال عندما اعتنق الآباطرة والملوك الدين المسيحي ، وسيطر رجال الكنيسة على شؤون الحكم ، ونسبوا سلطتهم الزمنية إلى الله عملا بنظرية الحق الإلهي المباشر، عدد التاريخ ثلة منهم ، ولما استشرت التطبيقات المعيبة ، وابتعد عن مسارات العدل والإنصاف ، تململت الشعوب ، ونشب الصراع بين الكنيسة والقيصر فبرزت فكرة مؤداها أن السلطة وإن مصدرها الله ، فإن الشعوب من حقها اختيار حكامهم فكان ذلك بداية مرحلة تبني فكرة الحق الشعبي ، ومن ثم تعديل نظرية الحق الإلهي المباشر بنظرية أخرى هي نظرية الحق الإلهي غير المباشر.
بظهور الفكر المادي والمثالي والخيالي ، وصراع الآفكار بين مدارسهم ومدارس الفكر الكنسي ، تنامى الاهتمام بمذاهب الفكر الوضعي ، ونالت نظرياتهم استحسانا تحت تأثيرات التطبيق المعيب لنظريات الحق الإلهي المباشر وغير المباشر ، فنودي بإبعاد الدين عن السياسة ، تيمنا بمقولة شهيرة منسوبة للمسيح عليه السلام (ما لله لله وما للقيصر للقيصر) فأخذت فكرة الدولة مكانها ، وتم الفصل بين السلطتين الروحية والزمنية ، ولما فقدت الكنيسة سلطتها المادية ، وانحسر غطائها الآيديولوجي ، سارعت الافكار العلمانية لتملأ الفراغ ، وترث الدولة الدينية التي اهترأ مثالها في نظر الشعوب ، بعد أن لبس ملوكها رداء القداسة وعاثوا باسمها فسادا وظلما.
لم تكن التجربة الإسلامية بدورها مختلفة عن الديانات التوحيدية الآخرى ، فالإسلام بدوره يقر مبدأ الحاكمية لله ، غير أن الملاحظ وجود فروق بين الاسلام والديانات الآخرى بوجه خاص الديانة اليهودية ، تعلقت بصلاحيات الاستخلاف ، وممارسة الحكم ومشاعيه الدين أهمها أن رسالة الاسلام لم تكن قاصرة على قومية بعينها كحال الدين اليهودي فالقرآن الكريم يفيدنا أن
رسالة الرسول الخاتم جاءت للبشرية كافة في قوله تعالى :
(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) 28 سبا.
لذا جاءت مبادئ الاسلام وأحكامه أكثر تبيانا لحقوق الفرد والجماعة ، بنصوص بعضها قطعية الدلالة وبعضها ظني الدلالة قابلة للاجتهاد ، غير أن الفرق الآهم أن نبي الإسلام لم يبعث ملكا كحال أنبياء اليهود ، يظهر ذلك جليا في قوله تعالى:
( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾[ الأحزاب: 45]
(وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا﴾ الاحزاب 46.
للآيتين المذكورتين دلالات جوهرية ، تبين أن النبي (صلى الله عليه وسلم ) ، مارس السلطة السياسية على أتباعه بموجب عهد البيعة ، وهذا يعني أنه استمد سلطته السياسية بمقتضى أحكام التعاهد والتحالف الذي تراضوا عليه ، ولم تكن سلطته السياسية مفروضة بأمر إلهي مباشر ، كما كان الحال بين أنبياء بني إسرائيل ، أهمية هذا الآمر تبدو جلية فيما رتبته من حقوق وواجبات على الطرفين ، نظمها الفقه الاسلامي تحت مصطلحي البيعة والشورى والآحلاف ، بموجبها كان النبي صلى الله عليه وسلم ، أمينا على سلطة الحكم يمارسها بتفويض البيعة من جمهور الآنصار والمهاجرين ، وبنود عهود التحالف بينه وبين قبائل يثرب ، وغيرهم من القبائل التي لم تعتنق الاسلام عند بداية نشأة دولته ، وقد جاء في مقدمة كتاب الدكتور عون الشريف قاسم : ـ ( كان قيام الدولة الإسلامية في المدينة المنورة وامتداد نفوذها بالتدرج إلى معظم أجزاء جزيرة العرب في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ثمرة مجهودات كبيرة حربية وسياسية وتشريعية ، وكانت حصيلة النشاط السياسي والدبلوماسي الذي اضطلع به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا السبيل ، مجموعة كبيرة من الرسائل والصكوك والمعاهدات ، تحدد العلاقات بين السلطة المركزية في المدينة وبين قبائل العرب في بقية شبه جزيرة العرب ، وقد اختلفت طبيعة هذه الوثائق وأهدافها باختلاف الظروف والملابسات التي تحكمت في كتابتها ) )53(، لقد أصبح نظام الدولة اليوم واقعا ملموسا ، وعرفا أمميا يرمز لسيادة الشعوب على أراضيها ، وسنت قوانين أممية تنظم العلاقة بين الدول والشعوب ، حملت اسم القانون الدولي ، ونشأت منظمات ومجالس دولية كهيئات رقابية تقريرية ، ومحاكم دولية.
غني عن القول أن مقاصد الإسلام كدين أممي تتعدى الآطر الجغرافية للدول ، والمسلمون اليوم لا تضمهم دولة واحدة ، فهل يمكن تبرير الواقع عن طريق القبول بفكرة الدولة دون المساس بجوهر العقيدة ؟ ربما أمكن ذلك وفقا لرمزها اللغوي ، أي تداول أمانة الحكم بأفضل ما توصل إليه الفكر الإنساني من آليات التنافس السلمي ، لا بصفتنا بشر متساوون في الحقوق والواجبات فحسب ، بل أيضا بمقاصد الإسلام العليا التي تقفاها الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ينشئ دولته في المدينة . يتبع >>>>>>>>>3
medali51@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم فکرة الدولة بنی إسرائیل سلطة الحکم غیر أن
إقرأ أيضاً:
مفتي الجمهورية: الخلافة وسيلة لتحقيق مقاصد الحكم
أكد الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن الخلافة الإسلامية من القضايا التي تثار بين الحين والآخر، مشيرًا إلى أن بعض الاتجاهات في الفكر الإسلامي المعاصر تعتبرها نظامًا دينيًّا تعبديًّا لا يجوز للمسلمين العيش إلا تحت ظله، بينما يؤكد الاتجاه الفقهي والتاريخي، المدعوم بالنصوص والمقاصد الشرعية، أن الخلافة ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة لتحقيق الحكم الرشيد، وهو ما يمكن تحقيقه اليوم بوسائل متعددة.
جاء ذلك خلال حديثه الرمضاني، حيث تناول قضية الخلافة الإسلامية بين البُعد الديني والتاريخي، موضحًا أن الدولة الوطنية الحديثة يمكن أن تكون امتدادًا مشروعًا لأنظمة الحكم الإسلامية، ما دامت قائمة على مبادئ العدل والمصلحة العامة.
أوضح مفتي الجمهورية أن الخلافة الإسلامية نشأت في سياقها التاريخي كنظام سياسي، ولم يكن هناك نظام خلافة محدد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، إذ كان هو القائد السياسي والديني للأمة، ولم يوصِ بطريقة معينة للحكم بعد وفاته، بل ترك الأمر لاجتهاد الأمة وَفْقَ المصلحة العامة.
ويؤكد ذلك اختيار الخلفاء الراشدين، حيث اجتمع الصحابة بعد وفاة النبي لاختيار قائد للأمة، فتمت بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه عبر الشورى والتوافق، دون وجود نص قرآني أو حديث نبوي يفرض شكلًا معينًا للحكم. ثم جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه باختيار من أبي بكر، في حين تم انتخاب عثمان بن عفان رضي الله عنه من خلال مجلس الشورى، وتمت مبايعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه في ظروف استثنائية بعد مقتل عثمان.
وأكد أن هذه النماذج تدل على أن إدارة شؤون المسلمين لم تكن أمرًا تعبديًّا محددًا، بل وسيلة سياسية متغيرة وَفْقَ ما يحقق المصلحة العامة، وهو ما يفسر تطور مفهوم الخلافة عبر العصور، من الحكم الراشد إلى الملك العضوض، حيث انتقلت الخلافة إلى نظام الوراثة في العهدين الأموي والعباسي، ومع ذلك تعامل معها الفقهاء باعتبارها شرعية ما دامت حافظت على مقاصد الحكم الإسلامي، مثل حفظ الأمن وإقامة العدل ورعاية شؤون الأمة.
وأوضح أنه لا توجد نصوص قطعية في القرآن الكريم أو السنة النبوية توجب شكلًا محددًا للحكم، حيث وضع الإسلام مبادئ الحكم الرشيد وليس نموذجًا سياسيًّا جامدًا، مستشهدًا بقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} (النساء: 58).
كما أشار إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يبيِّن مبدأ المسؤولية في الحكم، حيث قال: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ وهو مسؤول عن رعيته".
وأوضح أن المطلوب في أي نظام حكم هو تحقيق العدل، وصيانة الحقوق، ورعاية مصالح الناس، وليس مجرد التمسك بشكل تاريخي محدد للحكم.
أكد مفتي الجمهورية أن الدولة الوطنية الحديثة يمكن أن تكون امتدادًا مشروعًا لمقاصد الحكم الإسلامي، ما دام أنها تحقق مقومات الحكم الرشيد وتحفظ مصالح العباد والبلاد. كما شدد على أن التعاون بين الدول لتحقيق المصالح المشتركة لا يتعارض مع مبادئ الإسلام، فالمهم هو تحقيق مقاصد الشريعة وليس التمسك بتسمية معينة مثل "الخلافة".
وختم حديثه بالتأكيد على أن الإسلام لم يفرض شكلًا معينًا للحكم، وإنما وضع الأسس والمبادئ التي تضمن تحقيق العدالة والمصلحة العامة، مشيرًا إلى أنَّ الجمود على نموذج تاريخي معين دون مراعاة التطور المجتمعي يعد خطأً في الفهم.