سودانايل:
2025-02-23@15:06:16 GMT

اجتماع نيروبي: لن يعود السودان كما كان

تاريخ النشر: 23rd, February 2025 GMT

سمعت من صحافي سوداني كبير راحل أنهم ذهبوا للسلام على قيادي كبير في نظام «الإنقاذ» (حكومة البشير)، وتهنئته على توقيع اتفاق السلام الشامل مع «الحركة الشعبية» بقيادة جون قرنق، المعروف شعبياً باتفاق نيفاشا (يناير/ كانون الثاني 2005). بعد السلام والترحيب بدأ الحضور في طرح بعض التساؤلات، وأشار أحدهم إلى نقطة خطرة في الاتفاق، والتي تتحدث عن تقرير المصير للجنوب بعد ست سنوات، وأنه سيُجرى استفتاء على ذلك.

قال الرجل إنه يخشى أن تدفع «الحركة الشعبية» الجنوبيين للتصويت على الانفصال. ابتسم المسؤول الكبير، ثم صمت لفترة، وبدأ أنه يستدعي مخزونه من الحكمة والمعرفة ، ثم عاد للابتسامة الهازئة، وقال بصوت خفيض: «تفتكر بعد ست سنوات حيكون في حاجة اسمها (الحركة الشعبية)…؟!».

كان السودانيون قلقين من مسألة تقرير المصير الذي يؤدي للانفصال، وكان الذين يحسنون الظن في الحكومة يفترضون أن هناك عملاً كبيراً سيتم في هذه الفترة لإقناع الجنوبيين بالتصويت على الوحدة: العمل في البنيات الأساسية. مشاريع تنمية. تعديلات في القوانين والمناهج التعليمية. فرص تعليم وعمل أفضل… إلخ. لكن اتضح أن كل خطة الحكومة آنذاك هي العمل على تفتيت «الحركة الشعبية» بحيث لا تبقى هناك قوة تدعو للانفصال. لم تتفتت «الحركة الشعبية»، وتسيّدها تيار انفصالي بعد رحيل الدكتور جون قرنق، وصوّت الجنوبيون بالأغلبية المطلقة لخيار الانفصال.

استدعيت هذه الصورة وأنا أتابع وأراجع وأحلل موقف الحكومة في بورتسودان، من خلال الإعلام الموالي وبعض التصريحات الرسمية، من اجتماع نيروبي الذي سينتهي بتوقيع ميثاق، ومن ثم تشكيل حكومة موازية. مع الأسف، لقد بات واضحاً أن نفس العقلية التي تعاملت مع اتفاق نيفاشا ونتائجه هي التي تدير الآن ردود فعل الحكومة وإعلامها الموالي وبعض القوى السياسية. تتراوح ردود الفعل بين الاستهانة بالاجتماع، والسخرية والتنمر على المشاركين، وإطلاق الإشاعات حوله، ثم تلخيص الأمر كله في أموال «الدعم السريع» التي وزعتها على المشاركين.

هناك استهانة كبيرة بخطوة إعلان حكومة موازية؛ إذ إنها، وبرغم التصريحات المطمئنة، هنا وهناك، خطوة في طريق التقسيم. صحيح أن قيادات اجتماع نيروبي قالوا إنهم لا ينشئون دولة جديدة، بحدود جديدة، لكنهم سينشئون حكومة لنفس الدولة القائمة، إلا أن الواقع العملي سيقود إلى أن تكون هناك حكومتان في منطقتين جغرافيتين مختلفتين، ومن الممكن أن يتحول الواقع لدولتين.

الأمر المهم هو أن هناك كثيراً من الناس ينظرون للحكومة القادمة على أنها حكومة بلا مشروع سياسي، وهذا أيضاً أمر غير صحيح؛ فـ«قوات الدعم السريع» التي احتلت معظم مناطق العاصمة وولاية الجزيرة، كانت مجموعات مسلحة بلا هدف وبلا مشروع سياسي. لكن من الواضح أنها تعمل الآن على محاولة إيجاد مشروع سياسي بحاضنة سياسية واجتماعية واسعة، تمتد من رشايدة شرق السودان إلى جبال النوبة في جنوب كردفان، ومن عمامة الطريقة الختمية إلى مظلة من بعض قيادات «الأنصار» وحزب الأمة، دَعْ عنك مناطق دارفور الكبيرة والواسعة.

ومن المؤكد أن هناك عدداً من القوى السياسية جاءت لنيروبي بمشروعها السياسي الخاص، تحاول، على الأقل، أن توجد له موطئ قدم. وهناك أيضاً مجموعات وحركات يقوم مشروعها السياسي على هدم الدولة القديمة، وإقامة دولة جديدة على أسس جديدة. وقد رأى هؤلاء أن بندقية «الدعم السريع» تصلح حليفاً لها في مرحلة إسقاط الدولة، وربما يرون أيضاً أنها قوات بلا مشروع، وقد يفلحون أن يسوقوا لها مشروعهم السياسي القديم. هذا غير بعض القوى التي ترى في تيار الإسلام السياسي الشر الأكبر، ولهذا فهم على استعداد للتحالف مع أي قوة، حتى لو «الدعم السريع»، ما دامت تقف ضد هذا التيار.

من المهم أن نفهم أن هناك مشروعاً سياسياً جديداً يؤيده البعض، ويرفضه آخرون؛ لأنهم يرون فيه الخطوة الأولى نحو تقسيم السودان. ولهؤلاء وأولئك فإنه من الأفضل لهم ولمستقبل السودان أن يبتعدوا عن الاستسهال والتنميط واستدعاء القوالب القديمة، وأن يدرسوا هذا المشروع بكل جوانبه، ويتحروا نتائجه المستقبلية.

لا أظن أن هناك حكومة أفريقية أو عربية أو حتى غربية، ستعترف بالحكومة الجديدة باعتبارها الحكومة الشرعية، لكن سيتم التعامل معها باعتبارها، أيضاً، حكومة أمر واقع. يحتاج العالم والإقليم للوصول إلى كل مناطق السودان، وأينما كانت هناك سلطة فسيتم التعامل معها.

خلاصة الأمر… لن يعود السودان كما كان، بعد اجتماع نيروبي، وعلينا أن نستعد لذلك.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحرکة الشعبیة اجتماع نیروبی الدعم السریع أن هناک

إقرأ أيضاً:

تخريمات و تبريمات على هامش إجتماع نيروبي “التأسيسي”

بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

رغم أربعة عقود من التمكين و الحكم الغير راشد ، و رغم سنين القمع و الكبت و الحروب ، و رغم رفض جماهير الشعوب السودانية لها و لفكرها الضآل ، إلا أن الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) لم ترعوي أو تعي الدرس/الدروس ، و ما زالت سادرة في غيها ، تصطنع الأزمات و العراقيل ، تشعل الحروب ، و تمارس الفساد و الإفساد و القتل و الإرهاب و الترويع و كل أنواع الشرور و تتفنن في إحداث الفتن و البلاوي و المصايب ، و ترفض كل دعوات الحوار و السلام ، تمارس الجماعة كل ذلك من أجل إعاقة الثورة و التغيير و حتي تضمن الإستدامة/الكَنكَشَة في السلطة...
إسئلة:
هل صحيح أن عَجُوبَة خربت سوبا؟...
و كيف تمكنت عَجُوبَة من خراب سوبا؟!!!...
و هل فعلت ذلك بمفردها؟...
أم أعانها على ذلك قومٌ آخرون؟!!!...
و قد تلاحظ أن بعضاً من المنضمين حديثاً إلى نادي ”السودان الجديد“ و منتدى نيروبي كانوا و إلى عهدٍ قريب يَدَّعُونَ أن (بَلِف البلد عندهم) و أنهم (فازعون في الحَرَّايَة و النقعة) يشعلون الحروب ، يغيرون على الفرقان و المدن يحرقونها و يُقَتِّلُون/يُذَبِّحُون المواطنين و ينهبون الممتلكات ، و في أوقات فراغهم يلاحقون كل من يعارض نظام الكيزان و كل من (يفك لسانو) من (الأفندية) و كل من ينادي بالثورة و التغيير و مدنية الدولة أو التحرير أو إقامة دولة السودان ”الجديد“ ، و لكن يبدو أنه و من بعد أن سبق/صبغ عليهم الكتاب صاروا أفندية و ملصوا الكَادَمُول و لبسوا البدل و القمصان و اختاروا السكن في الخرطوم عوضاً عن العودة إلى ”الحواضن“ في ”الهامش“ ، و من بعد الخلاف و إنقلاب الحال و الحَرَابَة مع الكيزان (قَلَبُوا المَكَنَة جاز) ، و أصبحوا ثوريين أكثر من الثوار و مدنيين أكثر من القوى المدنية و متغيرين أكثر من دعاة التغيير ، و بِقُوا ناس ”السودان الجديد“ ، بل و أصبحوا و أضحوا و أمسوا و غدوا أسياد الجلد و الراس!!!...
و الله قادر ، و سبحان الله مغير الأحوال...
سؤال:
إيه اللي يمنع الجماعة ديل من تغيير المكنة من جاز إلى كهربآئية أو إلى عربة ملكية تجرها الخيول في المستقبل القريب؟!!!...
اللهم يا مُقَلِّبُ القلوب ثبت قلوبنا على دينك...
و لكل الشعوب السودانية و جميع المناطق المنضوية تحت ما يسمى بجمهورية السودان ”دولة ستة و خمسين (٥٦)“ الحق في المناداة بالمساواة و العدالة و المطالبة بالمشاركة في السلطة و نيل نصيبهم من ثروات بلاد السودان الوفيرة و كذلك حظهم من التنمية ، بل و لهم كل الحق في المطالبة بتقرير المصير المفضي إلى الحكم الذاتي أو الإنفصال إن هم أرادوا/إختاروا ذلك...
و أُذَكِّرُ نفسي و الآخرين بأن ”دولة ستة و خمسين (٥٦)“ قد سَوَّت البِتَقدَر عليهو و قَدُر قُدرَتَهَا ، من حيث أنها فتحت/بَنَت المدارس ، و قَرَّت الأولاد مجاناً ، و سَكَّنَتهم في الداخليات ، و أَدَّتهم المنح ، و عملت التمييز الإيجابي في التعليم ، و أنشأت المستشفيات ذات الأسرة ، و سَوَّت المساكن الشعبية ، و مَدَّت خطوط السكة حديد ، و عَبَدَّت الطرق ، و أقامت المشاريع الإعاشية و إمتدادتها رغم إعاقات التمردات المسلحة و الحروب الأهلية و الإنقلابات العسكرية و الحركات النُّص كُم!!!...
و ما ذنب ”دولة ستة و خمسين (٥٦)“ إن إختار أولاد ”الهامش“ التمرد العسكري عوضاً عن النضال المدني في نيل المطالب؟ ، أو أنهم و من بعد التخرج من المعاهد و الجامعات (تَخَرطَمُوا) و فَضَّلُوا العيش في الخرطوم أو بلاد برة على العودة إلى مناطقهم و تنميتها؟!!!...
و الشاهد هو أن بعضاً من المنادين بالتحرير/التحرر و ”السودان الجديد“ من الذين تمردوا و رفعوا السلاح في وجه الدولة ، و عاقوا و أعاقوا السلطات الحاكمة من قبل إعلان الإستقلال و إلى يومنا هذا ، قد أفلحوا في تحرير بعضاً من أراضي ”الهامش“ ، و على الرغم من ذلك فإن مواطنيهم/رعاياهم و حاضراتهم و مناطقهم ”المحررة“ ، و لفترة من الزمان ، لم يشهدوا أي نمو/تنمية و لا مدارس و لا تعليم و لا أسرة مستشفيات و لا مساكن و لا طرق و لا مشاريع تنموية و لا مؤسسات دولة و لا يحزنون...
و قد تسآءل أحدهم:
إنتو الناس الحَرَرُوا المناطق و أنشأوا الدول الجديدة ديل ، وِينُوا عَمَارَهم؟!!!...
و لا بس حَلقَمَة و خطابات ثورية و مصطلحات كبيرة و حركات نُص كُم (حركات تحرير)...
و قد قيل أن البراميل الفارغة تحدث أصواتاً عالية و مزعجة...
و نُذَكِّرُ القرآء الكرام أن إيقاف الحرب الأهلية ”التي أعاقت عجلة التنمية“ كانت في مقدمة/إفتتاحيات البيانات الأولى لجميع الإنقلابات العسكرية ، الفاشل منها و الناجح ، التي إبتليت بها جمهورية السودان...
و لقد تلاحظ في الآونة الأخيرة الولع الغير عادي و الإفتنان العظيم من قبل الجهات السياسية و القوى/المنظمات المدنية و الجماعات و الأفراد في بلاد السودان بإطلاق المسميات المختصرة الجاذبة للإنتباه و المثيرة للجدل على التحالفات و التنظيمات المنبثقة من شاكلة: قحت و تقدم و قمم و صمود و تأسيس و هلم جرا ، و ما زالت سيول/سلسلة المسميات تترىَٰ ، و ما زالت الأيام و الليالي حبلىَٰ بالمنتديات و الحوارات و التفاهمات!!!...
اللهم لا نسألك رد القضآء و لكن نسألك اللطف فيه...
اللهم أجعله خير...
و يحق لكل سوداني أن يؤسس نادي أدبي أو ثقافي أو رياضي أو مركز دراسات ”إستراتيجية“ أو منظمة عمل مدني/طوعي أو حزب سياسي يعبر به عن فكر/إعتقاد طالما أنه يسعى لتحقيق هدف نبيل فيه خير و مصلحة للشعوب السودانية ، و طالما أنه قد إلتزم بالقوانين و التشريعات و اللوآئح التي تنظم مثل هذه النشاطات...
و قالوا البحر ما بِيَابَىَٰ الزيادة ، لكن الفيضانات قد تكون مدمرة!!!...
و قالوا أيضاً البِفُوت حَدُّو بِنقَلِب لِي ضِدُو...
و أُذَكِّرُ نفسي و الآخرين بأن أجهزة المخابرات الأجنبية أنشط ما تكون في تجنيد العملآء المحليين عند أوقات الشدة و الأزمات و الحروب الأهلية ، و عند إنتشار الفقر و المعوزة و ظاهرة منظمات العمل الطوعي/المدني!!! ، و عندما تزداد الأطماع ، و تكون في قمة أدآءها/نشاطها عندما تغلبُ شهوتي الفم و الفرج عند العميل!!!...
و يبدو أن بعضاً من الناشطين و الناشطات في العالم الإفتراضي (تطبيقات الوسآئط الإجتماعية و أسافير الشبكة العنكبوتية) قد صدقوا فعلاً أنهم قادة فكر و تغيير ، و يبدو أنهم قد إستفادوا كثيراً من التكنولوجيا و العالم الإفتراضي و فرضية أن ”العالم أصبح قرية صغيرة“ ، و أنه بالإمكان أن تركب سُنبُك أو زورق بلاستيكي أو طيارة أو حتى تمشي كَدَّارِي و في النهاية سوف تصل/تنتقل إلى مبتغاك و لو بعد حين أو آنياً!!! ، كما أنه يمكنك تحقيق أحلامك إفتراضياً أو عن طريق الإنتقال الجزيئي أو بواسطة أحلام اليقظة أو عن طريق المساعدة و المنح و العطايا المقدمة من المنظمات و تلك الجهات!!!...
و سبحان الله الذي سخر لنا الفلك و المطايا و أسافير الشبكة العنكبوتية...
و الحمدلله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

فيصل بسمة

fbasama@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • تنديد وشجب داخلي في كينيا لشروع نيروبي في احتضان مؤتمر تأسيس حكومة سودانية موازية
  • إتحاد عام جبال النوبة يؤكد دعمه ومساندته للقوات المسلح ويستنكر تحالف الحركة الشعبية مع مليشيا الدعم السريع
  • كيف يمكن تقييم رد السودان على احتضان كينيا اجتماع الحكومة الموازية؟
  • حول اجتماع الخيانة العظمى في نيروبي
  • تخريمات و تبريمات على هامش إجتماع نيروبي “التأسيسي”
  • الجزيرة نت تكشف التعديلات الدستورية التي أجازتها حكومة السودان
  • اليوم العالمي للعدالة الإجتماعية .. الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال (الجبهة الثورية)
  • تحليل البيان الصادر عن الخارجية الكينية بشأن إعلان حكومة متمردة من نيروبي
  • عاجل .. تأجيل التوقيع على ميثاق الحكومة الموازية بين الدعم السريع والمتحالفين معها في نيروبي