أوبزرفر: نظام دولي جديد وخطير يتكشف أمام أعيننا
تاريخ النشر: 23rd, February 2025 GMT
حذرت افتتاحية لصحيفة أوبزرفر البريطانية من أن حقبة جديدة من إمبريالية القوة العظمى التي يغذيها الاستبداد والقومية المفرطة تتكشف بسبب الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وقالت إن سيل الانتكاسات المفاجئة للسياسة الأميركية وإعادة ضبطها ومراجعاتها منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض الشهر الماضي، ترك أصدقاء وأعداء أميركا يكافحون من أجل مواكبة ذلك.
وأضافت أوبزرفر، وهي نسخة الأحد من صحيفة غارديان، أن رغبة ترامب في قلب النظام الدولي القائم والسيطرة عليه، خاصة تقويضه للتحالف عبر الأطلسي، تغذي الحديث عن لحظة فاصلة تشبه عام 1989، عندما كان سقوط جدار برلين بمنزلة إشارة إلى نهاية الحرب الباردة.
نقطة تحولواستمرت الصحيفة لتقول إن سلوك ترامب عزز الإجماع الحالي بين السياسيين والدبلوماسيين والمحللين الغربيين، على أن العالم وصل إلى نقطة تحول، وأن النظام المتعدد الأطراف -الذي تقوده الأمم المتحدة والقائم على القواعد- ينهار، وأن حقبة جديدة من إمبريالية القوة العظمى -التي يغذيها الاستبداد والقومية المفرطة والشعبوية اليسارية واليمينية- تتكشف.
وذكرت أن نهج ترامب "أميركا أولا"، الذي يعني المصلحة الذاتية، والصفقات، والمعاملات التجارية في السياسة المجردة من أي اعتبارات مبدئية للعدالة والقانون الدولي وحقوق الإنسان، يعكس ويرسخ هذا العالم المتغير.
إعلان
غزة وأوكرانيا مثالا
وعندما تصطدم غرائز ترامب غير المستنيرة بالحقائق القاسية لقضايا دولية محددة تتمخض عن ذلك بعض المشاكل، والذي جرى بغزة ليس سوى مثال على ذلك، إذ أمر ترامب متهورا بإطلاق سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين، ولم يلتفت له أحد، بل إن اقتراحه غير القانوني بالاستيلاء على غزة وطرد الفلسطينيين لم يزد الأمور إلا سوءا، فضلا عن تعريضه لوقف إطلاق النار الهش أصلا للخطر.
كذلك، تشير أوبزرفر إلى وضوح عدم الاتساق والازدراء للحقائق في نهج ترامب مع أوكرانيا، إذ يقول إنه يريد إنهاء الحرب مع روسيا، ولكن بدلا من دعم الوساطة المحايدة والمستقلة، انقلب ضد رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي، ووصفه بالدكتاتور وهو ما يعكس غضبه من زيلينسكي لصفقة معادن بقيمة 500 مليار دولار يريدها ترامب "كسداد" للمساعدات الأميركية.
بل بدا، في وقت من الأوقات، وكأنه يصدر إنذارا فعليا لزيلينسكي مفاده: "أعطني المال، وإلا سأدعم روسيا". وفي مواجهة فقدان الدعم الأميركي، تعيد كييف النظر في الصفقة تحت الإكراه. لكن الحرب ليست أقرب إلى النهاية.
صدمة وفزع
ومضت الصحيفة إلى القول إن ترامب قلب السياسة الغربية رأسا على عقب من دون تحقيق مكاسب، وعزز موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يُخشى من أن يحوّل بعد ذلك مدافعه نحو مولدوفا أو بولندا أو جمهوريات البلطيق الثلاث.
ومع أخطائه غير المنتظمة وغير المنطقية في السياسة، التي تغذيها الضغائن الشخصية والنرجسية وجشع المرتزقة، يسير ترامب صعودا وهبوطا.
أقصى اليمين يتفوق على المعتدلين
وأشارت أوبزرفر إلى أن بعض المسؤولين الأميركيين، مثل وزير الخارجية ماركو روبيو، يرغبون في اتباع خط أكثر اعتدالا وعقلا، لكن يبدو أن شخصيات من أقصى اليمين تتمتع بإصغاء ترامب لها، تتفوق على تلك الشخصيات من أمثال وزير الدفاع بيت هيغسيث، الذي حذر أوروبا من أنها لم تعد أولوية إستراتيجية لواشنطن، مطالبا إياها بدفع مزيد للدفاع عن نفسها، ملمحا إلى انسحاب القوات الأميركية.
إعلانوقالت الصحيفة إن استطلاعات الرأي أشارت إلى أن هذه الهجمات، عندما اقترنت بتهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية على أوروبا والاستيلاء على كندا وبنما وغرينلاند الدانماركية بالقوة، دفعت كثيرين إلى استنتاج مفاده أن الولايات المتحدة أصبحت الآن خصما وليست حليفا.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
ترامب يقلب نظام الاقتصاد العالمي في أول 100 يوم من حكمه
شن الرئيس الأميركي دونالد ترامب حربا جمركية عالمية غير مسبوقة في أول 100 يوم من حكمه وخفض المساعدات الخارجية الأميركية واستخف بالدول الأخرى في حلف شمال الأطلسي (ناتو) وتبنى الرواية الروسية حول الحرب في أوكرانيا وتحدث عن ضم غرينلاند واستعادة قناة بنما وجعل كندا الولاية الأميركية رقم 51.
وفي الأيام 100 الأولى منذ عودة ترامب إلى منصبه، شن الرئيس الأميركي حملة غير متوقعة في كثير من الأحيان أدت إلى قلب أجزاء من النظام العالمي القائم على قواعد، والذي ساعدت واشنطن في بنائه من أنقاض الحرب العالمية الثانية.
وأدى جدول أعمال ترامب القائم على سياسة (أميركا أولا) في ولايته الثانية إلى نفور الأصدقاء واكتساب الخصوم للجرأة، وأثار أيضا تساؤلات عن المدى الذي هو مستعد للذهاب إليه، وأثارت أفعاله، إلى جانب هذا الغموض، قلق بعض الحكومات لدرجة أنها ترد بطرق ربما يصعب التراجع عنها.
يأتي هذا في ظل ما يراه منتقدو الرئيس الجمهوري مؤشرات على تراجع الديمقراطية في الداخل، مما أثار مخاوف في الخارج، وتشمل هذه المؤشرات هجمات لفظية على القضاة وحملة ضغط على الجامعات ونقل المهاجرين إلى سجن سيئ السمعة في السلفادور في إطار حملة ترحيل أوسع نطاقا.
إعلانوقال دينيس روس المفاوض السابق في شؤون الشرق الأوسط في إدارات ديمقراطية وجمهورية "ما نشهده هو اضطراب هائل في الشؤون العالمية. لا أحد يعلم في هذه المرحلة كيف يكوّن رأيا حيال ما يحدث أو ما سيأتي لاحقا".
يأتي هذا التقييم للتغييرات التي أحدثها ترامب في النظام العالمي من مقابلات مع أكثر من 12 مسؤولا حكوميا حاليا وسابقا ودبلوماسيين أجانب ومحللين مستقلين في واشنطن وعواصم حول العالم.
ويقول كثيرون إنه على الرغم من أن بعض الأضرار التي وقعت بالفعل ربما تكون طويلة الأمد، فإن الوضع قد لا يكون مستحيلا إصلاحه إذا خفف ترامب من سياسته، وتراجع عن قضايا منها توقيت الرسوم الجمركية وحجمها.
لكنهم لا يرون فرصة كبيرة لحدوث تحول جذري من قبل ترامب، ويتوقعون بدلا من ذلك أن تقوم دول عديدة بإجراء تغييرات دائمة في علاقاتها مع الولايات المتحدة لحماية نفسها من سياساته المرتبكة.
وبدأت التداعيات بالفعل.
مصداقية أميركاعلى سبيل المثال، يسعى بعض الحلفاء الأوروبيين إلى تعزيز صناعاتهم الدفاعية لتقليل الاعتماد على الأسلحة الأميركية، واحتدم الجدل في كوريا الجنوبية بخصوص تطوير ترسانتها النووية، وتزايدت التكهنات بأن تدهور العلاقات قد يدفع شركاء الولايات المتحدة إلى التقارب مع الصين، اقتصاديا على الأقل.
ويرفض البيت الأبيض فكرة أن ترامب أضر بمصداقية الولايات المتحدة، مشيرا بدلا من ذلك إلى الحاجة إلى إزالة آثار ما وصفه بعبارة "القيادة المتهورة" للرئيس السابق جو بايدن على الساحة العالمية.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض رايان هيوز في بيان "يتخذ الرئيس ترامب إجراءات سريعة لمعالجة التحديات من خلال جلب كل من أوكرانيا وروسيا إلى طاولة المفاوضات لإنهاء حربهما، ووقف تدفق الفنتانيل وحماية العاملين الأميركيين من خلال محاسبة الصين، ودفع إيران إلى طاولة المفاوضات من خلال إعادة العمل بسياسة أقصى الضغوط".
إعلانوأضاف أن ترامب "يجعل الحوثيين يدفعون ثمن إرهابهم.. ويؤمن حدودنا الجنوبية التي كانت مفتوحة للغزو لمدة 4 سنوات".
وأظهر استطلاع رأي أجرته رويترز/إبسوس ونشر في 21 أبريل/ نيسان، أن أكثر من نصف الأميركيين، بما في ذلك واحد من كل 5 جمهوريين، يعتقدون أن ترامب "متحالف بشكل وثيق بشدة" مع روسيا، كما أن الجمهور الأميركي ليس لديه رغبة كبيرة في البرنامج التوسعي الذي وضعه.
النظام العالمي على المحكيقول خبراء إن مستقبل النظام العالمي الذي تبلور على مدى العقود الثمانية الماضية في ظل هيمنة الولايات المتحدة إلى حد بعيد أصبح على المحك. وكان هذا النظام قائما على التجارة الحرة وسيادة القانون واحترام السلامة الإقليمية.
لكن في عهد ترامب، الذي يحتقر المنظمات متعددة الأطراف وينظر في كثير من الأحيان إلى الشؤون العالمية من خلال منظور المطور العقاري السابق، فإن النظام العالمي يتعرض لاهتزازات قوية.
واتهم ترامب شركاءه التجاريين "بنهب" الولايات المتحدة على مدى عقود من الزمن، وبدأ في تطبيق سياسة رسوم جمركية شاملة أدت إلى اضطراب الأسواق المالية وإضعاف الدولار وإثارة تحذيرات من تباطؤ الناتج الاقتصادي العالمي وزيادة خطر الركود.
ويصف ترامب الرسوم الجمركية بأنها "دواء" ضروري، لكن أهدافه لا تزال غير واضحة حتى مع عمل إدارته على التفاوض على اتفاقات منفصلة مع عشرات الدول.
في الوقت نفسه، خالف ترامب السياسة الأميركية تجاه الحرب الروسية المستمرة منذ ثلاث سنوات في أوكرانيا، ودخل في جدال حاد في المكتب البيضاوي مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أواخر فبراير/ شباط. وتقارب مع موسكو، وأثار مخاوف من أنه سيجبر كييف، المدعومة من الناتو، على قبول خسارة أراضيها، بينما يُعطي الأولوية لتحسين العلاقات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
وأثار استخفاف الإدارة بأوروبا والناتو قلقا بالغا، بعدما كانا لفترة طويلة الركيزة الأساسية للأمن عبر الأطلسي لكن ترامب ومساعديه يتهمونهما باستغلال الولايات المتحدة.
إعلانوعبر المستشار الألماني المنتظر فريدريش ميرتس، بعد فوزه في الانتخابات التي جرت في فبراير/ شباط، عن قلقه إزاء العلاقات الأوروبية مع الولايات المتحدة، وقال إن الوضع سيصبح صعبا إذا حول الذين وضعوا شعار "أميركا أولا" شعارهم إلى "أميركا وحدها"، مضيفا "هذا يمثل في الواقع فترة ما قبل وقوع الكارثة بالنسبة لأوروبا".
وفي ضربة أخرى لصورة واشنطن العالمية، يستخدم ترامب خطابا توسعيا تجنبه الرؤساء المعاصرون لفترة طويلة، وهو ما يقول محللون إن الصين ربما تستخدمه مبررا إذا قررت غزو تايوان التي تتمتع بالحكم الذاتي.
التعامل مع ترامب في ولايته الثانية
وبدأت حكومات الدول الأخرى إعادة صياغة سياستها. ومن أبرزها:
أعد الاتحاد الأوروبي، مجموعة من الرسوم الجمركية المضادة لفرضها إذا فشلت المفاوضات. وتبحث دول مثل ألمانيا وفرنسا إنفاق المزيد على جيوشها، وهو ما طالب به ترامب، ولكن هذا ربما يعني أيضا الاستثمار بشكل أكبر في صناعاتها الدفاعية وشراء أسلحة أقل من الولايات المتحدة. في ظل توتر علاقة الصداقة التاريخية مع الولايات المتحدة، تسعى كندا إلى تعزيز روابطها الاقتصادية والأمنية مع أوروبا. أبدت كوريا الجنوبية انزعاجها أيضا من سياسات ترامب، بما في ذلك تهديداته بسحب القوات الأميركية، لكن سول تعهدت بمحاولة العمل مع ترامب للحفاظ على التحالف في مواجهة تهديد كوريا الشمالية المسلحة نوويا. تشعر اليابان بالقلق؛ فقد فوجئت بحجم رسوم ترامب الجمركية، وقال مسؤول حكومي ياباني كبير مقرب من رئيس الوزراء شيجيرو إيشيبا إن طوكيو "تسعى جاهدة للرد". البحث عن علاقة مع الصينوفي ظل السياسات الجديدة للإدارة الأميركية بقيادة ترامب لجأت العديد من الدول إلى الصين، وخاصة لمجابهة الرسوم الجمركية، وفيما يلي أبرز تلك التوجهات:
ففي أوائل أبريل/ نيسان الجاري، التقى رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانتشيث بالرئيس الصيني شي جين بينغ في بكين، وقالت الصين إنها تبادلت وجهات النظر مع الاتحاد الأوروبي بشأن تعزيز التعاون الاقتصادي. وطرحت بكين نفسها حلا للدول التي تشعر بالتهديد من نهج ترامب التجاري، وتحاول أيضا ملء الفراغ الذي خلفته قراراته بتخفيض حجم المساعدات الإنسانية. إعلانوقال آرون ديفيد ميلر، الدبلوماسي الأميركي المخضرم، إن الأوان لم يفت بعد بالنسبة لترامب لتغيير مساره في السياسة الخارجية، خاصة إذا بدأ يشعر بالضغط من رفاقه الجمهوريين الذين يشعرون بالقلق إزاء المخاطر الاقتصادية بينما يسعون للاحتفاظ بالسيطرة على الكونغرس في انتخابات التجديد النصفي العام المقبل.