«لا يمكن لأحد أن يلومك إذا أطلقت رصاصة على إنسان»
تاريخ النشر: 22nd, August 2023 GMT
لا أتذكر على وجه الدقة السياق الذي قرأت فيه ذلك السطر المنزوع لعنوان هذه المقالة وسكنتني بعدها حال من الشفقة والرعب. لا أتذكر ما الذي كنت أخطط له في يومي. لكن أكثر ما أتذكره جاء على هيئة محادثات تلت قراءة ذلك السطر؛ بعضها من أناس يتمتعون بدرجة كبيرة من السماجة، وآخرون مصابون بلطف كبير، وفئة أخرى سقطت على التوالي من الحياة -حياتي أنا بالضرورة- فلم أعد أهتم بوجودهم من عدمه.
المدهش في سياق الحال أنني انتزعت ذلك العنوان من رواية (الحمامة) وهي رواية قليلة الصفحات (80) صفحة -مؤخرا صرت أفضّل قراءة روايات قليلة الصفحات- الرواية ألّفها الألماني باتريك زوسكيند، صاحب الرواية الأشهر (العطر: قصة قاتل) التي صارت فيلما مخيفا مؤلما وجميلا معا، أنتج في سنة 2006م. علق إبراهيم عباس على صورة غلاف الرواية التي كنت قد وضعتها على الواتساب قائلا: «لسه متجاوزتش العطر وعظمة فكرتها» وهذا الرأي أتفق معه، فكتبت له: «العطر عمل مجنون. أنا مثلك لم أتجاوزها، وكلما تذكرتها أشعر بالرعب!».
الرعب أو «الذعر الشديد» في الرواية يأتي غالبا من فضاءات متخيلة، وتركيبات نفسية واجتماعية مختلفة، ومواقف تاريخية معقدة. هكذا يمكن مع الأزمنة أن يتسيد العجائبي في حياتنا، بمقدار ما نفسح له من مجال، ويذهب العجائبي أو يبقى ليحتل منزلة في أعمق أعماق النفس البشرية، إما أن يدفعها إلى السقوط ليغرقها في الوحل بتعبير هايدجر، أو يحركها -لأن في الحركة بركة- أو يَصعد بها إلى الأعلون، وإما يلقيها إلى الهاوية. يمكن أن يَصاحب الرعب بعض المخاوف والهواجس المقلقة؛ لأن المِخيال لا يكف عن توليف بعض الصور والهذيانات، فصار العجائبي أدبا. في سياق الرعب الفني لرواية العطر البعيدة جدا (1985م)، و(الحمامة) القريبة من هنا، والآن (1999م)، حيث أضعها فوق راحة يدي أتأمل غلافها، أعود إلى ما استوقفني.
في ثنايا الرواية يشير جوناثان نويل الذي قد تعدى الخمسين من عمره إلى أحداث لا يود استرجاعها بذاكرته، ففي عام 1942م اختفى والداه، وفي عام 1954م هاجرت أخته إلى كندا، وهربت زوجته مع بائع خضار تونسي، ليقرر بعدها التوجه إلى باريس... إلخ، يا ترى ما الذي لا تودون استرجاعه؟
لم أكن أخطط أن أجر أي مفاتيح أو أستدعي أي رموز أو القيام بتحليل دراماتورجي لعتبات تتصل مع عنوان المقالة ورواية الحمامة، لكن الفكرة راقت لي. ليس شرطا تحليل كل الرواية، لكن سطرا واحدا يستوقفني وجدته ساعدني وأعادني لتشكيل معنى الرعب أو الذعر في الفن والأدب والعالم. ذلك السطر الذي أخذني إلى التفكير في السينما.
واحدة من مبررات التجربة وإعلاء صوت العلم وبراءة الاختراع -البعيد ذلك كله عن جلد الذات أو الشعور بالألم أو الاعتذار- جسّده بامتياز الفيلم الملحمي الذي شاهدته مؤخرا (أوبنهايمر Oppenheimer) فالفيلم على صعيد التمثيل والتصوير والديكور والموسيقى وجماليات تقنيات السينوغرافيا يستحق التقدير والإعجاب، فلم يأل مخرجه (كريستوفر نولان) جهدا لتحقيق عظمة الفيلم، فهو تحفة فنية عالية، لكنه على الصعيد الأخلاقي الإنساني يفشل فشلا كبيرا. هل كان يجب قتله؟ قتل مَن بالضبط؟ يَصعب التعاطف مع المآلات التي انتهى إليها اكتشاف القنبلة النووية التي دمرت هيروشيما وناجازاكي، فلا يمكن تخيل عدد الضحايا الذين تجاوزوا مئات الآلاف حينما دفعوا ثمن البراءة العِلمية والسبق العالمي الساخر-إن لم نفعله نحن فسيفعله آخرون- فأي منطق إنساني وعقلي يجيز للجلاد والقاتل أن يفعل ذلك. استوقفني تقرير الجزيرة الثقافية في لقاء مع مخرج الفيلم عندما أشار إلى أن ثمانينيات القرن الماضي في بريطانيا كان الخطر النووي كابوس تلك الفترة واقتناعه مع أصحابه أنهم سيموتون في أبوكاليبس نووي.
(2)
تظهر المسافة الفاصلة متعذرة بين حياة أوبنهايمر الذي خضعت أفكاره وسخّر حياته ودراسته لاختبار نجاح مشروعه «ترينيتي» بهدف اكتشاف القنبلة التي ستنهي جميع الحروب! وحياة الموسيقار البولندي اليهودي (فلاديسلاف شبيلمان) في فيلم عازف البيانو (The Pianist) للمخرج (رومان بولانسكي) الذي دفعه غزو هتلر لبلاده للتعرض وعائلته إلى خطر الإبادة. لكن القدر يتدخل بلقطاته لإنقاذ الموسيقار من الوقوع في المحرقة أو التمرغ داخل سراديب الألمان وتعذيبهم لشعبه.
تميز الفيلم رغم جمالياته الفنية وأداء الممثلين الجميل بأنه فيلم كئيب وحزين ومرعب، كما لا يخلو من ضعف درامي على مستوى بناء الشخصية والحبكة. الفرق أن (أوبنهايمر) كان يتمتع باختيار الوجود بالقوة والفعل معا نسبة إلى أرسطو، وظل يسير نحو قدره دون اكتراث بالنهايات الفظيعة. لقد أظهر الفيلم عدة تشظيات في رأسه؛ من مَشاهد وأصوات اللهب والنيران، يأتي بعضها من الكتاب المقدس، لكن (فلاديسلاف) في أسوأ أحواله كان منقادا، ومدفوعا للسير إلى النهاية دفعا قسريا، وهذا حسب تقديري كان يهدف إلى إثارة حال التعاطف مع اليهود التي أرادها مخرج الفيلم.
على الرغم ما يقارب أعوام غزو النازيين لوارسو العاصمة منذ 1939م إلى انسحاب الجيش الألماني 1945م عاش الموسيقار «فلاديسلاف» زمنا مع إكراهات الرعب. كانت آلة الحرب غير التقليدية وغير المتكافئة تطحن بأسنانها الأخضر واليابس، لتتحول المدينة إلى كومة من الخراب، والحياة إلى ما يشبه العدم.
مَن شَاهد الفيلم وركز على معزوفات فريدرك شوبان Chopin الموزعة في فضاءات المَشاهد، يشعر معها بالمصير الأسود الذي تعيشه الشخصيات، ويستشف من ناحية ثقافية جعل الموسيقى مرتكزا ووظيفة للحوار بين الشعوب، وقد دلل الفيلم على ذلك بوضوح كبير في لقاء الموسيقار مع الضابط الألماني.
لقد استطاعت الموسيقى -التي شعرت أنها حية بشكل حقيقي- التغلغل في جوهر الروح، وهذا ما يدعوني إلى تسجيل إعجابي المتأخر بمقطوعات موسيقية عزفها شبيلمان للموسيقار فريدرك شوبان Chopin الذي عند سماعي لها كنت أظنها أعقد من موسيقى فاجنر.
(3)
لا تكتفي إحالات السطر في رواية الحمامة من إظهار رعب آخر عاشته شخصيات فيلم (السباحتان- 2022م) وهذه المرة ينقلنا فيلم المخرجة (سالي الحسيني) إلى عالم المهاجرين غير الشرعيين وجحيم دراما الأفلام الوثائقية، ليذكرنا بأحداث الربيع العربي عام 2011م، فالأحداث القاسية في الفيلم تجري في دمشق، وتضطر عائلة (مارديني) الهرب أو الهجرة -إن شئتم- من جحيم الحرب في دمشق إلى تركيا، فاليونان، ثم إلى البحث عن حياة آدمية في منافٍ أوروبية بألمانيا. إن أشكال التصفية البشرية التي نشاهدها في أفلام العصابات والمافيا تظهر معنا في هذا الفيلم أقرب إلى انتشار الجنون. تبدى ذلك الجنون الممزوج بالخوف والرعب في مشهدين بديعين وجدتهما الأكثر حرارة ولهَبا، الأول في منظر القارب المطاطي وهو في عمق البحر وقد تعطل تتقاذفه موجاته، فتقرر الأختان السباحتان (يسرا وسارة) النزول من القارب لتخفيف وزن الحمولة البشرية لإنقاذ الهاربين الآخرين، ويشدان جسديهما بحبل مشدود إلى القارب حتى تصلا إلى الشاطئ. والمشهد الثاني تمظهر في منظر سترات النجاة الملقاة فوق شاطئ الوصول لأعداد مهولة من الهاربين عاشوا الجنون من قبلهم. الجنون يتمدد مع أعداد المهاجرين غير الشرعيين، ومع البحث عن فرص للحياة في المنافي. إن مناظر المهاجرين وطالبي اللجوء ستظل مادة سخية للدراما والأدب. تطرح سينما الحقيقة أسئلتها وتثير قضاياها العالقة. هل يتعذر إدراك معنى الحياة في الوطن الأصلي؟ أيهما هي الحياة أصلا؟ ما المقدار الممكن لأن يحيا الإنسان دون وجود الموت أو الرعب السياسي الممنهج؟
يكتب محمد أشويكة في كتابه (التفكير في السينما، التفكير بالسينما) التالي: «إذا كان عمل المؤرخ يتأسس على الوعي التاريخي الذي يعد تطهيرا حقيقيا، يحرِر لاوعينا الجماعي، كما يحرر المحلل النفسي اللاوعي الفردي؛ فإن عمل السينمائي يرمي إلى إثارة العواطف والأحاسيس من خلال بثها عبر شخصيات فيلمية لا تخضع إلا لمنطق الأحداث في السينما، وليس لمنطق الوقائع في الحياة» فهل يمكن إطلاق رصاصة على التاريخ؟
آمنة الربيع باحثة أكاديمية متخصصة في مجال المسرح
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
يا مثقفو السودان وعقوله النيرة … اتحدوا
في الفؤاد ترعاه العناية ... من بين أيدينا يتسرّب وطنٌ عظيم
يا مثقفو السودان وعقوله النيرة ... اتحدوا
تعددت التعريفات لمفهوم المثقف، ربطه البعض بحصيلته من المعرفة وبموقفه من الصراع الحضاري، وشريحةٌ أخرى قرنته ببعد النظر، وعمق البصيرة، والخبرة الذاتية، والحياتية. وربطه آخرون بحصيلته من الشهادات والمؤهلات الأكاديمية. وعلى الرغم من أن الباحثين لم يتفقوا حتى الآن على تعريفٍ محدد له، إلا أنهم اتفقوا على أهمية دوره في تنمية المجتمع بصفته "مهندس النفس البشرية"، "ضمير الأمة وصوتها"؛ صاحب القدرات المدهشة في التعبير عن أحلامها وطموحاتها ومخاوفها وأفراحها وأتراحها، وصاحب رسالة ريادية في تنوير العقول وتحفيز الشعور ونقد وتصحيح الواقع المعوج من خلال سعيه لتحقيق عدالة مجتمعية بالتوعية والتنوير والنزول إلى الشارع العام صحبة الجماهير دون استعلاءٍ أو تكبر، يسعى معها لتحسين الحياة الاجتماعية، يعلم ويتعلم منها حتى يصل أعلى مراتبه حين يكتسب منها صفة "المثقف العضوي".
في زمن الرويبضات الطفابيع، والمغنواتية المطاليق، تراجع دور المفكر المثقف، وكل من أوتي قدرًا من العلم والمعرفة ولسان فصيح وقلب ينضح بالحق، الإنسان المثقف الذي ينثر الوعي والتنوير ويتقن نقد انحرافات الواقع؛ مما جعل العالم من حولنا يتساءل عن دور المثقف السوداني تجاه قضايا الوطن والشعب في هذا الزمن الكئيب الذي يعلو فيه ضجيج الجهلاء وترتفع فيه أسهم التافهين من اللايفاتية ومدعي الخبرات الاستراتيجية.
في عصر الانحطاط هذا، وصناعة وتسويق الجهل، وفي ظل الاستقطاب الحاد والاصطفاف، تشظّى المثقفون وتفرّق الكُتّاب والأدباء، كلٌّ منهم يمسك برأيه ويسير منفردًا. منهم من يقاتل ضد الاقتتال والحرب، ومنهم من انحاز وهو مطمئن لأحد طرفي الاقتتال. كما أن بينهم فئة آثرت الصمت، وانزوت تبحث عن طوق نجاة بعيدًا عن ويلات الحرب.
تتداول وسائل التواصل الاجتماعي قائمة من اثنين وأربعين إعلاميًا يشكلون قمة الهرم المهني الإعلامي السوداني، متهمين بالعمالة والخيانة، على رأسهم الأستاذ محمد لطيف، والأستاذة رشا عوض، والأستاذ فيصل محمد صالح، والدكتور مرتضى الغالي، والأستاذ محمد محمود راجي، والأستاذ عبد الرحمن الأمين. وعلى الرغم من اختلاف أطيافهم السياسية، إلا أن ما جمع بينهم هو موقفهم المبدئي الثابت ضد الحرب منذ انطلاق شرارتها الأولى. وهم لا ينادون فقط بـ"لا للحرب ... العسكر للثكنات، والجنجويد اتحلّ..."، بل يطالبون بعزم وصلابة بالعودة للمسار الديمقراطي والحكم المدني، ورفضهم القاطع لعودة الجماعات المتأسلمة للسلطة من جديد. ولمواقفهم تلك مورست ضدهم أشرس أنواع الإرهاب وهو الإرهاب الفكري.
هذه القلة الشجاعة من الإعلاميين وقفت بشراسة ضد الحرب، وظلت تنادي وتطالب بوقفها وترصد تجاوزات أطرافها، مما جعلها هدفًا مشروعًا لطرفي الاقتتال. وهم الأعلى صوتًا والأكثر نجاعة وشجاعة وسط عدد لا يُستهان به من سدنة منارة الوعي من مثقفين وأدباء وكُتّاب وفنانين، صدحت برأيها وقالت: "لا للحرب".
لكن هناك قلة من المثقفين، بعلل وحجج مختلفة، اختارت الانحياز لأحد طرفي الحرب، بعضهم عن قناعة والبعض تجارة، باعوا أقلامهم وانحازوا لأحد أطراف الصراع، وآخرون انحازوا عن خوف أو ابتزاز بعد تعرضهم لإرهاب وتهديدات الأجهزة الأمنية.
الذين باعوا أقلامهم ومواقفهم في سوق النخاسة، والذين استسلموا للخوف والإرهاب والابتزاز، ليسوا معنيين في هذا المقال بعد أن صنّفهم الشعب ضمن السفهاء والتافهين.
ما يهمنا هو توحيد وتنظيم أصحاب المواقف الوطنية النبيلة من المثقفين الذين يؤمنون بضرورة وقف الحرب واستهداف المدنيين، وتوصيل الإغاثة للمتضررين والعالقين بسبب الحرب، وعودة النازحين، ومحاسبة المنتهكين.
المثقفين من كُتّاب وأدباء وفنانين قرروا بإرادة حرة الانحياز لأحد طرفي الحرب لحجج وقناعات مختلفة. فمنهم من انحاز للجيش اعتقادًا منه بأنه بعد دحر قوات الدعم السريع، التي يعدها غزوًا خارجيًا وعنفًا بدويًا، وبعد استعادة بيوتهم التي انتُهكت، وشوارعهم التي اغتُصبت، ستكون معركتهم أسهل مع الإسلامويين وميليشياتهم. فقد سبق للشعب هزيمتهم ولا غضاضة في تكرار مشهد قطار عطبرة من جديد بعد أن يصطف الشعب في ثورته لبناء سودان جديد خالٍ من الفساد والاستبداد شعاره: "عندك خُت، ما عندك شِيل".
وهناك مجموعة أخرى قررت الانحياز لقوات الدعم السريع ظنًا منها أنها القوة الوحيدة المؤهلة لهزيمة الإسلامويين وميليشياتهم عسكريًا، بل والقضاء عليهم؛ حيث لا مستقبل لهم في سودان ما بعد الحرب في ظل وجود هذا الوباء المدعو بالإخوان المسلمين. ولأن في مفهومهم السفسطائي المثالي (ما في مليشيا بتحكم دولة)، ستقوم قوات الدعم السريع بتسليم السلطة للمدنيين لإقامة الدولة الديمقراطية التي يحلمون بها.
لكن الحقيقة أن كلا الطرفين جانبهما الصواب؛ حيث أسسا قناعاتهما على أمانيّهما ورغباتهما، أي اتبعا تفكيراً رغبوّياً (Wishful Thinking) لا يستند إلى العقلانية ولا الواقعية، وكلاهما ينطبق عليه حال المستجير من الرمضاء بالنار. فلا الدعم السريع سيقضي على التيار الإسلاموي، ولا الجيش سيقضي على الجنجويد. وهناك عدة عوامل داخلية وخارجية تؤكد ذلك، وكل المؤشرات تقول بأن دائرة الحرب آخذة في الاتساع، وكرة النار ستظل تضطرم في ازدياد طالما الوقود متوفر، والأهداف لا زالت قيد التحقيق، سواء أهداف القوى المتصارعة أو القوى الإقليمية المتداخلة والمشاركة في الحرب أو الدولية المتعاطفة.
هذه الفئة من المثقفين ظلت تصارع وتناضل لنشر الوعي ودق ناقوس الخطر على المستقبل، وتقول إن هذه الحرب العبثية مهما طال أوارها فلن تُحسم بالبندقية، بل بطاولة المفاوضات، وأن المحاسبة على الانتهاكات، أو الدعوة لانعقاد "لجان الحقيقة والمصالحة" أسوة بما جرى في رواندا وجنوب أفريقيا، لن يتم إلا في ظل سودان مدني ديمقراطي. لا بد من جيش مهني واحد يوحد كافة القوات والحركات والمليشيات المسلحة مهما كان دورها أو موقفها في هذه الحرب. يجب أيضاً النظر للصراع الإقليمي حول الموارد بعين الاعتبار لدوره في إشعال واستمرار الحرب، ولما يمكن أن يسهم به في استقرار السلام وإعادة التعمير.
هذه القلة من المثقفين التي تغزل بفكرها حبال لإنقاذ الوطن، للأسف، مستهدفة من الطرفين المتحاربين وأجهزتهما القمعية في الداخل والإعلامية في الخارج.
ومن هنا جاء نداء المثقف العضوي الدكتور حسن الجزولي، حيث دعا في بيانٍ له يستنكر فيه مذبحة شباب لجان الخدمات بالحلفايا إلى التكاتف والتحالف والتوقيع على بيان يدين الانتهاكات من طرفي الصراع. وأقتبس من بيانه: "ندعو لإصدار بيان استنكاري بتوقيع المثقفين الوطنيين - كُتّابًا وشعراء وأدباء وتشكيليين وصحفيين ومسرحيين وموسيقيين وفنانين - شجبًا للمجزرة ومطالبة الجهات العدلية الدولية بالعمل من أجل حماية السودانيين من بطش مصاصي الدماء في البلاد."
وانطلاقًا من بيان الدكتور حسن الجزولي وعطفاً على حالة الوطن الجريح، أقترح تشكيل جبهة عريضة من المثقفين الوطنيين - كُتّاباَ وشعراء وأدباء وتشكيليين وصحفيين ومسرحيين وموسيقيين وفنانين - الذين يمثلون فئة مستهدفة في هذه الحرب لتشكيل جبهة متحدة ضدها.
أما طرفا القتال ومن يدعمهم، فقد يتصالحون عاجلاً أم آجلاً. حتى الأحزاب التي تقف الآن ضد الحرب قد تساوم وتقبل بالمشاركة والمصالحة واقتسام المكاسب، باستثنائكم أنتم ... وربما لهذا السبب أنتم غير مرغوب فيكم. فلا عجب أن الأطراف كافة تستهدفكم ما دمتم غير مروضين، غير خانعين، ما دمتم أحراراً متمسكين بأهداف ثورة ديسمبر المجيدة. فأنتم مستهدفون من الأطراف المتصارعة ومن داعميهم في الداخل والخارج. لن يستقر لهم بال إلا بإقصائكم عن المشهد، سواء بالقتل أو التهجير، كما حدث حين استولت الجبهة القومية الإسلامية على السلطة في عام 1989. كان هدفهم الأول هو تجريف البلاد من أمثالكم، والعالم المتواطئ فتح أزرعه غير مصدق ليتلقاكم كأعظم هدية تمثلها هجرة جماعية للعقول المستنيرة.
لذا، أتمنى صادقًا أن نتوحّد في جبهة عريضة، نواتها قائمة الشرف الإعلامي التي تضم الاثني والأربعين الذين تم تخوينهم. لنقف سداً منيعاً ضد عودة دولة الفساد والاستبداد، ولنرفع عالياً راية ثورة ديسمبر المجيدة. ولنهتف معا حتى يصل صوتنا لكل العالم ((... العسكر للثكنات والجنجويد ينحل ... ومدنياااااااااا.))
عاطف عبدالله
23/11/2024
atifgassim@gmail.com